في بلادي أنّه يملك كُل الحقوق.. وأنّ الأنثى متاعًا من متاعه الذي يملكه.. يعتقد أنّه إذا تزوج امرأة تُصبح جارية، له أنْ يَستعبدها أنّى شاء وكيف شاء.. إذا ولدت له أنثى يحق لها أنْ يحرمها متاع الحياة بحجة الحفاظ عليها.. إذا كان له أخت يضع لها حدودا تُناسبه.. يقف لها لكل شاردة وواردة.. فالأنثى في مجتمعنا لا حق لها في التّعبير عن رأيها أو اختيارها أو إرثها.. إذا قررت أنْ تُطالب بحقها في الإرث قالوا لا تستحِ.. إذا أرادت أنْ تعبر عن اختيارها لشريك حياتها قالوا وقاحة.. إذا عبرت عن رأيها قالوا قلة أدب.. الأنثى في مجتمع تندرج تحت مُسمى «العيب» هذا على أقل تقدير.
فإذا أخذت حقها رغما عن المجتمع، قد يتم الاعتاء عليها، ليصبح العنف الأسري أحد أعمدة البيت العربي التقليدي الذي نشأ علي عادات وتقاليد مجتمعه بعيدًا عن الدّين.. الدين الذي منح المرأة حقوقا سلبت منها بحجة العادات والتقاليد.. سلبت حياتها بحجة الشّرف.. سلبت رأيها بحجة الأدب.. سلبت حقها في التعليم بحجة نهايتك الزواج والمطبخ.
المرأة مجرد كائن يعيش بناء على رغبة الذكور في عائلتها ومجتمعها، ولم يقف العنف ضد المرأة عند الحقوق المسلوبة بل تعداه لتصبح سلعة بيد الرجل، وشركات الإنتاج.. وشاشات العرض والإعلان والدعاية.. لتصبح سلعة.. فتعرض جسدها مقابل حفنة نقود.
المرأة لم تكن حُرة ما دامت بعيدة عن الدّين.. أو تعيش في مجتمع لا يعرف الله.. ولم تجد أحدا أعطاها حقوقها كاملة كما فعل الإسلام.. ولا تتجلّى حُريتها إلا تحت مظلة الإسلام.. لذا نجد الكثيرات ممن تاهت بهن الطّرق اخترن الإسلام ليصبحن سيدات أنفسهن.. هذا الدين العظيم الذي حارب العادات والتقاليد الجاهلية التي كانت تُقلل من قيمة الأنثى بدءًا من الوئد وحتى سلبها أصغر حقوقها.
فها نحن نرى تسليط القرأن الضوء على انتقاص المجتمع الجاهلي حق الأنثى في الحياة ، بقول الله «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ».. دفاع القرآن عن الأنثى ليس مجرد دفاع وإنّما دفاع استنكاري.. يحمل في طياته التّحريم لهذا الفعل.. لهذه الأمانة التي وضعها الله في أعناق الرّجال.. كيف تقتلون كائنًا منحه الله حق الحياة؟ واصفًا حال الذكر في الجاهلية حين كان يُبشر بالأنثى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) ، فكان هذا الخطاب لأهل الجاهلية، غير أنّه ينطبق علينا اليوم ونحن الذين يُكتب في بطاقتنا الشخصية في خانة الديانة الإسلام.. ينطبق علينا لأننا حين فاضلنا بين الدين والعادات اخترنا العادات والتقاليد.. لم ننزل عن قواعد ديننا.. لم نُطبق أوامر ربنا.. بل تحايلنا عليها.. لأنّها أعطت هذا الكائن الذي نعتبره أحد متاعنا حقوقا كاملة.. أعطته كاينا خاصًا.. جعلته شطرا لنا وليس متاعا.. له حقوق وعليه واجبات مثلنا تماما – نحن الرّجال – ولم يتوقف ظلم الأنثى وسلبها حقوقها عند الذكور من مجتمعها فحسب.. بل تعداه لِتشارك النّساء بهذا الأمر.. فتجد الأم تُناصر ابنها ضد أخته.. والحماة تناصر ولدها ضد كنتها المرأة التي تناصر الرّجل ضد حقوق امرأة مثلها هي أيضا شريكة في الجريمة.. جريمة سلب الحقوق من جهة.. وجريمة الاعتداء على أوامر رب الكون من جهة أخرى.
كُل من يُعطل حقوق المرأة.. حقها في الحياة.. الحياة التي تريد.. حقها في الإرث.. حقها في التعليم والعمل.. حقها في اختيار شريك الحياة.. حقها في التّعبير عن رأيها.. حقها الذي منحها إياه خالقها.. فمن أنت حتى تُعطل حقوقًا منحها الله لكائن خلقه؟
أولئك الذين نصبوا أنفسهم مكان الله.. وأخذوا يحاكمون بحجة الأخلاق.. ويقتلون بحجة الشّرف من منحكم هذا الحق.
هل الشّرف في عالمنا العربي مرتبط فقط بالجسد؟ مرتبط بالمرأة؟ مرتبط بالحب؟
هل سمعتم عن قصة المرأة التي زنت وجاءت لرسول الله تعترف بالزناة فأعادها الرسول حتى لا يقيم عليها.. ولم يقيم عليها الحد إلا بعد إصرار المرأة على الاعتراف بالذنب؟!
هل قرأتم سورة النّور التي شددت على الشهود الأربعة؟ هل عرفتم أنّ يجب أنْ يكون هناك دولة مسلمة تقيم الحد؟ وأنّه ليس من حقك أنت كفرد أنْ تقيمه؟ ماذا تعرفون عن الحدود في الإسلام؟ هل تعرف أنّ الحد الذي يقام على الأنثى يُقام أيضًا على الرجل؟ هل تدري عزيزي الرّجل أنّك تُشارك في الجريمة؟ والشرف الذي تقتلون باسمه.. أنتم أيضا مدانون تحت مُسماه.. فأنت صنو المرأة.. فإذا أتت بفاحشة مبينة فأنت شريكها.. وإذا أقيم حد عليها فأنت أيضًا شريك ويجب أن يقام عليك الحد كما أقيم عليها.
الشرف في بلادنا مرتبط فقط بالجسد.. مرتبط به.. لأنّنا مجتمعنا اكتظ بالذّكور على حساب الرجال.. ولم يعد في الأمّة من المهام الجسام التي يُنظر إليها.. فاقتصر النظر على الجسد.
أتدري عزيزي الرجل.. أو صاحب جرائم الشرف.. أنّه ليس من الشّرف أنْ ترفع يدك على أنثى أنت قوام عليها، وأنّه ليس من الشّرف أن تسرق حقوق أنثى أنت وكيلها في الإرث.. وأنّه ليس من الشّرف أنْ تقتاد امرأة لا تحبك رغما عنها لبيتك.
وأنّه ليس من الشّرف.. أنْ تقتل بحجة الشّرف!
- فالقتل جريمة توجب القتل.. لأنّ الشرف إنْ لم يكن في العقل والقلب.. لا يمكن أنْ يكون في الجسد!