بعد 80 دقيقة من المفاوضات الشاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس توصل الجانبان إلى الاتفاق الذي أعلن مساء أمس الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
شبكة CNN الأمريكية كشفت في تقرير لها كواليس هذا الاجتماع الذي سبقته ساعات من الترتيبات للوصول إلى حل بين بنس ومسؤولين أتراك.
وبحسب الشبكة الأمريكية حين وقف نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو يصافحان بعضهما على مدرج الإقلاع في قاعدة أندروز الجوية الأمريكية، أول أمس الأربعاء، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قبل الصعود على متن طائرتين مختلفتين، كانت الأجواء داخل البيت الأبيض كئيبة.
إذ كان كبيرا معاوني الرئيس دونالد ترامب عازمين على التوسط لدى تركيا للوصول إلى وقف لإطلاق النيران، الذي قال ترامب قبل ساعات على هذه الرحلة إنَّ مسؤولية التوصل لاتفاق مماثل لا تقع على عاتق الولايات المتحدة. وعلى مدار الأيام الماضية تلقى البيت الأبيض مكالمات غاضبة من مُشرِّعين جمهوريين وأعضاء من الحركة الإنجيلية بشأن قراره المباغت بسحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا، متهمين ترامب بالتخلي عن حليف أمريكي.
وقال عدة مسؤولين من الإدارة الأمريكية إنهم لا يعلقون آمالاً كبيرة على نتائج هذا الاجتماع، ولفت اثنان منهم إلى عدم فهمهما أسباب إيفاد مبعوثين أمريكيين إلى العاصمة التركية بالأساس.
ماذا حدث قبل الاجتماع؟
وبحسب الشبكة الأمريكية، لذا حين خرج نائب الرئيس الأمريكي، أمس الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، عقب 9 ساعات من اجتماعات ومفاوضات للإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، قوبل هذا الإعلان ببعض التشكك.
وخلال مؤتمر صحفي عُقِد في ساعة متأخرة من مساء الخميس في مقر السفير الأمريكي بأنقرة، قال بنس: «اتفقنا اليوم على وقف إطلاق النيران في سوريا»، بينما وقف بومبيو على يمينه
وأعلن نائب الرئيس ترامب وقف العمليات العسكرية لمدة 5 أيام، في الوقت الذي ستعمل فيه الولايات المتحدة على تسهيل انسحاب وحدات حماية الشعب بقيادة الأكراد من المناطق المتضررة ضمن «المنطقة الآمنة» التي تسيطر عليها القوات التركية. وقال بنس إنه حقق الهدف الذي أُرسِل لأجله وهو وقف العنف.
لكن مع انكشاف تفاصيل هذا الاتفاق، تثار أسئلة جديدة حول مدى الانتصار الذي حققته الولايات المتحدة في هذه المفاوضات. فعقب انعقاد مؤتمر بنس الصحفي بقليل، صرح وزير الخارجية التركي بأنَّ البلدين لم يتفقا على وقف إطلاق النار، بل هدنة مؤقتة. ولاحقاً، نفى مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية وجود التعارض، موضحاً بأنه مجرد اختلاف لفظي، زاعماً أنه لمجرد أنَّ الأتراك منزعجون من لفظ وقف إطلاق النار، فلا يعني هذا أنهم رفضوه.
الاتفاق
رفض آخرون التصديق أنَّ تركيا قدمت أية تعهدات حقيقية.
فمن جانبه، قال مسؤول أمريكي بارز، على دراية بالعمليات في سوريا، في تصريح لشبكة CNN الأمريكية: «هذا يعد في حقيقته مصادقة أمريكية على ما تفعله تركيا والسماح لها بضم جزء من سوريا لأراضيها وطرد الأكراد. هذا ما أرادته تركيا، وما أعطاه الرئيس الأمريكي الضوء الأخضر. لكن أعتقد أنَّ هناك سبباً واحداً دفع تركيا للموافقة (على الهدنة)؛ وهو أنَّ الأكراد قاوموا بشدة مما منعها من التقدم جنوباً. إذا لم نفرض عقوبات رداً على ذلك، فستكون تركيا حققت انتصاراً ضخماً».
وعقب فترة وجيزة من المؤتمر الصحفي، نشر الوزيران الأمريكيان ورقة بعنوان «بيان أمريكي-تركي مشترك بشأن شمال شرقي سوريا».
ولم يرد في البيان ذكر لكلمة «وقف إطلاق النار»، بالرغم مما قاله بنس، وكان في غالبه تفصيلاً لرغبات تركيا.
وكان مستشار ترامب للأمن القومي، روبرت أوبراين، قد سافر إلى أنقرة في اليوم السابق، يرافقه المبعوث الأمريكي إلى سوريا. وعَمِلَ الاثنان لمدة ساعتين على صياغة الاتفاق مع نظيريهما التركيين، وفي صباح اليوم التالي أجريا محادثة مع بنس وبومبيو لمراجعته. ووُضِعَت الصيغة النهائية لبنوده يوم الخميس.
لكن خيار فرض عقوبات إضافية كان مطروحاً على المائدة. فخلال الأيام الأخيرة، تعهد ترامب بتدمير اقتصاد تركيا إذا نفذت تحركات خاطئة، وفي خطاب وصفه بأنه «لاذع»، حذَّر ترامب رجب طيب أردوغان «لا تكن متصلباً أو أحمق»، الرسالة التي رد عليها الرئيس التركي بوضعها في سلة القمامة.
ولفت مسؤول أمريكي بارز إنه لم يؤت قط على ذكر هذه الرسالة التي روَّج لها الرئيس ترامب طوال مدة المفاوضات التي استغرقت 9 ساعات. وفي مقابل وقف إطلاق النار المؤقت، قال بنس إنَّ ترامب وافق على عدم فرض أية عقوبات إضافية على تركيا. إضافة إلى ذلك، وافق ترامب على سحب العقوبات التي فرضها الأسبوع الماضي على تركيا، بمجرد بدء سريان وقف إطلاق النار المؤقت.
ووفقاً لأحد كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، تُشكّل مدة سريان الهدنة المؤقتة نقطة حاسمة أخرى في المفاوضات. إذ قضى بنس وأردوغان وقتاً لا يستهان به في التفاوض حول عدد الأيام التي ستستمر خلالها الهدنة. وفي النهاية، اتفقا على 120 ساعة، وهي المدة التي اعتبرها الجانب الأمريكي واقعية للسماح للمقاتلين الأكراد خلالها بمغادرة المنطقة وتجنب التعرض للهجوم.
وظل المسؤولون الأمريكيون على اتصال بأعضاء وحدات حماية الشعب خلال مفاوضات الخميس، واستفسروا عن التفاصيل اللوجستية؛ مثل: المكان الذي يمكن أن تنسحب منه الوحدات، وطالبوهم كذلك بوقف استخدام المدفعية بعيدة المدى ضد تركيا.
وجهاً لوجه
كان من المفترض أن يستمر اللقاء الأول بين أردوغان وبنس، الذي عُقِد في مقر الرئيس التركي، لمدة 10 دقائق فقط. وقبل الاجتماع، كان بنس في حالة مزاجية مهيبة، وقال أحد المساعدين: «هو يتفهم جسامة الموقف».
وانضم لكل طرف منهما مترجم، لكن بدلاً من إحضار أي من المترجمين المتعددين الذين قطعوا مسافة 7000 ميل وصولاً لتركيا، استعان بنس بالمبعوث الأمريكي الخاص لسوريا جيم جيفري. وعادةً ما يبرز جيفري، السفير السابق الفج لدى تركيا، في أي مكان بسبب طول قامته. وقال مسؤول إنَّ بنس اختاره بدلاً من الاستعانة بمترجم لأنَّ أردوغان أحضر مستشاره للأمن القومي الذي يجيد اللغة الإنجليزية.
وتجاوز الاجتماع مدة الدقائق العشر المحددة له إلى 80 دقيقة، حاول خلالها بنس إقناع المسؤولين الأتراك بالموافقة على وقف إطلاق النار. ولاحت لنائب الرئيس لحظة حاسمة، وفقاً لأحد المسؤولين الأمريكيين البارزين، حين سأل الرئيس التركي خلال المحادثات كم سيستمر إجلاء وحدات الشعب الكردية من شمال شرقي سوريا. وهو ما اعتبره بنس انفتاحاً على فكرة وقف إطلاق النيران.
ولم يكن هناك انفتاحٌ على كشف التفاصيل للصحافة. ففي البداية، أُبقي المراسلون المسافرون مع بنس وبومبيو خارج أبواب المجمع الرئاسي. ثم نُقلوا إلى قاعة مناسبات داخل القصر مغطاة بالسجاد الأخضر؛ حيث شربوا القهوة والشاي بينما استمر لقاء الوفدين لساعات.
ثم في عجلة جنونية، دُفِع بالصحفيين إلى داخل مصعد وصولاً إلى الطابق العلوي، حيث أُرشِدوا عبر ممر رخامي إلى غرفة كبيرة يجلس فيها بنس وأردوغان وبقية أفراد الوفدين حول طاولة خشبية. ولم يُجِب أيٌ من المسؤولين على أسئلة الصحفيين المطروحة خلال نصف دقيقة سُمِح لهم بقضائها في الغرفة.
وخلف الأبواب المغلقة مرة أخرى، وفي لحظة ما خلال الاجتماع الثاني بين الوفدين، توقف بنس في منتصف الحديث. إذ ذكر مسؤول تركي لتوه عدد مواطنيهم الذين قضوا أثناء القتال. وفي ما وُصِف بأنه لحظة تعاطف، طلب بنس من المساعد التوقف، مشيراً إلى أنَّ هناك محاربين قدامى بين أعضاء الجانب الأمريكي من طاولة المفاوضات. ولفت كذلك إلى أنَّ ابنه مايكل بنس يخدم في القوات المسلحة، قبل أن يعرب عن تعازيه لأسر الأتراك الذين سقطوا ضحايا.
ومن غير الواضح ما إذا كان أيٌ من الجانبين تطرق للضحايا الأكراد.
جمهوريون غاضبون؟
بعض أشد الانتقادات لقرار ترامب سحب القوات الأمريكية من شمالي سوريا صدرت من أقرب حلفائه. فمن جانبه، اتهم السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام، الرئيس باتخاذ مجازفة خطيرة تهدد الأمن القومي، وقال إن ترامب سيلطخ يديه بالدماء إذا صعد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» مرة أخرى، وهي الاتهامات التي تجاهلها ترامب لاحقاً حين أخبر شريكه في لعبة الغولف بـ»التركيز على القضاء».
وبعد أن خرج بنس عقب قضاء النهار في اجتماعات؛ ليعلن وقف إطلاق النار، أعرب غراهام في اقتضاب عن تفاؤله، لكنه قال إنه لا يزال لا يعرف التفاصيل. وأضاف السيناتور الجمهوري أنه يتوقع الاستمرار في العثور على داعمين لمشروع قانون العقوبات على تركيا الذي قدمه في وقت سابق من ذلك اليوم على أمل الحفاظ على الضغط على الأتراك إلى أن يُبرَم اتفاق نهائي. وقال إنَّ ترامب دعاه للتخطيط لمباراة غولف.
ي حين أعرب جمهوريون آخرون، الذين كانوا أسرع في توجيه الانتقادات لترامب، عن تشككهم في الاتفاق.
إذ قال السيناتور الجمهوري من ولاية يوتاه، ميت رومني، «أتمنى أن يُحترَم الاتفاق، ومع ذلك يأتي في قلب هذه المسألة، سؤال محوري حول أسباب عدم التفاوض على هذه الشروط والضمانات قبل موافقة الرئيس على سحب قواتنا».
وخلال رحلة العودة إلى واشنطن، هاتف بنس العديد من المُشرِّعين الجمهوريين والديمقراطيين ليطمئنهم على سير المحادثات. وقال أحد المسؤولين إنَّه سيتحدث على الأرجح رؤساء اللجان ذات الصلة التابعة للكونغرس.