قبل أكثر من نصف قرن تطوّع الشاب خليفة بلقاسم حفتر في الجيش الليبي، وكان في الثالثة والعشرين من عمره.
كان ذلك في عام 1966 في عهد الملك إدريس الأول. وبعد ثلاثة أعوام فقط، انضم إلى انقلاب معمر القذافي ضد الملك.
كان برتبة ملازم أول حين شارك في انقلاب القذافي على النظام في سبتمبر/أيلول 1969. حفتر من مواليد عام 1943 بمدينة أجدابيا غرب بنغازي.
الآن في 2019 يشغل حفتر الدنيا بمغامراته العسكرية والسياسية، منذ انقلابه «التلفزيوني» على قناة العربية عام 2014، إلى هجومه على العاصمة طرابلس في بداية أبريل/نيسان 2019. الهجوم الذي وصفه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا بأنه «محاولة لتنفيذ انقلاب عسكري»، كما أكد المبعوث الأممي أن دولاً عديدة تدعم حفتر منذ أكثر من ثلاث سنوات بحجة مواجهته الإرهاب، غير أن هدفه في الحقيقة هو السيطرة على العاصمة طرابلس.
من هو «الجنرال المهزوم» والقائد العسكري الذي يَعِد الشعب الليبي الآن بإنقاذ البلاد؟
وما هي «الدول العديدة» التي صنعته على أعينها، وزوّدته بالمال والعتاد والسلاح، بل وبالغطاء الأيديولوجي أيضاً؟
وما المصالح الحقيقية لكل اللاعبين على أرض ليبيا من أشقاء وأصدقاء وغيرهم؟
هذا التقرير يقدم قراءةً في سجل حفتر العسكري والسياسي، ويستعرض قواعد اللعبة الليبية المخيفة، التي لا يمكن التنبؤ بنهايات حزينة أو سعيدة لها من الآن.
السيرة العسكرية – هزائم غير مسبوقة وتقلبات مريبة في المواقف السياسية
يبدأ ملف خدمته بواقعة مجللة بعار الهزيمة، وكان ذلك في عام 1987.
كان قائد حملة حربية ضخمة العتاد والعداد لغزو تشاد وتغيير نظام الحكم فيها. لكنها انتهت بهزيمة مُخزية للجيش الليبي في معركة وادي الدوم شمال تشاد، وقع خلالها العقيد حفتر مع المئات من ضباطه وجنوده في الأسر. ولأسباب لا تزال غير واضحة تخلَّى القذافي عنه وعن رجاله ورفض التفاوض مع تشاد.
ونتيجةً لوساطة أمريكية عند الرئيس التشادي وحلفائه الفرنسيين، عرضت تشاد على الأسرى العودة إلى بلادهم أو نقلهم للإقامة في الولايات المتحدة، وكان العقيد حفتر على رأس من اختار الرحيل غرباً، وعاش لاجئاً سياسياً، في عملية وصفتها وكالة الأنباء الفرنسية بالغامضة.
أصبح القائد المهزوم معارضاً لرئيسه!
حصل العقيد المهزوم على الجنسية الأمريكية واستقر بفيرجينيا في بلدة يقطنها عدد كبير من موظفي وكالة الاستخبارات المركزية، حيث سُمح له بإنشاء معسكرٍ تدريبي للجيش الوطني الليبي.
انضم حفتر إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وشغل فيها منصب قائد الجيش الوطني. وبدأ يخطط من منفاه لانقلابٍ عسكري. ووضع في ملف خدمته واقعةً أخرى مجللة بالفشل وغباءِ التخطيط.
تم كشف المحاولة، واعتقل القذافي مدبريها قبل تنفيذها بأيام في أكتوبر/تشرين الأول 1993.
عاد الجنرال الفاشل إلى سيده الأول تائباً معتذراً.
قبل التصالح مع النظام برعاية مصرية تم بموجبها ضمان إقامته وعائلته في مصر شرط عدم ممارسته أي عمل سياسي مُعارض لنظام القذافي. وهكذا كتب القائد العسكري بيده صفحةً ثالثة في سجل هزائمه الفريدة.
لكنه بعد انتفاضة 17 فبراير/شباط 2011 عاد إلى المعارضة بلا تردد، ولا خجل.
سافر من القاهرة براً، وفي بني غازي انضم لقوات المتمردين التي كانت تضم عسكريين ومدنيين متطوعين.
اختفى شهوراً طويلة قبل أن تعيده قناة «العربية» السعودية إلى عناوين الأخبار، بإعلانه انقلاباً عسكرياً.
كان البيان يتحدث عن أوهامٍ ويؤكد استيلاء حفتر على مواقع عسكرية وحيوية في العاصمة، وتجميد عمل البرلمان والحكومة، ويعرض «خارطة طريق»، على غرار ما فعله الفريق عبدالفتاح السيسي في مصر.
كان الانقلاب حدثاً افتراضياً تماماً، برعاية الفضائية السعودية.
وعاد حفتر إلى النسيان إلى أن ظهر في بنغازي يقود بضع مئات من الجنود في مواجهة ميليشيات إسلامية مسلحة، وانضم المزيد من المقاتلين للقوة الصغيرة، التي أصبحت نواة «الجيش الوطني الليبي».
وبضغط من أنصاره في مجلس النواب وأعيان وشيوخ القبائل ودعم قادة محاور القتال، قام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عيسى، بصفته القائد الأعلى، بتعيينه قائداً عاماً للجيش، وترقيته إلى رتبة فريق وفيما بعد إلى رتبة مشير.
وكان ذلك في مارس/آذار 2015.
ونجح في تقديم نفسه على الساحة الخارجية باعتباره خَصم الإسلاميين في ليبيا، وهو ما أكسبه دعمَ دولتي الإمارات ومصر، كما قام بالتحريض على المؤتمر الوطني الذي انتُخب بعد الثورة الليبية.
ورغم الدعم المصري والإماراتي لحفتر، فقد استغرق الأمر منه ثلاث سنوات لكي يعلن السيطرة على بني غازي كاملة في يوليو/تموز 2017، علماً بأن الشرق الليبي يعتبر المعقل الرئيسي لحفتر وحلفائه، بينما الغرب الذي يوجد به العاصمة طرابلس يعد معقلاً لخصومه.
الهجوم على طرابلس – فشلٌ عسكري ينتظر غطاء الأصدقاء لتمريره في مجلس الأمن
وبعد سنواتٍ من الاضطرابات في ليبيا، اعتقد مبعوثو الأمم المتحدة أنهم كانوا هذا الشهر، أبريل/نيسان، على وشك إبرام اتفاقٍ من شأنه جمع فصائل البلاد في مؤتمرٍ للتوافق على حكومةٍ موحّدة وخطة للانتخابات. ثم شنَّ خليفة حفتر (75 عاماً)، أمير الحرب الذي يتطلَّع ليصبح ديكتاتور ليبيا القادم، هجوماً على العاصمة طرابلس أدى إلى تمزيق عملية السلام، وربما يقود إلى حربٍ أهلية عربية أخرى مدمرة.
أراد اللواء المنشق أن يعيد إنتاج «الزحف» على طريقته، نحو طرابلس وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، التي تحظى باعتراف دولي.
وجاءت دعوة «الزحف» بعد أسبوع من زيارة حفتر إلى قصر اليمامة بالرياض، ولقائه بالملك سلمان ووزير الداخلية وشخصيات أخرى، ما أعطى الانطباع بأنه كان يحصل على مباركة السعودية لخطوته التالية، وهناك تحصَّل على وعودٍ بالحصول على ملايين الدولارات من المساعدات ليُموِّل عمليته، وذلك بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
تُمثِّل تلك الأموال، المُراد بها مكافأة القادة القَبليين وتجنيد مقاتلين جدد، «مقامرة» أخرى متهورة من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق بالفعل تدخُّلاً كارثياً في اليمن، فضلاً عن محاولاتٍ فاشلة لإخضاع حكومتي لبنان وقطر.
وحصل حفتر يوم الأحد الماضي 14 أبريل/نيسان على تأييدٍ صريح من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي التقاه في القاهرة. وكان السيسي قد عاد قبل أيام فقط من زيارةٍ إلى للرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكنَّه لم يظهر أي تردد في مخالفة المطالب الأمريكية بإنهاء حفتر لهجومه.
الهجوم جاء بتحريضٍ ودعمٍ مادي من السعودية ومصر والإمارات. فخرَّبت تلك الحكومات العربية إلى جانب روسيا، عن عمدٍ، جهداً دولياً كان يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
يبدو أن محاولة حفتر اقتحام العاصمة طرابلس ستكتب هزيمة عسكرية جديدة مجللة بالعار في سجل الجنرال الفاشل.
كانت خطة حفتر الأولية تتمثل في إرسال قوة صغيرة إلى طرابلس قبل أن يتمكن خصومه من الرد، ما دفع بعض الجماعات المسلحة المحلية ومسؤولي الأمن إلى الانشقاق عنه، كان هذا من شأنه أن يضع العبء على خصومه لبدء القتال في المناطق المكتظة بالسكان، وكان من الممكن أن يجبرهم الضغطان المحلي والدولي على وقف إطلاق النار، وكان بإمكان حفتر أن يحوّل موطئ قدمه في طرابلس إلى سلطة سياسية في مؤتمر وطني تقوده الأمم المتحدة في هذا الشهر.
لكن هذه الخطة فشلت في أول 24 ساعة من العملية، فبدلاً من انقسام الجماعات المسلحة في غرب ليبيا، وحّد هجومه هذه الجماعات ضده؛ لأنه أساء تقدير الدوافع التي تحرك الميليشيات ونطاق التحول الجانبي الانتهازي بمجرد بدء حشدهم، ويحتاج حفتر الآن إلى التخلي عن كل ما لديه في طرابلس وإلا سيواجه عواقب وخيمة.
لذلك عندما أصبح فشل خطة هجوم حفتر الأولى واضحاً، تشدد موقف الولايات المتحدة. لكن فرنسا، التي دعمت حفتر لسنوات، تواصل حمايته على مستوى الاتحاد الأوروبي وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يمكن لحفتر الاعتماد أيضاً على دعم روسيا.
الدعم العسكري – «الأصدقاء» يرسلون الأسلحة والمقاتلات ويبنون القواعد العسكرية
منذ يومه الأول في ليبيا ما بعد القذافي، يتلقى حفتر مساعدات بلا حدود من «الأصدقاء».
تحول الدعم الخفيّ الذي بدأ سنة 2014 إلى دعم علني من خلال الوجود الإماراتي والمصري والفرنسي المباشر، وصار مشهد الآليات العسكرية والذخائر التي تنزلها السفن في ميناء طبرق متواتراً في وسائل الإعلام، بما فيها المحسوبة على الجهاز الإعلامي لعملية «الكرامة».
وشهدت كبرى المعارك التي خاضتها القوات الموالية لحفتر في بنغازي ودرنة والجفرة والهلال النفطي مشاركة مكثفة لسلاح الطيران.
في بنغازي لم تحسم المواجهات الدامية ضد «مجلس شورى ثوار بنغازي» إلا بعد أشهر من القصف الجوي العنيف بالطائرات الحربية والمسيرة، وكذلك الأمر في قاعدة الجفرة التي تعرضت لقصف «أجنبي» عنيف على امتداد أسابيع.
أما في الهلال النفطي، فقد تمكنت «سرايا الدفاع عن بنغازي» من السيطرة على أغلب المنشآت والموانئ، خلال ساعات، في مارس 2017، بمجرد توقف حركة الطيران الأجنبي بفعل العواصف الرملية.
لم يتوقف الدعم العسكري الذي لقيه حفتر من القوى الإقليمية عند حدود المساندة الجوية، بل تعداها إلى الحضور المباشر من خلال القواعد العسكرية.
في قاعدة بنينا في بنغازي تمركزت تشكيلة من سلاح الجو الإماراتي واتخذتها منطلقاً لتنفيذ الغارات بطائرات أيرتراكتر 802 air tractor على مواقع «مجلس شورى ثوار بنغازي».
قاعدة الخادم الجوية، جنوب المرج، تحوّلت منذ 2016 إلى إحدى أكثر القواعد الإماراتية تجهيزاً، فيما تتواتر تقارير عن تحضيرات لتركيز الوجود العسكري الإماراتي المباشر في قاعدة الجفرة التي سيطرت عليها قوات حفتر، شهر يونيو/حزيران 2017.
أما الدعم الفرنسي، فقد ظلّ غامضاً، رغم التقارير المتواترة التي أوردتها صحيفة «لوموند» عن تمركز وحدات من القوات الخاصة الفرنسية في بنغازي، إلى حين إسقاط طائرة مروحية فرنسية خلال يونيو/حزيران 2016 في منطقة المقرون، وتمكن مقاتلو «سرايا الدفاع عن بنغازي» من احتجاز جثث الضباط الثلاثة الذين كانوا على متنها.
ويسجل الدعم العسكري المصري لخليفة حفتر تصاعداً منذ انطلاق عملية «الكرامة»، من خلال الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو المصري، في أكثر من مناسبة، على مدينة درنة التي تحاصرها قوات حفتر منذ سنتين، ومن خلال المستشارين الذين يتولون الإشراف على تدريب قوات «الكرامة». وبلغ التدخل العسكري المصري المباشر حد تنفيذ ضربات جوية على مواقع قوات «فجر ليبيا» جنوب العاصمة طرابلس وقرب الحدود التونسية، أثناء ديسمبر/كانون الأول 2014.
السعودية – تدفع ملايين الدولارات وتدعم «وليّ الأمر الشرعي»
حصل حفتر على الضوء الأخضر لمهاجمة طرابلس من الإمارات والسعودية.
إسلاميون سلفيون من أتباع المذهب المدخلي يقاتلون في صفوف قوات الجيش النظامي التي يقودها حفتر
ترجع بداية الظهور العلني لتيار المداخلة في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية عام 1991، التي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت، كفكرٍ مُضاد للعلماء الذين استنكروا دخول القوات الأجنبية إلى الخليج، فأفتوا بمشروعية دخول القوات الأجنبية، وفي المقابل يقف موقف المُعادي لمن يحرّم دخولها، أو أنكر على الدولة ذلك.
ويتنامى نفوذ التيار المدخلي المسلح في ليبيا، حيث يساعد حفتر في محاولته القضاء على المعارضين للمشروع الإماراتي السعودي في ليبيا، ولا يتوانى أثناء ذلك عن الفتك بمعارضيه؛ لأنهم في نظره «خوارج» ويجب التخلص منهم لأنهم «كلاب أهل النار»، وما شابه ذلك من شعارات يُلبسها ثوب الدين لتحقيق أجندات سياسية.
إضافة لذلك، ذكرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية أن الرياض قدمت مساعدات بملايين الدولارات إلى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لتنفيذ الهجوم على طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، نقلاً عن مصدر رفيع المستوى في الحكومة السعودية.
السعودية توفر لحفتر أيضاً غطاءً أيديولوجياً للمعارك الميدانية. فعلى امتداد الأعوام الماضية، حث الشيخ السعودي ربيع المدخلي أتباعه في ليبيا على القتال ضمن قوات حفتر، على اعتبار أن هذا الأخير «وليّ أمر شرعي».
وإلى جانب ذلك، يطمح حفتر لنيل الدعم المادي والعسكري والدبلوماسي السعودي، وأن تستخدم المملكة نفوذها على بعض الدول العربية لطمأنتها بشأن توابع تحرّكه العسكري في ليبيا.
الإمارات – ترسل المدرعات والأموال لدعم «رجلها المثاليّ لحكم ليبيا»
الإمارات التي زارها حفتر مؤخراً وعدته بدعم عسكري إذا استدعى الموقف ذلك.
كانت مبادرة أبوظبي للحل السياسي في ليبيا إذن مجرد كذبة وخدعة، ومجرد غطاءٍ لحقيقة نوايا الإمارات والسعودية ودول إقليمية أخرى تجاه ليبيا والسيطرة على مقدراتها.
وقالت صحيفة Independent البريطانية في 17 أبريل/نيسان 2019، إن «الأمم المتحدة بدأت النظر في مزاعم حول شحنات أسلحة إماراتية لحفتر لدعم قوات قائد الشرق الليبي، في خرق واضح لحظر دولي لتصدير السلاح إلى ليبيا، وإن الأمم المتحدة تحقق في عدد من المزاعم حول شحنات أسلحة لطرفي النزاع بليبيا».
ويفيد التقرير بأن مصدراً في شرق ليبيا نفى وصول أسلحة إماراتية لحفتر، لكن قوات حفتر تباهت بالحافلات العسكرية الجديدة والطائرات المحدثة، ونشرت صورها على فيسبوك.
اللواء حفتر هو الرجل المثاليّ للإمارات في رسم مستقبل ليبيا.
يقول كريستوفر دافيدسون، مؤلف كتاب «ما بعد الشيوخ: الانهيار الوشيك لممالك الخليج»، وأستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة درهام، متحدثاً عن حفتر، إنه «شخص مثير للخلاف والشقاق، ومن المستبعد أن تقبل به أي من الجماعات الليبية المشاركة في المفاوضات حول سبل توحيد البلاد. ولذلك يعتبر من وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة الشخص المثالي الذي يستحق الدعم والتأييد».
يُصر مسؤولون في الإمارات على تأكيد دعم الدولة للجنرال الليبي، وقدمت الدولة مئات المدرعات والسيارات والأموال لقوات «خليفة حفتر» منذ سنوات، وساعدته على الصمود أمام القوات الحكومية المعترف بها دولياً، و«الثوار» الرافضين لتوسّع قواته.
مصر – تعرف كيف تساعد حليفها الأكثر أهمية والأقرب جغرافياً
أرتبطت حركة حفتر منذ نشأتها بالتطورات في مصر.
يبدو واضحاً للعيان تأثر حفتر بالسيسي، وتقمّصه شخصيته، حتى إنه منح نفسه لقب المشير مثلما فعل السيسي، الذي يفترض أن مَن يناله يجب أن تتوافر له خبرة عسكرية كبيرة لا تتوافر لحفتر، الذي عزله الجيش الليبي في الثمانينات، ولكن الأمر لا يقتصر على التأثير المعنوي فقط.
قيادات عسكرية مصرية رفيعة المستوى موجودة ضمن غرفة العمليات المركزية، التي تدير التحركات الأخيرة، حسبما ذكرت مصادر مقربة من قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
وذكرت تقارير صحفية أن أبوظبي صدّرت بشكل غير مشروع أسلحة إلى ليبيا، وأنهم تلقوا معلومات تفيد بأن أبوظبي نقلت عتاداً عسكرياً إلى مدينة طبرق شرق البلاد أواخر 2014. وفي فبراير/شباط 2015 نُشرت تسريبات صوتية تشير إلى حجم التعاون المصري الإماراتي في تهريب السلاح.
جاء ذلك في مكالمة بين مدير مكتب السيسي (حينها) عباس كامل، ونائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الإماراتي عيسى المزروعي، وتتضمن حديثاً عن ترتيبات لطائرات محمّلة بالأسلحة كي تذهب إلى كتائب وفرق بعينها داخل ليبيا، ولكن عن طريق مصر أولاً لتحميل شحنات سلاح أخرى ستذهب إلى بعض الكتائب الأخرى.
وكان أحد القيادات العسكرية الكبرى التابعة للواء حفتر، الذي أُلقي القبض عليه، اعترف خلال التحقيقات بأن معسكر حفتر «تلقى تعزيزات عسكرية نهاية العام المنصرم، كمنح من مصر والإمارات والأردن، شملت 5 مروحيات حربية من طراز إم آي 8، وإم آي 35، إضافة إلى أسلحة مدفعية ثقيلة، ومضادات الدروع، و40 حاوية ذخائر، فضلاً عن تأهيل القوام الأساسي للواء 32».
وبعد أيام من انطلاق محاولة الهجوم على طرابلس، جاء حفتر إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في «زيارة للتقييم وإعادة التفكير».
هكذا تتعامل القاهرة مع حليفها الأقرب جغرافياً.
روسيا – تنشر المرتزقة وتتعاون عسكرياً وتشهر الفيتو في مجلس الأمن
وحتى روسيا لها يد في دعمه.
إضافة إلى الدعم المصري والإماراتي لحفتر، فثمة قلق متزايد أيضاً في واشنطن حول الدور الروسي في ليبيا.
مصادر دبلوماسية اتهمت موسكو بنشر ما يصل إلى 300 من المرتزقة في شرقي ليبيا دعماً لحفتر، حسب صحيفة The Guardian.
ولدى روسيا علاقات قوية بحفتر، التي تأمل أن تراه بديلاً للقذافي، حليفها التقليدي الذي فقدته. وسبق أن زار حفتر في عام 2017 حاملة الطائرات الروسية «أدميرال كوزنيتسوف» في البحر المتوسط، فيما مثَّل إشارة واضحة على دعم روسيا لحفتر، الذي يعارض الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة.
وكانت الحاملة الروسية قُبالة السواحل الليبية في طريق عودتها للوطن، بعد نهاية مهمة دعم للقوات الحكومية السورية.
وبينما كان حفتر على متن الحاملة أجرى اتصالاً بالفيديو مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، حسبما قالت وكالة الأنباء الروسية «ريا»، نقلاً عن وزارة الدفاع الروسية.
وتقارن بعض الجهات بين دعم روسيا لحفتر، الذي ينظر إليه بعض الليبيين بوصفه الرجل القوي الذي تحتاجه بلادهم بعد سنوات من الفوضى، وبين دعم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد.
واستخدمت روسيا حقَّ النقض، الفيتو، لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار يطالب حفتر بوقف هجومه على طرابلس.
فرنسا وإيطاليا – التعامل مع طرفي النزاع من أجل عيون النفط ومنع الهجرة غير الشرعية
«هناك حرب حقيقية من أجل النفوذ بين فرنسا وإيطاليا على التراب الليبي، وهي ضمن أسباب الانسداد السياسي الذي تُعاني منه ليبيا بعد سبعة أعوام ونصف من الإطاحة بالنظام السابق».
هذا ما يراه عبدالحفيظ غوقة، المناضل الحقوقي ونائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي خلال ثورة 2011، الذي أضاف أنه «لن يكون هناك سلام ولا استقرار في ليبيا ما لم تتوصل المجموعة الدولية إلى توافق».
لكن المساعدة العسكرية الفرنسية هي التي ساعدت المشير خليفة حفتر على حسم معاركه مع مجموعات مسلحة مختلفة المشارب من 2014 إلى 2017، كما تقول مراسلة Tribune de Genève في ليبيا.
وأكدت مصادر عسكرية وجود مستشارين فرنسيين قرب العاصمة الليبية طرابلس بالتزامن مع حملة حفتر عليها. وبحسب المصدر، فإن مجموعة من المستشارين الفرنسيين متواجدون في مدينة غريان، التي تبعد عن العاصمة طرابلس 75 كيلومتراً، لتقديم المشورة لقوات حفتر.
الناطق باسم الجيش الوطني العربي الليبي التابع لحفتر يبرر التعاون مع فرنسا بوجود المصلحة المشتركة: «كنا نريد مكافحة الإرهابيين، وفرنسا كانت تريد ملاحقة المجموعات في البلدان المحاذية لنا جنوباً مثل تشاد ومالي والنيجر، حيث تتواجد بكثافة».
على العكس من ذلك، اختارت إيطاليا الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، مع منح الأولوية لوضع حد لتدفق المهاجرين. وبعد أن أعادت روما افتتاح سفارتها في طرابلس (على عكس فرنسا التي أغلقتها في عام 2014)، قررت التفاوض مباشرة مع الميليشيات المسؤولة عن عمليات تسيير قوارب المهاجرين من أجل خفض أعدادهم.
وتواجه إيطاليا اتهامات من طرف ليبيين في المناطق الشرقية من البلاد بمساندة من يُوصفون بـ «أنصار الإسلام السياسي». ونقلت الصحيفة عن عبدالقادر قدورة، العضو السابق في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، أن «الإيطاليين يريدون أن يتسلم الإخوان المسلمون السلطة. إنهم يعرفون أن انتخابات يتم إجراؤها في الوقت الحاضر لن تكون لفائدتهم، ولهذا السبب يقومون بفعل كل شيء لتأخيرها».
لكن الدول الغربية تعمل الآن على إعادة توزيع أوراق اللعبة الليبية لمصالحها الخاصة.
ظهرت الولايات المتحدة التي ابتعدت قليلاً.
بدا هذا جلياً بعد تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز في منصب مُساعدة لغسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، وهي القائمة بالأعمال السابقة بالسفارة الأمريكية في طرابلس. إنه دليل على عودة وزارة الخارجية الأمريكية -في الكواليس على أقل تقدير- للاهتمام بالشؤون الليبية.
تضيف المراسلة السويسرية أن أولوية العم سام لا تتعلق بمن سيقود ليبيا ولا بمسألة الهجرة، ولكن بـ «مراقبة الإمارات العربية المتحدة، شريكها المتململ. فهذه الأخيرة تقود سياسة هجومية تحت شعار «كل شيء إلا الإخوان المسلمين» من خلال دعمها للمشير حفتر».
في الأثناء، تتحرك كل من قطر وتركيا بنفس الطريقة، ولكن في المعسكر المقابل. ما يعني -حسب الصحيفة- أن «وحدة المجموعة الدولية في الملف الليبي لا زالت بعيدة».
وانتقد نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني السياسات التي تتبعها باريس في ليبيا، وقال إنها «لا ترغب في استقرار الوضع، ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا».
إذن، الحرب بين فرنسا وإيطاليا من أجل النفوذ في ليبيا عنوانها «كعكة النفط»، ما يجعل من الصعب التوصل بسهولة إلى عملية التسوية السياسية في هذا البلد الغارق في الفوضى.
يفضل الإيطاليون التعامل مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة دولياً في طرابلس لسببين:
وقف الهجرة غير الشرعية، وقد وقّعت إيطاليا على اتفاقيات مع حكومة الوفاق الوطني، والتي تسمح للميليشيات باعتراض قوارب المهاجرين وإعادتهم إلى مراكز الاعتقال المروعة في ليبيا.
مصالح نفطية تتمثل في تأمين أصول الطاقة المربحة في ليبيا. وتفضل فرنسا التعامل مع حفتر لنفس السببين:
وقف الهجرة غير الشرعية، فالرئيس ماكرون يؤيد استقرار الجنوب الليبي، حيث يستغل المهربون والجهاديون الحدود التي يسهل اختراقها مع السودان وتشاد والنيجر. وتعتقد فرنسا أن حفتر أفضل شخص لمكافحة الإرهاب في ليبيا وتأمين دائرة اهتمام فرنسا بمنطقة الساحل.
مصالح نفطية، إذ ذكر موقع «ميدل إيست آي» في مايو/أيار 2018 أن شركة الطاقة الفرنسية، توتال، ضمنت الوصول إلى احتياطيات النفط الرئيسية في الشرق، حيث إمكانيات التنقيب هائلة.
لجزائر وتونس – الحدود التي تشتعل بالميليشيات المسلحة والمهربين والمهاجرين
الدعم المصري والإماراتي لحفتر ليس أمراً جديداً، ولكن الجديد أن الجيش العربي الذي كان يردع حفتر عن المغامرة مشغول بأزماته الداخلية.
ففي حين كان الجميع في المنطقة منشغلاً بتطورات الوضع السياسي في الجزائر، عقب استقالة بوتفليقة، أعلن حفتر التقدم غرباً للسيطرة على طرابلس في قرار فاجأ الكثيرين، وجعلهم يتساءلون عن علاقة قرار حفتر بما يجري في الجزائر.
أثار القرار توجساً لدى جزائريين بسبب تزامنه مع الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ فبراير/شباط الماضي. واعتبر صحفيون ونشطاء جزائريون أن رغبة حفتر بالسيطرة على طرابلس في هذا التوقيت بالذات «ليست بريئة»، «وأهداف تحركه تتجاوز الداخل الليبي».
ويُنظر في الجزائر لحفتر بنظرة سلبية بعدما هدد في سبتمبر/أيلول 2018، بنقل الحرب إلى الجزائر في ظرف وجيز بسبب مشاكل حول ضبط الحدود.
وعقب ذلك، اعتذر الناطق الرسمي باسم ما يعرف بـ «الجيش الليبي»، أحمد المسماري، للجزائر عما صدر من قائده حفتر، متهماً منابر إعلامية عربية بمحاولة نشر الفوضى في المنطقة.
وقال مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بمدينة جنيف السويسرية، الجزائري حسني عبيدي، إن «العملية العسكرية غير المحسوبة العواقب التي باشرها حفتر على طرابلس لها تداعيات خطيرة على الحدود مع تونس والجزائر، وتفرض أعباء جديدة على المؤسسة العسكرية في البلدين».
وتتقاسم الجزائر حدوداً تقدّر بحوالي 982 كيلومتراً مع ليبيا، وكلها تقع في الجنوب الشرقي للجزائر.
وأشار عبيدي إلى أن هجوم حفتر على طرابلس يأتي «في وقت دخلت الجزائر فيه مرحلة دقيقة تستدعي تأميناً خارجياً لمواكبة مرحلة الانتقال الديمقراطي».
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تحول الجنوب الليبي إلى منطقة بالغة الخطورة بالنسبة للجزائر، ما دفع الجزائر إلى تعزيز انتشارها الأمني المكثف على طول الشريط الحدودي.
ويخشى الجزائريون أن تؤدي المعارك غرب العاصمة الليبية إلى نزوح مدنيين ومحاولة تسلل إرهابيين عبر الحدود الجنوبية للبلاد، ما يضع الجيش الجزائري أمام حالة استنفار قصوى.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، حذر مجلس السلم والأمن الإفريقي من عودة حوالي 6 آلاف إرهابي يستعدون للعودة من مناطق النزاع بالشرق الأوسط إلى إفريقيا، وتشكل ليبيا بوابتهم الرئيسية.
ورغم أن حفتر يقدم نفسه باعتباره امتداداً لما يطلق عليه صحوة الجيوش العربية، في مواجهة القوى الثورية والديمقراطية والإسلامية، فإن الجنرال المتقاعد لديه علاقة متوترة مع الجيش الجزائري.
سبق له أن اتَّهم الجيش الجزائري بالاعتداء على سيادة ليبيا.
وفي سبتمبر/أيلول 2018 اتهم الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب للدخول إلى الأراضي الليبية، وزعم أنه نقل للسلطات الجزائرية احتجاجه على ذلك.
وقال إن «سلوك الجزائر ليس سلوك إخوة؛ لأنها تستغل الحرب لانتهاك السيادة الليبية»، وبعث مع المبعوث برسالة مفادها أنه «قادر على تحويل الحرب من ليبيا نحو الجزائر في لحظات».
والجزائر منعته من الدخول ببزته العسكرية؛ لأنها لا تعترف به
كان ذلك في 18 ديسمبر/كانون الأول 2016، حين رفضت الجزائر استقباله ببزته العسكرية؛ لأنها لا تعترف به قائداً للجيش الليبي، وتعترف فقط بسلطة المجلس الرئاسي.
والآن أطبق الصمت على الجيش الجزائري المشغول بشؤون البيت.
..والمستقبل؟ – الفوضى الليبية تمضي في اتجاه انهيار الاقتصاد
2017 المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قدم دراسة بحثية حول ليبيا. ويضم المجلس 280 عضواً أوروبياً من الشخصيات البارزة، كرؤساء ورؤساء وزارات ووزراء خارجية سابقين، وإضافةً إليهم أمناء عامون سابقون في حلف شمال الأطلسي ومديرو مصارف ورؤساء منظمات مجتمع مدني بارزة، إلى جانب مفكرين وباحثين وخبراء اختصاصيين.
ماذا قالوا في الدراسة؟
ترى الدراسة أن الصراع سوف يؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي الليبي الرسمي، وبالتالي ظهور أنظمة اقتصادية غير رسمية يتحكم فيها منطق السوق السوداء والتهريب والجريمة المنظمة. ومن المرجح، في هكذا مناخ من الاحتراب والفوضى السياسية والخراب الاقتصادي، أن تنتعش التنظيمات الإرهابية من جديد. فالكثيرون من مقاتلي «داعش» خرجوا، حسب الدراسة الأوروبية، عقب هزيمتهم في سرت، متسللين في نواحي فزان وجنوب شرق ليبيا. وتوجهت مجموعة أخرى إلى مدينة صبراتة والحدود مع تونس.
دعت الدراسة الدول الأوروبية إلى دعم إنشاء دولة لا مركزية مرتكزة على فيدرالية عسكرية، تقوم فيها الحكومة بضخ التمويل إلى المجالس المحلية «الواقعة تحت سيطرة القوات التابعة للمجلس الرئاسي»، لتقوم بدور السلطات المحلية التي تعمل على توفير الخدمات العامة والحفاظ على وجود الدولة وتمثيل سلطتها في المدن المختلفة، لا سيما أن المجالس المحلية تُعتبر «الأجسام المنتخبة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية كاملة».
ومعارك الغرب الليبي لا يمكن حسمها بسهولة
ويسلط تقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط الضوء على آخر التطورات التي تشهدها الساحة الليبية والتغير المتسارع لميزان القوى في ظل صراع النفوذ بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.
وفي تحليل كتبه الباحث فريدريك ويري، عقب زيارة لمدينة صبراتة في شهر فبراير/شباط الماضي، رأى أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحولاً كبيراً في موازين القوى في ليبيا عقب عملية الجيش الليبي بقيادة حفتر على الجنوب، وسيطرته على حقول النفط الاستراتيجية والقواعد الجوية هناك.
وأشار إلى أن «حفتر عزز نفوذه في مدن الجنوب المليئة بالجريمة، والأوضاع الاقتصادية الصعبة من خلال اتفاقات وتحالفات مع قبائل، بعضها يئس من عجز حكومة الوفاق الوطني، والآخرون يبحثون عن النفوذ ضد المنافسين المحليين، وهو ما استغله حفتر تارة من خلال توفير الإمدادات وتارة بإشعال التوترات الطائفية من خلال تفضيل بعض القبائل على الآخرين».
ووصف المحلل، حفتر، بـ «الظل الذي يحوم على مصراتة، بعدما فاز بالشرق، فقلب أنظاره إلى الغرب بعد سنوات من القتال الطاحن».
ويوضح المحلل أن «حفتر يقول إنه يبني مؤسسات الدولة ويقاتل الميليشيات، لكنه في الواقع اعتمد اعتماداً كبيراً على الميليشيات المحلية في تقدمه. لقد أعلن مؤخراً التزامه بالانتخابات الوطنية، لكن في الماضي جادل بأن ليبيا ليست مستعدة للديمقراطية وتحتاج إلى حكم عسكري».
الحسم لن يكون سهلاً في المنطقة الغربية إلا بدعم دولي كبير لأحد الأطراف، وهو أمر غير موجود؛ نظراً للمعارضة الدولية والإقليمية للخيار العسكري، يقول أستاذ العلاقات الدولية والسياسات المقارنة في جامعة شمال تكساس إبراهيم هيبة.
الهجوم على طرابلس كانت قرارا خاطئا
أخطأ حفتر والذين يدعمونه في قرار الهجوم على طرابلس.
كان الرجل يظن له اختراقات كبيرة في المنطقة الغربية، أنه قريب من المسؤولين، وتشكيلات المليشيات المسلحة المقاتلة والنائمة.
وكانت الخطة هي أن يهب “أصدقاء” حفتر لنصرته عند اقترابه من طرابلس عسكريا فيدخل طرابلس فاتحا بلا حرب.
اقتنع الداعمون الإقليميون بما يبدو شبكات تحالف للجنرال على الأرض، ومنحوه الضوء الأخضر للهجوم.
لكن المقاومة كانت أكبر من التوقعات.
فشل في دخول طرابلس، وصمدت التكوينات العسكرية بقيادة حكومة الوفاق في صد الهجوم، وبدأت في اعتقال المندسين في صفوفها من “أصدقاء” حفتر.
بدأت تطورات القتال على الأرض ترجّح كتائب حكومة الوفاق، وانسحبت قوات حفتر من مواقعها في أغلب المحاور.
وكان البديل عن الفشل في احتلال طرابلس قصف أحيائها بصواريخ الغراد ومدافع الهاوزر بشكل عشوائي مما خلف عشرات القتلى والمصابين.
واستمرار الحرب ليس في صالح حفتر
قد يستجيب مجلس الأمن لطلب المبعوث الأممي بإصدار قرار وقف إطلاق النار، وهو قرار ليس في صالح قوات حكومة الوفاق، لأن ذلك يعني بقاء حفتر في مواقعه الحالية على تخوم العاصمة.
وإذا رفضت حكومة الوفاق الالتزام بوقف إطلاق النار، تخسر الموقف الدولي الذي يتعامل مع حفتر باعتباره معتديا حتى الآن.
سيناريو طرابلس لا يقبل “الحل الجوي”، الذي لجأ إليه حفتر من قبل بمساعدة الأصدقاء الإقليميين، فهناك أكثر من عنصر جديد في المعادلة هذه المرة:
أولا رفض الولايات المتحدة الشديد لعملية “الجيش الليبي” بقيادة خليفة حفتر، للسيطرة على طرابلس، ودعوتها إلى وقف فوري للهجوم.
ثانيا تعامل المجتمع الدولي مع حفتر باعتباره الطرف المعتدي يجعل من الصعب عليه تنفيذ غارات جوية تحت أنظار العالم.
كما أن حجة حفتر في أنه يواجه الارهاب ليست مقبولة عالميا، في ظل اعتراف العالم بحكومة الوفاق نظاما شرعيا، ومعرفتهم بشبكات تحالف حفتر على الأرض.
التوازنات الدولية أيضا لا تسمح للجنرال وداعميه بغارات جوية حاسمة، في ظل تهديد إيطاليا بعدم السكوت عن أي تدخل فرنسي في ليبيا مثلا، وترقّب تركيا لتحركات الإمارات ومصر هناك.
خطوة تصعيدية من أحد الطرفين ستدفع الطرف الآخر للرد.
والمزيد من التصعيد يعني تعقيد المسألة الليبية وتطويل أمد الحرب الأهلية.
والدور الأممي لا زال يميل لجانب دعم حفتر، فالمعتدي غير الشرعي مثل المدافع الشرعي، وهذا كله في اطار اعطاء الفرصة لحفتر لكي ينتهي من مهمته. ولكن مع تراجع قوات حفتر وتصاعد الرأي العام ضده بعد قصفه العشوائي لأحياء طرابلس، بدأ الرأي العام يتجه الى اتهام الممثل الأممي بأنه منحاز وليس محايدا مما بدأ يشكل ضغطا شعبيا عليه.
أما حفتر فيقترب من نهاية تليق بقائد فاشل
في النهاية، يعتبر النفط أهم ورقة مساومةٍ بالنسبة لحفتر. فمنذ الاستيلاء على فزان، استولى حفتر على حقلي الشرارة والفيل، اللذين ينتجان ما مجموعه 430 ألف برميل يومياً أو ما يقرب من نصف إنتاج ليبيا الحالي من النفط. ولا تزال شركة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والمتحالفة مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة والتي تنافس حفتر، تدير مخزون النفط، ولكن بإمكان حفتر وقف الاقتصاد بأكمله بوقفه تدفق النفط.
ومنذ استيلاء حفتر على الجنوب، بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون أيضاً في إدراج الجنرال الفاسد كشخصيةٍ مركزية في أي خطة لإعادة توحيد البلاد. فقد كتب فريدريك ويري، الخبير الأمني بالشأن الليبي، أن واشنطن ألقت بثقلها وراء جهد الأمم المتحدة لتحويل حملة حفتر إلى «قوة دفع لمؤتمر للحوار والانتخابات الوطنية في وقت لاحق من هذا العام».
وبحسب باتريك وينتور، محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة The Guardian، فإن حفتر الذي وصلت ميليشياته أبواب طرابلس العاصمة، يسعى إلى فرض شكل من أشكال الحكم العسكري في أنحاء البلاد.
ويرى أن «الميليشيات التابعة لحفتر، التي يُطلق عليها اسم الجيش الوطني الليبي، تؤكد بهجومها على طرابلس أنها حفرت قبرها بيدها».