«الترابى» قبل وفاته: أخطأنا فى قراءة التاريخ.. «ماضى»: الإسلاميون فى السودان اتخذوا منهجًا «ميكيافيليًا».. وقيادى إخوانى: دولة البشير قمعية
عندما نشأت الحركة الإسلامية في السودان كانت تابعة إلى الإخوان، ولها مراقب عام كبقية أفرع الجماعة في باقي الدول.
ووصل “البشير”، إلى السلطة بمساعدة وترتيب “الترابي”، الذي انقلب عليه “البشير” لاحقًا.
ومكث “البشير”، في السلطة 30 عامًا، حتى أطاح به الجيش في 11 أبريل الجاري؛ بعد مظاهرات بدأت في 19 ديسمبر الماضي، لأجل ارتفاع الأسعار والغلاء، ثم تصاعدت وتيرتها وانطلقت في جميع الولايات تطالب برحيل “البشير”، حتى أجبره الجيش على التنحي، وتم التحفظ عليه تحت الإقامة الجبرية، ثم اعتقاله أخيرًا في سجن “كوبر” الشهير، بحسب ما تداولته صحف سودانية.
ويبقى السؤال هل قدَّم الإسلاميون بنموذج “البشير” حكمًا ديمقراطيًا أو إسلاميًا كما يجب، أم أن الأمور تفرض عليهم إعادة النظر في تولي السلطة، والوصول إلى الحكم؟.
كشف أبو العلا ماضي، رئيس حزب العمل، عن تفاصيل مثيرة، كانت سببًا في خلافه مع عادل حسين، أمين عام حزب العمل، وذلك بسبب الانقلاب الذي قام به “البشير”، وأتى به إلى السلطة، حتى تم عزله من قبل الجيش السوداني في 11 أبريل الجاري.
وكتب “ماضى”، على صفحته الرسمية في “فيسبوك”: “التحرك الذى تم اليوم الخميس 11 أبريل 2019 من قبل الجيش السوداني بعزل البشير وأركان حكمه، يعيد الذاكرة إلى عام 1989، حيث قام “البشير” مدعومًا من الحركة الإسلامية فى السودان بقيادة الترابي، بانقلاب عسكرى على الحياة الديمقراطية”.
وأضاف “ماضي”، أنني أذكر أنه من اليوم الأول لهذا الانقلاب أعلنت رفضى له كمبدأ حتى لو قام به إسلاميون (وكان عمرى وقتها 31 عامًا)، وكان هذا الرأى مصدر خلاف مع الأستاذ عادل.
وأشار “ماضي”، في حديثه، إلى أن السودان اليوم أمام اختيارين، إما نموذج عبد الرحمن سوار الذهب الذى سلم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، أو إما نموذج البشير والنميري مرة أخرى، منوهًا بأن الشعب السوداني فى الأيام القادمة هو من سيحسم الأمر.
وعن سبب خلافه مع “حسين” بسبب الانقلاب الذي قام به “البشير”، أوضح “ماضي”، في سلسلة ذكرياته التي يكتبها على صفحته الرسمية بعنوان “شخصيات عرفتها”، وذلك في تناوله شخصية “عادل حسين”، أن الأخير اصطدم بالسلطة في بعض قضايا السياسة الخارجية: مثل علاقته المميزة هو وكثير من رموز حزب العمل، ودفاعه عن نظام الحكم في السودان الذي أطلق على نفسه (ثورة الإنقاذ)، وزياراته الكثيرة للخرطوم رغم عداء السلطة آنذاك مع حكومة البشير.
وتابع قائلًا: “والحقيقة أن هذه النقطة كانت محل خلاف بيني وعادل حسين، حيث كنت أرى أن نظام الحكم في السودان جاء بانقلاب، حتى لو كان يرفع شعار الإسلام”.
وأوضح أنه لم يعجبه هذا الرأي، وكان يرى أن المهم هو النظام الذي ينشأ في الدولة، وليس طريقة وصوله للسلطة، حيث إن هذا النظام يرفع شعار الإسلام ويطبقه، وفي ظنه فهو واجب الدعم، والحقيقة أنني رفضت رأيه بشدة.
وأشار “ماضي”، إلى أن آخر هذه المرات كنَّا مدعوين على طعام الغداء في أحد محلات الكباب الشهيرة في حلمية الزيتون في وجود المحامي مختار نوح، حيث شهد هذا النقاش الشديد، خلافي معه في موقفه من نظام الحكم السوداني.
وعن علاقات “حسين” الخارجية، قال “ماضي”: إنه زار ليبيا في فترات التوتر معها، وكان يدعو إلى تحالف (مصري – ليبي – سوداني)؛ باعتباره مقدمة للوحدة العربية، ومقدمة لتوفير الطعام للعالم العربي بزراعة السودان بتمويل ليبي وأيدي عاملة مصرية، وهي الفكرة التي قال إن أمريكا تمنعها بكل ما أوتيت من قوة.
كما أن عادل حسين، كان من الرعيل الأول من السياسيين اليسار الذين ارتبطوا بالقضية الفلسطينية منذ نعومة أظافرهم، وقد شارك مع الفدائيين الفلسطينيين في أغوار الأردن بعد خروجه من المعتقل عام 1964م، وظل منحازًا للقضية الفلسطينية حتى آخر يوم في حياته، ودافع عنها ووقف ضد الحلف الأمريكي الصهيوني، ووقف بصلابة ضد التطبيع مع الدولة العبرية.
قال القيادي الإخواني إبراهيم الديب، إن حقائق الواقع أكدت في أكثر من مرة، أن دخول ما يُسمى بأصحاب الأيديولوجيا سواء كانوا إسلاميين بتصنيفاتهم المختلفة أو حوثيين على خط الثورة، حقَّق فشلًا ذريعًا في ذاتهم، وفى مجتمعهم وثورتهم.
وأضاف “الديب”، على حسابه في “فيسبوك”: “أن هذا كائن وثابت في مصر والسودان وليبيا واليمن لعدة أسباب:
أولًا: أن من يطلقون على أنفسهم إسلاميين لم يحسنوا تمثيل الإسلام بحده الأدنى الذى يجذب الناس ولا ينفرهم، ويوحد المجتمع ولا يقسمه، ويحل له مشاكله ولا يعقدها.
وأكد أننا لا ننسى أبدًا أن الإسلاميين في السودان أسسوا دولة للفساد والاستبداد على مدار ثلاثة عقود متتالية؛ سيظل يعانى منها السودان، بل والدعوة الإسلامية في العالم لعقود طويلة حتى ينساها الناس.
أما الأمر الثاني: أنه ثبت بالبرهان العملي أنهم غير مؤهلين ولا جاهزين كفصيل سياسى، وثبت فشلهم الذريع في إدارة الشأن العام، وتكبيد المجتمع خسائر إستراتيجية، وهذا كائن وثابت في مصر.
وأوضح أن الأمر الثالث الدال على عدم تأهيلهم أنهم جميعًا انحرفوا بالثورة عن مسارها الطبيعي، ولم يمثلوا الشعوب التي خرجت لحريتها وكرامتها وعيشها الكريم.
رابعًا: أنهم تسببوا جميعًا في تقسيم المجتمع، ومنحوا النظم الاستبدادية وداعميهم الإقليميين والدوليين، الفرصة الكافية لتشويه الثورات الشعبية وضربها.
خامسًا: أن الهوية في حقيقتها لا تُفرض على أحد، كما أنها لا تُنزع قصرًا من أحد، إنما الهوية اختيار ذاتي عن قناعة وحب، كما أنها لا تحتاج إلى وصاية أو أستاذية أو تعليم من أحد سواء بشكل مباشر أو بمحاولته توفير البيئة المناسبة لها.
