على مدار ثلاثة أيام والاحتجاجات لا تتوقف في إسرائيل، ليس من قبل الفلسطينيين؛ بل من قبل يهود هذه المرة، لكنهم يُنظر إليهم على أنهم إسرائيليون من الطبقة الثانية، إنهم يهود الفلاشا.
يوم الثلاثاء الماضي نظَّم آلاف الإسرائيليين من أصل إثيوبي وأنصارُهم اعتصامات بعدد من مفترقات الطرق الرئيسية، بعد أن قَتَل شرطيٌّ بالرصاص شاباً إسرائيلياً من أصل إثيوبي، يوم السبت، ومنذ ذلك التاريخ والتظاهرات لا تتوقف.
ما السبب وراء كلِّ هذا الغضب؟
مساء السبت الماضي، أطلق ضابطٌ إسرائيليٌّ النارَ على شابٍّ يُدعى سولومون تيكا، عمره نحو 18 عاماً، خارج الخدمة، بمدينة حيفا، وقال الشرطي إنَّه استخدم مسدسه أثناء تدخُّله لفضِّ مشاجرةٍ بين مجموعتين من الشبان، وإن الشبان هاجموه بعد ذلك
وبرَّرت الشرطة الإسرائيلية الحادثَ، فقالت في البداية إن الضابط رأى اقتتالاً بين الشبان في مكان قريب، وحاول الفصلَ بينهم. وجاء في بيان للشرطة «بعد أن عرّف الضابط عن نفسه، بدأ الشبان يلقون الحجارة عليه، وقام الشرطي بإطلاق النار بعدما شعر أن حياته في خطر».
وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية «إن الشبان الآخرين وأحد المارة نفوا أن يكون الشرطي قد تعرَّض لهجوم». وقال روزنفيلد «إن ضابط الشرطة، مُطلِق النار، أُخضع للإقامة الجبرية، وأجرت وزارة العدل تحقيقاً في سلوك الشرطة» .
وفي مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة، الثلاثاء، ندَّد أمير تيكا، ابن عم القتيل سلمون تيكا بالحادث، قائلاً «هذا ليس بقتل، إنها جريمة قتل».
لكن بعد ذلك توترت الأوضاع بشكل كبير بين الشبان اليهود والشرطة، بسبب قتل هذا الشاب، لكن يبدو أن الأمر ليس السبب فيه هذه الواقعة فقط، خاصة في ظل الحديث المتكرر عن تعرض يهود الفلاشا إلى عنصرية كبيرة من قبل اليهود البيض.
قوات مكافحة الشغب اشتبكت مع بعض المحتجين، أمس الأول الثلاثاء، في محاولة لإعادة حركة المرور إلى طبيعتها. وقال متحدث باسم الشرطة، إنها ألقت القبض على 22 شخصاً على الأقل.
الشرطة تعتقل المعترضين
وعقب هذه الواقعة أغلق المتظاهرون طرقات رئيسية في كافة أنحاء البلاد، وأشعلوا إطارات السيارات، وندَّدوا بما يرون أنه تمييز ضد الإسرائيليين من أصول إثيوبية. وتقول الشرطة إنها اعتقلت 136 شخصاً، وإن 111 ضابطاً أصيبوا بجروح، وألقيت عليهم الحجارة والزجاجات والقنابل الحارقة.
ذكر المتحدث باسم الشرطة، ميكي روزنفيلد، لوكالة الأنباء الفرنسية: «إنه بعد ليلة من الاحتجاجات العنيفة أُصيب ثلاثة من ضباط الشرطة، وكان هناك حوالي ألف شخص عند مركز شرطة كريات حاييم». وأضاف: «حاول المتظاهرون اقتحام مبنى الشرطة، وألقوا الحجارة والزجاجات وأطلقوا المفرقعات النارية».
وأظهرت لقطات تلفزيونية إطارات مشتعلة في وسط تقاطع طرق مروري.
الشرطة تتدخل ونتنياهو يردُّ
اعتقلت الشرطة الإسرائيلية، مساء أمس الأربعاء، 7 إثيوبيين يهود في تل أبيب، إثر مواجهات بين الجانبين.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعليقاً على الاحتجاجات، إن حكومته «لا تستطيع تحمل هذا الكمِّ من العنف» في البلاد.
كما ذكرت الشرطة في بيان أنَّ المتظاهرين قاموا بإغلاق الطرق والتقاطعات الرئيسية في شمال البلاد وجنوبها. وقال المتحدث باسم الشرطة إنها «لم تلقِ القبض على أحد»، فيما اعتبرت وسائل الإعلام أن الشرطة تعمَّدت عدم تصعيد الوضع؛ تجنباً لإثارة المشاعر بشكلٍ إضافي. وأضاف روزنفيلد أن «الشرطة تحدَّثت مع زعماء الجالية الإثيوبية لتهدئة الأمور» .
كيف جاء يهود الفلاشا إلى إسرائيل؟
قرَّرت إسرائيل عام 1973 استجلابَ العديد من يهود الفلاشا «الإثيوبيين»؛ لمواجهة النمو الديموغرافي العربي «حين قرَّر حاخام الطائفة السفاردية «الشرقية» (عوفاديا يوسف) اعتبار طائفة «بيتا يسرائيل» الإثيوبية طائفة يهودية؛ خلافاً للحاخام الأشكنازي (شلومو غورين). وتم ذلك على فترات، وفق عمليات منظمة.
ونُقل أكثر من مئة ألف من اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل على متن رحلات جوية سرية في منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات. ويشكو هؤلاء في بعض الأحيان من تعرُّضهم للتمييز العنصري.
وتقول المجموعة اليهودية الإثيوبية إنها تواجه باستمرار عنصريةً مؤسساتية ممنهجة
ويبلغ عدد اليهود من أصول إثيوبية في إسرائيل 135 ألف شخص، بينهم أكثر من 20 ألفاً ولدوا في إسرائيل. وينحدر معظمهم من مجتمعات منعزلة لعدة قرون عن العالم اليهودي، وتم الاعتراف بهم كيهود في وقت متأخر من قبل السلطات الدينية الإسرائيلية.
وفق آخر تعداد حكومي إسرائيلي رسمي، يبلغ الآن عدد اليهود من أصل إثيوبي 135 ألفاً و500، ويعيشون في إسرائيل بأحياء فقيرة ومهملة، ومدن صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة.
ويواجه الإثيوبيون في إسرائيل واقعاً صعباً في مجالات: السكن، والتعليم، والعمل، والدين، والهوية؛ ونمطاً جديداً من العيش في مجتمع يعاملهم بعنصرية، ويُشكِّك في يهوديتهم؛ فقد شكَّل اللون والمظهر أساساً اعتمَدَه العديدُ من يهود إسرائيل في معاملتهم؛ ما شكَّل ويُشكِّل أهمَّ مشاكل اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، بالإضافة إلى سياسة استيعابهم من قبل الحكومة؛ حيث تم الاستيعاب على أساس جماعي؛ ما أدى إلى تبعيتهم للمؤسسات الرسمية، وحرمانهم فرصة التكيُّف مع المجتمع الإسرائيلي؛ خلافًا لسياسة استيعاب الروس.
ففي مجال السكن: جرى تسكينهم بمراكز الاستيعاب، وتعاملت السلطات معهم كفئة اجتماعية منفردة خاصة، فقسَّمتهم إلى جماعات، حسب السن، والقربى، والجنس. وفي مجال التعليم: كان 60% منهم دون سن 24 عاماً؛ حيث أُلحق الأولاد بالتعليم الحكومي، دون استئذان ذويهم، وجرى توجيه جزء آخر منهم إلى التعليم المهني، مع عزلِهم تماماً عن الطلاب؛ حيث عانوا تمييزاً صارخاً في التعليم، لدرجة أن بعض المدارس رفضت استقبالهم، وأن بعض ذوي الطلبة أخرجوا أبناءهم من المدارس التي بها إثيوبيون؛ ما عزَّز صعوبة التأقلم الاجتماعي، وصعوبات التعليم لديهم، فلا يحصل سوى نصف الشباب من أصل إثيوبي على شهادة إتمام التعليم الثانوي، مقابل 63% لبقية السكان.
في مجال العمل والصحة: عانى الإثيوبيون من مشكلة الاندماج في العمل لفترات طويلة، ثم تحسنت أوضاعهم قليلاً بعد نجاحهم في التعليم المهني، وإتقان العبرية. وتجني الأسر الإثيوبية دخلاً أقل بنسبة 35% من المتوسط على مستوى البلاد، بحسب دراسة نشرتها وكالة وفا الفلسطينية.