لودفيج فان بيتهوفن (1770-1827) هو أحد أكثر ملحّني الموسيقى الكلاسيكية شهرة ونيلاً للتقدير الواسع. فقد لعب دوراً حاسماً في الانتقال من الموسيقى الكلاسيكية إلى الموسيقى الرومانسية، يعتبر بيتهوفن أحد أعظم الملحنين على مر العصور، فهو الذي يعتبر أنّ «الموسيقى هي نوعٌ من الوحي الأكثر نبلاً من الحكمة والفلسفة».
وُلد بيتهوفن في 16 ديسمبر/كانون الأول من عام 1770 في مدينة بون (هي الآن جزء من ألمانيا). ومنذ سن مبكرة، قُدم بيتهوفن إلى الموسيقى.
وفقاً لموقع Biography Online البريطاني، فقد كان والدهُ معلّمه الأول، والذي كان صارماً للغاية، وعنيفاً.
كان بيتهوفن يتعرض للضرب في أحيان كثيرة بسبب فشله في التدرُّب بشكلٍ صحيح. وذات مرة احتجت والدته ضد أبيه على هذه المعاملة القاسية، لكنها تعرضت للضرب أيضاً. وقيل إن بيتهوفن عزم على أن يصبح عازف بيانو عظيماً حتى لا تتعرض والدته للضرب ثانية.
يروى أيضاً أنّ والد بيتهوفن كان يحبسه في قبو المنزل لعدة ساعات يومياً ليجعله يعزف، وحين بلغ السادسة من عمره أقام له أوّل حفلٍ مخبراً الجمع بأنّ ابنه ذا الستّة أعوام «طفلٌ معجزة» محاولاً أن يحاكي أسطورة الفنان الأشهر في ذلك الوقت «موتسارت».
كان والد بيتهوفن مغنياً عادياً، بينما كان جدّه موسيقياً شهيراً في مدينته، ويبدو أنّ تأثُّر بيتهوفن بجده هو الذي أثّر فيه ليتخطّاه ويصبح أيضاً أكثر شهرةً وأصالةً منه
موسيقى بيتهوفن وبداية ظهور الموهبة العظيمة
نالت موهبة بيتهوفن، كعازف بيانو مبدع، الاعتراف من الكونت فرديناند إرنست غابرييل فون فالدشتاين، والذي قام برعاية بيتهوفن الشاب، وهو ما مكّنه من السفر إلى فيينا، حيث يقيم موتسارت. وكان من المأمول أن يتمكن بيتهوفن من التعلم تحت قيادة العظيم فولفغانغ أماديوس موتسارت.
لكن ليس من الواضح ما إذا كان الاثنان قد التقيا، فقد مات موتسارت في وقت قريب من هذه الفترة، أما بيتهوفن فقضى بعض الوقت مع الملحن العظيم الآخر جوزيف هايدن، الذي علمه الكثير من الأشياء، وفي سنّ 12 نشر بيتهوفن أوّل عمل موسيقي ألّفه.
وبدلاً من العمل لصالح الكنيسة، اعتمد بيتهوفن على التبرّعات الخاصة من مختلف المتبرعين. وفي حين أن الكثير أحبوا موسيقاه، إلا أنهم لم يكونوا مستعدين غالباً للتبرُّع، وكافح بيتهوفن أحياناً لجمع ما يكفي من التمويل. وأصبح وضعه أكثر صعوبة بسبب وفاة والدته المبكرة وإدمان والده الكحول؛ وهو ما أدى إلى أن يصبح بيتهوفن مسؤولاً عن شقيقيه في سنّ صغيرة، وهو ابن 18 عاماً فقط.
لاحقاً، لكي يستطيع كسب عيشه طلب بيتهوفن تعيينه عازفاً في الإيبارشية، وحظي طلبه بالموافقة وأصبح يتقاضى راتباً سنوياً ما ساعده في إعالة شقيقيه.
لا يوجد سوى بيتهوفن واحد!
كان بيتهوفن يعتبر موسيقياً عظيماً إلى حد بعيد، وذلك على الرغم من أن عاداته لم تكن تقليدية بالنسبة للدوائر الاجتماعية التي انتقل إليها.
فقد كان بيتهوفن فظّاً، وغير مرتب، وأخرقَ في الكثير من المواقف، وفشلت كل المحاولات لجعل بيتهوفن يتصرَّف بشكلٍ لائق. حتى إنه في إحدى المرات شقّ طريقه نحو الأرشيدوق (أحد أمراء العائلة الملكية النمساوية) ليخبره أنه من المستحيل عليه اتباع القواعد السلوكية الاجتماعية العديدة.
ابتسم الأرشيدوق وقال: «سيتعين علينا قبول بيتهوفن كما هو». وكان لدى بيتهوفن إيمانٌ كبير وثقة لا محدودة بقدراته الذاتية، حتى إنه قال في إحدى المرات وهو يشير إلى الأمراء الحاضرين في القاعة: «يوجد وسيوجد دائماً الآلاف من الأمراء، ولكن لا يوجد سوى بيتهوفن واحد!».
كانت موسيقى بيتهوفن غير تقليدية أيضاً، فقد استكشف أفكاراً جديدة وترك خلفه التقاليد القديمة في الأسلوب والتكوين. وتسبّبت أفكاره الموسيقية الأكثر تحرراً واستكشافيةً في قطيعة مع أساتذته الأكثر تمسكاً بالتقليدية مثل هايدن وسالسيري.
أحبّ بيتهوفن نابليون بونابرت، باعتباره ممثلاً ومعبراً عن الثورة الفرنسية التي حملت شعارات «الإخاء والمساواة»، وتأثر به، وأراد أيضاً أن يكرس سيمفونية رائعة لنابليون الذي كان في اعتقاده يدافع عن المُثل العليا للجمهورية الفرنسية.
مع انكشاف طموحات نابليون الإمبراطورية، وتنصيبه نفسه إمبراطوراً على فرنسا بعد الثورة بعدة سنوات، قشط بيتهوفن اسم نابليون المدون على ورق سيمفونيته بعنف، حتى إنه تسبب في حدوث قطع في الأوراق أخذ شكل حفرة.
كان بيتهوفن مؤمناً للغاية بمبادئ الثورة الفرنسية، ويقال إنّه تمنّى لو يقود جيشاً بنفسه مثل نابليون ليدافع به عن الثورة والإنسانية والعدالة!
بيتهوفن.. الموسيقيّ الأصمّ!
منذ بداية العشرينات من عمره، عانى بيتهوفن من تدهورٍ بطيء في السمع، وهو ما أوصله في النهاية لأن يصبح أصمَّ تماماً.
قال بيتهوفن ذات مرة: «الموسيقى هي الوسيط بين الحياتين الروحية والحسية». على الرغم من الصمم والإحباط الناتج عنه، فقد كان بيتهوفن لا يزال قادراً على تلحين الموسيقى بأعلى مستويات الجودة.
وكان لا يزال قادراً -داخلياً- على سماع أرقى أنواع الموسيقى. ومع ذلك، فقد تسبَّب صممه في معاناته حين يؤدِّي بمصاحبة فرقة أوركسترا؛ لأنه غالباً ما كان يفتقد التناغم معهم وهو ما تسبب في سخرية الجمهور من عازف البيانو العظيم، مما أدى إلى شعوره بحزن كبير، وانطوائه على عزلته أكثر.
نتيجة لذلك، جنح أكثر إلى عالم التلحين الخاص به. ورغم مشكلة السمع والإحباطات الخارجية، فإنّ أعماله الأكثر إثارة للدهشة والإعجاب كانت مُلحنة في تلك الأعوام الـ15 الأخيرة الصعبة من حياته.
شملت هذه الأعمال العظيمة «ميسا سولمنيس» والسيمفونية التاسعة، وكلاهما انتهى من تلحينهما قبل فترة وجيزة من وفاته. وكانت السيمفونية التاسعة عملاً رائداً في تأليف سيمفونية كورالية من أصوات متعددة تغني كلمات مختلفة لإنشاء سيمفونية مشتركة.
أما الجزء الأخير من السيمفونية (يشار إليه في كثير من الأحيان باسم «نشيد الفرح») فهو تمثيل موسيقي رمزي للإخاء العالمي. وهي ذروة أعمال بيتهوفن التي تتناسب مع إبداعه الموسيقي الفريد وحياته.
عندما خرج بيتهوفن بسيمفونيته التاسعة هاجمته الصحافة في بريطانيا، ولم تلقَ القبول المتوقّع أيضاً في النمسا، لكنّ بعد أقلّ من عقدٍ من الزمن نالت السيمفونية ما تستحقه من تبجيلٍ وتقديرٍ على جميع المستويات.
وفاة بيتهوفن الحزين وحيداً
عاش بيتهوفن وحيداً ولم يتزوّج، ويقال إنّه أحبّ امرأةً متزوّجة وبالطبع لم تسِر الأمور على ما يرام، وبدلاً من اندماجه في المجتمع الجديد الذي دخله مع بداية شهرته، انطوى على ذاته أكثر، ولم يدخل أيّة علاقات عاطفية.
توفي بيتهوفن في 26 مارس/آذار من عام 1827، عن سنّ 57 عاماً فقط. والسبب الدقيق للوفاة غير محدد، ولكن يعتقد أن تراكم الرصاص السام بجسده لعب دوراً في ذلك.
يقال إن أكثر من 10 آلاف شخص قد اصطفوا في الشوارع لحضور جنازته. ومع أنه كان حادَّ الطباع، وموسيقاه كانت في بعض الأحيان شديدة الحالمية بالنسبة لعامة الناس، إلا أن بيتهوفن كان موضع تقدير عير التاريخ لإسهامه الفريد في الموسيقى.