وأوضح “الديب”، أن الأمر لا يحتاج من الإسلاميين إلى تكتيك التراجع أو التخفي بين صفوف الثوار لحين اقتناص الفرص والقفز على الثورات مرة ثانية، الأمر يتطلب منهم مراجعة بوصلتهم الأساسية، وفهم حقيقة رسالتهم مع مجتمعاتهم الإسلامية بطبيعتها التي لا تحتاج إلى أستاذيتهم المغشوشة ولا قيادتهم الفاشلة، إنما تعاونهم على البر والتقوى وما يمكن أن يفلحوا فيه من تربية وتصحيح مفاهيم الدين؛ بعد أن يحسنوا هم فهمها من الأساس.
وأشار إلى أن مطالبات أيديولوجية سواء بالقفز على الثورة أو تنحية أى فصيل من الفصائل إنما هي محاولة لإشعال الفتنة والانحراف ببوصلة الثورة عن مسارها، ومن ثم إضعافها وإشعالها من الداخل، مؤكدًا أن الشعوب أقوى من التنظيمات وأقوى من النظم وأقوى من التحديات الخارجية، شرط عدم تعويقها أيديولوجيًا، وبنجاح الربيع العربي سيأخذ الجميع فرصته في التعبير عن نفسه، وعرض بضاعته بشكل طبيعي على الناس سواء كانوا إسلاميين أو شيوعيين وليبراليين.. إلخ، والناس تختار ما تريد، وهذا حقها الفطري والإلهي والاجتماعي والسياسي.
وأكد “الديب”، في حديثه عن الثورات التي اندلعت في عدة دول عربية، أن حقيقة الأمر التي لا لبس ولا غموض ولا شك فيها هي أن الجماهير العربية خرجت للربيع العربي، مطالبة بحريتها وتحسين مستوى معيشتها، ولم تطالب بهويتها على أي شكل من الأشكال سواء الإسلامية منها أو الاشتراكية أو العلمانية والليبرالية أو الحوثية.
وأضاف أن في هذا عدة دلالات:
أولًا: أنها ثورات بريئة من كل أيديولوجيا ومحاولة استقطاب، وإقصاء لأى جهة من الجهات.
ثانيًا: أنها جاءت تعبر عن الاحتياجات الحقيقية التي يحتاجها الشعب وليست وليدة توجيه أو إملاء من أحد.
ثالثًا: أنها جاءت فطرية، حيث إن الفطرة الاجتماعية للإنسان تحتاج إلى الحرية والعيش الكريم وبعدها يفكر الإنسان فيما يمكن أن يضيفه.
رابعًا: أنها جاءت متوافقة مع ما جاء به الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعًا الصلاة والسلام، مطالبة بالحرية بمعناها الشامل، الحرية التي تحفظ له كرامته الإنسانية في اختيار ما يشاء بداية من الإله الذى يعبده، واختيار من يمثله في الحكم واختيار طريق ونمط عيشه.
قال القيادي الإخواني إبراهيم الديب، إن حقائق الواقع أكدت في أكثر من مرة، أن دخول ما يُسمى بأصحاب الأيديولوجيا سواء كانوا إسلاميين بتصنيفاتهم المختلفة أو حوثيين على خط الثورة، حقَّق فشلًا ذريعًا في ذاتهم، وفى مجتمعهم وثورتهم.
وأضاف “الديب”، على حسابه في “فيسبوك”: “أن هذا كائن وثابت في مصر والسودان وليبيا واليمن لعدة أسباب:
أولًا: أن من يطلقون على أنفسهم إسلاميين لم يحسنوا تمثيل الإسلام بحده الأدنى الذى يجذب الناس ولا ينفرهم، ويوحد المجتمع ولا يقسمه، ويحل له مشاكله ولا يعقدها.
وأكد أننا لا ننسى أبدًا أن الإسلاميين في السودان أسسوا دولة للفساد والاستبداد على مدار ثلاثة عقود متتالية؛ سيظل يعانى منها السودان، بل والدعوة الإسلامية في العالم لعقود طويلة حتى ينساها الناس.
أما الأمر الثاني: أنه ثبت بالبرهان العملي أنهم غير مؤهلين ولا جاهزين كفصيل سياسى، وثبت فشلهم الذريع في إدارة الشأن العام، وتكبيد المجتمع خسائر إستراتيجية، وهذا كائن وثابت في مصر.
وأوضح أن الأمر الثالث الدال على عدم تأهيلهم أنهم جميعًا انحرفوا بالثورة عن مسارها الطبيعي، ولم يمثلوا الشعوب التي خرجت لحريتها وكرامتها وعيشها الكريم.
رابعًا: أنهم تسببوا جميعًا في تقسيم المجتمع، ومنحوا النظم الاستبدادية وداعميهم الإقليميين والدوليين، الفرصة الكافية لتشويه الثورات الشعبية وضربها.
خامسًا: أن الهوية في حقيقتها لا تُفرض على أحد، كما أنها لا تُنزع قصرًا من أحد، إنما الهوية اختيار ذاتي عن قناعة وحب، كما أنها لا تحتاج إلى وصاية أو أستاذية أو تعليم من أحد سواء بشكل مباشر أو بمحاولته توفير البيئة المناسبة لها.
وأوضح “الديب”، أن الأمر لا يحتاج من الإسلاميين إلى تكتيك التراجع أو التخفي بين صفوف الثوار لحين اقتناص الفرص والقفز على الثورات مرة ثانية، الأمر يتطلب منهم مراجعة بوصلتهم الأساسية، وفهم حقيقة رسالتهم مع مجتمعاتهم الإسلامية بطبيعتها التي لا تحتاج إلى أستاذيتهم المغشوشة ولا قيادتهم الفاشلة، إنما تعاونهم على البر والتقوى وما يمكن أن يفلحوا فيه من تربية وتصحيح مفاهيم الدين؛ بعد أن يحسنوا هم فهمها من الأساس.
وأشار إلى أن مطالبات أيديولوجية سواء بالقفز على الثورة أو تنحية أى فصيل من الفصائل إنما هي محاولة لإشعال الفتنة والانحراف ببوصلة الثورة عن مسارها، ومن ثم إضعافها وإشعالها من الداخل، مؤكدًا أن الشعوب أقوى من التنظيمات وأقوى من النظم وأقوى من التحديات الخارجية، شرط عدم تعويقها أيديولوجيًا، وبنجاح الربيع العربي سيأخذ الجميع فرصته في التعبير عن نفسه، وعرض بضاعته بشكل طبيعي على الناس سواء كانوا إسلاميين أو شيوعيين وليبراليين.. إلخ، والناس تختار ما تريد، وهذا حقها الفطري والإلهي والاجتماعي والسياسي.
وأكد “الديب”، في حديثه عن الثورات التي اندلعت في عدة دول عربية، أن حقيقة الأمر التي لا لبس ولا غموض ولا شك فيها هي أن الجماهير العربية خرجت للربيع العربي، مطالبة بحريتها وتحسين مستوى معيشتها، ولم تطالب بهويتها على أي شكل من الأشكال سواء الإسلامية منها أو الاشتراكية أو العلمانية والليبرالية أو الحوثية.
وأضاف أن في هذا عدة دلالات:
أولًا: أنها ثورات بريئة من كل أيديولوجيا ومحاولة استقطاب، وإقصاء لأى جهة من الجهات.
ثانيًا: أنها جاءت تعبر عن الاحتياجات الحقيقية التي يحتاجها الشعب وليست وليدة توجيه أو إملاء من أحد.
ثالثًا: أنها جاءت فطرية، حيث إن الفطرة الاجتماعية للإنسان تحتاج إلى الحرية والعيش الكريم وبعدها يفكر الإنسان فيما يمكن أن يضيفه.
رابعًا: أنها جاءت متوافقة مع ما جاء به الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعًا الصلاة والسلام، مطالبة بالحرية بمعناها الشامل، الحرية التي تحفظ له كرامته الإنسانية في اختيار ما يشاء بداية من الإله الذى يعبده، واختيار من يمثله في الحكم واختيار طريق ونمط عيشه.
الحركة الإسلامية فصلت 2000 شيوعى.. و«الترابى» قبل وفاته: أخطأنا فى تقلد السلطة
بدأ “الترابي”، بقيادة جبهة سياسية تخوض الانتخابات عام 1964م، تجمع بين الإخوان والسلفيين، وإحدى الطرق الصوفية، ثم دخل في صدام مع نظام النميري، وتكلَّم عنه بسوء في تلك الفترة، بل وكتب في كتاب “الحركة الإسلامية في السودان” عن عهد النميري منذ 1969 إلى 1977: “وهو عهد الشطر الأول من سلطة جعفر نميري ونظام مايو الذي أجهض الديمقراطية وأجهد القوى الوطنية والحركة الإسلامية خاصة، وجاء يدفعه أهل الولاء الشيوعي والعُصبة العربية ليُمَكِّنَ الاشتراكية وليستأصل شأفة الإسلام في مظاهره الجديدة”.
وبالرغم من ذلك دخل في مصالحة مع نظام النميري عام 1977م، وشارك معه في السلطة ودخل هو وحركته الاتحاد الاشتراكي التنظيم الوحيد للدولة، ودعم نموذج “النميري” في تطبيق الشريعة (أي أنَّ النميري انتقل من الإلحاد والشيوعية إلى تطبيق الشريعة).
ومن حسن حظه أن انقلب عليه النميري مرة أخرى واعتقله مع آخرين قبل انتفاضة أبريل عام 1985م، مما بيَّض وجهه من فترة ارتباطه بنظام النميري.
ثم دخل في مرحلة ما بعد انتفاضة 1985م، وأسَّسَ “الجبهة القومية الإسلامية” عام 1986م، ودخل بها الانتخابات في نفس العام، وحلَّ ثالثًا بعد حزب “الأمة” الذي حصل على 38% من المقاعد، ثم “الحزب الاتحادي” الذي حصل على 35%، ثم “الجبهة القومية الإسلامية” التي حصلت على 18.5%، وأغلبها مقاعد الخريجين، أي خريي الجامعات، حيث حصلت الجبهة التي يتزعَّمها على 23 مقعدًا من أصل 28 مقعدًا للخريجين.
واستمرَّت هذه الفترة من الحكم المدني الديمقراطي من عام 1986م حتى عام 1989م، وفي أول الأمر شكَّل الحزبان الكبيران “الأمَّة” و”الاتحادي”، الحكومة، ثم في عام 1988م ضمَّا إليهما “الجبهة القومية الإسلامية” بزعامة د. الترابي، وتولَّى فيها منصبي نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، لكنه في نفس الوقت كان يُخطِّط لانقلاب عسكري مع عناصره بالجيش.
وقد حدث ذلك فعلًا عام 1989م، الذي أطلقوا عليه “ثورة الإنقاذ”، والذي ظلَّ جزءًا منه لمدة عشر سنوات، وكان فيها رئيس للبرلمان حتى عام الاختلاف مع البشير عام 1999م.
وعن هذه المواقف يقول المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، إن هذه المواقف: “قد صدمتني شخصيًّا، لأنَّ القوى الإسلامية الحديثة من أكثر الحركات والأحزاب التي عانت من غياب الحريات والاضطهاد، فكيف تستحل لنفسها في السودان الوصول للسلطة عن طريق الانقلاب، فهل الغاية تبرر الوسيلة كما هو المبدأ الميكيافيللي، أم أنَّ المبدأ الإسلامي يقضي أنْ تكون الغاية شريفة وكذلك الوسيلة”.
وأضاف أن الأمر الثاني بعد الوصول إلى السلطة بالانقلاب أن غُيِّبَت الحريات والتعددية الحقيقية التي تتيح تداول السلطة، وهو عكس ما كان يُبَشِّر به د. الترابي في كل أحاديثه في داخل السودان وفي الخارج وفي برلمانات الغرب.
وتابع “ماضي”، قائلًا: وأذكر أنني زرت السودان مرة واحدة بعد انقلاب 1989، وذلك بخلاف زيارة سابقة أثناء تولي السيد الصادق المهدي رئاسة الوزراء عام 1988، وفي المرتين كنت أحضر ضمن اجتماعات اتحاد المهندسين العرب، وكنتُ ضمن وفد يمثل نقابة المهندسين المصرية في ذلك الوقت، وكانت هذه الزيارة الثانية في عام 1993م، والتقينا في منزل نقيب المهندسين السودانيين، المهندس منير يوسف الحكيم، في ذلك الوقت، مع عدد من وزراء الحكومة، فسألتهم: لقد عانت الحركة الإسلامية الحديثة من الظلم والتشريد والطرد من الوظائف، فكيف تفصلون 2000 موظف حكومة بحجة أنهم شيوعيون، فقالوا إننا توقَّفنا الآن، فقلت وما مصير الـ2000؟ كيف تحاربونهم في عيشهم من أجل آرائهم، فسكتوا… ومن بعدها لم أذهب إلى السودان مطلقًا، بالرغم من تكرار الدعوات.
كما لا ننسى موقفه من جنوب السودان، وتصعيده للحرب فيها، وعلى زعيم الجنوب “جون جارانج”، ثم مصالحته له أولًا في عام 2002م، ثم اتفاق السلطة برئاسة “البشير” على استفتاء أدَّى إلى انفصال الجنوب عن الشمال.
وتابع قائلًا: “لقد رأيت في سلوك الحركة الإسلامية السودانية برئاسة الدكتور الترابي تناقضًا صارخًا في المواقف السياسية مع المبادئ السياسية العامة والإسلامية”.
وأشار “ماضي”، إلى أن الترابي صرح بأهم تصريح في حياته وكان مباشرًا، حين صرح في قناة الجزيرة عام 2005 بأنَّ “الحركة الإسلامية لم تقرأ التاريخ الإسلامي جيِّدًا عندما أقدمت على الاستيلاء على السلطة في السودان”، فهل كان هذا التصريح اعترافًا متأخرًا فات أوانه.
الحركة الإسلامية فى السودان بدأت بوصول كتب الإخوان.. وانتهت بانقلاب «البشير»
مرت الحركة الإسلامية السودانية بعدة مراحل، وبالطبع حين نقول الحركة الإسلامية السودانية نقصد بها الحركة الإسلامية الحديثة أي (الإخوان المسلمين)، لأنَّ هناك حركة إسلامية تقليدية يمثلها تياران كبيران ولكل منهما حزب.
التيار الأول هو الحركة المهدية، ولها حزب الأمة، ورئيسه الآن وإمام الحركة هو السيد الصادق المهدي.
والتيار الثاني هو الحركة الختمية، وحزبها الحزب الاتحادي، ويرأسه وأيضًا إمام الحركة هو السيد الميرغني.
الحركة التي انطلق منها البشير ومعه حسن الترابي هي الحركة الإسلامية الحديثة أي (الإخوان المسلمين)، وقد مرَّتْ بعِدَّة مراحل.
المرحلة الأولى: الحزب الاشتراكي الإسلامي (1949 – 1954)
بدأت بوصول دعاة من الإخوان المسلمين عام 1949 إلى السودان، ووصول كُتَيِّبَات ومجلات الإخوان إلى هناك، فبدأت في هذا العام حركة من طلاب الجامعة نتيجة ورد فعل على ظهور الشيوعية والإلحاد، وقاموا بتأسيس حركة متأثِّرة بأفكار الإخوان، وإن لم تكن مرتبطة تنظيميًّا بهم، وأسموها (الحزب الاشتراكي الإسلامي)، وكان من رموزهم “با بكر كرار”، و”ميرغني النصري”، وغيرهما.
المرحلة الثانية: الإخوان المسلمون (1954 – 1964)
تم اختيار اسم الإخوان المسلمين بالسودان بعد المؤتمر الأول عام 1954، واختيار المراقب العام الأستاذ محمد الخير عبد القادر، (والمراقب العام هو أعلى منصب في الإخوان لأي دولة، لأن الذي يرأس الإخوان جميعًا هو المرشد العام).
أما المرحلة الثالثة: جبهة الميثاق الإسلامي (1964 – 1969)
وهو تحالف انتخابي بين الإخوان المسلمين والسلفيين والطريقة التيجانية الصوفية بقيادة الإخوان، وتشكَّل ليخوض انتخابات عام 1964، وهذا التحالف لم يلغ الإخوان المسلمين، بل كانوا جزءًا منه، وكان يقود المكتب السياسي السيد محمد صالح عمر، والأمين العام للجبهة هو د. حسن الترابي.
وكانت المرحلة الرابعة: الإخوان المسلمين مرة أخرى (1969 – 1979)
واختير د. حسن الترابي أمينًا عامًّا لجماعة الإخوان المسلمين عام 1969م، وخرجت قلة من قيادات الإخوان من الجماعة رافضة هذا الاختيار.
وعندما رفض د. حسن الترابي مبايعة التنظيم الدولي للإخوان عام 1979؛ خرجت مجموعة أخرى منهم السيد صادق عبد الله الماجد، والدكتور الحبر يوسف نور الدايم، وتمسَّكت هذه المجموعة باسم الإخوان، واختاروا الدكتور الحبر يوسف نور الدايم مراقبًا عامًّا للإخوان (وهم مجموعة صغيرة العدد، وظلت مرتبطة بالإخوان في مصر حتى الآن، وإن كان البشير قد اختار منهم شخصيات في السلطة بعد خلافه مع الترابي مثل د. عصام البشير الذي عيَّنه وزيرًا للأوقاف).
مرحلة الاتفاق مع «النميرى»
وقد شكل هذه المرحلة، حل التنظيم بشكل نظري والاندماج في الاتحاد الاشتراكي والتغلغل في مؤسسات الدولة التنفيذية والمالية (خاصة قطاع البنوك) حتى عام 1985 (ثورة أبريل عام 1985)، كما سبق وأشرنا، ثم عودته وتشكيل الجبهة الإسلامية القومية من عام 1986 حتى 1989 (عام الانقلاب الذي أطلق عليه ثورة الإنقاذ).
ومن خلال رصد تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة في السودان ولدور الدكتور الترابي فيها، سيجد أنه منذ عام 1964م وحتى وفاة د. الترابي، أصبح هو العنصر الرئيس فيها، والمحرِّك لأحداثها وللأحداث في السودان عامَّة منذ استيلائه على السلطة عام 1989م، حتى عام 1999م عام اختلافه مع البشير، فالكل يعلم قدرات الترابي الفكرية والعلمية سواء الشرعية أو القانونية.
وكان له من الاجتهادات ما أفاد الحركة الإسلامية الحديثة كفتواه بخصوص المرأة ودورها في العمل العام، بل وقام بإشراكها فعلًا في قيادة الحركة وهو أمر سبق فيه الحركة الإسلامية الأم (أي الإخوان المسلمين)، ولكن جرأته على بعض الفتاوى أثارت عليه كثيرًا من الغبار والاتهامات.