معسكرات الاحتجاز للأجئين فى ليبيا كالمستجير من الرمضاء بالنار جحيم على أطراف المدن

كان كوسوفو مختبئاً في المرحاض، حين دمَّرت غارة جوية مميتة سقف القاعة التي كان مُحتجَزاً داخلها في مركز احتجاز اللاجئين بتاجوراء، في مدينة طرابلس الليبية، الأسبوع الماضي.

يقول الرجل السوداني العشريني، الذي طلب ذكر كُنية له فقط، من أجل سلامته الشخصية لصحيفة The Guardian البريطانية: «رأيتُ الجحيم بعيني، رأيتُ الأشياء التي رأيتُها خلال حرب دارفور».

تقول الأمم المتحدة، إنَّ 53 لاجئاً على الأقل، بينهم ستة أطفال، قُتِلوا في الثالث من يوليو/تموز الجاري، بعدما ضربت غاراتٌ جوية مركز الاحتجاز الذي كان يُحتَجَز به المئات. ويقول مُحتَجَزون، بينهم كوسوفو، إنَّ حصيلة الموتى أعلى من ذلك بكثير، وذلك استناداً إلى عدد الأشخاص الذين كانوا داخل القاعة وقت الاستهداف.

وأكَّد محتجزون آخرون في تاجوراء رواية كوسوفو. واطَّلعت صحيفة The Guardian البريطانية على سجلات كوسوفو الطبية، التي أظهرت أنَّه أُحضِر إلى المستشفى في الثالث من يوليو/تموز.

حاول كوسوفو اجتياز البحر المتوسط أربع مرات منذ عام 2017. وفي كل مرة كان يمسك خفر السواحل الليبي، المدعوم من الاتحاد الأوروبي من أجل اعتراض القوارب وإعادة الأشخاص على متنها إلى ليبيا.

رحلة السجون في مراكز الاحتجاز

وفي هذين العامين، سُجِن الشاب العشريني في ستة مراكز احتجاز مختلفة. منها مركز عين زارة جنوبي طرابلس، حيث عَلِقَ كوسوفو على خطوط القتال الأمامية، في أغسطس/آب الماضي، بعدما اندلع القتال، وجرى التخلِّي عن مئات المحتجزين.

قُتل أكثر من 30 شخصاً في قصف شنَّه طيران حربي تابع للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، استهدف مقراً لإيواء مهاجرين غير شرعيين بمنطقة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس

ومؤخراً، جُلِب كوسوفو إلى تاجوراء، بعدما أُلقي القبض عليه في شوارع طرابلس قبل أسبوعٍ من وقوع الغارات الجوية. ويقول إنَّ نصف الأشخاص في زنزانته جرى الإمساك بهم في البحر، والنصف الآخر في المدينة.

تُوضِّح قصته الدورة التي يَعلَق فيها الكثير من اللاجئين في ليبيا: الدفع للمُهرِّبين لاصطحابهم إلى البحر، ثُمَّ الإمساك بهم ووضعهم قيد الاحتجاز إلى أجلٍ غير مسمى، ثُمَّ دفع الرشا للخروج، ثُمَّ الهروب أو بيع الحرَّاس إيَّاهم للمتاجرين في البشر، ثُمَّ جمع المال ومحاولة الهجرة عبر البحر مجدداً. وتثير القصة أيضاً الأسئلة بشأن ما سيحدث للجزء الأكبر من الضعفاء منهم في حال أُغلِقَت مراكز الاحتجاز نهائياً، وهو ما تقول حكومة الوفاق الوطني القائمة في طرابلس الآن إنَّها تبحثه.

آلاف البشر قيد الاحتجاز

يوجد حالياً قرابة 6 آلاف شخص محتجزين في مراكز احتجاز «رسمية» في مختلف أنحاء ليبيا، يُديرها ظاهرياً جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ولو أنَّ كثيراً منها في الواقع خاضع لسيطرة الميليشيات. قال وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، الأسبوع الماضي، إنَّ كل اللاجئين والمهاجرين في مراكز الاحتجاج قد يُطلَق سراحهم من أجل سلامتهم الشخصية.

مهاجرون يخطفون سفينة شحن تجارية أنقذتهم قبالة ليبيا

ووثَّقت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان مجموعةً من الانتهاكات في الحجز، بما في ذلك العنف الجسدي والجنسي، والعمالة القسرية، والتجنيد من جانب الميليشيات، وترك المُحتَجَزين دون طعام أو ماء أو رعاية صحية، ومزاعم حول استخدام اللاجئين والمهاجرين «دروعاً بشرية» في الصراع الدائر منذ ثلاثة أشهر. لقي العشرات حتفَهم بسبب تلك الظروف، ولو أنَّه لا يوجد سجل رسمي لأعداد المتوفين. ويقول بعض المحتجزين السودانيين في تاجوراء إنَّهم موجودون هناك منذ عامين.

إطلاق سراحهم وحدَه ليس كافياً

يقول سام تيرنر، رئيس بعثة منظمة «أطباء بلا حدود» في ليبيا، إنَّ المنظمة الطبية الخيرية تدعو لإغلاق مراكز الاحتجاز منذ سنوات، لكنَّها لم ترَ أي خطواتٍ عملية حقيقية للمضي قدماً في ذلك.

ويضيف أنَّ فكرة إطلاق سراح اللاجئين والمهاجرين دون رعاية لاحقة يمكن أن تُمثِّل «تهديداً بالغاً» للاجئين والمهاجرين المحتجزين.

ويتابع: «فهم لن يخرجوا فقط دون أن يكون لديهم مال أو أغراض، بل سيظلون خائفين من الوضع الأوسع نطاقاً. إذ لا يوجد أمن، فهناك ميليشيات منتمية لكل المجموعات، وهذه مباعث قلق رئيسية لمجموعة من الأفراد، ضعيفة جداً، ومُستهدَفة للغاية».

ويقول تيرنر إنَّ اللاجئين والمهاجرين الذين قضوا سنواتٍ في ليبيا سيحتاجون إلى دعمٍ وفرصة لنقلهم إلى مكانٍ آمن.

وما لم تتوقف اعتراضات خفر السواحل الليبية للاجئين في البحر، يشك تيرنر كذلك في أن تنتهي عمليات الاحتجاز حقاً. ويعني إطلاق سراح الأشخاص الضعفاء في بيئةٍ صعبة كهذه أنَّهم سيواصلون البحث عن طريقٍ للهروب.

التناقض الأوروبي من اللاجئين

يقول تيرنر: «إنَّه في الحقيقة أكبر تناقض؛ فالاتحاد الأوروبي يقول إنَّه لا بد من إغلاق مراكز الاحتجاز، فيما يقول في الوقت نفسه إنَّ حرس السواحل الليبي لا بد أن يستمر في اعتراض اللاجئين وإعادتهم إلى ليبيا».

وووفقاً للأمم المتحدة، منذ بدأت الغارات الجوية في طرابلس في أبريل/نيسان الماضي، أعاد خفر السواحل أشخاصاً إلى ليبيا، يفوق عددهم تقريباً أربعة أضعاف الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم إلى بلدان آمنة.

فَقَدَ كوسوفو والديه أثناء الحرب في دارفور، وهو الأكبر من بين أخوين وثلاث شقيقات. وسافر إلى ليبيا على أمل الوصول إلى أوروبا، حيث أراد أن يجني المال اللازم لدعم أشقائه.

ويقول: «ما زال لديّ أمل ورغبة في المحاولة مجدداً ومجدداً حتى أنجح».

لا يزال كوسوفو يتألَّم من إصاباتٍ لحقته في ظهره ورقبته وكتفيه، حين سقط جدارٌ عليه نتيجة للغارة الجوية الأسبوع الماضي. ويضيف أنَّ اللاجئين باتوا «تجارةً» في ليبيا، ويشك في أنَّ السلطات ستغلق مراكز الاحتجاز.

فيقول: «لا راحة في ليبيا. هذه ليست إنسانية».  

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …