ماذا يعني غياب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المشهد السياسي بالنسبة للشرق الأوسط؟ السؤال لا يبدو عبثياً ولا خيالاً محضاً، في ظل الأمواج العاتية التي تواجه سفينة رئاسة ترامب، فالرجل نجح بامتياز في خلق حالة غير مسبوقة من الرفض لشخصه وسياساته داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولم تكن خسارة حزبه لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس في أواخر 2018 إلا ترجمة لذلك الرفض.
المتابع للمشهد السياسي والإعلامي داخل الولايات المتحدة يدرك جيداً أن فرص إنهاء ترامب لفترة رئاسته الأولى لا تبدو محسومة، وحتى لو أكملها فإعادة انتخابه العام المقبل أصبحت محل شك كبير.
ساعد وجود ترامب بعض القادة في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص العرب وإسرائيل، في التصرف بجرأة تجاه ملفات زادت التوتر في المنطقة، التي يبدو أنه قد كتب عليها ألا تهدأ، فماذا سيكون مصير تلك الملفات، بل وربما قد لا نكون مبالغين حين نتساءل أيضاً كيف سيكون مصير بعض الحكام العرب إذا غادر ترامب منصبه؟
وقبل أن نخوض في غمار الإجابة لا بد أن ننظر أولاً إلى ما فعله ترامب حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط، حتى تكون الصورة أوضح، مع الوضع في الاعتبار أن محاولة إسقاط قواعد المنطق في التحليل السياسي على ترامب غريب الأطوار، والقرارات قد تبدو صعبة.
ترامب النرجسي حطَّم كل الثوابت
هذا المعنى عبَّر عنه بشكل مباشر كورنيليوس أديبار (زميل غير مقيم في معهد كارنيجي بأوروبا)، في مقال له بعنوان: «إنها النرجسية يا غبي»، وبدأه بالقول إنه «لا بد أن يستوعب المراقبون والمحللون السياسيون أنه مهما كانت القضية أو الموقف لا يوجد لدى ترامب سوى رد واحد «أنا»! وهذا يعني ببساطة أن الوسائل التقليدية للتحليل والمنطق لم يعد لها لزوم من الأصل، فكبرياء الرجل ومصالحه التجارية طغت على المصلحة القومية (التي هي أصلاً صعبة التعريف)، وعلى الصراع بين مؤسسات الدولة والسياسات الحزبية».
نفس المعنى دلَّل عليه بي جي كراولي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في وصفه لخطوة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الأمريكي بقوله: «رغم أن معظم مستشاريه الأمنيين كانوا يفضلون استمرار الاتفاق والعمل على تحسين شروطه، إلا أن ترامب قرر منفرداً الانسحاب منه، وكان ما كان، وأصبح أمراً واقعاً، وهي خطوة غير مسبوقة أن يقوم رئيس بإلغاء أهم إنجاز في السياسة الخارجية لسلفه!»
وكما عبَّر أديبار بأسلوب لا تنقصه الجرأة، أصبح مصير العالم في عهد ترامب معلقاً بقرارات شخص واحد «متنمر للغاية»، وذلك بصورة ربما لم تحدث من قبل في التاريخ.
المواقف غير المتصوَّرة قبل ترامب تراكمت بصورة متلاحقة في فترة عامين فقط من وصوله للبيت الأبيض، لدرجة أصبح معها كل شيء متصوراً وقابلاً للحدوث رغم عبثيته، فالرجل الذي وعد أثناء ترشحه للانتخابات بأنه سيحل قضية الشرق الأوسط بشكل جذري واستخدم مصطلح «صفقة القرن»، نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس غير مكترث بالقرارات الدولية، ولا برد فعل أكثر من مليار مسلم حول العالم، ثم قرر الاعتراف بضم هضبة الجولان السورية إلى إسرائيل، دون الالتفات لعبثية ما يفعله من إهدار لكل الأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي والقرارات الأممية التي وافق عليها جميع مَن جلسوا قبله في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض!
«بالتأكيد هو مستمتع جداً بهذه الحالة، وكذلك أنصاره داخل الولايات المتحدة، حيث يرونه المنقذ، لكن بالطبع تراه بقية العالم على أنه بربري»، بحسب أديبار.
تلك المقدمة كانت مهمة جداً لفهم طبيعة الرجل قبل التطرق إلى محاولة فهم مستقبل الملفات الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، التي يرتبط بقاؤها أو نجاها باستمرار ترامب في موقعه.
1- صفقة القرن إلى أين؟
المحطة الأولى التي نتوقف عندها لنستكشف حالها بعد ترامب هي صفقة القرن، كعنوان للصراع العربي-الإسرائيلي الذي شهد انقلاباً تاماً في عهد ترامب، من حيث الإسراع في منح تل أبيب كل ما تحلم به، وربما أكثر.
هذا الملف سيتأثر على الأغلب بغياب ترامب عن البيت الأبيض، فالرجل أعلن أثناء ترشحه للرئاسة أنه سيتمكن من حل هذا الصراع بشكل جذري، وأبدى وأطلق مصطلح صفقة القرن، رغم أن هذا الملف ظل مشتعلاً ولا يزال منذ إعلان إنشاء الدولة العبرية في فلسطين عام 1948.
فما الذي يمكن أن يحدث بعد أن يغادر ترامب؟
من وجهة نظر فيل هاردينج، مذيع وصحفي بريطاني ورئيس تحرير سابق بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإن «ما يُطلق عليه صفقة القرن لن ترى النور من الأساس».
وأضاف هاردينج، الخبير في الشؤون الأمريكية لـ «عربي بوست»: «أعتقد أن إسرائيل، على الأقل في ظلِّ حكومتها الحالية ليست مهتمةً من الأساس بعقد اتفاقية سلام، فالواضح أنهم يسعون لضمِّ أجزاء ضخمة من الضفة الغربية لإسرائيل، ومن ثم يعيشون مع العواقب».
«وعلى المدى البعيد ستتحول إسرائيل إلى دولة عنصرية كما كان الحال مع نظام جنوب إفريقيا، القائم على التفرقة العنصرية، ومثل هذه الأنظمة ليست قابلة للعيش طويلاً».
«ما قد يساهم في تغيير ذلك السيناريو هو مجيء حكومة جديدة في الانتخابات القريبة، ولكن في ظل السياسات الحالية يبدو أي تغيير درامي أمراً غير محتمل، كما أن التغيير في البيت الأبيض ليس متوقعاً أيضاً على المدى القصير».
أما محمد سطوحي، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي في الشؤون الأمريكية، فله رأي مختلف فيما قد يحدث في ملف صفقة القرن وملحقاته، من نقل السفارة الأمريكية وغيرها بعد رحيل ترامب.
«أنا أرى أن صفقة القرن تنفذ عملياً على الأرض دون إعلان، بدعم الاستيطان ونقل السفارة، والآن بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، أما التراجع عن هذه القرارات فصعب إن لم يكن مستحيلاً؛ لأن الأوضاع السياسية الداخلية لا تسمح، فنقل السفارة مثلاً كان في البداية قراراً من مجلس الشيوخ بأغلبية كبيرة»، قال سطوحي لـ «عربي بوست».
وأضاف: «السؤال: هل إذا وصل رئيس ديمقراطي يمكن أن يغير شيئاً؟ اعتقادي أن زاوية التغيير ضاقت جداً، أن لم تكن أُغلقت، وهناك أمر واقع جديد يفرض نفسه على الجميع الآن، لكنه على الأقل قد يُقلِّل من حجم الخسائر وعدم المضي قدماً في خطوات أكبر ضد الفلسطينيين».
2- الاتفاق النووي الإيراني
على عكس ملف الصراع العربي-الإسرائيلي، يبدو أن هناك إجماعاً على أن التغيير الأبرز الذي قد تشهده منطقة الشرق الأوسط حال غياب ترامب عن المشهد، سيكون في ملف علاقات إيران مع واشنطن.
فترامب اتَّخذ منفرداً قرارَ الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي وقَّعه أوباما عام 2015، دون أن يهتم بأن الاتفاق كان ناجحاً في منع طهران من الحصول على قنبلة نووية.
«المهم هو أن الرئيس يكره إيران لأسباب شخصية جداً، وليست حتى أسباباً أمريكية محلية، وبالتالي أياً كانت العواقب، سواء أمدّت طهران الحوثيين في اليمن بالصواريخ، أو قام حليف إيران بشار الأسد بضرب شعبه بالغاز، فمن المستحيل معالجة تلك القضايا بمعزِل عن الاتفاق النووي، فهو ينظر لتلك العواقب على أنها تقوّي وجهة نظره»، بحسب كورنيليوس أديبار .
ويضيف أديبار في نفس السياق، أن تصرفات ترامب تجعل من الصعب جداً على حلفاء واشنطن أن يتَّبعوها في سياسة على أرض الواقع.
«فلو أننا حتى أخذنا القضايا التي أثارها ترامب بجدية، في إنذاره الموجه لإيران في يناير/كانون الثاني، بغية الوصول لحل وسط، سنجد أن الأمر دون جدوى؛ لأن قراره النهائي يعتمد على مزاج الرجل في يوم اتخاذ القرار، أو على حسب مَن تحدث معه أخيراً في ذلك اليوم.
وقد برهن رئيس الوزراء الإسرائيلي على فهمه لتلك الصفات النرجسية، عندما قدَّم للعالم معلوماتٍ معروفة وأدلة دعائية على أن إيران غير ملتزمة بالاتفاق النووي، مسمياً ذلك العرض المسرحي «خبراً عاجلاً»، بغرض التأثير على مزاج جمهوره المستهدف، الذي هو عبارة عن شخص واحد فقط اسمه ترامب.
من جهته يؤكد كراولي، أن سياسة ترامب المتشددة تجاه طهران لن تؤدي لأي نتائج حقيقية، حيث لم تنجح العقوبات على مدى أربعة عقود في تحقيق ذلك، وليس محتملاً أن يتغير هذا الأمر، وبالتالي على أي رئيس يأتي بعد ترامب أن يعيد واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران، ويفتح قنوات الحوار معها لأنها الوسيلة الوحيدة للوصول لأية نتائج. «ترامب يشتهي الانتصارات والخوميني لن يمكّنه من ذلك في الملف الإيراني».
التصور ذاته أكد عليه سطوحي لـ «عربي بوست»: «لو فاز مرشح ديمقراطي تقدمي فربما بامكانه إحياء الاتفاقية النووية بعودة الانضمام إليها، وهذا ما تُراهن عليه إيران الآن بشراء الوقت وعدم الدخول في مواجهة صدامية للعامين المقبلين، لكن الأمر سيزداد صعوبة لو أعيد انتخاب ترامب.
فيل هاردينج أيضاً اتَّفق مع الرأي القائل بإمكانية حدوث تغيير في الملف الإيراني حال غياب ترامب، حيث صرَّح لـ «عربي بوست»: «نعم، التغيير في الإدارة الأمريكية يمكن أن يكون له تأثير كبير في هذا الملف، فالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لا يزالون يدعمون الاتفاق النووي، ويحترمون بنوده، ويمكن أن يتم إحياؤه حال تغيرت الإدارة في واشنطن».
3- الرئيس المصري سيخسر حليفاً رئيسياً
ننتقل الآن لملف آخر من الملفات التي من المؤكد أنها ستتأثر بوضوح مع اختفاء ترامب لأي سبب من الأسباب، وهي ملف العلاقات المصرية الأمريكية.
صحيح أن العلاقات بين واشنطن والقاهرة تعد استراتيجية منذ توقيع معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، برعاية أمريكية، ومنذ ذلك التاريخ تقدم الولايات المتحدة مساعدات لأكبر دولة عربية تقدر بنحو 1.3 مليار دولار سنوياً، ولكن تلك العلاقات شهدت شداً وجذباً هبوطاً وصعوداً، حتى وصل ترامب إلى البيت الأبيض.
وقد رصدت أجهزة الإعلام الأمريكية أوجهاً للتشابه بين ترامب ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، أبرزها كراهية الرجلين لوسائل الإعلام وللتيارات الإسلامية السياسية منها والمتطرفة، إضافة للسمات الشخصية لكل منهما، وأبرزها أحادية الفكر وكراهية المعارضة بشكل عام.
ورصدت العدسات «الكيمياء» التي تجمع الرجلين حينما التقيا في البيت الأبيض في الثالث من أبريل/نيسان 2017، في زيارة كانت الأولى من نوعها للسيسي منذ توليه السلطة عام 2014، حيث تبادلا عبارات التأييد ضد العدو المشترك وهو الإسلاميون.
وقال ترامب في الاجتماع بالمكتب البيضاوي مع السيسي: «أود فقط أن يعلم الجميع، إن كان هناك أدنى شك، أننا نقف بقوة خلف الرئيس السيسي. لقد أدى عملاً رائعاً في موقف صعب للغاية، نحن نقف وراء مصر وشعب مصر بقوة».
وقال ترامب: «أود فقط أن أقول للسيد الرئيس.. إن لك صديقاً وحليفاً قوياً في الولايات المتحدة.. وأنا أيضاً». وردَّ السيسي بأنه يقدر أن ترامب يقف بقوة في مواجهة «هذا الفكر الشيطاني الخبيث».
في هذه النقطة، أكد سطوحي لـ «عربي بوست» أن علاقة أوباما بالسيسي وبأغلبية زعماء الخليج لم تكن جيدة، لاهتمامه بقضايا الديمقراطية والحريات والتفاهم مع إيران، رغم أنه كان براغماتياً في كثير من مواقفه.
«وعودة رئيس تقدمي بهذا الشكل لن تكون مريحة بالتأكيد لكثير من زعماء المنطقة الذين كرَّسوا علاقاتهم مع اليمين الأمريكي، رغم مواقفه المعادية في الكثير من القضايا، وبالتالي السؤال هنا ليس ذهاب ترامب، ولكن مَن البديل، فلو كان من اليمين المتشدد لن يتغير الكثير».
كلمة السر إذن هي مسألة الحريات وحقوق الإنسان في مصر، التي يتغاضى ترامب عن التطرق إليها، فالرجل بتركيبته الشخصية وخلفيته الرأسمالية لا تعنيه هذه المسائل، عكس سلفه أوباما، الذي جمَّد المساعدات الأمريكية لمصر لعامين، بعدما أطاح السيسي حينما كان قائداً للجيش، بالرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في منتصف 2013، بعد عام من توليه السلطة.
وفي ذات السياق، يعتقد فيل هاردينج أنه من الوارد جداً أن تتأثر العلاقة بين واشنطن والقاهرة تحت حكم السيسي، حال وصول رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض في الانتخابات القادمة.
وأضاف لـ «عربي بوست»: «سيكون هناك تركيز أكبر بكثير على مسألة حقوق الإنسان وستكون هناك ضغوط على الدول كي تلتزم».
4- العلاقات مع قادة الخليج
ونواصل فتح الملفات المنتظر أن تتأثر بغياب ترامب عن المشهد، ومنها ملف العلاقات مع دول الخليج بشكل عام ومواضيعه الفرعية، سواء الحصار المفروض على قطر أو الدور الإماراتي النافذ في المنطقة أو العلاقات الأمريكية-السعودية.
يعتقد سطوحي، في هذه النقطة، أن حدوث أي تغيير في ملف الحصار على قطر «سيعتمد على شخص الرئيس القادم وسيكون موقفه مرتبطاً برؤيته الاستراتيجية للمنطقة ككل وليس فقط النزاع داخل مجلس التعاون الخليجي».
يبرز هنا علاقات ترامب بالسعودية؛ لأنها لا تتخذ السياق التقليدي لأكثر من 7 عقود من العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض، بل هي أقرب لعلاقة تجارية أرباحها في اتجاه واحد.
فمن ناحية مسائل الدفاع والأمن، شجَّع ترامب مبيعات الأسلحة للرياض تحت زعم أنها تخلق أكثر من نصف مليون فرصة عمل سنوية للأمريكان، رغم أن كثيراً من مصنّعي الأسلحة يعتبرون ذلك مبالغةً. وأثناء رحلته للرياض في مايو/أيار 2017، وقَّع ترامب سلسلة من صفقات الأسلحة يتوقع أن تصل قيمتها لنحو 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات.
وطبقاً لموقع SIPRI العالمي، المتخصص في معلومات التسليح، تضاعفت مشتريات السعودية من السلاح عام 2017 (18) مرة أكثر مما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط.
في ذات السياق، تبرز علاقات أسرة ترامب وبخاصة صهره جاريد كوشنر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهي العلاقات التي يتم التحقيق فيها حالياً على أساس وجود شبهات تربُّح وفساد.
وخير دليل على متانة تلك العلاقات هو دفاع ترامب المستميت عن محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا وهي الجريمة التي هزت الرأي العام العالمي كله وليس الأمريكي فقط، وحامت الشبهات بقوة حول كون محمد بن سلمان هو مَن أصدر الأوامر بقتل خاشقجي.
فكيف سيكون حال تلك العلاقات حال غياب ترامب عن المشهد؟
لا شك أن الحرب التي أشعلها محمد بن سلمان في اليمن والتي صوَّت الكونغرس مؤخراً ضد الدعم الأمريكي لها ما اضطر ترامب لاستخدام الفيتو الرئاسي لوقف تنفيذ القرار، لن تحظى بالدعم ذاته لو جاء رئيس ديمقراطي أو حتى جمهوري لا يحمل نفس علاقات ترامب وأسرته مع محمد بن سلمان.
من ناحيته، ربط فيل هاردينج الموقف الأمريكي فيما لو جاء رئيس آخر غير ترامب في الانتخابات القادمة بمسألة النفط بالأساس، وقال: «لا تنسَ هنا أن الولايات المتحدة في طريقها للاكتفاء الذاتي من الطاقة ويقل اعتمادها تدريجياً على بترول الخليج وهذا من شأنه أن يغير كثيراً في شكل العلاقات مع كثير من دول المنطقة. وأعتقد أن واشنطن تسعى لأن تكون من الدول المصدرة للبترول قريباً جداً».
5- الجزائر والسودان
ملف آخر من الملفات التي ربما تتأثر بغياب ترامب عن المشهد وهو المظاهرات في الجزائر والسودان والتي يراها البعض على أنها فصل جديد من الثورات التي اجتاحت المنطقة في مطلع 2011 وعُرفت إعلامياً باسم الربيع العربي.
سطوحي لا يعتقد أن الموقف سيتغير كثيراً بالنسبة لهذه الأمور؛ لأن «فشل الربيع العربي جعل أغلب التيارات السياسية الأمريكية أكثر براغماتية كما أن واشنطن ليست منخرطة بقوة في حالتَي الجزائر والسودان ولو حدث تحول فسيكون جزئيًا».
أما فيل هاردينج فهو «ليس واثقاً من أن ما يحدث في الجزائر يعد ربيعاً عربياً ثانياً، ومن المستحيل أن نكون متأكدين ولكن ما يبدو حتى الآن هو أن ما يحدث مجرد محاولة من جانب النخبة الحاكمة لإعادة ترتيب الأوضاع في ظل تقاعد الرئيس الحال»، مضيفاً أن ما يحدث في السودان «ربما يكون أكثر أهمية في هذا الصدد، والزمن وحده كفيل بكشف مدى دقة هذا الطرح».
أغلب الظن إذاً أن مسارات الأحداث في الجزائر والسودان لن تتأثر كثيراً بغياب ترامب، خصوصاً إذا أكمل فترته الرئاسية، حيث الوضع في الجزائر يتجه نحو الوصول لصيغة ما تجنب البلاد ما تعرضت له دول أخرى في المنطقة كمصر وسوريا مثلاً، أما السودان فقصة أخرى ربما تستدعي موضوعاً منفصلاً.
هذه 7 طرق محتملة قد تنتهي بها رئاسة ترامب
نعود إلى السؤال الذي انطلقنا منه وهو «غياب ترامب»، وهو سؤال يتردد بقوة في الإعلام الأمريكي منذ اليوم الأول لترامب، وذلك بسبب شخصية الرجل الصدامية وأسلوبه الذي لا يمتّ بصلة حتى للبروتوكول السياسي في البلد الذي يحكمها، وربما لم يكن المجتمع الأمريكي منقسماً على نفسه بتلك الصورة منذ الحرب الأهلية.
لذلك لم يكن غريباً في هذا السياق أن يصل الأمر بصحيفة أمريكية هي People’s World لأن تنشر مقالاً مطولاً عنوانه «7 طرق محتملة قد تنتهي بها رئاسة ترامب»، منها «ثورة شعبية أو انقلاب عسكري» وهي أمور لا يتصور أحد أن تحدث في أمريكا لكن وصول ذلك الرجل للحكم جعلها واردة.
مقدمة المقال رصدت الجدال الشديد والانقسام والاستقطاب الحزبي التي اتّسمت بها حملة ترامب الانتخابية وفترة رئاسته وكيف يزعم كثيرون أنَّ أمريكا لم تشهد مثل هذه الحالة من الانقسام منذ الحرب الأهلية. وبعد فترة وجيزة من انتخابات عام 2016، أدَّت الممثّلة الكوميدية سيسيلي سترونغ دور كبيرة المحللين السياسيين في شبكة CNN الأمريكية، غلوريا بورغر، في أحد العروض الكوميدية ببرنامج «SNL»، حيث اشتكت مراراً من أنَّ ترامب شخص «غير طبيعي».
