50 يومًا على «معركة طرابلس».. 5 أسباب أضاعت حلم الجنرال حفتر

بعد نحو 50 يومًا من المعركة التي وعد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بإنهائها في أسبوعين؛ تحدث رئيس الحكومة الموازية في الشرق، عبدالله الثني، لأول مرة عن استعداد الجيش لوقف إطلاق النار دون شروط، وهي الدعوة نفسها التي أكدتها مصر وفرنسا في انقلابٍ صريح على حليفها الذي بنى تقديراته العسكرية والسياسية على مباغتة طرابلس جنوبًا وغربًا في معركة الوقت. إلا أن خطته ألقت به في حرب استنزافٍ استهلكت قواته التي فشلت في إحراز أية انتصارات فارقة تُمكنه من التفاوض حتى وإن فشل في دخول العاصمة.

وبرغم أنّ رئيس حكومة الوفاق الليبي التقط رسالة غريمه لوقف الحرب، إلا أنه اشترط إيجاد ممثلين آخرين للتفاوض، في إشارة إلى رفضه التفاوض مع حفتر الذي شنّ هجومًا مباغتًا على العاصمة الليبية طرابلس قبل نحو 10 أيام من انعقاد الملتقى الوطني الجامع الذي دعت إليه الأمم المتحدة لتحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والاتفاق حول موعد الاستفتاء على الدستور.

هذا التقرير يشرح لك كيف انقلب الموقف ضد حفتر بداية من تراجع الداعمين الدوليين نهاية بالخسائر العسكرية على الأرض.

1- مظلة الحلفاء تراجعت بهزائم حفتر

فيما كانت قذائف المدفعية التابعة لحفتر تشن هجومًا ضاريًا على مدن غلاف طرابلس بدءًا من مدينة غريان -تبعد 100 كم جنوب طرابلس-، كان وزير الخارجية الأمريكي يتهم الجنرال الليبي بصناعة الفوضى في ليبيا داعيًا إلى الوقف الفوري للهجوم العسكري، ولم يلبث موقف الولايات المتحدة أن انهار كُليًا، عقب إعلان البيت الأبيض أنّ الرئيس الأمريكي هاتف الجنرال الليبي في خضم المعركة التي باركتها واشنطن ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا.

والمعركة نفسها جاءت قبل نحو أسبوعٍ واحد من زيارة حفتر للسعودية التي رأست القمة العربية الأخيرة بتونس، في إشارةٍ أراد حفتر أن يبعثها لخصومه بأنه حصل على الضوء الأخضر لبدء هجومه العسكري الذي أمّنته روسيا وأمريكا عبر عرقلة قرار بمجلس الأمن يهدف لوقف إطلاق النار.

وبعد نحو أسبوعين من المعركة التي شهدت تقدم قوات حكومة الوفاق عسكريًا، طار حفتر صوب القاهرة لإطلاع الرئيس المصري على آخر مستجدات المعركة، وبعدها بعدة أيامٍ ظهرت الذخيرة المصرية والأسلحة الخفيفة في أيدي قوات الجنرال الليبي. وبينما كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية بأنّ السعودية عرضت على حفتر تمويل معركة العاصمة بعشرات الملايين من الدولارات، كانت صحيفة «الجارديان» تُعلن ظهور الطائرات الإماراتية في سماء طرابلس. 

الدعم اللامتناهي الذي حصل عليه أمير الحرب في ليبيا؛ سُرعان ما تلاشى عقب عجزه عن إنهاء المعركة بتحقيق أهدافها، أو إحراز أي تقدم عسكري يُمكّنه من التفاوض مجددًا باعتباره أقوى رجلٍ في ليبيا كما يعتبر نفسه. وبعد 45 يومًا من القتال، ظهرت بوادر تراجع الداعمين الدوليين عن موقفهم عقب الاتهامات الدولية التي لاحقت حفتر بارتكاب جرائم حرب، والتسبب بنزوح نحو 70 ألف مدني، إضافة لقطعه المياه عن الملايين في طرابلس، قبل إعادتها تحت الضغط الدولي.

مظلة الإمارات سُرعان ما أحرجت حليفها عبر وزير خارجيتها أنور قرقاش، الذي أعلن أنّ حفتر لم يتشاور مع أبو ظبي قبل إطلاقه عملية طرابلس. مصر أيضًا التي زارها حفتر مرتين أبدت تراجعًا عن تأييدها الحل العسكري وأعلنت تمسكها بضرورة وقف إطلاق النار، وهو الموقف نفسه الذي تبنته فرنسا بعدما أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا اعتبر فيه أنّ الهجوم على طرابلس تهديدًا للسلم العالمي.

وبالعودة للولايات المتحدة، فالكونجرس الأمريكي وجّه أقوى ضرباته لحفتر عبر توجيه عدد من النواب رسالة إلى النائب العام ومدير الشرطة الفيدرالية، للتحقيق في تورط حفتر في ارتكاب جرائم حرب باعتباره مواطنًا أمريكيًا، والضربة الأقوى تمثلت في اعتبار «كتائب مصراته الإسلامية» هي من حاربت الإرهاب في ليبيا عبر طرد «تنظيم الدولة» عام 2016، وليس الجنرال الليبي الذي فقد داعميه الإقليميين والدوليين.

2- سوء التقديرات العسكرية.. المعركة الأسوأ منذ عملية الكرامة

شهدت الساعات الأولى للمعركة التي اندلعت في 4 أبريل (نيسان) الماضي نجاح الخطة التي اعتمدها حفتر عبر شنّ معارك ضارية ومتفرقة عبر أكثر من جبهةٍ في جنوب العاصمة وغربها، تبدأ من مدينة غريان التي تعتبر أضعف ثغرة جنوبية، للوصول إلى طرابلس الحصينة، وبالرغم من أنه دخلها بدون قتال وزحف نحو مدينة الزاوية إلا أن قواته سُرعان ما انهزمت وخسرت نحو 40 آلية عسكرية، وسقط نحو 120 في الأسر.

خسارة حفتر السريعة كانت مجرد بداية لتقدم حكومة الوفاق التي أطلقت عملية «بركان الغضب»، لاستعادة مدن غلاف العاصمة (صبراتة وصرمان وغريان وترهونة)، والسيطرة على الشريط الساحلي المؤدي لطرابلس، وبينما كانت المعركة على الأرض تسير لصالح قوات حكومة الوفاق، كانت سماء طرابلس الخالية في بداية أيام القتال من استخدام القصف الجوي؛ العامل الأبرز الذي قلب موازين المعركة.

منذ أطلق حفتر أولى معاركه العسكرية في ليبيا تحت اسم «عملية الكرامة» عام 2014، وسلاح الطيران كان له العامل الحاسم الذي أخضع به الشرق الليبي، لكنّ المعركة الحالية شهدت بُعد القواعد الجوية عن مناطق الاشتباكات، وهو ما منعه من استخدام ورقته الرابحة. حتى أنّ ظهور الطائرات الإماراتية المُسيرة في سماء المعركة لم يحسم الصراع، فبينما كانت الطائرات التركية التابعة لحكومة الوفاق تقصف أهدافها بدقة وتقطع خطوط الإمداد وتجبر قوات حفتر على عدم التقدم، كانت «منظمة العفو الدولية» تتهم حفتر بالقصف العشوائي للمدنيين والمناطق السكنية استنادًا على صور الأقمار الصناعية.

ولأن المعركة استندت أولًا على الحرب الخاطفة، فإن تعدد جبهات القتال لم يكن في صالح حفتر الذي قسّم جيشه –يبلغ نحو 25 ألف مقاتل– عبر أكثر من جبهة حول العاصمة، وبينما سحب قواته من الجنوب، عاد «تنظيم الدولة» من جديد للتموضع في الجبهات الخاوية، حيث استهدف مركزًا للجيش بمدينة سبها، فقتل وأصاب نحو 16 شخصًا، وقطع رؤوس الأسرى، بينما أُعدم الآخرون بالرصاص.

والخطأ نفسه يرتكبه حفتر مُجددًا عبر فتح جبهة جديدة للقتال في الشرق، حيث يحشد وحدات عسكرية صوب مدينة سرت -450 كم شرق طرابلس- التي تسيطر عليها «كتائب مصراتة»، القوة المكافئة له، ويهدف المسار الجديد للوصول للعاصمة عبر الطريق الساحلي الشمالي، وهو ما يعني تقسيم جديد لقواته المرابطة في مساحات شاسعة بينها في صحراء ليبيا، حيث أمامهم شمالًا عاصمة تستعصي على السقوط، وخلفهم جنوبًا جبهات مكشوفة تتربص بهم قوات علي كنّة التابعة للوفاق، وقبائل التبو المعارضة لحفتر.

3- حرب طرابلس الإعلامية ضد حلفاء حفتر

بدت حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا في أول أيام المعركة رجل ليبيا المريض الذي يسعى الجميع للتخلص منه، لكنّ السراج الذي ظل وحيدًا في البداية لم يهتز أمام زحف قوات حفتر على العاصمة، حيث استخدم في البداية وسائل الإعلام الأجنبية والعربية بشنّ حرب استنكارية إزاء صمت الحلفاء، نهاية بكتابة مقال في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية مُهاجمًا حفتر، ومعتبرًا أنّ عددًا من الدول تستخدم ليبيا معركة بالوكالة.

وفي الوقت الذي حرصت فيه حكومة الوفاق على نقل صورة تظاهرات سكان طرابلس المناوئة لحفتر؛ كان السراج يقوم بجولة أوروبية شملت روما وبرلين وباريس ولندن وبروكسل ضمن مساعيه لدفع الدول الأوروبية إلى تبنّي موقف مساند لحكومته بإصدار بيان يدين حفتر، ويطالبه بوقف إطلاق النار وانسحابه من المناطق التي سيطر عليها- ما يزال يسيطر سيطرة كاملة على كباري (الزهراء، والطويشة، والعزيزية)، جنوب شرق طرابلس.

وبالرغم أن السراج عاد خالي الوفاض، إلا أنه بعد 10 أيامٍ بدأ حربه المضادة على الغرب بإيقاف تراخيص نحو 40 فرعًا من الشركات الأجنبية الناشطة في ليبيا، وأبرزها شركة «توتال» النفطية الفرنسية، لمخالفة قانون النشاط التجاري، وهو العقاب الذي دفع الاتحاد الأوروبي لإدانة حفتر بعد 40 يومًا من القتال والصمت.

الضربة الكبرى التي سددها حفتر عبر حلفائها تمثلت في إعلان تونس اعتقال مجموعتين يحملون أسلحة وجوازات سفر دبلوماسية فرنسية، وهو ما روجت له حكومة الوفاق بأنهم كانوا يقدمون الدعم العسكري والاستخباراتي لحفتر ضد الحكومة المعترف بها دوليًا.

وبينما حرصت الدول الداعمة لحفتر على رسم الصراع الليبي على أنه صراع علماني ضد الأصولية الإسلامية، وهو المبرر الذي ادّعت أمريكا أنه السبب الذي جعلها تستجيب للضغوط الإماراتية والمصرية لدعم حفتر، بدعوى أنّ المقاتلين في طرابلس لهم ارتباط بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش»؛ استفادت حكومة الوفاق الليبرالية من التهمة الموجهة لها وبدأت في نسج تحالفات جديدة فرضها واقع الحرب.

وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات المسيرة الإماراتية تقاتل إلى جانب صفوف حفتر، ذهب رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري، المحسوب على جماعة الإخوان، في زيارة عاجلة إلى قطر وتركيا التي أعلنت دعمها غير المشروط لحكومة الوفاق لتظهر بعدها المقاتلات التركية في شوراع طرابلس.

وإلى جانب أخطاء حفتر التي تمثلت في القصف العشوائي لمساكن المدنيين وقطاع المياه عن أكثر من مليون شخص في طرابلس، فإن حكومة الوفاق استغلت الضربات التي وُجهت لها، لرسم صورة أكثر وحشية للجنرال الليبي، وهو ما استغلته لاحقًا بالمطالبة باستبعاده من المفاوضات باعتباره عدوًا الديمقراطية والعملية السياسية.

4- إضاعة ورقة التفاوض الرابحة

كان الملتقى الوطني الجامع الذي دعت إليه الأمم المتحدة فرصة ثمينة لحفتر الذي بسط نفوذه على الشرق وأخضع بنغازي -مهد الثورة-، وكسر شوكة درنة –معقل الإسلاميين-، ثم أطلق بعدها عملية «فرض القانون» للاستحواذ على ما تبقى من الجنوب الليبي، وبدلًا من أن يفرض نفسه خلال الملتقى ليكون شريكًا رئيسًا في رسم ملامح المرحلة المقبلة، أعلن بدء معركته الأخيرة لتحرير طرابلس والتي فقد معها ورقته الرابحة.

وخلال المعركة سحب حفتر قواته من الشرق واتجه غرب طرابلس مُعرضًا قواته في الشرق لهجومٍ مضاد كان بإمكان كتائب مصراته أن تقوم بهجومٍ مضاد على مدن وسط ليبيا وقطع خطوط الإمداد، وهو نفسه الذي حدث في الجنوب عندما ترك ظهر قواته لـ«تنظيم الدولة» الذي شنّ هجمات، وهو ما أظهره بأنه ليس الرجل القوي في ليبيا، لأنّ أي هجومٍ مضاد قد يفقده أراضيه بسهولة.

والخطة نفسها تبنتها حكومة الوفاق التي أعلنت عقب انتصارها العسكري أن المعركة انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم المضاد، وفي الوقت نفسه كان حفتر الذي يواجه أزمة مالية لتمويل حربه، يوجّه قواته إلى المحافظة على الذخيرة.

وبعدما فشل في تحقيق أي نصرٍ عسكري، ذهب في جولة خارجية شملت روما وباريس لبحث «وقف إطلاق النار» بعدما فقد مدن غلاف العاصمة، وهي الورقة الأخيرة، التي وافقت عليها حكومة الوفاق قبل أن تشترط خوج حفتر من العملية السياسية لتضعه أمام خيارين؛ الاستسلام أو الهزيمة.

5- صمود الساعات الأولى لميليشيات العاصمة

اعتمد حفتر على خدعة عسكرية قبل نحو ثلاثة أسابيع من المعركة؛ إذ اعتمد على تكتيك إزاحة قواته صوب مدينة سرت -450 كم شرق طرابلس-، هو ما بدا إعلانًا صريحًا ببدء اشتباكاته مع القوة الإسلامية المكافئة له، والتي تحمل وحدها نصف العتاد العسكري الذي خلفه القذافي في المخازن التي نُهبت عقب سقوط نظامه، إضافة لنحو 17 ألف مقاتل، و5 آلاف عربة مسلحة، ومئات الدبابات، بالإضافة إلى صواريخ أرض- أرض متوسطة المدى.

لكنه سحب قواته صوب المناطق التي يسيطر عليها في الجنوب والشرق، وعاد لمباغتة العاصمة عبر أضعف ثغراته من الغرب، بداية بمدينتي غريان والزاوية، النقطتان الأبعد عن أقوى «كتائب مصراته».

حتى تلك اللحظة كان حفتر مدعومًا إلى جانب جيشه بالأموال السعودية، والذخيرة المصرية، والطائرات الإماراتية، بالإضافة إلى التجاهل الدولي، وعلى جانبٍ آخر لم تكن حكومة الوفاق قد حصلت بعد على الدعم التركي، ولا استطاعت كتائب مصراته الوصول لأماكن الاشتباكات لحماية المدينة، ويُنسب الفضل لصمود الساعات الأولى إلى قوات حماية طرابلس التي تتشكل من (كتيبة ثوار طرابلس، وقوات الردع الخاصة، وكتيبة النواصي، وقوات الأمن المركزي).

كان تحييد سلاح الطيران في الساعات الأولى السبب الرئيس الذي مكّن كتائب طرابلس من استعادة مدينتي غريان والزاوية التي سيطرت عليهما قوات حفتر في الساعات الأولي، وفي الوقت الذي اعتمد فيه الجنرال الليبي على فتح عدة جبهات للقتال بهدف إضعاف كتائب العاصمة، قامت قوات الردع الخاصة التي تتمركز في قاعدة معيتيقة الجوية بالاشتباك مع قوات حفتر التي سيطرت على المطار قبل أن تفقد الجزء الأكبر منه.

كما بادرت بادرت كتيبة ثوار طرابلس بصدّ الهجوم إلى حين وصول الدعم العسكري من المنطقة السعكرية الوسطى والغربية، إلى جنوب شرق وغرب طرابلس، ونتيجة لثبات الساعات الأولى تغيرت موازين القوى في المعركة، بوصول جميع الميليشيات إلى مواقعها، وهو ما كان سببًا لإعلان الجولة الثانية من القتال التي اقتصرت على سلاح الجو.

Check Also

النمسا ترسل 81 جندياً إلى مهمة الأمم المتحدة في لبنان

أرسلت النمسا 81 جندياً، من بينهم 10 سيدات، للانضمام إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في …