فتحت الاحتجاجات النادرة وغير العادية، ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وسط القاهرة والعديد من المدن المصرية، مساء يوم أمس الجمعة 20 سبتمبر 2019، البابَ أمام تساؤلات عدة، عن مدى تأثير ما حصل على النظام المصري، وعن السيناريوهات التي ستحصل لاحقاً التي تنتظرها البلاد، إذ تعد التظاهرات التي اندلعت بعد دعوات إلكترونية قادها المقاول والفنان محمد علي، أكبر احتجاجات شعبية مناهضة للرئيس السيسي، وأوسعها انتشاراً منذ توقف الفعاليات الكبرى الرافضة في بداية حكم السيسي منذ نحو 6 سنوات.
وعقب اندلاع مظاهرات متفرقة وغير مركزية في القاهرة ومدن عدة، استمرَّت حتى وقت متأخر من ليلة السبت، ووقعت على إثرها اعتقالات عدة بحسب تقارير، جدَّد محمد علي دعوته لوزير الدفاع المصري الفريق محمد زكي، باعتقال السيسي والوقوف إلى جانب الشعب وحقن الدماء، وأضاف أنه لو لم يقم زكي باعتقال السيسي فإنه «سينزل إلى مصر يوم الجمعة المقبل»، دون توضيح خطته القادمة.
ماذا سيحدث؟ 3 سيناريوهات تنتظر المصريين
1- تنحية السيسي
لم يعد يخفى على الكثيرين أن هناك مؤشرات عدة تلمح إلى ضلوع «جهات سيادية» في الجيش، وربما في الأجهزة الأمنية أو بعض قياداتها في التخطيط لهذا المشهد، بدعم المقاول محمد علي في حملته على السيسي، ومما يدعم ذلك توقيت ظهور محمد علي، ورسائله السياسية لقادة الجيش، وتصعيده المنتظم والمدروس ضد السيسي، يضاف إليه سلوك الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين الغاضبين، والتي كانت أقل قمعاً وارتباكاً عن المعتاد، مما شجَّع المتظاهرين على التوافد على الشوارع والمطالبة بخلع السيسي.
وربما يكون المقصود من رسالة محمد علي الأولى بعد خروج المتظاهرين التي قال فيها تحديداً: «رسالتنا النهارده وصلت خلاص وتِسلموا على اللي عملتوه.. وجه دور إننا نستنى ونشوف الاستجابه لرسالتنا، وعندنا ثقة كبيرة في أبناء جيشنا المصري العظيم»- أن هناك جهات مناهضة للسيسي داخل النظام، كانت تنتظر هذا المشهد فقط لاستغلاله ضد السيسي لتبرير الإطاحة به، خصيصاً أنه بات من الواضح أن رسائل محمد علي تستهدف السيسي وعائلته بشكل حصري ومباشر، دون استهداف لمؤسسات، أو الانتقام من قيادات أخرى.
2- السيسي لن يستسلم بسهولة
بالنسبة لهذا السيناريو فمن المحتمل أيضاً أن السيسي سيصارع حتى النهاية، ولن يستسلم بسهولة لخصومه داخل النظام، الذين يدفعون في اتجاه رحيله، لكن ما سيكشف حقيقة ذلك هو حجم الولاء للسيسي داخل الأجهزة الأمنية والجيش، فإذا كان ولاؤها قوياً له فسيكون هذا السيناريو هو الأكثر «رعباً»، وربما يشهد صراعاً دموياً بين أجنحة السلطة المتصارعة، وقمعاً شديداً وغير مسبوق للمتظاهرين الغاضبين.
وحتى الآن، تبدو الأجهزة الداعمة للسيسي فعالة، إذ إن الخطاب الإعلامي سواء في الإعلام الخاص أو الرسمي لم يتغير، هناك قبضة أمنية مازالت تُمسك بزمام الأمور، سفر السيسي إلى نيويورك في مثل هذا التوقيت ينمّ عن ثقته بمساعديه، وأنه مازال مطمئناً إلى موازين القوى، لأن الاحتمال الآخر وهو أنه تم تضليله بالكامل من قبل مؤسساته يبدو مستبعداً.
3- الرجوع للمربع الأول
ربما تغري عودة «روح يناير» الناشطين والسياسيين للمشاركة في هذه التظاهرات، وإعطائها بعداً آخر غير ذلك الذي يريده الجناح المناهض للسيسي في السلطة، وهو المطالبة برحيل العسكر عن السلطة، وتسليمها للمدنيين، لكن هذا السيناريو سيكون من الصعب تحققه أيضاً في الظروف الحالية، لاسيما أن الثقل الشعبي للسياسيين والمعارضين شبه مختفٍ، في ظل حملات الاعتقالات والمطاردات التي طالت عشرات الآلاف منذ عام 2013 وحتى اليوم.
وحتى لو نجح مناهضو السيسي داخل أروقة الحكم في إزاحته هو وعائلته، فربما لن يسمحوا للقوى المدنية على اختلاف أطيافها بالإمساك بزمام الأمور، وستبقى الدولة تُدار من قبل المؤسسة العسكرية، ولكن بحدّة أقل من تلك التي انتهجها السيسي ضد الخصوم وحتى رموز «دولة مبارك» السابقة.
في النهاية، تبدو كل الخيارات مفتوحة، في ظل تصادف هذه الأحداث في مصر مع ظروف إقليمية ودولية متشابكة ومرتبكة، أهمها التصعيد في الخليج مع إيران، واحتمالية وقوع حرب هناك، ولذلك فإن العديد من اللاعبين الإقليميين منشغلون بقضاياهم الأخرى مثل السعودية والإمارات، وكذلك إسرائيل في انتخاباتها وصراعها الداخلي، وهذا سيفتح باب التساؤلات عن احتمالية تخلّي حلفاء السيسي الخليجيين وفي إسرائيل عنه، وتركه وحيداً في مواجهة هذه الموجة التي تريد الإطاحة به، التي ربما لن تتوقف عند مصر إذا نجحت.