حالة شاذة عليها ما يشبه الإجماع
في الواقع، أحد الأشياء النادرة التي قد تتّفق عليها الغالبية العظمى من الأمريكيين في الوقت الحاضر هو أنَّ ترامب وفترة حكمه يُمثّلان حالة خارجة عن النموذج الرئاسي المعتاد. فثمة إجماع عام وسط جمهور الناخبين والإعلام والمُعلّقين السياسيين على أن ترامب وأسلوبه في الحكم يختلفان عن أي شيء قد شهدناه في السابق، وذلك سواء كنت أدليت بصوتك لصالحه أو ضده، سواء كنت جمهورياً أو ديمقراطياً أو مستقلاً، سواء تحبه أو تكرهه أو تَكِنّ مشاعر محايدة تجاهه.
يتطلّب تقييم الطبيعة غير المسبوقة لرئاسة ترامب ومصيره التفكير خارج الأُطر التقليدية في مجال السياسة. ومن ثمَّ، من المنطقي أن ترامب قد يغادر البيت الأبيض بطريقة غير تقليدية، إن لم تكن فريدة من نوعها تماماً، فقد نشرت نيويورك تايمز مقالاً في 22 ديسمبر/كانون الأول «بالنسبة لترامب، كل يوم حرب»، نقلت فيه عن ستيف غولدشتاين، الذي شغل منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية حتى إقالته عقب تعليقاته على قرار إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، قوله: «ما أحاول معرفته أين سينتهي كل هذا؟.
ومع بداية 2019، وقع صدام شرس أدى لإغلاق جزئي للمؤسسات الحكومية الأمريكية رداً على إصرار ترامب على تمويل بناء جدار حدودي مع المكسيك، مما أدى إلى تفاقم المصاعب والانقسامات وعدم اليقين ودفع الرئيس بعناد نحو مسار تصادمي.
وقد خسر ترامب التأييد الشعبي في عدة استطلاعات رأي أكثر من أي مرشح آخر لتولّي الرئاسة (بفارق 3 ملايين صوت أقل عن أقرب خصومه) وتراجعت نسب تأييده على نحوٍ قاتم، وفشلت إدارته في الوفاء بالعديد من وعود الحملة الانتخابية، مثل بناء ذلك «الجدار» الحدودي بأموال مكسيكية، وتسبَّبت رسوم ترامب الجمركية على واردت الصلب والألومنيوم وحربه التجارية والتقلّبات السريعة في سوق الأسهم وحالة الاختلال الوظيفي بوجهٍ عام في إثارة الاضطرابات.
ترامب قد يستقيل فجأة
الطريقة الثانية، طبقاً للتقرير نفسه، هي أن يقرر ترامب فجأة أن يفصل نفسه من منصبه ويقرر الاستقالة.
حيث دارت تكهنات بالفعل حول هذا الأمر بين ما يعرف بجماعات الثرثرة، وذلك لأسبابٍ مختلفة، منها مثلاً الحالة الصحية للرجل البالغ من العمر 72 عاماً والرافض لممارسة التمارين الرياضية والمدمن على تناول المشروبات الغازية والأطعمة غير الصحية، وبينما يُطلق ترامب على نفسه اسم «العبقري راجح العقل»، هناك تخمينات حول صحته العقلية أكثر من أي رئيس أمريكي آخر، إضافة إلى ضغوط منصبه الشديدة وبالتالي قد يتّخد ترامب بتهور قرار التنحي مبكراً (أو يبقى في منصبه حتى وفاته مثل ويليام هنري هاريسون، زاكاري تايلور، وارين هاردينغ وفرانكلين روزفلت).
الطريقة الثالثة.. التي رصدها التقرير هي اللجوء للبند الرابع من التعديل 25 للدستور الأمريكي والذي ينص على عزل «رئيس غير قادر على أداء مهام وواجبات منصبه» حال إقرار «نائب الرئيس وغالبية الموظفين الرئيسيين في الإدارات التنفيذية أو أي هيئة أخرى يحددها الكونغرس بموجب قانون» بذلك الأمر.
في هذا السياق نشرت نيويورك تايمز مقالاً افتتاحياً في سبتمبر/أيلول الماضي بدون ذكر اسم كاتبه تحت عنوان «أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترامب» كتبه شخص من الدائرة المقربة من ترامب عرَّف نفسه على أنه «مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية» زعم فيه أن «العديد من كبار مسؤولي إدارة ترامب يعملون بجد من الداخل لإحباط أجزاء من جدول أعماله وإثنائه عن أسوأ ميوله ورغباته»، مضيفاً أنَّه «نظراً لعدم الاستقرار الذي شهده كثيرون، كانت هناك أحاديث خافتة داخل مجلس الوزراء بالاحتكام إلى التعديل 25، الذي سيشرع بعملية معقدة للإطاحة بالرئيس».
والطريقة الرابعة.. هي العزل عن طريق التصويت في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وإن كانت المؤشرات تراجعت على إمكانية ذلك بعد ظهور نتائج تحقيقات مولر.
ثورة اجتماعية أو انقلاب عسكري؟
لكن ما يجب التوقف أمامه حقاً في هذا التقرير هو الطرق 5 و7 وهي الثورة الاجتماعية والانقلاب العسكري، فكلا الأمرين كان من المستحيل أن يفكر باحث أو كاتب أو إعلامي أمريكي في التفكير في إمكانية حدوثهما في الولايات المتحدة، ولكن هذا المستحيل أصبح الآن واحداً من الاحتمالات.
الطريقة السادسة.. هي الاغتيال ولم يتوقف عندها التقرير طويلا لاعتبارات مهنية وأخلاقية وهذا مفهوم.
وفي هذا الصدد رصد التقرير أن المقاومة قد تلجأ إلى سبل غير قانونية لتخليص نفسها من هذا الوضع المزعج حال عدم وجود إنصاف دستوري لمظالمها، فتلك المعارضة تواجه إضعافاً وترهيباً من رئيس لا يتوقف عن ترديد تمتعه بامتيازات تنفيذية في ظل نمط «رئاسة مركزية»، بالإضافة إلى تهديدات بإعلان «حالة طوارئ وطنية» والتحالف مع الطغاة وافتقاره إلى الشفافية.
واستنادا إلى تلك المعطيات ربما تصل الأمور إلى أن تنظم الجماهير الغاضبة انتفاضة شعبية قوية «ربيع أمريكي» مع وصول عدم المساواة في الولايات المتحدة إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة.
أما عن الانقلاب، فالطرح ليس من فراغ، حيث إن تصرفات ترامب غير المحسوبة وتصريحاته النارية الصدامية لم يسلم منها أقوى كيان في البلاد وهو البنتاغون، فالرجل كثيراً ما يبدي ازدراءه للقوات المسلحة الأمريكية، وصرح بأنه «يعرف عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أكثر مما يعرفه الجنرالات»، وتجاهل حضور احتفال بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى في فرنسا، وتغيب عن الاحتفال بيوم المحاربين القدامى في مقبرة أرلينغتون الوطنية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وبرر الغزو السوفيتي لأفغانستان، وهلمَّ جراً.
تعتقدون أن وقوعه مستبعد في الولايات المتحدة؟ أعيدوا التفكير
وفي النهاية، يجيب ذلك التقرير عن هذا السؤال الاستنكاري بأنه «يجب على أولئك الذين يعتقدون أنه لا يمكن أن يحدث هنا»، وأنه يستحيل حدوث انقلاب عسكري في الولايات المتحدة، وأنه أمر لا يمكن حدوثه إلا في القصص الخيالية أن يعيدوا التفكير، مستشهداً بما تعرض له جون كينيدي الذي كان على غير وفاق مع المخابرات المركزية الأمريكية وجنرالات البنتاغون، خصوصاً بعد حادثة غزو خليج الخنازير وأزمة الصواريخ في كوبا.
وفي النهاية لا نجد سوى نصيحة إديبار عن أفضل طريقة للتعامل مع ترامب: «نفس الوسيلة التي يتم التعامل بها مع «الطالب المتنمّر»، أي التركيز على شؤونك الخاصة وتجاهله قدر المستطاع. ورغم استحالة ذلك بالنسبة لمواطني الولايات المتحدة على المحللين والمراقبين أن ينحّوا جانباً المضايقات الشخصية ويركزوا على مصالح البلاد».
هذا المحتوى نقلاّ عن عرب بوست القسم العربى