رغم تحذيرات الأرصاد الجوية إلا أنه لم يتم التعامل بالشكل المطلوب مع الأزمة.. والبرلمان يتوعد بمحاسبة المقصرين
غياب الخطط المستقبلية للتعامل مع الأمطار يفاقم الأوضاع.. والحكومة: تنفيذ شبكات صرف يتكلف مليارات الجنيهات
شلل تام في حركة المرور، وغرق شوارع كاملة، وتوقف الحياة لساعات، هذا أبرز ما شهدته محافظة القاهرة الثلاثاء الماضي، إثر هطول أمطار كثيفة على عدد من المناطق بالعاصمة بالإضافة إلى محافظات أخرى، حتى إن بعض المواطنين لم يصلوا إلى مقاصدهم إلا بعد ساعات طويلة.
وعلى الرغم من تكرار الأزمة، التي حدثت في القاهرة الجديدة العام الماضي، فضلًا عن غرق عدة قرى بمحافظة البحيرة قبل نحو 3 أعوام في مشهد بدا أنه يعاد كل عام مع اختلاف المكان، إلا أن عجز الحكومة عن وجود حل يحول دون غرق الشوارع كان العامل المشترك في الحالات الثلاث.
في أزمة القاهرة الجديدة، التي وقعت قبل أقل من عام، عجزت شبكة الصرف عن تصريف مياه الأمطار، ما أدى إلى تجمع المياه بشكل كبير في شوارع وطرق المدينة.
كما أن أزمة الأمطار الأخيرة، جاءت بعد أيام من قيام خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، في 12 أكتوبر الجاري بمتابعة تجربة ميدانية بنفق فى شارع جوزيف تيتو، قامت بها شركة الصرف الصحي، للتأكد من سلامة بالوعات الأمطار، وقدرتها على تصريف المياه، في إطار استعدادات المحافظة للتعامل مع الأمطار المتوقعة.
غرق القاهرة
يوم الثلاثاء غطت المياه الأرصفة، كما أخفت الطرق، وغمرت السيارات، ما أدى إلى لجوء المواطنين إلى وسائل غير تقليدية في محاولة للتنقل من رصيف إلى آخر، أو للفكاك من محاصرة المياه، وعلى الرغم من توقع هطول الأمطار، إلا أن الحكومة عجزت عن مواجهة الأزمة.
محافظ القاهرة أعلن أن مناطق مصر الجديدة ومدينة نصر، تعرضت إلى سيول على مدار 90 دقيقة، حيث نزلت كمية من الأمطار تقدر بنحو 650 ألف متر مكعب مياه.
وعلى الرغم من تأكيده، استعداد شركات الصرف الصحي لسقوط الأمطار على القاهرة، عن طريق تطهير وتسليك مصارفها، وتجهيز المعدات الخاصة بشفط المياه، إلا أن محافظ القاهرة أكد أن كمية المياه التي سقطت لم تستطع شبكات الصرف استيعابها، مضيفًا أن التكدس المروري، أدى إلى التأخر في شفط جميع المياه.
وفي أزمة القاهرة الجديدة التي وقعت في فبرار الماضي، كان السبب في الأزمة سقوط الأمطار بكثافة أكبر من طاقة محطات الرفع، الأمر الذي تسبب في ارتفاع منسوب المياه بعدد منها وارتدادها مرة أخرى، حيث تراكمت المياه بشكل كبير، إلى أن وصلت إلى محطة محولات كهرباء الحي الرابع بالقاهرة الجديدة فانقطع التيار وتوقفت معه بعض محطات الرفع لعدة ساعات، ما أدى إلى تأثر نظام الصرف.
اعتراف الحكومة
بدورها لم تنف الحكومة الفشل في مواجهة الأزمة، حيث أرجعت السبب إلى عدم امتلاك مصر شبكة تصريف أمطار، مشيرة إلى أن القاهرة تم تخطيطها دون وجود هذه الشبكة.
وقال مجلس الوزراء، خلال اجتماع لاستعرض أهم الإجراءات التي تم اتخاذها للتعامل مع التداعيات الناجمة عن حالة الطقس والأحوال الجوية التي شهدتها البلاد الثلاثاء، إن إنشاء شبكة صرف أمطار منفصلة تكلف الدولة مليارات وهو ما لا تسمح به إمكانيات الدولة.
وأضاف أن القاهرة من المدن القديمة ومخططة بدون شبكات صرف أمطار منفصلة، لأننا من البلاد الجافة وتكلفة الإنشاء بالمليارات، كما لا توجد شبكة تصريف أمطار في المدن المصرية المختلفة حيث أن المدن القائمة تم تخطيطها بدون هذه الشبكة”.
وأشار إلى أن شبكة الصرف لا توجد بمعظم الدول لأنها تكلف مبالغ باهظة، ومعظم الدول لا تتعرض لمثل هذه الظروف الجوية الصعبة إلا لفترات نادرة كل عام أو اثنين لا تنفذها.
يأتي هذا في حين تعرضت مدن جديدة لأزمة مشابهة، ولم يختلف الحال كثيرًا، مثلما حدث في القاهرة الجديدة.
سقوط ضحايا بالمحافظات
الأمطار الغزيرة التي هطلت بعدة محافظات، تسببت فى مصرع 7 أشخاص، مابين صعق بالكهرباء، أو سقوط من أعلى، أو جرف بالمياه، وكان من بين الضحايا أطفال.
سقوط الضحايا يكشف عن مشكلة أخرى تعاني منها المحافظات المصرية، يدفع ثمنها الأطفال غالبًا، وهي أعمدة الإنارة التي تودي بحياة عدد منهم سنويًا.
في محافظة الغربية لقي طفلٌ عمره 3 سنوات مصرعه بقرية سملا، التابعة لمركز قطور، صعقًا بالكهرباء، بسبب ملامسته عمود كهرباء بشوارع القرية.
ولذات السبب توفيت طفلة عمرها 9 سنوات، بعد لمس عمود إنارة بمركز العاشر من رمضان بالشرقية، قبل أن يلحق بهما أب وابنته، بعدما جرفتهما السيول بمركز الحسنة، في محافظة شمال سيناء.
في حين لقي سائق مصرعه بمدينة المحلة الكبرى، أثناء محاولته التخلص من مياه الأمطار التي تراكمت أعلى سطح منزله فانجرفت قدماه وسقط في الشارع.
كذلك توفيت سيدة، إثر سقوطها من أعلى سطح منزلها أثناء إزاحة مياه الأمطار بمدينة زفتى بمحافظة الغربية.
تحذيرات مسبقة
من جانبها، أكدت هيئة الأرصاد الجوية على لسان متحدثها الرسمي، الدكتور إبراهيم عطا، أنها سبقت وحذرت جميع الجهات المعنية في الدولة من الأمطار الغزيرة والسيول التي حدثت، كما طالبت الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من أثر هذه السيول، موضحًا أن سيول الغد ستكون أسوأ من اليوم.
عبد الحميد كمال، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، قال إن ما حدث يؤكد أنه لا توجد إدارة للأزمات وهذا مكمن الخطورة، خاصة أن الأمر يتكرر سنويًا وكذلك التحذيرات من جهات عدة، لكن دون استجابة أو اهتمام من الجهات المعنية.
وأضاف لـ«المصريون»، أن هيئة الأرصاد الجوية قامت بدورها حيث حذرت تلك الجهات، كما أن النواب حذروا أيضًا من هذا الأمر مرارًا وتكرارًا، مشيرًا إلى أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تلك التحذيرات ويتم تجاهلها أو الانتباه إليها.
وتابع: «العام الماضي حذرت أنا بنفسي وعدد من زملائي في المجلس من أهمية الاستعداد للسيول وهذا مثبت في وثائق البرلمان إلا أنه لم ينتبه أحد والمشكلة تتعاظم ولا تقدم الجهات المعنية بهذه المشكلة حلول أو خطط لمواجهتها ومنع تكرارها».
عضو لجنة الإدارة المحلية، لفت إلى أنه شاهد بنفسه ما حدث خلال الأعوام الماضية لطريق السخنة من غرق للسيارات الخاصة والعامة وكذلك الأضرار التي لحقت ببعض المصانع والمنتجعات وغيرها، فضلًا عن المدن والمناطق العمرانية الجديدة، مضيفًا أن السيول هددت البنية التحتية ولم يتم محاسبة أحد ولم يتم الاستفادة مما وقع.
وأوضح أن ما حدث يوم الثلاثاء يعتبر انعدامًا لإدارة الأزمات، إضافة إلى أنه دليل على عدم وجود تنسيق بين الأجهزة المختلفة، وليس هذا فحسب فهو يُعد إهدارًا لكميات مياه تقدر بملايين الملايين.
واستطرد: «كان من الأفضل والأجدر الاستفادة بكل هذه الكميات لا سيما أننا في حاجة ماسة لكل قطرة مياه، لكن الحكومة لا تهتم ولم تقم بأي دور ولم تهتم للتحذيرات التي صدرت من جهات ونواب ومؤسسات كثيرة».
وأشار إلى أن الأمطار الغزيرة أدت إلى شلل تام لحركة المرور وإتلاف لبعض الممتلكات العامة والخاصة وقطع لبعض الطرق وتدمير أجزاء من بعضها، مشيرًا إلى أنه تم المطالبة وزير التنمية المحلية ووزير النقل بالحضور للمجلس لتوضيح الأمر، خاصة أنهما المسؤولان عن ذلك.
عوار في الإدارة
أما، الدكتور أمجد عامر، خبير الإدارة المحلية واستشاري تطوير المناطق العشوائية، فقال إن الأمطار كشفت عوار إدارة المحافظين ورؤساء شركات المياه والصرف الصحي على مستوى الجمهورية، مضيفًا: «الأزمة تتكرر كل عام ولا يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهتها ومنع حدوثها».
وتابع لـ«المصريون»: «لابد من محاسبة رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي وكذلك المحليات عما حدث، حيث لم يتم الاستعداد للسيول ولم يتم تجريب المخرات وشبكات الصرف الصحي للتأكد من جاهزيتها وأنه لا مشكلة بها».
خبير الإدارة المحلية أشار إلى أن ما حدث يؤكد أن لا توجد استعدادات ولو بنسبة 1%، مردفًا: «لدينا مشكلة كبيرة خطوط الصرف الصحي بعضها متهالك وتم التحذير والمطالبة بتطويرها لكن الأمطار والسيول تؤكد أنه لم يتم تنفيذ أي شيء على أرض واقع والتصريحات التي صدرت من المسؤولين لا تعدو كونها شو إعلامي».
غياب المسئولين
من جانبه، أكد حسن بسيوني، عضو مجلس النواب، أن ما حدث يكشف عن الغياب التام للمسئولين، ولم يكن هناك أي استعداد للتعامل مع الأمطار، رغم إعلان هيئة الأرصاد الجوية في تحذيرات سابقة إمكانية سقوط أمطار.
وأضاف «بسيوني»، أن الأمطار تسببت في توقف حركة السير بشوارع القاهرة التي أصيبت بالشلل في أكثر من منطقة، رغم أن الأمطار لم تستمر وقتًا طويلًا، مستنكرًا تصريحات المسئولين بأنه يجرى التعامل مع الأزمة لمنع تكرارها، قائلًا: «إلى متى ستعمل الحكومة بسياسة رد الفعل، ولا تستعد بشكل كافٍ للتقلبات الجوية».
عضو مجلس النواب تساءل: «أين هي الاستعدادات لموسم الشتاء التي أعلنت عنها الوزارات المعنية ومحافظة القاهرة؟»، مطالبًا بسرعة محاسبة كل المسئولين المقصرين في التعامل مع الأزمة.
البرلمان يتوعد
وقالت مارجريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن ما حدث جاء نتيجة لعدم استعداد المسئولين وعدم الأخذ بتحذيرات هيئة الأرصاد الجوية بشأن السيول والأمطار، سيكلف الدولة الكثير من الأموال لإصلاح ما أفسدته هذه الأزمة.
وأضافت «عازر»، أن المجلس سيقوم بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ليتم محاسبة المقصرين ومن ساعدوا على تكرار الأزمة، التي أدت إلى تعطيل الحركة المرورية وتوقف السيارات لساعات طويلة.
وأشارت إلى أن عدم وجود أي استعدادات أو تجهيزات لتخطي الأزمة يحاسب عليه المحافظون في المقام الأول.