على ضوء قرار الولايات المتحدة الأخير بتصنيف قوات الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية، ورد إيران بالمثل في ما يتعلق بجميع القوات الأمريكية، تزداد أكثر مع الوقت احتمالية نشوب صراعٍ عسكري بين الطرفين. فمن ستكون له الأفضلية؟ ومن يمتلك أسلحة أفضل؟ هذا ما تناوله الباحث زاكاري كيك في تقريره لمجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية.
تاريخٌ من العداء
بدأ كيك تقريره بالإشارة أنَّ ميلاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية صاحبته حالةٌ من العداء تجاه الولايات المتحدة. وألهب زعماء الثورة الحس الثوري بقيادة آية الله العظمى روح الله الخميني، رجل الدين الثائر، عن طريق تحميل «الشيطان الأكبر» -كما تصف إيران الولايات المتحدة- المسؤولية عن أي جرائم حقيقية أو مُتخيلة.
تُرجِمَ هذا العداء إلى تحرُّكٍ على أرض الواقع سريعًا. وبدأ طرفا القتال في استهداف شحنات النفط الخاصة بالطرف الآخر مع اشتداد وتيرة الحرب العراقية الإيرانية في عام 1984، باعتبارها طريقةً لحيازة الأفضلية العسكرية. وحسبما ورد في موقع «جلوبال سيكيوريتي»: «تعرضت 71 سفينة تجارية للهجوم في عام 1984 وحده، مقارنةً بنحو 48 سفينة في السنوات الثلاث الأولى للحرب».
أثار هذا الأمر غضب القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي أرسلت قوةً بحرية لمرافقة ناقلات النفط والسفن التجارية التي تعبر الخليج العربي. وأدى هذا إلى تبادل إطلاق النار بين الولايات المتحدة وإيران في عدَّة مناسبات. وليس من المفاجئ أنَّ الولايات المتحدة تفوقت في غالبية هذه العمليات القتالية.
بحسب كيك، ساعد هذا في ترسيخ صورة الولايات المتحدة باعتبارها عدو الشعب الأول داخل عقول كثيرٍ من القادة الإيرانيين، بمن فيهم قادة الجيش. ومنذ ذلك الحين، حاولت إيران تطوير القدرات العسكرية غير المتماثلة لمعادلة الكفة أمام التفوق التقليدي الذي لا يُقهر للولايات المتحدة.
لكن يوضح الباحث أنَّه ما تزال هناك خمسة أسلحة أمريكية تُسيطر على تفكير الإيرانيين، وهي:
1- طائرات إف-22 رابتور
يشير كيك إلى أنَّ الطائرات الإيرانية بدأت في استهداف الطائرات الأمريكية بدون طيار التي كانت تُجري عمليات الاستطلاع وتراقب إيران في عام 2013، لذا قرَّرت واشنطن تزويد الطائرات بدون طيار بطائرات مرافقة مهمتها حماية الأهداف الجوية عالية القيمة. وهذه الطائرات كانت عادةً من مقاتلات «إف-22» رابتور، وذلك لأسبابٍ وجيهة.
فبحسب تقريره، تتفوق هذه المقاتلات الأمريكية من الجيل الخامس على طائرات «فانتوم إف-4» الإيرانية أمريكية الصنع، لدرجة أنَّ طياري مُقاتلات «إف-22» تلاعبوا بنظرائهم الإيرانيين في أكثر من مُناسبة. وأوضح رئيس هيئة أركان القوات الجوية هذا الأمر حين تطرَّق إلى واحدةٍ من تلك المناسبات، قائلًا:
وفي حالة اندلاع نزاع مسلح بين الطرفين، يعتقد كيك أنَّ المقاتلة «إف-22» أحادية المقعد وثنائية المحرك، ستكون ضروريةً في الدقائق الأولى في محاولات الولايات المتحدة لتحقيق التفوق داخل المجال الجوي الإيراني. ولحسن الحظ، يعتبر هذا النوع من المهام تحديدًا هو الذي صُمِّمَت من أجله الطائرة «إف-22»، ولن تكون لدى الجيش الإيراني سبلٌ ناجعةٌ في مواجهتها.
وبعد مساعدة الولايات المتحدة في تحقيق التفوق، يمكن استغلال المقاتلات في عددٍ من المهام المختلفة، مثل شن الهجمات على الأهداف الأرضية، والحرب الإلكترونية، وجمع الإشارات الاستخباراتية. وليس من العجب أنَّ الولايات المتحدة تنشر المزيد منها في قواعدها الجوية داخل الخليج، حين تتصاعد التوترات مع إيران.
2- قاذفة القنابل بي-2
بحسب كيك، يُمثِّل البرنامج النووي الإيراني المُزدهر أكبر تهديدٍ يُثير خوف الولايات المتحدة من إيران. ولهذا السبب قال كل رئيسٍ أمريكي إنَّ كل الخيارات ما تزال مطروحة في ما يتعلَّق بالبرنامج النووي الإيراني.
وستُؤدِّي قاذفة القنابل الخفية «بي-2» دورًا بارزًا في العمليات في حال اضطرت الولايات المتحدة إلى اللجوء للخيار العسكري في مواجهة برنامج إيران النووي. وذلك لأنَّ الجغرافيا الهائلة القاسية التي تتمتع بها إيران تُعد أحد أفضل الدفاعات لديها.
فالجمهورية الإسلامية أكبر ثلاث مرات من العراق، ويساوي حجمها تقريبًا حجم جميع دول أوروبا الغربية. وتقع أغلب منشآتها النووية الرئيسية، إضافةً إلى بعضٍ من أهم المواقع العسكرية، في عُمق البلاد. وبعضٌ من هذه المواقع والمنشآت تقع بالقرب من المدن الرئيسية، مثل منشأة فوردو للتخصيب النووي التي تقع بالقرب من مدينة قُم، والتي تتمتَّع بمكانةٍ دينية كبيرة لدى الشيعة.
لهذا السبب ستحظى قاذفة القنابل الخفية «بي-2» بأهميةٍ رئيسية في أي هجومٍ أمريكي على برنامج إيران النووي، حسبما يرى كيك. إذ تُمثِّل القاذفة «عنصرًا رئيسيًّا من مكونات ترسانة الضربات بعيدة المدى في البلاد، وواحدةً من أكثر طائرات العالم قدرةً على النجاة»، بحسب شركة «نورثروب جرومان» التي تصنع الطائرة.
تتمتَّع الطائرة بالقدرة على اختراق المناطق شديدة التحصين، واجتياز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، إلى جانب إمكاناتٍ تتراوح بين القدرة على الطيران لـ«6 آلاف ميل بحري دون الحاجة إلى إعادة التزوُّد بالوقود، و10 آلاف ميل بحري إثر تزويدها بالوقود جوًا لمرة واحدة».
وتستطيع قاذفة القنابل الخفية بي-2 أيضًا نقل حمولاتٍ كبيرة، وتوجيه ضرباتٍ دقيقة، وهي مهماتٌ ضرورية لضمان قدرة الولايات المتحدة على تدمير المنشآت النووية في أقل عددٍ ممكن من الموجات الهجومية. وأوضحت الشركة أنَّ كل قاذفة «تستطيع حمل أكثر من 20 طنًّا من الذخيرة التقليدية والنووية، وضرب أهدافها بدقةٍ في ظل أي ظروف مناخية».
3- قنبلة الاختراق الهائل جي بي يو-57 إيه/بي
يشير كيك إلى أنَّ القاذفة «بي-2» تكتسب أهميتها في الغارات الأمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني لسببٍ آخر أيضًا؛ إذ إنَّها تحديدًا الطائرة الوحيدة القادرة على حمل سلاح الجو المعروف بـ«قنبلة الاختراق الهائل جي بي يو-57 إيه/بي».
لم تحاول الولايات المتحدة إنكار الغرض من هذه القنبلة الهائلة التي تخترق التحصينات. وفي حال قررت شن هجومٍ ضد البرنامج النووي الإيراني، فمن شبه المؤكد أن تستخدم قنبلة الاختراق الهائل لتدمير منشأة فوردو للتخصيب النووي، وهي المنشأة المدفونة في نقطةٍ عميقة داخل أحد الجبال.
يبلغ حجم هذه القنبلة التي تصنعها شركة «بوينج» الأمريكية ستة أضعاف ثاني أكبر قنبلة مخترقة للتحصينات في الترسانة الأمريكية أو الإسرائيلية، ويصل وزنها إلى 13600 كيلوجرام، مع قُطرٍ يصل إلى 80 سم، وطولٍ يبلغ 6.25 متر.
بحسب التقرير، بدأ مشروع القنبلة أوائل عام 2004، وتسارعت وتيرة العمل تحت إشراف وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (داربا) في السنوات اللاحقة. إذ بدأت الاختبارات تحت إشراف الوكالة في عام 2008، ونُقِل البرنامج إلى القوات الجوية في فبراير (شباط) 2010. وفي عام 2012، أمرت القوات الجوية بتطوير قنبلة الاختراق الهائل، وبدأت في إجراء اختباراتٍ على القنبلة المُطوَّرة عام 2013.
وتشير التقارير إلى أنَّ القنبلة تحمل حوالي «2404 كيلوجرامات من المواد المتفجرة، وتتمتَّع بقوةٍ تفجيرية تتجاوز 10 أضعاف قوة قنبلة (بي إل يو-109)، النسخة السابقة من القنبلة الحالية». يسمح ذلك لها باختراق حوالي 18.288 متر من الخرسانة المسلحة، وتفجير أهدافٍ على عمق 61 مترًا تحت الأرض؛ مما يجعلها قادرةً على تدمير أكثر الأهداف التي يصعب الوصول إليها تحت سطح الأرض.
4- المُدرَّعة البرمائية القتالية
إلى جانب الأسلحة النووية، تُهدِّد إيران الولايات المتحدة بقدراتها وأسلحتها في منظومة «منع الوصول»، التي تمنع وصول القوات المُعادية إلى مناطقها. وحسبما أوضح كيك، تحتل الصواريخ المضادة للسفن المركز الأول على قائمة الأسلحة التي تتضمَّنُها المنظومة الإيرانية، على غرار الصين. لكنَّ الصين تتفوَّق على إيران بفضل التطوُّر الكبير لترسانتها من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى المُوجَّهة بدقة.
ولتعويض ذلك، ستُضطر إيران إلى الاعتماد على أفضليتها الجغرافية في تنفيذ أي استراتيجية مبنية على تلك المنظومة ضد الولايات المتحدة في الخليج العربي. إذ تمتلك طهران أطول خطٍ ساحلي يُطِلُّ على مضيق هرمز، إذ يبلغ طوله 2182 كيلومترًا، في حين يمتد الساحل العربي بطول 480 كيلومترًا فقط.
وأوضح روبرت كابلان أنَّ المعالم الجغرافية، مثل «الخلجان والمداخل والتجاويف البحرية والجزر» بطول ساحل إيران، تُعَدُّ بمثابة مواقع مثالية لإخفاء أنظمة أسلحة على مسافةٍ قريبة من الأصول البحرية الأمريكية العاملة في الخليج العربي.
وربما يدفع هذا السبب الولايات المتحدة إلى الاستيلاء على بعض ممتلكات إيران الساحلية، ومنها جزر الخليج العربي الثلاثة: أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى، في حالة نشوب صراعٍ بين إيران، والولايات المتحدة داخل الخليج العربي؛ نتيجة محاولة إيران إغلاق مضيق هرمز مثلًا. وهذا سيُجبر الولايات المتحدة على تنفيذ عمليات إنزالٍ برمائية، وهي عملياتٌ أصبحت بالغة الصعوبة في ظل انتشار الذخائر الموجهة بدقة.
لكن وفقًا للتقرير، تمتلك قوات مشاة البحرية الأمريكية سلاحًا مُناسبًا لهذه المشكلة، وهو «المُدرَّعة البرمائية القتالية 1.1». الكثير من المعلومات الخاصة بهذه المُدرَّعة غير معروفة، لكن يوضح كيك أنَّ طلب المعلومات الأصلي الصادر عام 2011 كان قد طلب تصميم مُدرَّعةٍ قادرة على «الإنزال ذاتيًّا من السفينة البرمائية، ونقل فرقة مشاة بحرية مُعزَّزة (تتألَّف من 17 فردًا من أفراد مشاة البحرية) إلى مسافةٍ تبلغ 19.31 كيلومتر أو أبعد، وبسرعةٍ تتجاوز 14.82 كيلومتر في الساعة».
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ قوات البحرية طالبت أن تكون المُدرَّعة «قادرةً على حمايتها من تهديدات النيران المباشرة وغير المباشرة، والألغام، والعُبوَّات الناسفة».
وأوضح مشاة البحرية أنَّهم يخفضون بعض متطلبات المُدرَّعة منذ ذلك الحين، بسبب التكلفة في المقام الأول، في ظل تَعرُّض البرنامج لانتقاداتٍ كبيرة داخليًّا. علاوةً على ذلك، ربما يضطر مشاة البحرية إلى زيادة الاعتماد على النسخة المُطوَّرة من «المُدرَّعة الهجومية البرمائية 7» في الوقت الحالي.
وما تزال هناك نسخةٌ من «المُدرَّعة البرمائية القتالية 1.1» تحت الاختبار، ومن المتوقع أن تصل إلى القدرة التشغيلية الأولية بحلول عام 2020. وسيعقُب ذلك إطلاق نسخةٍ أفضل هي «المُدرَّعة البرمائية القتالية 2.0»، حين ترقى التكنولوجيا المُتوفِّرة إلى الاحتياجات المتوقعة. ولا تحمل هذه الأنباء الخير لإيران، حسبما يرى كيك.
5- أسلحة الليزر
يعتقد كيك أنَّ أنظمة الليزر العسكرية تتحوَّل سريعًا إلى حقيقةٍ واقعية، رغم أنَّها ما تزال في مراحل تطويرها الأولى. وأوردت مُختلف التقارير الإخبارية أنَّ القوات البحرية اختبرت منظومة أسلحة ليزر مُؤخرًا، وخرجت بنتائج «تجاوزت توقعاتها بشأن مدى سرعتها وفعاليتها في تعقب الأهداف الصعبة وتدميرها».
ويرى الباحث أنَّ هذه النتائج تُشكِّل خطرًا على إيران ومنظومة «منع الوصول» التي تُطبِّقها؛ إذ إنَّ واحدةً من أهم قدرات المنظومة الإيرانية هي استخدام أساطيل ضخمة من الزوارق السريعة خفيفة التسليح في «اجتياح» السفن البحرية الأمريكية داخل الخليج العربي.
فضلًا عن أنَّ إيران استثمرت الكثير من الأموال في تطوير الطائرات بدون طيار. وهناك أسبابٌ منطقية للاعتقاد بأنَّ إيران ربما تستخدم بعضها لاجتياح القطع البحرية الأمريكية، رغم أنها تستخدم في أغراض متعددة.
وتسعى إيران في الحالتين إلى استخدام أسلحة كثيرة زهيدة الثمن في التغلُّب على أسلحة قليلة باهظة التكلفة، أي أنَّ تكتيكات الاجتياح السربي تسعى إلى استغلال الرياضيات البسيطة في التغلُّب على الأنظمة العسكرية الأمريكية المُتفوِّقة. ويقتضي نجاح تلك التكتيكات -بحسب كيك- أن تُحاكي أسلحة الاجتياح السربي تكلفة الصواريخ الزهيدة، والتي تُستخدم في الهجوم أكثر من الدفاع.
لكن تسعى أنظمة الليزر إلى حرمان تكتيكات الاجتياح السربي من هذه الميزة. إذ يسمح الليزر للقوات الأمريكية بتدمير أسراب كبيرة من الزوارق السريعة، أو الطائرات بدون طيار بتكلفةٍ زهيدة، بدلًا من اللجوء إلى تكتيكات الدفاع باهظة التكلفة التي تستخدم الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ الدفاع الجوي في التصدِّي للاجتياح السربي.
وقالت البحرية الأمريكية إنَّ تكلفة هذه الأنظمة الليزرية تُقدَّر بحوالي 1% من تكلفة أنظمة الصواريخ الحالية، إذ تصل تكلفة الطلقة الواحدة من مصدر طاقة مُوجَّه إلى دولارٍ أمريكي واحد. ومن المهم أيضًا أنَّ الليزر هو سلاحٌ لا ينفد على الإطلاق، بعكس الصواريخ التي تُضطر السفن الحربية إلى حمل عددٍ محدودٍ منها لضيق المساحة.
وعن ذلك قال الأدميرال ماثيو كلندر، رئيس الأبحاث البحرية، عن الأنظمة الليزرية في العام الماضي: «إنها قدراتٌ ثورية… فهذه التكنولوجيا ميسورة التكلفة ستُغيِّر الطريقة التي نحارب بها، وستنقذ الكثير من الأرواح».
ولا يرى كيك عجبًا في الأنباء عن أنَّ القوات البحرية تختبر حاليًا منظومة أسلحة الليزر داخل الخليج العربي، على متن السفينة «يو إس إس بونس»؛ إذ تحتوي تلك السفينة على مدفعٍ يستخدم «القوة الكهرومغناطيسية لإطلاق صاروخٍ يصل مداه إلى 201.168 كيلومتر، بسرعةٍ تُعادل 7.5 أضعاف سرعة الصوت».
وتتوقع القوات البحرية إصلاح مكامن الخلل في منظومة أسلحة الليزر خلال السنوات المُقبلة، رغم أنَّ أسلحة مثل تلك ما تزال تُواجِه مُشكلاتٍ تقنية مثل عجزها عن العمل في الظروف المناخية السيئة. وحين تنتهي أعمال الإصلاح هذه ويُصبح الليزر جاهزًا للحرب، يرى كيك أنَّ إيران ستصبح في مشكلةٍ كبيرة.