وجهة نظر: اليمينيون المتطرفون في النمسا يكشفون عن وجههم القبيح

تسجيلات جزيرة “إيبيتسا”” للقاء السري لنائب المستشار النمساوي، هاينتس كريستيان شتراخه، مع ممثلة أحد الأثرياء الروس المزعومين، أشبه بالأفلام. فهيئة زعيم الحزب السابق لحزب الحرية مسترخياً على الأريكة وسكراناً دون قيود هدية لخصومه السياسيين وإنذار للمستشار المحافظ سيباستيان كورتس. فشتراخه نزع ما تبقى من قناع المواطنة. وما يظهر هو وجه قبيح.

الطبيعة الحقيقية لحزب الحرية كانت معروفة منذ مدة

في الحقيقة لم تأت “عملية إيبيتسا السرية” بمعلومات غير متوقعة حول سجية شتراخه وأصدقائه في الحزب. لكن الأكثر إذهالاً هي وقاحة رجل حزب الحرية في تعهده لمستثمرين روس بالحصول على صفقات حكومية مقابل تبرعات مالية، وسعيه للسيطرة على صحيفة كبيرة وإلقائها في نفس السلة. شتراخه كان يتصرف وكأن جمهورية الألب بسكانها ملك له.

هذه التسريبات تأتي بعد سلسلة من الفضائح وضعت التحالف الحكومي بين المحافظين واليمينيين في فيينا تحت ضغوط. فكان هناك تواصل بين حزب الحرية مع عضو ممن يسمون بـ”أصحاب الهوية” القومية، الذي حصل على بعض المال من إرهابي مسجدي كرايستشورش. وشن حزب الحرية حملة ضد التلفزة العامة، لأن مقدم برامج طرح سؤالاً مشروعاً حول قرب كاريكاتير من الفكر النازي النابع من شبيبة حزب الحرية.

سياسي آخر من حزب الحرية قارن الناس بالجرذان، وفي بعض الأمسيات السامرة التي حضرها مقربون من الحزب، سُمعت بعض الأغاني النازية. سلسلة الحوادث هذه لا تنقطع. فحزب الحرية يتحرك منذ مدة خارج الإطار الديمقراطي للأحزاب، لأنه تخلى عن قصد عن رسم حدود واضحة بينه وبين النازيين الجدد ومجموعات يمينية متطرفة أخرى.

صفعة في وجه التحالف اليميني في الانتخابات الأوروبية

وبالنسبة للتحالف المزمع للأحزاب اليمينية والشعبوية في الانتخابات الأوروبية المقبلة، فإن هذه القضية ضربة قوية. فرُوادها يهزون أكتافهم ويصورون أنفسهم كضحايا حملة تشويه أو كأبرياء. لكن قضية حزب الحرية تبين مجدداً أنهم لا يريدون إصلاحاً في أوروبا، بل تدميرها، وأن نموذجهم السياسي متجذر جزئياً في روسيا وكذلك في الفاشية. فآمال وزير داخلية إيطاليا وزعيم حزب رابطة الشمال، ماتيو سالفيني، في كسب حزب الشعب الأوروبي المحافظ كشريك في تحالف والتأثير على السياسة الأوروبية ستكون بعد “فضيحة إيبيتسا” قد تبددت.

ابتعاد فاتر

خلال سير حملته لانتخابات البرلمان الأوروبي، باعد المرشح الرئيسي لحزب الشعب الأوروبي ما بينه وبين سالفيني، وأشار مانفريد فيبر إلى أنه قال منذ مدة إن المتطرفين اليساريين واليمينيين لا يمثلون الحل. لماذا ذكر فيبر اليساريين، بينما الأمر يتعلق بيمينيين متطرفين؟ كما أن سبب كون نأيه فاتراً يبقى مبهماً.

للأسف، كان مانفريد فيبر هو الذي قدم التغطية لنهوض معادي الديمقراطية فيكتور أوربان كحاكم مستبد في المجر يحارب القيم والقواعد الأوروبية. وللأسف يظهر أوربان كنموذج لسالفيني وآخرين يريدون نسخ وصفته السياسية.

هل بات مانفريد فيبر يخجل الآن من الحديث عن فضيحة حزب الحرية النمساوي؟ إذا لم يع فيبر الآن ما الذي يُحاك في الزاوية اليمينية في البرلمان الأوروبي وأنه لا يمكن أن يتحالف مع مثل هذه الأحزاب، فإن لا شيء سيستطيع مساعدته.

من يخوض في المستنقع يتسخ

اعتقد مستشار النمسا، سيباستيان كورتس، طويلاً أن بإمكانه ترويض النمر – حزب الحرية. لكن في الآونة الأخيرة تخلى “الأحرار” عن كل التحفظات وصعّبوا عليه الائتلاف بشكل متزايد. يريد كورتس الحفاظ على ما تبقى من مصداقيته كمحافظ، لكن شتراخه ومن معه دفعوا حكومته باستمرار إلى الزاوية اليمينية المتطرفة. فكان عليه الاعتراف بأن هذا الائتلاف لا يمكن الإبقاء عليه على المدى الطويل ولن يصمد.

الأمر في الحقيقة جد بسيط: من يخوض في المستنقع سيتسخ. من يعتقد أن بإمكانه التحالف مع يمينيين متطرفين وأصدقاء النازيين الجدد، فإنه سيتحول إلى مطية لهم. لا يمكن عقد تحالفات سياسية مع أناس يصفون الديمقراطيات الغربية بأنها “منحطة” ويمدحون دكتاتوريات على نموذج بوتين. فقضية “شتراخه في إيبيتسا” هي إنذار أخير لكل من يعتقدون في أوروبا أن بإمكانهم التحالف مع اليمينيين المتطرفين والبقاء كديمقراطيين. فقد بات الوقت متأخراً لرفع شعار: “احذروا البدايات”، بل يجب القول في هذه الأثناء: “لا تستمروا بكل حال في هذا النهج”.

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …