من خلال متابعتك لحركات بيادق معظم الجيوش العالمية، ستدرك من الوهلة الأولى أن هناك أمرًا جللًا على وشك الحدوث. ومن لا يلاحظ ذلك فهو لا يريد تصديق الشكل المأساوي الذي أصبحت عليه دول العالم من صراع سبق التسلح وتأهب جيوشها وقواتها داخل وخارج أراضيها لا أكثر. ومن خلال التاريخ الدموي لشعوب العالم المختلفة ستدرك أن أطول فترة سلام شهدها العالم هي 99 عامًا لا أكثر من 1815-1914.
كما أن النظام العالمي قد شهد أربعة حروب عنيفة منذ عام 1756م وهي: حرب السنوات السبع 1756-1763 الثورة الفرنسية 1798-1799 الحرب العالمية الأولى 1914-1918 والحرب العالمية الثانية 1939-1945 م. وهذا يعني أن آخر حرب عالمية لم يمض عليها إلا 74 عامًا فقط. فهناك الكثير من الدول التي دخلت حروبًا مصيرية في تاريخها، لكنه لم يطلق على حروبها لقب حرب عالمية. وذلك لأنها لم تطابق شروط الحرب العالمية. فمن أهم شروط قيام حرب عالمية هو أن تحدث حروب وصراعات بالتوازي في ثلاث قارات مختلفة، ليحدث ترابط بينها يجر العالم إلى حرب عالمية. وحينها يتوجب على كل دولة أن تختار حليفًا لها، فمن ينكر دوره في الحرب باعتباره مهاجمًا ما يزال عليه أن يلعب دور المُدافع وإلا دارت عليه الدائرة، وأصبح فريسة لا تقوى حتى على الصراخ.
كما أن المصالح المختلفة للدول الكبرى هي الدافع الأول لقيام حرب عالمية ثالثة، وذلك لأن الهدف من الحرب العالمية هو خلق نظام عالمي جديد على المستوى العسكري، والاقتصادي والسياسي والاجتماعي وغيرها. ولا شك أن الوقت الحالي من الصراعات الاقتصادية بين الصين وأمريكا والصراعات العسكرية بين أمريكا وكوريا الشمالية من ناحية وبين روسيا وأمريكا من ناحية أخرى يوحي ببعض التنمر على الوضع في كل بلد، فضلاً عن المناوشات بين الهند وباكستان التي زاردت حدتها ووتيرتها في الآونة الأخيرة. كل هذا وأكثر يوحي بتمرد وعصيان القوى العظمى وعنادها ضد بعضها البعض، فالمثل الشائع يقول (المركب اللي بريسين تغرق) فالكل يريد أن يهيمن على الدفة بمفرده.
إرهاصات وإشارات الحرب القادمة
وكما يعلم البعض، فإن الجيش الأمريكي قد قام في يناير من العام الجاري بالتزامن مع أحداث الانقلاب في فنزويلا بإرسال آليات عسكرية بشكل مكثف إلى بلجيكا، وإن كنت لا تعلم فإن بلجيكا هي عاصمة حلف الناتو. ومع بدأ تحركات الجيش الأمريكي في قارة أمريكا الجنوبية وخاصة في منظقة البحر الكاريبي نتيجة لاستنجاد الرئيس الفنزويلي بروسيا، الأمر الذي أدى إلى إرسال قاذفات نووية روسية إلى الأراضي الفنزوليه، لتظهر بعدها تحركات واسعه للجيش الفنزويلي على طول الحدود مع كولومبيا، وعن الخمسة آلاف جندي أمريكي الذين تم إرسالهم إلى كولومبيا، فمن الواضح أن كولومبيا ستكون أرض مواجهة.
كما أن هناك أخبارًا دولية متداولة عن وجود قوات روسية على الأراضي الفنزويلية، لكن لا أحد يعلم إن كان إرسال الجنود متعلق بتعزيز القوات الفنزولية أم هو إعداد لضربة استباقية يتم إعدادها ضد فنزويلا، وعليه فمن الممكن أن يكن ذلك للاستيلاء على النفط الفنزويلي لإمداد المعدات خلال فترة الحرب وضمان فرصة كبيرة لكسبها، لكن الكريملين لم يؤكد أو ينف تلك الأخبار. ذلك بالإضافة للحشود العسكرية الموزعة على مدار سنوات داخل أوروبا للالتفاف والإحاطة بروسيا ومهاجمتها عند الحاجة.
كما أن هناك تواجدًا للقوات الأمريكية في البحر الأسود على الحدود الروسية للمشاركة في مناورات حلف الناتو المقامة في النرويج. فروسيا قد أصبحت محاطه بسياج من أنظمة الدفاع الأمريكي المتقدمة جدًا. لذلك فأوروبا وبلا شك ستكون أحد معاقل الحرب القادمة كونها جارة لروسيا وفي مواجهتها، لكن لا أحد يعلم بعد أي البلدان سيقع عليها الاختيار لتكون فتيل تلك الحرب. وعلى الجبهة الثانية في القارة الآسيوية التي هي معقل الجيش الأمريكي في أفغانستان وبلاد الشام ومنطقة الشرق الأقصي التي تمثل اليابان وكوريا الشمالية، فحلف روسيا هناك هو الصين وكوريا الشمالية، تلك القوى الثلاث الجبارة والتي لا يخفى على أحد مدى خطورتها. بالتزامن مع صراعات الشرق الأوسط ودخول القوات الروسية إلى اليمن وسوريا وما يحدث من صراعات في ليبيا والسودان هو جزء لا يتجزأ من علامات تلك الحرب التي يزداد قرع طبولها كل ساعة.
الآن فقد أصبح لدينا أكثر من ثلاث قارات تشهد اضطرابات وتأهبًا عسكريًّا ضخمًا تكشف عن قرب اندلاع حرب عالمية جديدة. كما لا يمكن أن ننسى طلب العالم السياسي الألماني كريستيان هاكه في يوليو 2017 في وجوب تملك ألمانيا لأسلحة نووية أمريكية لتقوى بها على الردع حال تعرضها لهجوم، هذا الامر المثير للتعجب بعد أن وقعت ألمانيا على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية عام 1969. فلماذا المطالبة بذلك الآن؟
كما أن الأمر يستدعي ذكر الاضطرابات في صربيا والجبل الأسود، والعراق وإيران. والصين واليابان في بحر الصين الجنوبي، والنزاعات الواقعه بين الصين وتايوان. وعن إرسال الدبابة الروسية t-90 إلى الحدود الجزائر ونشرها على الحدود الجزائرية مع المغرب في هذه الفترة من ضعف الاستقرار الأمني وزيادة مظاهر الاحتجاجات، لا يُرى إلا مظهر من مظاهر وضع اليد على المنطقة.
ولذلك فإن من بعض السيناريوهات التي تكهن بها بعض الخبراء: أن أوكرانيا ستكون أرض نزاع قابل لكل الاحتمالات، لأن أي خطأ من حلف الناتو أو روسيا ستنتج عنه مواجهات مسلحة، لا تخلوا أن تصبح مواجهات نووية إن عجزت القوات الروسية عن مواجهة حلف الناتو بالأسلحة التقليدية.
الهند وباكستان
أما عن نشوب حرب بين الهند وباكستان فهو من أقوى الاحتمالات. ذلك لأن الهند باتت تطلب ود أمريكا وباكستان في وداد مستجد مع الصين لما يجمعهما من تعاون يشمل كافة المجالات. ومن المخيف استخدام الأسلحة النووية، حيث إنها باتت خيارًا عسكريًّا أساسيًّا.
اليابان والصين
لو قامت حرب بين الصين واليابان فلا شك أن ساحتها ستكون بحر الصين الجنوبي، حيث تواجد جزر سيناتكو التي تحاول كلا من البلدين ضمها إليها بوضع اليد وإثبات ملكيتها. ولأن الأمر أصبح خطيرًا مؤخرًا فإن أي حادثة متعمدة أو غير متعمدة سيكون من شأنها إشعال شرارة الكراهية القومية بين الشعبين إلى حد استحالة التراجع. وكما هو معروف فأمريكا ملزمة بالدفاع عن اليابان، كما أن أمريكا هي أشد أعداء الصين مؤخرًا على المستوى الاقتصادي الذي يزداد حدةً يومًا بعد يوم. وذلك لأن أمريكا لديها مرافقها الخاصة في المنظقة ولن تقف عاجزة في مواجهة التهديدات. وإن حدث ذلك فمنطقة المحيط الهادي بأسرها ستصبح في فوضى عارمة.
أمريكا والصين
كما أن احتمال نشوب حرب بين الصين وأمريكا أمر قائم نتيجة لما يحدث بينهما من مناوشات في بحر الصين الجنوبي، ومن زيادة تدخل أمريكا من خلال خطاباتها الدفاعية عن الفليبين وتايوان ضد الصين. وهو ما لا يرضي الصين يأي حال.
كانت المخاوف من قيام حرب عالمية خلال الأربعين عامًا الماضية أمرًا مخيفًا رغم عدم تمكن البعض من تطوير الأسلحة النووية أو الذرية بالشكل الذي أصبحت عليه الآن، أما الآن ومع وجود هذا الكم المرعب من الأسلحة الكيمائية والهيدروجينية والذرية وغيرها من الأسلحة غير المعلنة والتي تضاعفت أحجام تأثيرها عن السابق آلاف المرات، فلا شك أن قيام حرب عالمية ثالثة لن يخلق نظامًا عالميًّا جديدًا فقط، بل سيغير معالم الكون بالكامل. فقنبلة نووية واحدة بعد هذه السنوات من التطوير وفي أي مكان في العالم سيظهر تأثيرها لعشرات السنوات على الأجنة والمحاصيل والطقس وكل مجالات الحياة. ومع هذا فالكل يتأهب ويزين رقعة الشطرنج الخاصة به بالشكل الذي يحلو له. لكن لا أحد يعلم من سيشعل فتيلها أو يقدح نارها؟
فهل نحن البشر نحتاج حقًا لأن نفعل هذا بأنفسنا؟