منذ مطلع عام 2018، بدأ نفوذ تركي آل الشيخ في التفاقم و”التغول” متحديا الشعور الوطني للمصريين. وبدأ نفوذه يخرج من نطاق الرياضة لصالح بناء لوبي يتضمن إعلاميين وضباطا شرطيين و”فنانين” ومسؤولين في أجهزة سيادية وأعضاء في اتحاد الكرة، فضلا عن علاقته برأس إدارة 3 يوليو التي سهلت له هذا “التغول”.
كان تمدده في المجال العام، وضغطه على النادي الأهلي بصورة خاصة سببا في تفجر غضب جماهير روابط النادي الأهلي التي توجهت بالسباب لتركي آل الشيخ في مباريات “النادي الأهلي” مع كل من مباراة الأهلي وحوريا الغينى في إياب ربع نهائي بطولة أفريقيا في العاصمة المصرية القاهرة في 14 سبتمبر 2018، وكذلك في لقائه مع “نادي النجمة” اللبناني في إياب دور الـ32 من البطولة العربية؛ بالعاصمة اللبنانية بيروت في 27 سبتمبر 2018، ما انتهى – بسبب النفوذ الأمني للرجل لحبس 7 منهم قبل أيام بتهمة “الانتماء لجماعة إرهابية.
فيما لم تكد تنقضِ 10 أيام على قرار محكمة جنايات القاهرة بتجديد حبس ٥ من أعضاء ألتراس أهلاوي على خلفية اتهامهم بالشغب أثناء مباراة “النادي الأهلي” و”نادي مونانا” الجابوني، والتي هتف خلالها «الألتراس» مطالبين بالحرية
برغم الإساءة، وبرغم تحفظ غالبية المصريين حيالها، إلا أن هتافات الألتراس أدت إلى حالة من الحبور لدى عموم المصريين، أعادت التساؤلات حول الدور السياسي للألتراس، وحدود الخلط بين الرياضي والسياسي. هذه الورقة تحاول تقديم تصور حول موقف الألتراس من تركي آل الشيخ ضمن المشهد السياسي المصري الراهن.
أولا: إطار الأزمة
لا يمكن التعرف على دلالة هبة الألتراس موضوع الورقة من دون الوقوف على البيئة التي شهدت تبلور عنصري الأزمة المتمثلين في رغبة الدولة الملحة في محاصرة روابط الأندية، وبتر دورها السياسي تماما، وإخضاعها لسطوة الأجهزة الأمنية؛ وهي السطوة التي تمثل عماد إدارة رأس 3 يوليو لمصر. هذا بالإضافة لتغول تركي آل الشيخ، وتمدد نفوذه على نحو مثل تحديا لمفهوم المصريين للانتماء والتبعية للخارج. وهو ما يدعونا لإلقاء ضوء عاجل على بيئة الأزمة في المحورين الفرعيين التاليين:
1/1. قمع ألتراس الأهلي:
بحسب ما يرى أكاديميون، فقد كان ثمة قلق وثأر لدى الدولة المصرية حيال جماهير الألتراس بصفة عامة، و«ألتراس» النادي الأهلي بصفة خاصة. أما القلق فمرده أن تعداد عضوية روابط «ألتراس» المختلفة قد بلغ مليون شخص وتعد بذلك ثالث أكبر قوة منظمة ضاغطة في مصر بعد الكنيسة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين. وأما الثأر فيرجع لما باشرته هذه الرابطة من مواجهات مذلة في بعض الأحيان لقوات الأمن المصرية لعل أبرزها ما شهدته نهاية مباراة “النادي الأهلي” و”نادي كيما أسوان” في كأس مصر في 6 سبتمبر 2011 من احتكاكات عنيفة بين الأمن و«الألتراس»، فضلا عن دورها في مواجهة قوات الأمن إبان ثورة يناير.
وتبدى النمط الثأري في رد فعل الدولة المصرية متمثلا في «مذبحة استاد بورسعيد» التي شهدت مصر وقائعها المؤلمة في فبراير عام 2012؛ بعد يوم واحد من هتاف جماهير «ألتراس» ضد المجلس العسكري الذي حكم مصر في الفترة الانتقالية التي توسطت بين الثورة وتنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا. أعقب المذبحة اعتصام لروابط النادي الأهلي أمام مجلس الوزراء وفي جامعة القاهرة، وزارهم عدد من المرشحين مثل حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، ما لفت النظر لقوتهم السياسية، وبدأت الدولة تنتبه لحضورهم وتحاول تحجيمه.
ومع اتجاه أعضاء الروابط للضغط على الدولة لمحاكمة المتسبب في مجزرة بورسعيد. شهد 2013، وبسبب عفو رأس إدارة 3 يوليو عن اللواء ممدوح شتا المتهم في قضية «مذبحة بورسعيد» في سبتمبر 2016 ؛ تجددت المواجهات بين الألتراس وقوات الأمن ما أدى لدهس مدرعة أمنية لأحد المشجعين، وهو ما أعقبه قيام المئات من ألتراس أهلاوي بإغلاق طريق المطار أمام حركة مرور المسافرين، ما مثل تحديا للدولة وإحراجا لها أمام وزير الخارجية الأمريكي الذي تأخر على موعد عودته لبلاده. هذا فضلا عن هتاف شباب «الألتراس» لصالح القضية الفلسطينية في أكثر من مناسبة رياضية، ما يزيد إحراج الإدارة 3 يوليو أمام الإدارة الصهيونية
ومع تصاعد المواجهة الأمنية القضائية، هدأت الأمور بشكل نسبي بين الدولة و«الألتراس» حتى تجددت مع مباراة النادي الأهلي أمام نادي “مونانا” الجابوني، حيث هتف شباب «الألتراس» ضد إدارة 3 يوليو ورأسها. وبرغم اعتذار قيادات الرابطة، رفضت الروابط سقف القيادات، وتذرعت للمواجهة بحضور مباراة لكرة اليد في مارس 2018، حيث واجهت القوات الأمنية الجماهير ما أدى لاستيلاء «الألتراس» على أجهزة اللاسلكي الخاصة بضباط الأمن، لتتجدد المواجهة الأمنية – القضائية. وأدى تصاعد وتيرة الاحتجاج وما تبعها من مواجهات أمنية – قضائية شهدت أحكاما بالسجن مع الشغل. وأدت هذه المواجهات في أحد المراحل لإيثار قيادات «الألتراس» الانصياع لضغوط حل الرابطة وهو ما أعقبه حرق «البانر» وهي في عرف شباب «الألتراس» تمثل عارا تشككت معه وزارة الداخلية من التزام شباب «الألتراس» بقرار حل الرابطة.
2. نشاط تركي آل الشيخ:
يغطي هذا المحور عملية تنامي نفوذ “تركي آل الشيخ في مصر”، ذلك التنامي الذي بلغ حد التغول، ودفع أحد المفكرين المصرين لوصف بقوله: “ظاهرة تركي آل شيخ تكشف بوضوح نوعية استثمارات السيسي. السيسي يستثمر في شرف مصر”
كان دخول تركي آل الشيخ لمصر بصفته رئيسا «هيئة الرياضة السعودية للاستثمار الرياضي في مصر»، وكانت بوابة دخوله الرئيسية هي النادي الأهلي، في مطلع عام 2018. ومع بداية ضخ الأموال للنادي الأهلي عبر رعاة رسميين، وعبر تدفقات غير رسمية الإطار القانوني وإن تمت في صورة معاملات تمويلية، بدأ رئيس الهيئة يتجاوز الأطر القانونية لوظائفه في مصر؛ وبخاصة بعد منحه الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي، حيث بدأ يتدخل في الأمور الفنية للنادي، وهو ما قوبل برفض جماهيري أجبر الخطيب على إقصاء الرجل من المشهد، لتبدأ بعدها حرب كلامية تصاعدت حدتها بمرور الوقت. واتجه “آل الشيخ” بعد ذلك لشراء نادي رياضي لمعاودة بدء مشروعه به، فاشترى “نادي الأسيوطي”، وغير اسمه إلى “نادي بيراميدز”، واشترى له لاعبين، وأنشأ له قناة، وشرع في شراء جمهور للنادي. وبدأ “آل الشيخ يغدق الهدايا على الأندية المصرية، حيث تكفل بملابس فريق نادي الزمالك (8 مليون جنيه) ودعمه في 3 صفقات ووعده بالدعم في أخرى، بالإضافة لدعم ناديي الاتحاد السكندري والسكة الحديد”، وكان بسبيله لدعم النادي “المصري” قبل أن تقدم إدارة النادي على رفض هديته
كما اتجه “آل الشيخ” لإنفاق المال على الاتحاد المصري لكرة القدم وتدخل في علاقة الاتحاد مع اللاعب المحترف محمد صلاح. لكن تدخلاته في الشأن الرياضي المصري ادت لتفاقم العلاقة بينه وبين بعض الأندية ومدربيها، وحتى اتحاد الكرة، وشرع في ملاسنات مع كل هذه الأطراف، بالإضافة لملاسناته مع الاتحاد الدولي لكرة القدم. وفي إطار التوظيف السياسي وطبيعة العلاقات بين مصر والسعودية، كانت “جماعة الإخوان” شماعة “آل الشيخ” في تبرير تصاعد كثير من خلافاته
بدأ “آل الشيخ” في تمديد نفوذه في مصر، فبدأ في تكوين لوبي إعلامي من إعلاميين الرياضيين في 8 صحف ومواقع منها “الأهرام” و”المصري اليوم” و”اليوم السابع” و”في الجول” و”يلا كورة” ودعمه ماليا وتمدد نفوذه الإعلامي حتى بلغ حد تحقيق “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” مع إعلامي ادعى أن تركي آل الشيخ هدده بالقتل كما بدأ في تكوين لوبي له داخل وزارة الداخلية وبعض الأجهزة السيادية، وهو ما تبدى بعد تحرير طليقته المصرية المطربة آمال ماهر محضرا بضربه لها فانتهى الأمر بإغلاق استديو تملكه. علاقة “آل الشيخ” بالفنانين لم تقف عند حدود المطربة آمال ماهر، بل تعدتها لشبكة واسعة من الفنانين الذين التفوا حول “آل الشيخ” لبذخه. هذا بالإضافة للقاءاته المتكررة مع رأس النظام المصري ومسؤولين في أجهزة سيادية مصرية المشكلة التي ادت لتصاعد الرفض الشعبي لظاهرة “تركي آل الشيخ” وكان الضجيج الذي ارتبط بالظاهرة، وتعديه على رموز مصرية رياضية وغير رياضية، ما أدى ليس فقط لنمو وعي شعبي مصري ضده امتد مع جماهير “النادي الأهلي” إلى لبنان بل وخلق وعي شعبي عربي أيضا في المغرب بعدما أعلن “آل الشيخ” دعمه لها في استضافة فعاليات بطولة “كأس الأمم الأفريقية.
ثانيا. قراءة في رد فعل الألتراس
مع ما لفتنا إليه عاليه من منهج ماكينة القمع مع جميع الألتراس، ومع الوطأة الثقيلة لـ«مذبحة بورسعيد»، وما أعقبها من احتجاجات ثم ملاحقات، تثور عدة تساؤلات حول دلالة تحرك جماهير النادي الأهلي ضد تركي آل الشيخ، وهو ما يدفعنا لمعالجة هذه القراءة على مستويين، اولهما يتعلق بتفسير الأزمة وحدودها، وثانيهما يتعلق بدلالة الأزمة.
2/1. التصورات المختلفة لأسباب الأزمة
مع نشوب الأزمة، في توقيت من الصعب فيه أن يقدم جمهور النادي الأهلي على تحدي السلطة مجددا بعدما لاقوه من تنكيل، لوحظ وجود تصورين بين المراقبين:
التصور الافتراضي: بدا لبعض المراقبين أنه من الراجح أن قطاعا من جماهير النادي الأهلي يستحيل عليها أن تقدم على مثل هذا المسلك الاحتجاجي من دون أن تكون قد تلقت طلبا بالمساندة من جانب إدارة النادي الأهلي، وهو الطلب الذي يستحيل أن تقدمه هذه الإدارة من دون وعد بتوفير قدر من المساندة الأمنية يخفف من ملاحقة المشاركين في المشهد الاحتجاجي ضد آل الشيخ. وهذا الظن يطرح أحد سيناريوهين “افتراضيين” في تقدير الموقف، على النحو التالي:
السيناريو الأول، أن إدارة النادي الأهلي تتحرك بمعزل عن السلطة، وأنها تخلق حالة من التصعيد الاحتجاجي ضد وجود تركي آل الشيخ في مصر، وأن هذا الوجود وما يرتبط به من نشاط ترتب عليه اختلال جسيم في التوازن بين ما يمكن أن يترتب على هذا الوجود من منافع لإدارة 3 يوليو تتمثل في تدفق استثماري من شأنه أن ينعش المسرح الرياضي في توقيت يعم فيه الكساد بنية الاقتصاد المصري بسبب موجات الارتفاع المتتالية الهائلة في الأسعار؛ فضلا عن دور نشاط آل الشيخ في استراتيجية الإلهاء من جهة، وبين ما يخلقه في الفضاء الكروي الترفيهي من مناخ مشاحنات وتدافع وصراع واغتراب وطني من جهة أخرى.
السيناريو الثاني، يتمثل في استشعار إدارة 3 يوليو أن وجود تركي آل الشيخ في مصر ونشاطه المثير للجدل يقود لعملية إضرار واسعة بصورة إدارة 3 يوليو، وبخاصة لما يرتبط بهذا النشاط من تشويه لصورة مؤسسات الدولة التي بدت مهترئة وتابعة لما اصطلح رجل الشارع المصري على تسميته “شوال الأرز”؛ حيث بات قطاع من أجهزة الدولة يأتمر بأمره، فيبطش بهذا المدرب، وينكل بتلك المطربة، ويشتبك مع تلك الراقصة، وهو نشاط طال في تشويهه قطاع من الأجهزة الأمنية ووزارة الأوقاف وبلغت حد محاولة شراء حصة من شركة “إعلام المصريين” تمكنه من شرائها
هذا السيناريو الثاني افتراضي بطبيعة الحال، لكنه قد يجد مساندة نسبية له مما جرت وقائعه لاحقا من اتصالات دبلوماسية لمحاولة تجنب تسبب وجود آل الشيخ في مصر في مزيد من الزيف المعنوي الذي قد لا تحتمله إدارة 3 يوليو في هذه اللحظة العصيبة.
وفي تقدير الباحث أن هذين السيناريوهين ينفيان بعضهما، وذلك لعدة أسباب نوردها فيما يلي:
فمن جهة، لا يمكن تصور وجود ثقة بين «الألتراسات» المختلفة للنادي الأهلي وبين إدارته، وبخاصة بعدما أقدم رئيس النادي الأهلي، محمود الخطيب، على تسليم أجهزة الأمن قائمة بأسماء أعضاء الألتراس الذين من أعضاء «الألتراس» التي هتفت في مباراة مونانا الجابوني بعد هتافاتهم ضد وزارة الداخلية “حرية… حرية”
ومن جهة أخرى، لا يمكن تصور أن تقدم إدارة النادي الأهلي على مثل هذا التحرك من دون أن تحصل على إذن من “جناح” من أجنحة السلطة، حيث إن انكشاف هكذا مخطط بعد القبض على عدد من منفذي الاحتجاجات في الاستاد من شأنه أن يسبب ضررا بالغا لإدارة النادي الأهلي من جانب إدارة سياسية أثبتت أنه لا عزيز لديها فيما يتعلق باستتباب “الموات السياسي”، حتى لو كان بطلا رياضيا لقبته جماهير النادي الأهلي بلقب “أمير القلوب”؛ وهو اللاعب محمد أبو تريكة أو حتى نجم رياضي عالمي مثل محمد صلاح ولا يمكننا التغافل عن حاجة النادي الأهلي لتهدئة الملاعب لاستعادة الجماهير وحصته من التذاكر بعد حبس “الأرزعنه.
ومن جهة ثالثة، فإن مرحلة صراع الأجنحة كان من الممكن تقبلها قبل فترة من الزمن، إلا أنها اليوم حجة لا تتمتع بالقبول مع سيطرة إدارة 3 يوليو على جهاز المخابرات العامة ما أدى لوقف النزيف المعنوي الحاد الذي واجهه الجهاز، وواجهته مع إدارة 3 يوليو، إن جاز أن نصف ظاهرة التسريبات” بأنها من باب الإضرار بإدارة 3 يوليو، وهو ما لا أرجحه. هذا طبعا بالإضافة للتغيير القوية التي شهدتها المؤسسة العسكرية بعد العصف برأسها الفريق صدقي صبحي في إجراء غير دستوري واعتقال عدد لا يستهان به من ضباطها؛ وتقديمهم لمحاكمات عسكرية. ولا يمكننا تجاوز التعديلات التي طرأت على الأجهزة الأمنية قبل وبعد الإطاحة برأسها اللواء مجدي عبد الغفار هذا الطرح لا يستبعد وجود خلافات داخل أجهزة الدولة، لكنها باتت مما لا يرقى لدعم حجة “صراع الأجنحة”.
ومن جهة رابعة، فإن إدارة 3 يوليو التي ضحت من رصيد شرعيتها وشعبيتها الشيء الكثير لكي تتمكن من وقف الحضور الجماهيري لظاهرة الألتراس في مختلف الأندية، واقترفت في هذا الإطار ما يرقى لاعتباره «جريمة ضد الإنسانية» إذا ما تكشفت أبعاد المعالجة، لا يمكنها أن ترتد على أعقابها، وأن تهدم ما حققته من نتائج، عبر سلوكها مثل هذا المسلك التآمري في الوقت الذي يمكنها فيه مداواة الجراح التي ترتأيها عبر القنوات الدبلوماسية التي لم نبدأ في ملاحظتها إلا بعد حدوث أزمة “سباب تركي آل الشيخ”.
ومن جهة خامسة، لا يمكننا أن نبرح هذا المقام من دون أن نلفت إلى أن هكذا سيناريو يحتمل أن يكون مطروحا لتشويه الجانبين، تشويه الألتراس من جانب بوصف الاحتجاج الذي حدث بكونه مؤامرة للتستر على فساد إدارة النادي الأهلي، كما أنه مطروح كذلك ضمن جهود تشويه إدارة النادي الأهلى، ما قد يدفع باتجاه جمعية عمومية جديدة لتغيير جهاز إدارة النادي، وهو اعتبار يمكننا أن نجد فيه أصابع لا حصر لها، منها أصابع موضوع الأزمة آل الشيخ نفسه.
2/2. التصور الراجح:
لم يتبق في هذا الإطار – من وجهة نظر الباحث – إلا تصور حدوث مبادرة ذاتية من جانب جماهير النادي الأهلي. وهي – إن كانت كذلك – تمثل تعبيرا عن أزمة أكبر تقلق الشارع المصري وتهدد شرعية إدارة 3 يوليو في آن. وهي أزمة كانت من العمق بحيث دفعت جماهير النادي الأهلي لهكذا مسلك احتجاجي، بالرغم مما سبق أن تعرضت له من قمع.
إن تعبير تهديد الشرعية ليس من باب “التهويل”، ولا مما اصطلح الشارع السياسي المصري على تسميته “المخدرات السياسية”. فمظاهر التهديد لم تقف عند حدود بروز مؤشرات واضحة على تهاوي قطاعات من أجهزة الدولة، الأمنية وغير الأمنية أمام نفوذ آل الشيخ، بل إن منهج معالجة آل الشيخ للأزمة نفسه كشف عن أزمة أكثر تركيبا، تمثلت في “علاقة تبعية” صريحة في بنية المجال الرياضي المصري الراهن، تتمثل في علاقة اعتمادية واضحة على الشركات الخليجية الراعية، وبخاصة الشركات السعودية، وتكشفت ملامح هذه “التبعية” في سحب “آل الشيخ استثماراته في مصر، وفي اتجاه شركات سعودية راعية لقطاع من النشاط الرياضي في مصر لسحب في نهج عقابي واضح لمن تتصورهم أطرافا للأزمة.
ما يرجح أنها أزمة عميقة كذلك ما لاحظناه من الانعطافة الحادة في مسلك إدارة 3 يوليو في التعاطي مع تداعيات الأزمة الأساسية. فزيارة مدير جهاز المخابرات لتركي آل الشيخ وملاقاته، ووعده بعدم تكرار مثل هذه الأزمة مجددا كان الحلقة الأولى من حلقات إدارة الأزمة، وتتداول شبكات التواصل الاجتماعي تهمة ترمي وزارة الأوقاف في هذا الصدد بتهمة تعميم خطبة الجمعة حول موضوع “حرمة سب الأمهات”، وهو ما ارتبط مباشرة بموضوع هتافات احتجاج جماهير النادي الأهلي. غير أن توارد تسريبات عن مرحلة جديدة لمعالجة الأزمة، تتضمن شكوى من تداعيات وجود آل الشيخ أمر يقود لاستنتاج مركب مفاده أن الأزمة التصريحات المسيئة لآل الشيخ كانت بمبادرة من جماهير النادي الأهلي، وأن هذه الاحتجاجات أدت لوعي إدارة 3 يوليو بأن أضرار حضور تركي آل الشيخ تفوق في الخطورة ما يجلبه من منافع.
2/3. في دلالة احتجاج الألتراس
سبق فيما سلف أن تحدث الباحث في طرف من دلالة الأزمة فيما يتعلق بعلاقة الأزمة بالضمير المصري الجمعي، وهو ما لم يكن ممكنا فصله في هذا المحور لعلاقته الوثيقة بمحور “التصور الراجح”. ويتبقى في هذا الإطار دلالة احتجاج جماهير النادي الأهلي، وهي الدلالة المهمة التي لا ينبغي التهويل من شأنها؛ فنكون بصدد “مخدرات حركية” ولا التقليل من دلالتها فنقبع في دائرة البناء البطئ للوعي الجمعي المصري. فلجماهير النادي الأهلي علاقة من نوع خاص مع ناديها، شأنهم في ذلك شأن كل ظاهرة للألتراس داخل مصر وخارجها.
ويلفت “أشرف الشريف” إلى تلك الشيفرة العاطفية شديدة الغموض التي تربط «الألتراسي» بحب فريقه كفكرة مجردة لا تتحقق عبر أشكال مادية واضحة أو غايات ثابتة، فلا يتراجع حبه للنادي ونشاطه معه بتحقيقها ولا تقل حمولته العاطفية. فالفوز بالبطولات أو خسارتها لا يعني أي شئ بالنسبة للنشاط «الألتراسي». فتشبع النادي الأهلي مثلا بالبطولات لم يقلل من وتيرة ديناميكية «ألتراس أهلاوي» والتي تبدو وكأنها لا تشبع أبدا، وأيضا فإن مخاصمة نادي الزمالك للبطولات عبر فترة طويلة نسبيا لم تقلل من وتيرة ديناميكية «ألتراس وايت نايتس» والتي تبدو وكأنها لا تحبط أبدا، بينما مال آخرون مثل “جمال الجمل” لاعتبارها تعصبا
ولا يعنى الباحث هنا بطبيعة التوصيف وما يتضمنه من محمولات وجدانية وقيمية أو حتى موضوعية، بل يعنيني في المقام الأول تلك الشيفرة التي تمثل جذوة لا تنطفئ مهما ارتفع أداء النادي أو تدهور.
في تقدير الباحث، فإن تلك الشيفرة هي المفتاح التفسيري الأهم لاحتجاج الألتراس. هي التي دفعته للتغاضي عن كل ما مر به من محن ومآس في سبيل إرسال رسالة لإدارة 3 يوليو تحذر من آل الشيخ. ولا يمكن في هذا الإطار تجاوز ما لفت إليه الخبير الرياضي “علاء صادق” من أن مهمة آل الشيخ” في مصر هي وقف تقدم النادي الأهلي رياضيا
إن رسالة جماهير النادي الأهلي بقدر ما تحمل دلالة استيعاب درس “المحنة الأولتراسية”، فإنها لم تنطو على تحد صارخ للسلطة على نحو ما عهدنا في مواجهات ما قبل “إعلان الحل” و”حرق البانر”، كانت الرسالة بالغة الحذر في مضمونها، وبالغة الدقة في وجهتها، وكل ما حملته لإدارة 3 يوليو أن هذا الرجل “آل الشيخ” إنما هو معول هدم وأداة استفزاز في آن. ولهذا انحصرت الهتافات ضد “آل الشيخ”.
لعل محدودية الرسالة، ودقة محتواها، ووضوح وجهتها وهدفها هو ما دفع مراقبون ذوي وزن أيضا لاقتصار تعليقهم على هذه الأزمة بالتأكيد على مبدأهم في ضرورة فصل الرياضي عن السياسي؛ ولم يحمل تحذيرا واضحا لجماهير النادي الأهلي من مغبة هذا الخلط على نحو ما تضمنه موقف أ. جمال الجمل في حديثه عن أحداث مباراة مونانا في مارس 2018 . بينما كان تركيز أ. عبد العظيم حماد – على استحياء – فيما يتعلق بدعوة الألتراس لترك شيء ما للأحزاب السياسية لتمارسه؛ وذلك إبان أزمة مارس 2018 .
وفي هذا السياق جاء تنبيهه لما سبق للألتراس أن واجهه من تنكيل، ربما في إشارة إلى أن الأحزاب تدبر أمورها بالنظر للتكلفة السياسية لمواقفها، بينما الشباب الغض المتحمس قد تسوقه حماسته – فيما بعد – لتجاوز الخطوط الحمراء مجددا وتبعاتها شديدة الوطأة، وهو ما حدث بالفعل مع اتهام 7 من جماهير النادي الأهلي بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية”
خاتمة
يمكن توصيف تفاعلات «الألتراس» مع ظاهرة «آل الشيخ» بالالتحام المباشر بوطأة هذه الأزمة على الضمير الوطني المصري. فبرغم ما دفعوه من ثمن؛ وبرغم ما يحتمل أن يبذلوه من ثمن مجددا، لم يتمالك «الألتراس» إلا أن يعبر عن رفض المصريين لهذا التغول. وبرغم أن هتافات “السباب” في «مباراة حوريا» لم تتطور لحالة احتكاك بالدولة المصرية كما كان الحال في «مباراة مونانا»، وهو ما يعكس حرص الجماهير على عدم التصعيد مع الدولة أو وزارة الداخلية المصرية، إلا أن النتيجة أتت بالغة القسوة مع اتهامهم بالانضمام لجماعة إرهابية، وهي إشارة من الدولة إلى أن الدور السياسي لـ«الألتراس» مرفوض مهما كانت وجهته، ومهما كانت درجة تعبيره عن تطلعات المصريين. فالدولة التي تعرف درجة المهانة التي أورثتها للمصريين مسالك آل الشيخ في مصر؛ بدليل التحرك مسؤولون سياديون بدرجة “رئيس جهاز المخابرات المصري لوقف هذه المسالك، إلا أن الدور السياسي لـ«الألتراس» تم التعامل معه باعتباره خطا أحمر.
من جهة أخرى، عكست هتافات «الألتراس» حالة من السخط المتراكم، لم يكن انفجار «الألتراس» تعبيرا وحيدا عنها، بل كان التعبير الأكبر يتمثل في حالة الابتهاج العارمة الممزوجة باستياء محدود من بذاءة السباب لدى عموم المصريين. كانت ظاهرة «الألتراس» بما انطوت عليه من تعصب للنادي الأهلي وراء هكذا تفجر. وفي تقدير الباحث، لا يمكن سحب هذا الانفجار بسبب سياسات إدارة 3 يوليو على عموم المشهد السياسي الذي لم يُلبِ بعد تطلعات الجمهور لنخبة سياسية متماسكة ومتوازنة وذات رؤية واضحة صارمة للمستقبل