نجحت شركة إيرانية تندرج تحت إطار إمبراطورية «الحرس الثوري الإيراني الاقتصادية» في كسب عقد تشغيل مشغل ثالث للهاتف الجوال في سوريا، فضلاً عن استحواذها على حصص من شركتي «سيريتل» و«إم تي إن»، المملوكة لرامي مخلوف رجل الأعمال وابن خالة الرئيس السوري بشار الأسد.
يتزامن ذلك الاختراق الإيراني لقطاع الاتصالات مع تجريد مخلوف، الرجل الذي كان مسيطرًا على كافة القطاعات الاقتصادية، وسط تفسيرات متباينة لهذا التجريد الذي رافقه قرار بتحديد إقامته ومنعه من السفر و وعدد من رجال أعمال موالين له.
يحاول التقرير التالي التعرف على أسباب الانقلاب الذي قاده الأسد ضد رامي مخلوف، وإذا كان الحرس سينجح بعد سيطرة شركة تابعة له على شركة مخلوف في سوق الاتصالات في التمدد بطافة القطاعات الاستثمارية الأخرى.
لماذا انقلب الأسد على صهره؟
على مدار سنوات، توسعت أدوار واستثمارات رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، حتى أصبح مُسيطرًا على 60% من الاقتصاد السوري قبل انتفاضة عام 2011، إلى جانب عشرات من رجال الأعمال الموالين له في سوريا خلال سنوات الحرب الأخيرة.
وقد أصبح مخلوف وأعوانه الجهة الوحيدة للاستثمار، والحاضنة الأهم لامتيازات النظام الاقتصادية من حصص ومشاريع أو حتى دعم ميلشيات بفضل ولائهم السياسي وأدوارهم الأخرى في دعم النظام السوري؛ لتتضخم ثرواتهم بفضل «الأنشطة غير المشروعة» في اقتصاد الحرب.
وظهرت هذه الأدوار التي تجاوزت قضية الدعم المالي أو السياسي للنظام؛ بعدما عمل الرجل على استقطاب رموز مالية موالية له وتقديمهم للأسد من أجل تأسيس شركات استثمارية، تعمل بالنيابة عن النظام السوري؛ واستخدامهم كواجهة لتعاملات السلطة، ووسيط تجاري لاستيراد كُل المستلزمات الغذائية، ومواد البناء، خصوصًا في ظل الصعوبات التي تواجه أي تعاقدات مالية يكون طرفها النظام السوري أو مخلوف على خلفية تجميد حسابات مسئوليه وفرض عقوبات بحقهم.
كان من بين هؤلاء الذي قدمهم مخلوف للأسد محمد عبّاس، وهو رجل أعمال من أقارب رامي مخلوف، وأحد شركائه في شركة «الشرق الأوسط للقانون»، وكذلك سامر درويش، وهو أحد كبار رجال المال، ومُقرب لمخلوف، وهو ابن اللواء المتقاعد أحمد درويش، الذي يعمل مستشارًا للشؤون الأمنية في القصر الرئاسي.
غير أن أدوار مخلوف وأعوانه هذه لم تستمر طويلاً، وأطيح بهم جميعًا من جانب الأسد. كانت العلامة الأولى للإطاحة بمخلوف هو تسريب خبر احتجازه هو وعدد من رجال أعمال مؤيدين له من جانب قوات الأسد، قبل أن يُتبع هذا القرار بسلسلة إجراءات عقابية تجاه شركاته وشركات رجال أعمال موالين له، تضمنت حصته في «سيريتل» أكبر مزود للهاتف النقال في البلاد و«السوق الحرة» العاملة في البوابات الحدودية لسوريا.
وامتد تجريد رامي مخلوف من كافة الصلاحيات عبر إجراء أخير بعد الحجز على ممتلكاته ووضعه تحت الإقامة الجبرية، شمل إنهاء وحل الجناح العسكري لـ«جمعية البستان» المملوكة لمخلوف، والتي عملت على تجنييد شباب برواتب جيدة، بهدف المُشاركة مع قوات الأسد. وقد امتدت هذه الإجراءات لرجال المال من أعوان مخلوف، شاملة التحقيق مع 29 شخصًا منهم، فضلاً عن الاستيلاء على شركات وأموال تابعة لهم، ووضعهم قيد الإقامة الجبرية.
ولعل من أبرز هؤلاء أحمد درويش، التي داهمت دوريات تتبع لأمن القصر الجمهوري عدة مواقع تابعة له، مع إصدار مذكرة تمنعه من مغادرة سوريا، وتجميد أمواله في المصارف السورية، ومصادرة سيارات يملكها، وكذلك رجل الأعمال أيمن جابر، الذي دوهمت ممتلكاته وشركاته، وحجزت عليها جميعًا. وقد أسس جابر، في وقت سابق، عددًا من الميليشيات مثل «مغاوير البحر» و«صقور الصحراء» الخاصة. التي تقاتل إلى جانب قوات النظام.
تبع الإطاحة برامي مخلوف تفسيرات مُتباينة، وغموض يزيد من كواليس ما تم بحق مخلوف وأعوانه. كان التفسير الأكثر تداولاً نقلاً عن شخصيات قريبة من النظام هو رغبة الأسد ونظامه في تسديد أموال لروسيا وإيران نظير اشتراكها في الحرب السورية، فقد قدر مسؤولون مُطلعون ما طلبته موسكو من دمشق بنحو 3 مليارات دولار أموالًا نقدية.
وكان قرار الأسد تجاه تجريد رامي مخلوف من شركاته بعدما رفض الأخير منحه أموالًا، أو تسليم الأصول المالية لعائلته، متعللاً بعدم توفر السيولة الكاملة لهذا المبلغ، خصوصًا أن الأول كان على دراية بنقل مخلوف جزءًا كبيرًا من ثروته خارج البلاد، إلى جانب خفض استثماراته المالية في الداخل السوري.
ولعل هذا يتطابق مع ما كشفته وثائق بنما المُسربة أن شركة «موساك فونسيكا» كانت تدير ست شركات تابعة لرامي مخلوف في جزر «فيرجين البريطانية»، باعتبارها وسائل لإخفاء ثروته. ويرتبط بهذا السبب كذلك تحركات مخلوف الأخيرة المضادة لأعوان شقيق الأسد المالية على رأسهم سامر فواز، وهو الرجل شديد القرب من الأسد وشقيقه ماهر، ويُعد الواجهة الاقتصادية لاستثمارتهم، بحسب مصادر ووسائل إعلام.
وظهرت هذه التحركات بعدما شنّت صحيفة «الوطن» السورية، التي يملكها مخلوف، هجومًا على «بنك سوريا الدولي الإسلامي» حيث اتهمته بمنح تمويلات تقدر بحوالي 135 مليار ليرة سورية لجهة واحدة بما «يتجاوز سقف الإقراض». واتضح لاحقًا أن هذه «الجهة» هي شركات تتبع لرجل الأعمال سامر فوز.
من يرث إمبراطورية رامي مخلوف؟
مع بدء سريان قرارات النظام السوري في الحجز على ممتلكات وشركات رامي مخلوف وأعوانه من رجال المال؛ سعى الأسد لإحلال بعض المؤسسات الاقتصادية محل شركات مخلوف التي كانت تسيطر على قطاعات هامة وحيوية في الاقتصاد السوري. وتحولت المجموعة الاستثمارية المملوكة لمخلوف، في السنوات الأخيرة التي تمتد لفترة ما قبل الحرب، لصاحبة أكبر شبكة احتكارات داخل البلاد.
كان على رأس هذه القطاعات مجال الاتصالات، حيث كانت شركة «سيرتيل موبايل تيليكوم» المملوكة لرامي مخلوف تحتكر قطاع الاتصالات الخلوية مع شركة «إم تي إن»، المملوكة لرجال أعمال مقربين من النظام، حيث تقدمان خدمات باقات الإنترنت المحدودة عبر عقود شراكة مع الحكومة.
وبالتزامن مع إجراءات النظام العقابية بحق مخلوف، فقد منح النظام السوري شركة إيرانية يدعمها «الحرس الثوري الإيراني» حق إطلاق مشغل ثالث للهاتف الجوال في سوريا؛ فيما اعتبره الكثيرون أنها محاولة للدفع بالشركة الإيرانية لكي ترث إمبراطورية رامي مخلوف مع شركات أخرى.
والشركة الإيرانية التي تستعد للدخول قطاع الاتصالات السوري هي «إم سي آي» إحدى شركات «الحرس الثوري» والتي تندرج تحت مؤسسة «ستاد» التي تُقدر قيمة أصولها بنحو 95 مليار دولار، والتي يمتلكها آية الله خامئني. وتلك المؤسسة هي الذراع المالية التي تتبع مباشرة لـ«الحرس الثوري الإيراني»، التي تُدير اقتصاد القوة العسكرية الأكبر في طهران، والتي تتوزع بين حصص في بنوك كبرى ودار للسمسرة وشركة للتأمين ومحطات كهرباء وشركات للطاقة والبناء ومصفاة لتكرير النفط وشركة للأسمنت ومصنع للمشروبات الغازية.
وفي عام 2000، دخلت «ستاد» كل مجالات الاقتصاد تقريبًا عبر مئات الشركات التي تملكها بشكل مُباشر أو بشكل غير مباشر. وتأكد تبعية شركة الاتصالات للحرس من واقع تحقيق نشرته «رويترز» توصل إلى أن «ستاد» اشترت من خلال شركة تابعة لها حصة نسبتها 19 في المئة من شركة الاتصالات الإيرانية وهي كبرى شركات الاتصالات في البلاد مقابل ثلاثة مليارات دولار تقريبًا.
الوجه الآخر الأكثر احتمالًا لأن يرث إمبراطورية رامي مخلوف هو رجل الأعمال سامر فوز، المُقرب من روسيا، والذي كان ضالعًا رئيسيًّا في الإطاحة بمخلوف وشركاته، بعدما كسب الأخير ثقة بشار الأسد وشقيقه، رغم أنه من خارج العائلة الحاكمة.
وتحول فوز في غضون سنوات لأيقونة استثمارية داخل سوريا وخارجها بتسهيلات حكومية، وصلاحيات مفتوحة، وبدعم مباشر من الأسد. كما بات الواجهة المُفضلة البديلة للنظام في الاستحواذ على الكيانات المملوكة لرجال أعمال غير موالين للنظام، وهو ما ظهر في شرائه حصة الوليد بن طلال في فندق «الفورسيزونز» بالعاصمة السورية بمبلغ قُدر بنحو 115 مليون دولار.
ويُعزز ذلك نشوء خلافات وصراعات مكتومة في العام الأخير قبل أن تخرج للعلن مؤخرًا، في ضوء تململ رامي مخلوف من صعود فوز السريع حتى بات مُنافسًا رئيسيًا له على أبرز القطاعات الربحية؛ قبل أن ينجح في الإطاحة به من المشهد كاملاً مدعومًا من نظام الأسد.
في وقت سابق؛ بعدما تمكن من حيازة أصول وسندات ملكية لرجال أعمال سوريين عارضوا نظام الأسد مع انطلاق الثورة السورية، بعد تجميد النظام أملاكهم وعرضها في المزاد العلني، وكان فوز هو الوحيد القادر على حيازتها.
وما يُعزز من الدور المستقبلي لفوز تجاه شركات مخلوف هو نجاحه في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، في تأسيس شراكة مع النظام السوري عندما قامت شركته «أمان القابضة» وشركة «دمشق الشام» المملوكة للدولة بإنشاء شركة «أمان دمشق»، لتمتلك الأخيرة فيها غالبية الأسهم. وتملك شركة فوز أكثر من 12 شركة يستفيد منها فوز شخصيًا وتتيح له الاستثمار في مزيد من مشاريع إعادة الإعمار الفاخرة.
«الحرس الثوري» يتمدد اقتصاديًا في سوريا
انعكس توسع النفوذ الإيراني داخل سوريا، في السنوات الأخيرة، على استثمارات طهران في دمشق، وحصول عشرات الشركات التابعة لـ«الحرس الثوري»، وفقًا لتقارير وثقت صلتها بالحرس أو الحكومة الإيرانية، على عقود في قطاعات متنوعة بملايين الدولارات، فيما اعتبره البعض مقابلًا للدعم الإيراني العسكري للأسد ضد الجماعات والتنظيمات المُسلحة التي حاولت الإطاحة به.
وفي قطاع الكهرباء، نجحت كذلك شركة «مينا غروب» الإيرانية في توقيع اتفاقية مع نظام الأسد، لإعادة إنشاء خمس محطات لتوليد الطاقة الكهربائية في جزء من مدينة حلب مقابل 130 مليون يورو، وستستورد سورية من إيران وفق هذه المذكرة 540 ميغاوات من الكهرباء إلى محافظة اللاذقية. وبلغت القيمة المالية للعقود الموقعة مع إيران في العام 2016 مع وزارة الكهرباء السورية حوالي ترليون ليرة سورية (أكثر من 4.5 مليار دولار على سعر صرف 430 ليرة للدولار).
وامتد حضور الشركات المدعومة من «الحرس الثوري الإيراني» في سوريا لقطاع الكهرباء، بعدما وقع نظام الأسد مع شركة «مينا غروب» الإيرانية، في عام 2016، عقدًا لإعادة إنشاء خمس محطات توليد الطاقة الكهربائية في جزء من مدينة حلب مقابل 130 مليون يورو. وحسب المُذكرة، فإن سوريا ستستورد من إيران نحو 540 ميغاوات من الكهرباء إلى محافظة اللاذقية، بقيمة مالية للعقود بلغت حوالي ترليون ليرة سورية (أكثر من 4.5 مليار دولار على سعر صرف 430 ليرة للدولار) .
وابتداء من خريف 2019، نجحت شركة إيرانية مدعومة من «الحرس الثوري»، في استئجار ميناء اللاذقية؛ بعدما كانت «شركة سوريا القابضة» المتعاقدة مع شركة فرنسية هي المسئولة عن تشغيله قبل توقيع هذه الاتفاقية. كما نجحت شركة «خاتم الأنبياء» المعروفة أيضًا باسم «غرب»، والتي تقع ضمن إمبراطورية «الحرس الثوري» الاقتصادية، في الحصول على حق استئجار لمدة تتراوح بين 30 إلى 40 عامًا لمرفأ طرطوس مقابل تكفل الجانب الإيراني ببناء المرفأ.
وتككرر ذلك في قطاع السيارات أيضًا، بعدما أُسس مصنع للسيارات مملوك للحكومة الإيرانية قرب حمص، والمعروف بإسم «سايبا للسيارات»، الذي ينتج سيارات صغيرة ومنخفضة السعر.
وفي قطاع التعليم، استطاعت طهران في يناير (كانون الأول) 2018 تأسيس «جامعة آزاد الإسلامية» في جميع المدن السورية، لتكون بذلك ثالث جامعة بعد جامعتي «المصطفي» و«الفارابي» اللتين تتبعان للمؤسسة التعليمية في إيران بشكل مباشر.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين إيران وسوريا قد ارتفع من 280 مليون دولار عام 2010 إلى 869 مليون دولار عام 2014 ليصل إلى مليار دولار عام 2015 بحسب الملحق التجاري بالسفارة الإيرانية عام 2015 .