محرومون من العودة.. قصة القانون الذي يمنع النازحين السوريين من الرجوع إلى ديارهم

سلط موقع Middle East Eye البريطاني الضوء على القانون الذي اتخذه النظام السوري بشأن منازل السوريين النازحين من البلاد بسبب الحرب والذي تسبب في ضياع ممتلكات الآلاف من النازحين.

فقدت عائلة حسن منزلها خلال النكبة الفلسطينية عام 1948، وانتهى بهم الأمر بالإقامة في مخيم اليرموك على أطراف دمشق. والآن، وبعد حوالي 70 عاماً، من المقرر أن تفقد العائلة الفلسطينية منزلها مرة أخرى، وهذه المرة لصالح النظام السوري، بموجب قانون لا يهدد اللاجئين فحسب، بل ملايين السوريين النازحين بسبب الحرب الدائرة في البلاد.

والآن، يعيش حسن، البالغ من العمر 37 عاماً، مع عائلته في منزل أحد أقاربه بمنطقة الغوطة الشرقية، ويضغط على السلطات للسماح له على الأقل ببدء أعمال ترميم منزله المتداعي في اليرموك، والذي شهد عدة سنوات من القتال العنيف، بحسب الموقع البريطاني.

ولكن الآن أُخبر العديد من النازحين عن المخيم، بحسب أقوال حسن، إنهم سيخسرون منازلهم إلى الأبد بسبب القانون 10، وهو برنامج الحكومة السورية المثير للجدل والذي يسمح للسلطات المحلية بالاستحواذ على الممتلكات في المناطق الأكثر تضرراً من الحرب.

وقال حسن في حواره مع موقع Middle East Eye: «أخبروني أن أنتظر ونصحوني بعدم القيام بأي أعمال صيانة أو ترميم للمنزل لأن المهندسين سيقيّمون حالة المخيم بالكامل».

وأضاف: «لكن بعض الموظفين الحكوميين نصحوا مجموعة من جيراني بالبحث عن مكان آخر وأنهم يهدرون أوقاتهم سُدى. معظمنا سيكون بلا مأوى، وهذا ما يقوله الجميع».

ثم تساءل: «نعرف أن المنطقة ستكون تحت سلطة الحكومة بالكامل، ولكن من سيقوم بتعويضنا؟ أين سنعيش؟ وهل هناك أمل في العودة إلى المخيم في المستقبل؟»

«المهمة المستحيلة»

واجه القانون 10، الذي مُرر في شهر أبريل/نيسان 2018، انتقادات واسعة لأنه لم يمنح الأشخاص في المناطق المتضررة سوى شهر واحد لإثبات ملكيتهم لمنازلهم ومنع مصادرتها.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد تعديل على القانون 10، بتمديد المهلة لأصحاب المنازل إلى عام واحد.

ولكن المخاوف المستمرة بشأن طريقة تطبيق القانون جعلت العديد على قناعة بأن الهدف الرئيسي ليس منع إعادة البناء والإعمار بعد سنوات الحرب، بل محو أي أثر للمعارضة السياسية، بحسب الموقع البريطاني.

ولم يرد وزير الأشغال العامة والإسكان السوري على طلب موقع Middle East Eye بالتعليق على هذا التقرير.

وأخبر العديد من المتضررين موقع Middle East Eye إن تمديد المهلة لا يعني شيئاً سوى للقليلين، لأن الأوراق التي تثبت ملكيتهم إما فُقدت أو دمرت خلال الحرب، أو لأنهم واجهوا تعسفاً بيروقراطياً في تقديم طلباتهم من الخارج.

بينما صرّح آخرون باعتقادهم إن الغرض الرئيسي لهذا القانون معاقبة من كانوا يدعمون المعارضة.

وقال معاذ، 52 عاماً، من حلب، والذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً: «أبحث عن حل لما يبدو أنه مهمة مستحيلة».

وقال معاذ إنه كان يمتلك منزلين ومتجر بقالة، ورثهم عن عائلته، في حي صلاح الدين بمدينة حلب، والذي شغله مقاتلو المعارضة لسنوات وتعرّض لقصف قوي من قبل القوات الموالية للحكومة.

وقال إنه غادر سوريا مع أمه وزوجته وأطفاله الثلاثة إلى مدينة قونية في تركيا في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، بعد اعتقاله وتعذيبه على يد القوات الحكومية لمشاركته في الاحتجاجات.

وأضف كذلك أن العديد من أقاربه قاتلوا بين صفوف الجيش السوري الحر.

وبرغم نهبه وتدميره، تمكّن معاذ من تأجير ممتلكاته أثناء غيابه. ولكنه يقول إنهم الآن تحت التهديد من جديد، ليس من البراميل المتفجرة هذه المرة، وإنما من القانون 10.

وقال معاذ: «على الرغم من عدم تأكيد النظام حتى الآن لكل المناطق التي ستخضع للقانون 10، أنا متأكد من إدراج منزلي لأنه يقع داخل واحدة من أكثر المناطق تردداً».

وعلى إثر عجلته في مغادرة حلب عندما اشتد القنال، قال معاذ إنه ترك وراءه سندات ملكية ممتلكاته.

وقال لموقع Middle East Eye: «بعد الإعلان عن القانون، بدأت البحث عن محامين لمساعدتي في العثور على طريقة لإثبات ملكيتي. وعندما ذهبت إلى القنصلية (السورية) في إسطنبول من أجل استخراج الأوراق اللازمة لتوكيل محام في سوريا، رُفض طلبي بعد الفحص الأمني».

وأضاف: «أردت دفع رشوة، ولكنهم أخبروني باستحالة استخراج تلك التصاريح، خاصة لمن يعتبرون مطلوبين من قبل النظام».

ولم ترد القنصلية السورية على طلب Middle East Eye للتعليق على ذلك حتى وقت النشر.

ومع ذلك، علم معاذ، حسب أقواله، أن هناك إمكانية لدفع «مبلغ كبير من المال» لمسؤول عسكري كبير لفرز الأوراق ومنع نقل ممتلكاته إلى الدولة.

وقال معاذ إنه لم يفكر في العودة إلى سوريا لمعالجة تلك المشكلة، خوفاً من بطش وانتقام الحكومة.

وأضاف: «مثل العديد من السوريين، لم أتمكن من العودة خوفاً من الاضطهاد والقمع، أو التعذيب أو الموت. العودة مستحيلة».

«بدون ممتلكات، وبلا سبيل للعودة»

حتى المواطنون المحتفظون بسندات الملكية يقولون إن آمالهم ضئيلة في الاحتفاظ بممتلكاتهم بسبب انتماءاتهم السياسية.

يقول رضا، 35 عاماً، لـ Middle East Eye: «منذ الإعلان عن هذا القانون، أصبح منزلي في منطقة دمشق على حافة الضياع».

يعيش رضا حالياً في مدينة هاتاي، جنوب تركيا، من عائلة معروفة بمعارضتها لنظام الأسد في حي الغوطة.

وقال إنه كان يبحث عن محامين لمساعدته على بيع منزله.

واشتكى قائلاً: «بمجرد معرفة المحامين لخلفيتي السياسية والعائلية، قالوا: «حتى دفع الرشاوي لن يحل هذه المشكلة». يريد النظام مسح وجودنا من السجلات السورية».

وأضاف: «بدون ممتلكات، وبلا سبيل للعودة. ربما قد يُسقط عنّا (الأسد) الجنسية أيضاً. لا يمكن لأحد منعه عن أي شيء».

وقال غزوان قرنفل، رئيس مجلس المحامين السوريين الأحرار في تركيا والذي يقدم المشورة القانونية للسوريين، في حديثه لـ Middle East Eye إنه يعتقد أن القانون 10 يستهدف محو المعارضة من المناطق التي تمردت ضد الحكومة.

وبالرغم من إن الهدف المعلن للقانون هو إعادة تنظيم وإعمار المناطق المتضررة، قال إن الهدف الرئيسي للحكومة هو «إضفاء الشرعية على التغيرات في التركيبة السكانية».

وقال: «سيحدث ذلك لعدم وجود أي قوى أو عقوبات دولية حقيقية قادرة على إيقاف أو ردع حكومة الأسد».

بلا أمل، بلا تعويضات

واشتكى آخرون من أن منازلهم مهددة بهذا القانون، على الرغم من اختيارهم البقاء في سوريا وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.

يقيم تحسين في مدينة حرستا، شمال شرق دمشق. وقد فرّ من المدينة عام 2013 إثر اندلاع القتال بين القوات الموالية للنظام السوري وجيش الإسلام، وانتقل مع أقاربه إلى مساكن برزة القريبة

واستعادت القوات الموالية للحكومة سيطرتها على الغوطة والمناطق المجاورة مثل حرستا في مارس/آذار 2018.

وقال تحسين: «عندما عدت، كان منزلي مهدّماً جزئياً، ولكنه قابل للإصلاح».

وأضاف: «بعد الإعلان عن القانون، وحيث أُدرجت حرستا في قائمة المناطق المتضررة، ناشدت المحكمة لكي تأتي وترى أن منزلي ليس مدمراً لأتمكن من إعادة تسجيل حقوق ملكيتي للمنزل».

«وبعد أسابيع، لم يأتِ أحد ورُفض طلبي. طلبت من محامين تولي هذه القضية، ولكنهم أخبروني إن الحكومة استولت بالفعل على تلك المناطق ولا أمل في إعادتها».

وأُخبر تحسين أن أفضل ما قد يأمله هو الحصول على تعويض بقيمة إيجار ستة أشهر، أو أسهم في أي مشروع يُعاد تطويره مستقبلاً في مكان منزله الحالي.

وقال تحسين: «لم يتم التوصل إلى أية تسوية أو تعويض حتى الآن. ولا أتوقع خيانة الحكومة لنا بهذا الشكل».

ويؤمن قرنفل، المحامي، إن القانون 10 ينتهك الدستور السوري، الذي يمنع مصادرة الممتلكات بدون حكم محكمة ودفع «تعويض عادل».

وقال: «أسفر (قانون 10) عن تغيرات جذرية في حقوق المالكين، وحولهم من مالكين فعليين للمنازل إلى مالكي حقوق ملكية لن تأتي بأي قيمة مقاربة لقيمة المنزل نفسه».

وأضاف: «هذه الخطة سوف تجبر المالكين على بيع حقوقهم إلى الشركات الكبرى التي ستحصل على مساحات شاسعة من الأراضي بأسعار أقل من القيمة السوقية».

وأشار قرنفل إلى استفادة بعض رجال الأعمال أمثال رامي مخلوف وسامر فوز، المعروفين بانتمائهما للدائرة الداخلية لعائلة الأسد منذ فترة طويلة، اللذين حققا ثروات طائلة بالفعل من صفقات أثناء الحرب، ومن المتوقع تحقيقهما أرباحاً كبيرة أيضاً من خلال هذا التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب.

واستشهد قرنفل بقضية بساتين الرازي، حيث أُجبر السكان –بأمر رئاسي– على مغادرة مساكنهم في عام 2012، مع دفع تعويض للنازحين تبلغ قيمته 15,000 ليرة سورية (29 دولاراً أمريكياً) فقط شهرياً لمساعدتهم على استئجار مسكن في مناطق أخرى.

ومن حينها تم هدم مباني ومزارع بستان الرازي لإفساح المجال لإقامة مشروع حي فاخر جديد يُعرف بـ»ماروتا سيتي»، إلى جانب بناء مراكز تسوق كبيرة ومنطقة صناعية بتمويل ومشاركة مخلوف وفوز.

كما ربط قرنفل بين القانون 10 وإعادة تطوير وسط بيروت في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية.

في تسعينيات القرن الماضي، اشترت شركة Solidere، المملوكة جزئياً لرئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري وعائلته وشركائه المقربين، مساحة شاسعة من وسط العاصمة اللبنانية المدمّر بثمن بخس، لتتحول المنطقة إلى واحدة من أغلى المناطق في المدينة.

وأشار قرنفل إلى أن الاحتمال الوحيد لإعاقة إنشاء مثل تلك الأحياء الجديدة هو العقوبات الدولية المستمرة التي تمنع بيع مواد البناء إلى سوريا.

وفي الوقت نفسه، أبرزت تصريحات المواطنين مثل حسن، ومعاذ، ورضا، وتحسين لـ Middle East Eye شعورهم بالعجز تجاه فقدانهم منازلهم.

وتنهد تحسين قائلاً: «يداي مغلولتان. ليس بوسعي سوى الانتظار لأرى ما تسفر عنه الأحداث».

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …