حملات تشويه ممنهجه،دور أبوظبى الخطير فى تغيير سياسات الغرب تجاه الليبرالية والإسلام السياسي

نشر موقع Lobe Log الأمريكي تقريراً لأندرياس كريغ، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الدفاعية بكلية لندن الجامعية والخبير في شؤون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، بعنوان «حرب السرديات الإماراتية في بروكسل»، كشف عن الدور الخطير الذي تلعبه أبوظبي في تشكيل سياسات أمريكا والغرب تجاه ما يجري في المنطقة العربية، بهدف إجهاض التحول الديمقراطي باستخدام فزاعة الإسلام السياسي.

وقال الموقع الأمريكي إنه في عصر «الحقائق البديلة» و»الأخبار الزائفة»، فَطِن الاتحاد الأوروبي للإمكانية التخريبية للمعلومات المضللة وسرديات الأحداث التي يمكن استخدامها كسلاح، لاسيما في إطار محاولة الكرملين السرية للتشويش على الخطاب الليبرالي في أوروبا، ومع ذلك، لم تُبدِ بروكسل اهتماماً يُذكَر بحملة التأثير السرية التي يقوم بها فاعلٌ مستبد آخر يحاول تشويه الخطاب الليبرالي في عاصمة أوروبا، وهو الإمارات العربية المتحدة.

إسبرطة الخليجية

الإمارات هي دولة خليجية صغيرة لديها أدوات مالية واسعة وسياسة أمنية وخارجية إقليمية حازمة؛ فهي «إسبرطة الصغيرة» كما أشار إليها وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس من قبل، وعلى الرغم من حجمها، أقامت الإمارات شبكة واسعة من المعلومات المضللة في المنطقة والغرب، تتجاوز عمليات الضغط السياسي التقليدية، إذ فعَّلت أبوظبي، التي تصدَّرت حملة الثورة المضادة الرامية لاستعادة الحكم السلطوي في العالم العربي بعد الربيع العربي، شبكة معلومات مضللة تتألَّف من منافذ إعلامية، ومُتصيِّدي إنترنت (ترولز) وبوتات إنترنت، ومراكز أبحاث، وصُنَّاع سياسات ليس فقط لممارسة الدبلوماسية العامة، بل أيضاً لإقناع المنطقة والغرب بسردية «الاستقرار السلطوي»، وتُصوِّر هذه السردية الإسلام السياسي باعتباره إرهاباً، والمجتمع المدني في العالم العربي باعتباره عاملاً مُزعزِعاً للاستقرار.

دور موثق في واشنطن

وقد جرى توثيق التدخُّل الإماراتي الواسع في واشنطن جيداً، إذ بدأت التقارير حول كيفية تمكُّن السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العُتيبة -المُزوَّد بشيكاتٍ على بياض من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد- من شراء ولاءات مراكز الأبحاث المُحافِظة ومغازلة صُنَّاع السياسات السابقين، في الظهور بعدما كشفت تسريباتٍ من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالسفير حجم التدخُّل الإماراتي في خطاب السياسة الأمريكية.

طُلِب من العتيبة إيجاد وسيلة لإعادة تغليف فوبيا أبوظبي من المجتمع المدني المُعبَّأ في العالم العربي. وطبقاً لسردية الاستقرار السلطوي المبنيّة على الخوف، كانت ثورات الربيع العربي مؤامرات إسلامية سرية لإقامة خِلافات قائمة على الشريعة، واستعارت تلك السردية نظرية الحزام الناقل التبسيطية من أجل تصوير الإسلام السياسي المعتدل باعتباره «مدخلاً» للإرهاب السلفي الجهادي، وهي تلفيقة وجدت صدى جيداً لها بين المحافظين الجدد ممن لديهم نفورٌ تجاه الإسلام.

اللعب على وتر كراهية اليمين للإسلام

وفَّرت مراكز الأبحاث التي ترعاها الإمارات المصداقية لتلك السردية، في حين مكَّنت سياسة «الباب الدوَّار» في عملية صنع السياسة الاستراتيجية لإمكانية رواج تلك السردية، وحين بدا واضحاً في 2016 أنَّ القاطن التالي بالبيت الأبيض سيُعِدُّ سياسته تجاه الشرق الأوسط على أساسٍ يميني، نشطت بقوة شبكة أبوظبي من المعلومات المضللة.

ولاحقاً، أثناء الأزمة الخليجية في 2017، كان بإمكان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الاعتماد على كلمته المسموعة لدى الإدارة ودعمها المبدئي عند ترويجه للتحرُّك الإماراتي ضد الجارة قطر باعتباره محاربةً لـ «الإرهاب».

سياسة الباب الدوّار تعني انتقال المسؤولين الأمريكيين بين العمل في مراكز الأبحاث وغيرها من المؤسسات السياسية ومناصب الإدارة الأمريكية، فمثلاً بعد انتهاء عمل مسؤول ما بالإدارة من المُرجَّح أن ينتقل للعمل بأحد مراكز الأبحاث، والعكس، أي أنَّ الإدارة عندما تتطلَّع لشغل أي منصب شاغر فيها، فإنَّها على الأرجح تلجأ للاختيار من بين العاملين بمراكز الأبحاث.

الخبرة في واشنطن تنتقل لبروكسل

في بروكسل، لا تزال شبكة المعلومات المضللة الإماراتية في مهدها، لكن في شركة Westphalia Global الاستشارية، موَّلت أبوظبي رجلي علاقات عامة مُحافظين، هما تيم إيسترمانز وتيمو بير، اللذين عملا في وزارة الخارجية الإماراتية لسنوات ويُشاطرا الإماراتيين الخوف من الإسلام السياسي، وشركة Westphalia Global هي شركة اتصالات استراتيجية صغيرة يبدو أنَّ عميلها الأساسي موجود في أبوظبي.

وعلى صعيد مراكز الأبحاث، يعد معهد «بوصلة» المُنشَأ حديثاً بمنح أبوظبي مركزاً لشرعنة سرديتها حول الاستقرار السلطوي ومنصةً لربط صُنَّاع السياسة الكبار، من تيار المحافظين حصراً، في الاتحاد الأوروبي بالأجندة الإماراتية، ويسمح وجود عضوي مجلس الإدارة خوسيه ماريا أثنار (رئيس وزراء إسبانيا الأسبق)، وأندرس راسموسن (رئيس وزراء الدنمارك سابقاً والأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي) للمعهد بالاستفادة من شبكتيهما الخاصتين في بروكسل، وحتى الآن، استُخدِمَت الفعاليات التي نظَّمها المعهد فقط من أجل الترويج لـ «التسامح»، في مسعى لتبييض صورة بلدٍ كثيراً ما يسجن النشطاء والصحفيين والأكاديميين.

لكنَّ أولى التقارير التي نُشِرَت على موقعه تشير إلى أنَّ «بوصلة» يُعزِّز نفس السردية الاستراتيجية المُروِّجة للخوف التي تُصوِّر الإسلام السياسي في المنطقة باعتباره إرهاباً.

وللمفارقة، تلقَى السردية الإماراتية، التي يُروِّج لها بلدٌ له ثأر مع المجتمع المدني في العالم العربي، صدى بين المحافظين وأنصار اليمين ذوي النزعات المعادية للإسلام في البرلمان الأوروبي. وفي ظل السياق المُعقَّد لفترة ما بعد الثورات في الشرق الأوسط، تُعَد المحاولة الإماراتية الرامية لتشكيل وجهة نظر بروكسل خطيرة على نحوٍ متزايد؛ لأنَّ الإماراتيين يبحثون عن سبلٍ لإيجاد دعمٍ معنوي وسياسي للحكام المستبدين الذين ترعاهم الإمارات في مصر وليبيا واليمن.

الحملة تؤتي أكلها

ويخبرني أحد المستشارين السياسيين في بروكسل بأنَّ حملة الضغط الإماراتية تُحدِث تأثيراً، إذ امتنعت مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي مؤخراً عن إدانة الحرب الإماراتية الكارثية في اليمن، في حين حاولت الحكومة الشعبوية في إيطاليا دون جدوى الضغط من أجل حذف الإمارات من قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للملاذات الضريبية في مارس الماضي.

وإذا ثَبُتَ أنَّ التأثير الإماراتي في بروكسل له نفس الأثر التدميري لعمليات الإمارات في واشنطن، قد يكون التحالف بين المحافظين الشعبويين واللوبي الإماراتي أكثر تخريباً لسياسات الاتحاد الأوروبي ما توحي به شبكتها الوليدة حالياً، ويعتمد الكثير على ما إن كانت الإمارات ستختار الضغط على القوى الموجودة على يمين حزب الشعب الأوروبي أم لا، الأمر الذي من الممكن أن يُمكِّن لقوى مُعارِضة لفكرة وجود أوروبا ليبرالية كُلِّيةً.

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …