كشف لورينزو فيدينو، رئيس برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، لـ”صحيفة فالتر” النمساوية عن شبكة مصادر تمويل جماعة الإخوان في أوروبا.
وقال فيدينو لـ”صحيفة فالتر” عبر الهاتف من واشنطن، إن السلطات النمساوية تقود حاليا نهجا رافضا لوجود تنظيم الإخوان الإرهابي في أوروبا، متوقعا اتخاذ إجراءات لمواجهته مع حظر رموزها وشعاراتها.
ويعتبر فيدينو أهم باحث في شؤون الإخوان في الغرب، ورئيس برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن، وشارك في مراجعة الحكومة البريطانية لملف التنظيم على أراضيها عام ٢٠١٤، وله كتاب منشور في 2010 عن تاريخ الإخوان في الغرب.
لورينزو -الذي أعد دراسة في عام 2017 عن نفوذ الإخوان في النمسا، بالتعاون مع جامعة فيينا وهيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية”- أوضح أن “الوضع تغير في هذا البلد منذ صدور الدراسة، حيث زاد الوعي في المجتمع والحكومة والأوساط السياسية والشرطة بشأن التنظيم وأجندته والخطر الذي يمثله”.
وتابع: “لقد استطاعت الدراسة أن تقدم ملخصا للمشكلة التي يمثلها تنظيم الإخوان للمجتمع النمساوي، وخلقت جدلا سياسيا كبيرا حول وجود عناصره، وأصبح دوره في البلاد وملابساته وخطورته واضحا للجميع”.
وأضاف: “وبصفة عامة.. فإن النمسا حاليا تتبنى اتجاها مختلفا في التعامل مع الإخوان خلافا للفترات السابقة، وتنظر للتنظيم كخطر على البلاد، وتتعامل معه بشكل عدائي وصارم، لكن حدوث تغيير كامل في التعامل معه سيأخذ وقتا وهذا شيء طبيعي”.
ونبه إلى أنه بسبب هذا النهج خسر تنظيم الإخوان الإرهابي كثيرا من نفوذها في النمسا، خلال العامين الماضيين، كما أن أبناء هذا البلد العاديين بات لديهم وعي بدور التنظيم المسبب للمشاكل.
الباحث الذي يعمل على ملف الإخوان في أوروبا منذ 15 عاما، قال “إذا تحدثنا عن وجود التنظيم المادي في النمسا، فإنه بات مقيدا إلى حد كبير، حالياً.. على الرغم من أنه حاول استخدام تكتيك جديد لتجاوز أزمة إدراك المجتمع لخطورتها ومعرفته بقياداته، حيث تراجعت هذه القيادات عن لعب الأدوار الرئيسية وصعدت وجوه جديدة، لكن هذا التكتيك لم يؤت أكله”.
وحول أساليب عمل الإخوان في أوروبا بشكل عام، ذكر فيدينو أن التنظيم يعمل بشكل سري منغلق، ويتبنى أفكارا معادية للديمقراطية، وهذه هي سماته منذ تأسيسه”، مضيفا “يقود الإخوان في أوروبا مجموعة من القيادات المنحدرين من مصر وسوريا وفلسطين، ويعملون في سرية”.
وأوضح أن “قيادات التنظيم التي رسخت وجوده في أوروبا بصفة عامة والنمسا بصفة خاصة، تتمثل في يوسف ندا وأحمد القاضي، ثم أيمن علي، وفي المقابل تنكر القيادات الحالية في العلن علاقتها بالتنظيم، لكنها تقوده فعليا وتنظيميا، وتعمل في سرية”.
موقع الإخوان بالنمسا
وحول موقع النمسا في استراتيجية الإخوان، قال لورينزو فيدينو “خلال الخمسين عاما الماضية استغل الإخوان النمسا كملاذ آمن لقيادته وعناصره، وقاعدة لأنشطته في الدول العربية وأوروبا، انطلاقا من أن هذا البلد الأوروبي محايد سياسي يملك بنية تحتية جيدة وصحافة حرة، وفرص استثمار جديدة، ونظاما بنكيا جيدا، وكل هذا يجعله قاعدة مهمة لأنشطة التنظيم”.
وتابع: “تراجعت قدرة الإخوان على استغلال النمسا كقاعدة في العامين الماضيين، بسبب وعي السلطات في فيينا بخطورة دور وأنشطة الجماعة، لكن لا يزال يدير وينفذ أنشطة في دول أخرى، خاصة دول عربية.. انطلاقا منها، ولكن بشكل أقل من الماضي”.
ولفت إلى أن التنظيم الإرهابي “خطط وأدار في الأعوام الماضية أنشطة داعمة لحركة حماس في غزة، وممارسات أخرى في مصر من النمسا”، مضيفا “بعد عزل الرئيس المعزول محمد مرسي نظم التنظيم حملات جمع أموال في فيينا من أجل تنفيذ خططه في مصر”.
وبخصوص إخضاع الاستخبارات الداخلية الإخوان وقياداتها للرقابة، أكد رئيس برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن أن التنظيم لا يخضع لرقابة هيئة حماية الدستور بشكل واسع، لأن مهام ونطاق عمل الهيئة يختلف عن نظيرتها في ألمانيا المكلفة بمتابعة جماعات اليمين المتطرف المعادية للنظام الديمقراطي، سواء مارست العنف أو لا.
إلا أن فيدينو استدرك قائلا: “لكن الأمر يتغير داخل الاستخبارات النمساوية، حالياً، لأنها تعيد بناء هياكلها، وتستبدلها بأخرى جديدة لرقابة تنظيمات، مثل الإخوان في المستقبل القريب”.
وعن قانون حظر رموز وشعارات الإخوان في النمسا، أوضح أن هذا القانون دليل على اتباع الحكومة الحالية نهجا مختلفا في التعامل مع التنظيم الإرهابي، خلافا للحكومات السابقة، وإدراكها أنه يمثل خطرا على البلاد.
وتابع “هذا القانون يهدف بشكل واضح لتقييد ظهور الإخوان في المجتمع، ورسالة واضحة لقياداته في النمسا بأن الأمور تتغير”، مضيفا “كما أن القانون يمنح السلطات يدا عليا في التعامل مع الأفراد الذين لا يوجد دليل مادي على انتمائهم للتنظيم أو أدوارهم فيه”.
ولعل هذا القانون سيمكن وزارة الداخلية النمساوية من اتخاذ إجراءات قانونية، سواء بالغرامة أو السجن، عندما يقوم هؤلاء الأفراد بنشر شعارات التنظيم على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم على سبيل المثال، حسب الباحث الغربي.
ووفقاً لفيدينو فإن هناك رغبة قوية داخل أروقة الحكومة النمساوية لفعل المزيد من أجل مواجهة خطر الإخوان، ومن المحتمل أن تتخذ مزيدا من الإجراءات ضد هذا التنظيم.
وأشار لورينزو إلى أن “تقييم السلطات النمساوية ونظرتها للإخوان تتطابق مع تقييم مصر لها”، قائلا: “إن ما يحدث حالياً هو تنسيق وتبادل معلومات مع العواصم العربية، وفي مقدمتها القاهرة بشأن التنظيم”.
بين إسطنبول وفيينا
وعن علاقة النظام التركي بالتنظيم الإرهابي، قال لورينزو فيدينو، رئيس برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية: “بنسبة 100% هناك تحالف بين رجب طيب أردوغان والإخوان والجماعات الإسلامية لتحقيق مصالح أنقرة في القارة الأوروبية، كما أن المقر الرئيسي الجديد للتنظيم هو إسطنبول”.
وأوضح “الإخوان والجماعات التركية يعملان معا، وأهدافهم وأجندتهم واحدة، ومصادر تمويلهم أيضا واحدة”، مضيفا “هذا التحالف ليس جديدا، فهو موجود على الأرض منذ 10 سنوات، لكنه بات بارزا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة”.
وفيما يتعلق بتحقيقات السلطات النمساوية في احتواء مسجد الهداية التابع للإخوان بفيينا على كتب تحرض على العنف والتطرف، قال “هذا المسجد يسبب مشاكل كبيرة، ويقود العديد من الشباب للتطرف، ولكن حكومة فيينا تفتقر لقانون يمكنها من التعاطي بشكل صارم مع هذا الخطر”.
ففي النمسا، يعد غلق مسجد أمرا حساسا من الناحية السياسية، وستكون الحكومة -إذا اتخذت هذه الخطوة- عرضة لبروباجندا الإخوان التي ستتهمها بالعداء للإسلام واستهداف المسلمين، وفقاً للباحث الغربي.
وعن نفوذ الإخوان على المسلمين بأوروبا، شدد على أن هذا التنظيم يتكون بالأساس من مجموعة صغيرة من القادة يديرون عددا كبيرا من المؤسسات والمدارس، بما يمنحهم نفوذا كبيرا ويجعلهم ناشطين بشكل كبير وبارز، لكنه استدرك قائلا: “وعلى الرغم من ذلك، لا يملك التنظيم تأثيرا كبيرا على المسلمين كما يعتقد البعض، وهناك مجموعات تقاوم نفوذه”.
ويرتبط نفوذ تنظيم الإخوان الإرهابي في النمسا بمعادلة بسيطة، تتمثل في قوته المالية ونشاطه الكبير وتعاطي الحكومات السابقة معها كشريك، لكن الوضع تغير الآن مع تغير نظرة المجتمع والسياسيين تجاهه، واتخاذ فيينا منحى مغايرا في التعامل معه، وفقاً للباحث.
وانتقل الباحث الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإيطالية للحديث عن مصادر تمويل الجماعة في النمسا، حيث قال: “مصادر تمويل الإخوان متعددة ومتشعبة، فقد اعتاد التنظيم على الاعتماد على مساهمات أعضائه العاديين منذ دخولهم، وتبرعات رجال الأعمال، كما تلقى دعما ماديا في عديد من المرات من منظمات نمساوية تعمل بشكل مباشر مع الحكومة -يقصد الحكومات السابقة- لمساعدته في ملفات مثل اندماج المسلمين بالمجتمع”.
ويختتم الباحث -الذي شارك في جهود الحكومة البريطانية لمراجعة ملف الإخوان على أراضيها في 2014- بالتأكيد على أن الدعم الخارجي للتنظيم، رغم صعوبة إثباته بشكل قاطع، هناك دلائل واضحة على تلقيه تمويلا من قطر وتركيا في أوروبا بشكل كبير.