بلطجية مدججون بمختلف أنواع الأسلحة والكلاب يجبرون السائقين على دفع إتاوات.. والسائقون: «مضطرين علشان عايزين نأكل عيالنا بالحلال»
على الرغم مما يشتهر عن الغالبية العظمى من سائقى الميكروباص و”التوك توك” من أسلوبهم الفَظِّ فى التعامل مع الركاب، فى حال الاختلاف حول “الأجرة” أو لأى سبب كان، والذى يصل فى بعض الأحيان إلى التعدى لفظيًا وبدنيًا عليهم، خاصة فى الأماكن العشوائية أو البعيدة عن أعين شرطة المرور، فإن من الغريب أن تلك الفئة تشكو من البلطجة التى تمارس عليهم، ليتحوّلوا فى النهاية من جناة إلى مجنى عليهم.
كلاب وخرطوش وأسلحة البيضاء
كر وفر بين سائقى الميكروباص وبلطجية يحملون الأسلحة الآلية، والأسلحة البيضاء وبعض الكلاب “الجيرمن”، فى منطقة فيصل وتحديدًا فى شارع المساكن، وهو شارع جانبى متفرع من شارع فيصل الرئيسي، حيث يقف “بلطجية” يقفون على نواصى الشوارع، وينتشرون فى أماكن متفرقة لتحصيل “الكارتة” من السائقين إجباريًا من السائقين.
تعود تفاصيل المشاجرة إلى قبل نحو شهر، عندما فوجئ سائقو الميكروباص بوجوه جديدة في الموقف، معروفة ببلطجتها فى المنطقة، تحاول تحصيل “كارتة” جديدة منهم، في حين أنه من الطبيعى أن يتم تحصيل “الكارتة” القانونية فى المواقف، وهى فى بداية الخط “آخر المساكن” ونهايته محطة مترو فيصل.
وتبلغ قيمة “الكارتة” خمسة جنيهات، ويتم دفع جنيهين فى كل دور، لكن رفض السائقون الدفع لجامعى الكارتة الجدد، وهو ما أدى إلى اندلاع مشاجرات واشتباكات بينهم، حيث تربص “البلطجية” بالسائقين منذ الساعات الأولى من اليوم نواصى الشوارع الرئيسية، مستعينين بالكلاب “الجيرمن”.
وبعضهم يحمل الأسلحة البيضاء والبعض يحمل البندقية الخرطوش، استجاب البعض لهم وقام بدفع “الإتاوة” من غير كلام، لكن الكثير من السائقين لم يتحركوا وفضلوا عدم العمل وإيقاف سياراتهم عن العمل في انتظار أن تتدخل الشرطة وتحل المشكلة، وهو ما حدث بالفعل.
يقول أحد السائقين أنا عندى 4 عيال عايز أربيهم بالحلال، أنا ممكن أقف وأبلطج أنا كمان وأنا كفاءة إنى أجيب زمارة اللى يضايقني، بس عيالى مين هيربيهم، البلطجية بتلم الكارتة بالعافية ويندفع الخمسة جنيه والعشرة جنيه من سكات يا نتعض بالكلاب ويعورونا، مين ينقذنا منهم”.
ويقول أخر “بيضربونا وبيجروا ورانا بالسلاح، علشان ندفع إحنا هنطلع نشتغل ولا هنعمل ايه”.
وتحركت قوة من المباحث وألقت القبض على بعض البلطجية، بينما تمكن البعض الآخر من الفرار، وعثر بحوزة المقبوض عليهم مخدر “الاستروكس” وتم عمل المحاضر اللازمة لهم، وخرج البعض منهم بكفالة.
بينما عاد البلطجية لممارسة فرض الإتاوة بالقوة بعيدًا عن أعين الشرطة، ومن أجل تحصيل الكفالة التى قاموا بدفعها، والتى تراوحت بين 2000 و4000 جنيه.
والأغرب أن السائقين الذين اعتصموا احتجاجًا على ذلك، يساعدونهم حاليًا لإكمال باقى مبلغ الكفالة، ورضخ السائقون في النهاية وقاموا بدفع “الكارتة” في المواقف الرئيسية، وخلال الطريق دون تذمر أو اعتراض.
ويقول أحد المسئولين عن الموقف “المشكلة هتتحل، والكارتة هيتم تحصيلها من أماكنها الرسمية، ومش هتحصل المشاكل دى تاني، إحنا بنجتمع مع بعض باستمرار وبنحل المشاكل اللى بتحصل أول بأول”.
وقال مسئول الموقف من إدارة المرور إنه “جار العمل حاليًا على القبض على جميع البلطجية من المنطقة بواسطة المباحث المنتشرة، التى ستمنع تواجدهم مرة أخرى بالمنطقة”.
الدفع.. وإلا
وتكتظ الجيزة بالكثير من المواقف، حيث يتم دفع الكارتة إجباريًا، وإن كانت تختلف حسب المكان، وتزيد كلما زادت المسافة لزيادة الأجرة.
“\خناقات باستمرار على الموقف بسبب الكارتة، واللى مش بيدفع بتتكسر عربيته، وممكن يتمنعوا من دخول الموقف، والكل بيدفع من سكات، معظم اللى ماسكين الكارتة مسجلين وبيكونوا شاربين مخدرات ومش هنقدر عليهم”.
على الرغم من أن ميدان عبدالمنعم رياض يقع في قلب القاهرة وفي منطقة تكتظ بالأمن، فإن تحصيل الكارتة به شيء طبيعى ولا يعترض أحد على دفعها، ليس حبًا فى جامعى الكارتة ولكن اتقاءً لشرهم.
“كافى خيرى شري”، يقول أحد السائقين العاملين بالموقف، “معظم السواقين هنا أغراب ومش دايمين، واللى بيدفع بيدفع من سكات وكافى خيره شره، علشان بندور على أكل عيشنا مش عايزين مشاكل، وكتير مش بندخل الموقف جوه ونهرب من الكارتة، ولما بتكون الرجل قليلة بنضطر ندخل الموقف نستنى الدور ونحمل وبندفع من سكات”.
وفي تصريح له، وصف اللواء عمرو جمجوم، مدير مشروع سرفيس القاهرة، جامعى الكارتة فى المواقف المختلفة بأنهم بلطجية، ولا يجوز جمع أى أموال من السائقين، وأنه يجب على أمن المنطقة التى يوجد بها الخط منعهم وتحرير محاضر ضدهم، وإذا قام سائق بالشكوى من تحصيل “بلطجية” كارتة منه، يقوم المشروع بإبلاغ أقسام الشرطة التى يتبع لها خط السائق لاتخاذ اللازم.
“التوك توك“
ومن الأزمات بين سائقي الميكروباص والمسئولين عن جمع الكارتة إلى الجرائم التي يرتكبها سائقو “التوك توك”، والتي تزايدت بصورة ملحوظة في الفترة الأخيرة في الأحياء الشعبية والعشوائيات.
يقول “محمد”: “أثناء عودتى من الدرس فى التاسعة مساء وعلى بُعد خطوات من منزلى فوجئت بـ”توك توك” يقترب منى ويحاول سرقتي، وعندما هاجمته تنبه بواب قريب لما يحدث فقام بمساعدتى وفر السائق هاربًا”.
أما “سلوى” فتروي: “بعد نزولى من منزلى وأثناء سيرى فى شارعى فوجئت بـ “توك توك” يقترب منى وقام رجل يجلس بالخلف بشد شنطتى بقوة، فوقعت على الأرض وللأسف كانت الساعة 8 صباحًا ولم يكن هناك أشخاص فى الشارع لمساعدتي”.
وتؤكد أخرى: “تم خطف طفل من أمه أمام عينى فى توك توك، ومش عارفة إيه اللى حصل بعد كده بس اللى متأكدة منه أن مافيش حد اتدخل ولا عرف يعمل حاجة، غير أن أم الطفل كانت بتصوت ومش عارفة تعمل إيه وماحدش ساعدها”.
وعلى الرغم من كل تلك المصائب التى تحدث بسبب “التوك توك”، فإن سائقيه يعانون أيضًا من بلطجة جامعى الكارتة بالقوة، والتى تصل أحيانًا إلى استخدام السلاح كما حدث فى منطقة الخصوص منذ سنوات عدة، حيث أن نشبت مشاجرة بين 5 أشخاص استخدمت فيها الأسلحة النارية والبيضاء والشوم، بسبب تحصيل رسوم الموقف.
وأكدت نجلاء سامى، نقيبة العاملين بـ”التوك توك”، أنه “يتم التعامل مع أصحاب الكارتة الإجبارية، الذين ينظمون المواقف العشوائية من خلال اللجوء إلى الأمن للتعامل معهم، والاستعانة بمسئولي النقابة للحد من أعمال البلطجة لديهم، وسيتم توفير مرتبات وحوافز لهم”.
“ربنا بيسلط أبدان على أبدان”.. كلمات قالها أحد المواطنين متشفيًا في سائقي الميكروباص و”التوك توك”، مضيفًا لـ”المصريون”: “بيزودوا الأجرة بمزاجهم ويتآمروا علينا فى الركوب والنزول، وآخر بلطجة علينا كويس إن فيه حد بيبلطج عليهم وياخد حقنا منهم”.
لكن آخر اعتراض قائلًا: “حرام هما كمان غلابة وبالرغم من أسلوب بعضهم السيئ معانا لكن عندهم أسر مسئولين منهم ومش ذنبهم أن دى حياتهم وشغلهم”.
مسئولية المحليات
وقال اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية السابق، إن “المواقف تابعة للمحليات وتخضع لإشراف المحافظة، حيث يتم تحديد خطوط السير للسيرفيس، وأماكن الوقوف بداخل المواقف مقابل رسوم محددة، يتم تحصيلها بإيصالات معتمدة في بداية الموقف ونهايته، وهى بصفة رسمية ورسوم قانونية لتنمية المحافظة”.
وأضاف بلطجية المواقف الذين يقومون بتحصيل رسوم دون وجه حق ظاهرة جديدة لا بد من التصدى لها من خلال تقديم شكاوى لمباحث المرور لملاحقة البلطجية ومتابعتهم حتى القبض عليهم والتحقيق معهم”.
وأكد أنه “إذا تكررت أعمال البلطجة منهم يتم تقديم شكاوى جديدة، وباستمرار حتى تنتهى الظاهرة تمامًا”، مشيرًا إلى أن “المواطنين عليهم عامل مهم فى المساعدة على القضاء على البلطجة بالكف عن ترديد مقولة: “معلش”، فعندما يتم إمساك بلطجى فى الشارع تجدهم يتدخلون قائلين: كفاية كدة سيبوه، وهو أمر له آثار سلبية كبيرة، تحول الفرد من لص صغير إلى مجرم كبير مثلما حدث مع “سيد فرخة” الذى تحول من سرقة الفراخ إلى سرقة العربات بسبب تركه، بعد سرقاته الصغيرة التى استفحلت فيما بعد ليدخل عالم الجريمة ويتقنها”.
وأضاف أن “مواجهة ظواهر البلطجة في الشارع المصري يتم من خلال الاستعانة بكاميرات مراقبة في جميع الشوارع، وبالتالي تسهل القبض على المتهم متلبسًا بجريمته، الأمر الذي من شأنه أن يحد من ظاهرة البلطجة، ولن يستطيع الفرار من العقاب، كما أنها ستردع الكثير من الجرائم قبل حدوثها”، مسترشدًا بمدينة لندن التي تم وضع 40 ألف كاميرا في شوارعها الرئيسية غير الكاميرات الحكومية على المحال المختلفة.