في الشهر الماضي، زار القائد المؤقت للسودان، الجنرال عبدالفتاح البرهان، مصر والإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت نفسه الذي كان فيه في أبوظبي، كان نائبه، محمد حمدان دجلو، المعروف باسم حميدتي، في جدة يلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حدث هذا قبل توجُّه البرهان إلى مكة لحضور القمم الثلاث التي نظمتها الرياض. وبمجرد عودة هؤلاء القادة الانتقاليين من زياراتهم، تبنى المجلس العسكري مقاربة جديدة تجاه المتظاهرين.
الرياض وأبوظبي لا تريدان انتقالاً ديمقراطياً في السودان
- يقول عبدالعزيز كيلاني، الصحفي السوداني ورئيس تحرير جريدة «شرق وغرب» الإلكترونية، في مقالة نُشرت له بموقع Lobe Log الأمريكي، إن «الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية غير مهتمتين برؤية انتقال ديمقراطي ناجح في أي مكان في الشرق الأوسط، بما في ذلك السودان. قد يفضلون أكثر بقاء الجيش في السلطة وحذوهم حذو القيادة السعودية والإماراتية نحو الاستبداد».
- إذ أرسلت أبوظبي والرياض 500 مليون دولار للسودان بعد أن أطاح المجلس العسكري البشير كجزء من حزمة إجمالية بقيمة 3 مليارات دولار. والغرض من المساعدات ليس مساعدة السودانيين وإنعاش اقتصاد البلاد بقدر ما تهدف إلى الحفاظ على النفوذ الخليجي في السودان.
- وعندما زار البرهان وحميدتي دول الخليج، ربما قد يكونان حصلا على الضوء الأخضر لبدء المذبحة التي ارتكبوها عند عودتهم، يقول الكيلاني.
- ولا ترغب السعودية والإمارات في حدوث ثورة في أي بلد يكون لهما فيه نفوذ. يشبه السيناريو المتطور في السودان كيف شن خليفة حفتر، رجل ليبيا القوي، بعد زيارته للسعودية، هجوماً عسكرياً على طرابلس أدى إلى الزج بالبلاد إلى حرب أهلية.
نسخة جديدة من نظام البشير تبنى الآن
- يقول الكيلاني إن القوة المستخدمة ضد المتظاهرين تشير إلى أنَّ هناك نسخة جديدة من نظام البشير قيد التشكيل، مما يبدد آمال الشعب في الديمقراطية.
- وحميدتي، الرجل المتورط في جرائم دارفور عام 2003، هو الآن أحد قادة البلاد الرئيسيين. فهل بدأ المجلس العسكري انقلاباً ضد عمر البشير، مدفوعاً من المتظاهرين، من أجل السودان أم من أجل إنقاذ أنفسهم؟
- أصرَّ المتظاهرون على تنحية المجلس العسكري بأكمله خوفاً من أنَّ القمع الذي شهدوه في عهد البشير قد لا يختفي تماماً. فهم يريدون تغيير النظام بأكمله وليس فقط عدداً قليلاً من الأفراد.
- أصبح المجلس العسكري الانتقالي، الذي تخلى عن المفاوضات لصالح العنف، هو العقبة الرئيسية أمام انتقال الحكم في السودان إلى دولة مدنية.
ربما أراد المجلس العسكري أن يتراجع المتظاهرون، لكنَّ المحتجين يدركون أنَّ هذا سيضيّع شهوراً من الجهود، ويُعرِّض حلمهم بالحرية والديمقراطية للخطر، وسيجعل أيضاً فرصة تأسيس دولة مدنية أمراً مستبعداً -إن لم يكن مستحيلاً- لدى المجلس العسكري الذي قد يتكون لديه انطباع بأنَّ استخدام القوة هو أفضل وسيلة له للاحتفاظ بالسلطة.
ما هو دور واشنطن في الأزمة السودانية؟
- يقول الكاتب إن وزارة الخارجية الأمريكية كشفت عن محادثات حول الحملة السودانية، بين وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل، ونائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، ووزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش. ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، أشار هيل إلى «أهمية الانتقال إلى حكومة يقودها مدنيون وفقاً لرغبات الشعب السوداني». وهذا يشير إلى أنَّ واشنطن تبدو قلقة من الدور الذي تؤديه دولتا الخليج في السودان.
- ويبدو أنَّ هذا القلق كان له تأثير على الدولتين الخليجيتين. فقد ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بعد يوم من البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أنَّ الحكومة السعودية تابعت «ببالغ القلق» التطورات في السودان. وأشارت الوكالة إلى أنَّ المملكة «تؤكد أهمية استئناف الحوار بين مختلف الأطراف في السودان، لتحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق». وقد أعرب قرقاش أيضاً عن قلق بلاده من «المذبحة» في السودان، وأيد الدعوات الماندية بإجراء تحقيق.
- بالنظر إلى أنَّ كلاً من الرياض وأبوظبي تصرفت بسرعة بعد تقارير وزارة الخارجية، فإنَّ الولايات المتحدة ملزمة ممارسة أقصى ضغط على حلفائها. قد يكون ترشيح دونالد بوث مؤخراً مبعوثاً خاصاً للسودان بمنزلة إجراء أمريكي مُجدٍ، يأمل الرئيس ترامب أن يُحتسب له. فبعد الانتقادات الواسعة الموجهة إليه، لدعمه محمد بن سلمان، خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ربما يبحث ترامب عن طريقة لتعزيز صورته العامة.
الوضع لا يزال متقلِّباً في السودان
- أنهى المحتجون إضرابهم، الثلاثاء 11 يونيو/حزيران 2019، ووافقوا على استئناف المحادثات. وبحسب الكيلاني فإن «إعلان المعارضة إنهاء حملة العصيان المدني والعودة إلى المفاوضات يمكن اعتباره علامة على أنَّ الجيش مستعد للتسوية».
- وهذا قد يثير توتر السعوديين والإماراتيين. إذا لم يعجبهم ما يرونه في الأيام القليلة المقبلة، فقد يضغطون على رجالهم في المجلس العسكري (تحديداً حميدتي، وقوات الدعم السريع التابعة له)، لتنظيم ما يمكن اعتباره انقلاباً «تصحيحياً»، لا يزال الوضع متقلباً في السودان.
لكن من أجل حدوث تحوُّل حقيقي بالحكم في السودان، يتحتم على المجلس العسكري الانتقالي تغيير الطريقة التي يتعامل بها مع المحتجين، وأن يمنع دولاً مثل السعودية والإمارات من التدخل في شؤون السودان. لا يمكن أن تنجح المحادثات إلا إذا كان السودانيون يسيطرون بالكامل على العملية.