بعد عدّة أسابيع من الاحتجاجات السلميّة التي شهدها الشارع الجزائري المطالب بالتغيير السياسيّ، نشرت وسائل الإعلام رسالة منسوبة للرئيس بوتفليقة يعلن فيها تراجعه عن الترشّح لعهدة خامسة، وتأجيل الانتخابات لموعد غير محدّد، وجاء في نصّ الرسالة: «لا محلّ لعهدة خامسة، بل إنني لم أنو قط الإقدام على طلبها، حيث أن حالتي الصحية وسني لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري».
هذا المقطع من الرسالة يذكّر الكثير من المتابعين بنصّ رسالة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، فبعد الاحتجاجات الشعبيّة الواسعة التي شهدتها مصر لمطالبته بالرحيل، خرج مبارك في خطاب متلفز جاء فيه: «وأقول بكل الصدق، وبصرف النظر عن الظرف الراهن، أني لم أكن أنتوي الترشّح لعهدة رئاسيّة جديدة، فقد قضيت ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها».
هذا التشابه في خطابي النظامين المصري والجزائري حدّ التطابق، ينبّه على ضرورة الاستفادة من التجارب الأخرى في تحقيق الانتقال الديمقراطي وتفادي الأخطاء التي شابت هذه التجارب، ولعلّ تجربة الثورة المصريّة التي كانت الأكثر بروزًا في العالم العربي، سواءٌ في كيفيّة نجاح الثورات، ثمّ فشلها فشلاً مدوّيًا، قد تصلح لأخذ العِبر والدروس حول ما لا ينبغي أن يرتكبه الحراك الشعبي الجزائري في طريقه نحو التغيير السياسي المرتقب.
في الأسطر القادمة، نرصد خلاصة 10 دروس مُستفادة من وقائع التجربة الثورة المصريّة، من الممكن أن يستفيد منها الحراك الشعبي في الجزائر.
1- لا تصدق أية وعود من السلطة
في الأيام الأولى عقب نجاح ثورة يناير المصرية، أكد المجلس العسكري الذي أدار الفترة الانتقالية على مدار عامٍ ونصف أنه سيحفظ مكتسبات الثورة، وحصل المجلس على شرعية دستورية مكنت له إصدار الإعلانات الدستورية حتى انتخاب مجلس الشعب، وبينما وثق المصريون في وعود قادتهم الذين لم يُشاركوهم الهتافات في الميدان، سُرعان ما بدأ بالاصطدام المباشر مع الجيش، ثم خضع ما يقرب من 12 ألف مدني أمام المحاكم العسكرية.
والمؤسسة العسكرية التي أدارت المشهد السياسي، ووعدت المصريين بإنجاح ثورتهم، خاضت معركتها الخاصة لضمان ألا تتمّ رقابة مدنية على الميزانية العسكرية وتفاصيل المساعدات، وحجم المصالح التجارية، وهو نفسه الخطأ الذين لم يتعلمه المصريون من الثورة الفرنسية عام 1789، فبعدما اقتحم الثوار سجن الباستيل سيء السمعة، وأعلنوا تحويل فرنسا ملكية دستورية، انتهى بهم الأمر بعد الوثوق في وعود السُلطة إلى إعدام بعض رموز الثورة في نفس الميدان الذي ثاروا فيه على الملك.
حاولت الرسالة الأخيرة المنسوبة لبوتفليقة طمأنة الشارع الجزائري الذي يحتجّ منذ عدّة أسابيع، من خلال الإعلان عن إلغاء العهدة الخامسة، ووعود بإصلاحات أخرى، لكن السلطة في الجزائر تملك تاريخًا طويلاً من التلاعب والإخلال بوعودها. ففي سنة 2011، وفي خضّم سياق الثورات التي عصفت بعدّة أنظمة عربيّة، خرج الرئيس بوتفليقة على الشعب الجزائري بخطاب متلفز يعد فيها بإجراء إصلاحات سياسيّة عميقة وتعديلات دستورية.
وبالفِعل، فتح النظام السياسي المجال لإنشاء أحزاب جديدة ولفتح قنوات تلفزيونيّة خاصّة ولتعديل الدستور، ولكن ما إن هدأت المنطقة مرّة أخرى وأعادت «الثورة المضادّة» سيطرتها في عدّة بلدان عربيّة، حتى تراجع النظام الجزائري عن هذه الوعود، إذ منع مرّة أخرى إنشاء أحزاب جديدة وضيّق على وسائل الإعلام، وانحصرت المشاورات حول التعديلات الدستوريّة في الأحزاب والتنظيمات القريبة من السلطة ممّا أفقدها مصداقيّتها.
السيناريو ذاته يبدو أنّه يتكرّر بعد الاحتجاجات الأخيرة، إذ عرفت الرسائل التي أُرسلت باسم الرئيس بوتفليقة -الذي تدعو حالته الصحيّة للشكّ في المصدر الحقيقي لهذه الرسائل- تناقضات جمّة، ففي الرسالة الأولى وعد الرئيس في حالة انتخابه أن يجري انتخابات رئاسيّة مسبقة لا يكون مترشّحًا فيها، بالإضافة إلى وعود إصلاحيّة أخرى، ليعود في رسالته الأخيرة التي أعلن فيها التراجع عن العهدة الخامسة، ويعلن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمّى، ممّا يعني خروجًا عن الآجال القانونية والدستوريّة، وهو ما يضع البلد في فراغ دستوري حقيقي.
2- احترس من الخطاب التكفيري
أحد أكبر الأخطاء التي كبّلت الثورة المصرية في بداياتها، برأي محللين، هي المزايدات الدينية للتيارات الإسلامية، ففي استفتاء التعديلات الدستورية الأول 19 مارس (آذار) حشد الإسلاميون أنصارهم للتصويت بـ«نعم» مقابل «لا»، فبينما وصف أحدهم الاستفتاء بـ«غزوة الصناديق»، وصف شيخٌ آخر الاستفتاء بالمعركة بين الإسلاميين، والعلمانيين، قائلًا: «على كل طرف أن يُري الآخر ثقله في الشارع»، ولم يكن التكفير فقط هو الأسلحة الوحيدة التي وأدت الثورة في مهدها، فاتهامات التخوين التي تبادلتها القوى الإسلامية والليبرالية بتنفيذ أجندة أجنبية من جهة، أو بالتواطؤ مع الجيش من جهة أخرى دفعوا جميعا ثمنها لاحقًا.
تملك الجزائر تجربة أليمة في هذا السياق، ممثّلة في سنوات العشريّة السوداء التي شهدت عدّة مجازر دمويّة راح ضحيّتها 200.000 قتيل. صحيح أنّ هذه الأزمة اندلعت أساسًا بعد إيقاف المسار الديمقراطي سنة 1992 وسيطرة الجيش على السلطة، لكنها نفس الفترة التي شهدت ارتفاع الأصوات المتطرّفة والتكفيريّة مقابل الأصوات العاقلة في الساحة السياسيّة الجزائريّة، وبالتالي على الجزائريين الاحتراس من تكرار نفس التجربة التي عانت منها الجزائر نفسها، ناهيك عن مصر وسوريا وباقي الدول العربيّة.
3- هل على الإسلاميين عدم الترشح للرئاسة؟
سقط الإسلاميون في مصر فعليًّا في فخ الأغلبية حين سيطروا على مجلس الشعب عام 2012 -بينما حصل ممثلو شباب الثورة غير المنتظمين في أحزاب سياسية على سبعة مقاعد فقط-، واستعدّوا للاستحواذ على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، واستطاعت جماعة الإخوان المسلمين الفوز في انتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) عام 2012، وعلى عكس ما فعلته الجماعة في مصر، فقد سعى حزب النهضة التونسي إلى تشكيل تحالف مع خصومه كي لا يتحمّل حزبه غضب الشارع وحده، وعلى إثر تلك التفاهمات تشكلت حكومة «الترويكا» المكوّنة من ثلاثة أحزاب ذات الأغلبية (المؤتمر والتكتل والنهضة).
وفي الوقت الذي خسرت فيه الجماعة في مصر كرسي الرئاسة، وقبعت فيه قياداتها في السجون، لا زال حزب النهضة في تونس يسيطر على المشهد والموقف في آن، ويستعد لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في نهاية العام الجاري بعدما اكتملت تجربته في الحُكم، وجنّب بذلك تونس مصير فشل الانتقال الديمقراطي الذي شهدته البلدان الأخرى.
رغم أنّ الاسلاميين في الجزائر ممثّلين في «حركة مجتمع السلم» قد حاولوا استشراف الأزمة السياسيّة الحاليّة، وعملوا على اقتراح حلول للسلطة والمعارضة لتفادي هذه الاحتجاجات من خلال مشروعهم المسمّى «ندوة التوافق الوطني»، إذ كانوا قد نادوا بتأجيل الانتخابات منذ عدّة شهور وطالبوا السلطة بإجراء إصلاحات سياسية استباقيّة، إلاّ أنّ تصدّرهم المشهد السياسي لوحدهم بترشّحهم للانتخابات الرئاسيّة قد يشكّل خطرًا على حِراك الشارع الجزائري ومكتسباته، خصوصًا في ظلّ تربّص الأنظمة الخليجيّة وسعيِها إلى إفشال وإسقاط الحكومات التي يقودها الإسلاميّون.
وعلى العموم فإن تصدّر أي حزب سياسيّ لوحده ورفضه تكوين تحالفات موسّعة مع باقي الأطراف السياسيّة سيزيد من احتماليّة استفراد «الثورة المضادّة» بهذا الحزب، وتأليب الرأي العام عليه، ممّا يهدّد بفشل الانتقال الديمقراطيّ برمّته، خصوصًا بالنظر إلى التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الكبيرة التي تنتظر أوّل حكومة بعد الثورة.
4- لا تنشغلوا بالنقاشات الهوياتية والعرقية
كان الصراع في مصر حول مسألة هُوية الدولة المصرية بين «مدنية أو دينية» كفيلًا بهزيمة الثوار وفشل ثورتهم، و«صراع الهوية» اشتعل عقب خسارة التيار الليبرالي انتخابات 2012، وبدلا من أن يشترك الطرفان في تقديم رؤية موحدة حول السياسة الاقتصادية، وموقف مصر من القضايا الخارجية وغيرها من القضايا، دخل كل طرفٍ في معركة انتهت لصالح صاحب الزي العسكري.
وقد يلجأ النظام في الجزائر إلى إذكاء النعرات العرقيّة بين العرب والأمازيغ وتأجيج الخلافات بينهم وتخويف كلّ طرف من الطرف الآخر، خصوصًا في المناطق التي شهدت في السابق توتّرات وأعمال عنف في مناطق مثل غارداية وغيرها، كما قد يعملون على اللعب على وتر الحركات الانفصاليّة والتحذير منها وإبرازها باعتبارها خطرًا يهدّد الجزائر، وذلك من أجل إحداث انقسامات داخل صفوف الحراك الشعبيّ السلمي، كما قد يستعملون ورقة اللغة الأمازيغيّة والنقاشات حول الهويّة الوطنيّة والعروبة والإسلام من أجل تشجيع الخصومات والخلافات في أوساط الشارع الجزائري وشيطنة طرف على حساب الآخر.
5- لا تنجرفوا وراء الصراع العلماني-الإسلامي
بعد فوات الأوان، اعترف قادة التيار الإسلامي، ومن بعدهم الأحزاب الليبرالية بأنهم المسئولون وحدهم عن إجهاض الثورة المصرية؛ لأنهم انجرفوا في صراع حصد الطرف الثالث ثماره بعدها، فبينما حشدت قطاعات كبيرة من الإسلاميون أنصارهم في الميادين، دعا قطاع عريض من القوى الليبرالية الجيش للتدخل لإنقاذ الموقف من الإسلاميين، وهو ما كان كافيًا لبقاء الجيش فترة أطول في المرحلة الانتقالية.
لم يستمع أنصار الثورة الفرنسية إلى التحذيرات نفسها، فانشغلوا بالاتهامات المتبادلة بينهم بالتشويه والتخوين، لتبدأ مرحلة الصراع الدموي التي انتهت إلى إعدام بعض رموز الثورة ومفكّريها في نفس الميدان الذي ثاروا فيه على الملك، وكانت أكبر خسارة لرمز ثورتهم التي وصلت لمرحلة الإرهاب في عام 1792، لتنتهي الثورة المضادة بتنصيب الجنرال نابليون بونابرت، ليصبح أول رئيس جمهوري يمارس حُكمًا ديكتاتوريًّا بصلاحيات الملك القديم.
وحتى قبل تحقيق الحراك الشعبي في الجزائر للحد الأدنى من مطالبه، وهو إلغاء العهدة الخامسة، بدأت بعض الأصوات في تأجيج الانقسام الأيديولوجيّ بين مشاركين في هذا النظام، إذ بدأت بعض الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي في فتح نقاشات حول إلغاء المادّة الثانية في الدستور التي تنصّ على أنّ «الإسلام دين الدولة»، كما خرجت بعض الأصوات التي توصف بالمتطرّفة تنتقد من وصفتهم بـ«الكفّار والمرتدّين والعلمانيين» داخل الحراك، وهو ما قد يؤشّر إلى صراعات قادمة على أساس أيديولوجيّ قد تودي إلى انقسامات داخل صفوف المحتجّين، ستكون السلطة الحالية أكبر المستفيدين منه بلا شكّ.
6- لا تصدق كل من يظهر على التلفاز
الثورة الناجحة تبدأ بالسيطرة على الإعلام، وبعد تنحي الرئيس مبارك ظل إعلامه يمارس سياسة التفريق والقتل العمد للثورة، ففي أحداث الغضب القبطي في أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2011، دعا الإعلام الرسمي المواطنين إلى حماية الجيش من الاعتداءات التي يتعرض لها من الأقباط بحسبه أمام مبنى ماسبيرو. وتكمن أهميّة الإعلام في قدرته على التأثير على رأي قطاعات عريضة من الشعب، ولذلك تستثمر فيه السلطة ورجال الأعمال القريبون منها مبالغ طائلة قصد توجيه الحشود والتأثير عليها بشكل منهجيّ.
في الحالة الجزائريّة، تجنّبت وسائل الاعلام أية تغطية للاحتجاجات عند اندلاعها في الجمعة الأولى في 22 فبراير (شباط)، وهو ما أثار سخطًا شعبيًّا واسعًا ضدّها، ممّا دفعها لاحقًا إلى تعديل خطّها التحريري والبدأ في تغطية الأحداث وإيصال جزء من مطالب المحتجّين. كما قد تلجأ وسائل الإعلام إلى التضليل والتزييف ونقل الأخبار الكاذبة لغرض بثّ الفرقة والخوف في صفوف المواطنين، ممّا قد يهدّد الحراك الاحتجاجي ويسلب منه تعاطف المواطن البسيط.
7- لا يستأثر أحد بدستور البلاد
حين وصلت جماعة الإخوان إلى أغلبية مجلس الشعب قامت بتعديل الدستور المصري، وانفردت الجماعة باختيار أغلب أعضاء اللجنة التأسيسية، عبر تفاهمات مع حزب النور والأحزاب الليبرالية التي جاء تمثيلها منخفضًا، بعدما نجح التيار الإسلامي في تمرير بعض البنود، جاءت المحكمة الدستورية -أعلى جهة قضائية- لاحقًا فقضت ببطلان الجمعية لأسباب قانونية، قبل أن يسقط حكم الجماعية فعليا عقب حركة الجيش في 3 يوليو (تموز) عام 2013، ويسقط معه الدستور الذين عُرف بـ«دستور الإخوان».
وتشهد الجزائر حاليًّا دعوات لانتخاب جمعيّة تأسيسية من أجل كتابة دستور جديد يكرّس القطيعة مع النظام القديم ويعلن ولادة جمهوريّة جديدة، ولذلك ينبغي ألاّ يطغى على اللجنة لون أيديولوجي أو جهوي واحد حتى يُضمن تمثيل أكبر قدر ممكن من الجزائريين بمختلف آرائهم وأيديولوجياتهم وتوجّهاتهم ومستوياتهم الاجتماعية.
8- لا تنسوا حين تختلفون أنكم اجتمعتم في ميدان واحد ذات يوم
من المرجّح أن تشهد المرحلة القادمة من الحراك الشعبي في الجزائر فتح الكثير من الموضوعات والنقاشات الفكرية والأيديولوجيّة حول الدين واللغة والثقافة وهويّة الدولة وغيرها، كما أن المواضيع السياسيّة بطبيعتها تؤدّي إلى انقسام الآراء واختلاف أصحابها، وذلك ينبغي استحضار البدايات الأولى النقيّة للحراك والروح التعاونيّة والتضامنيّة بين جميع الأطياف المشاركة فيه، وعدم إعطاء القضايا الهامشيّة أكثر من حجمها أو إعطائها الأولويّة على حساب القضايا الرئيسيّة التي انطلق من أجلها الحراك الشعبيّ قصد الحفاظ على المسار الديمقراطي
9- الثورة المضادة قادمة من السعودية الإمارات
من اليمن وحتى تونس، كان للسعودية والإمارات الدور الأكبر في إجهاض الربيع العربي، وعقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي،أعلنت الإمارات تقديم 3 مليارات دولار مساعدة أولى لمصر، بالإضافة إلى حصةٍ كبيرةٍ من الوقود لمصر تبلغ قيمتها مليار دولار أمريكي، وبين عامي 2013 و2015 قدمت أبو ظبي نحو 25 مليار دولار، كما أن السعودية أيضًا سارعت لمباركة حركة الجيش للقضاء على حُكم الإخوان.
السعودية من خلال وسائل إعلامها، بالخصوص قناة «العربية» وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت بالفعل بالتركيز على الحراك في الجزائر وإعطائه مساحة رئيسيّة في نشراتها وتغطياتها، وهو ما يؤشّر على نيّتها في لعب دور مؤثّر في عمليّة انتقال السلطة الذي تشهده الجزائر حاليًّا.
10- لا تتركوا الميدان
أو بمعنى آخر، لا تترك أبدًا ورقة رابحة، فصمود المحتجّين الذين أجبروا الرئيس الجزائري بوتفليقة على عدم الترشح لعهدة خامسة، هو نفسه الذي أسقط الرؤساء العرب واحدًا تلو الآخر.
لعلّ أهم مكسب من الحراك الذي انطلق في 22 فبراير (شباط) بالجزائر كان تصالُح الجزائريين مع فكرة الاحتجاج والتظاهر في الشوارع بسلميّة، بعد سنوات من التخويف والترهيب من مخاطر ذلك وأنّها مدعاة للفوضى والانجرار إلى العنف، وهو ما أدّى إلى تجريد المجتمع المدني الجزائري من أحد أسلحته السلمية وحقوقه الأساسيّة في التعبير عن الرأي والمعمول بها في كل العالم للضغط على السُلطة.
إلّا أنّ الاحتجاجات الأخيرة قد أعادت هذا الحقّ إلى أصحابه وألغت التخوّفات السابقة، كما أنّ ملايين المحتجّين في العاصمة الجزائر من خلال خروجهم إلى الشارع قد ألغوا بقرار شعبيّ القانونَ الذي سنّته الحكومة منذ سنة 2001 والذي يمنع الاحتجاج فيها نهائيًّا، وبالتالي ينبغي في جميع الأحوال تثمين هذا المكسب الشعبي والتمسّك به إلى غاية تحقيق انتقال ديمقراطيّ حقيقي.
ويذكر الكاتب المصري علاء الأسواني في حوار تلفزيوني، أحد اللقاءات التي جمعته مع أعضاء من المجلس العسكري، والذي كان من بين أعضائه الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، وكيف أن الأسواني الذي كان يعتقد حينها أن المجلس العسكري يقف في صفّ الثورة، شرح لهم إحدى الدراسات البحثية عن وسائل الثورة المضادة في إجهاض الثورات، وكيف أنّ هذا الأمر أثار اهتمامهم الشديد فدوّنوا كل ما كان يقوله الأسواني، ليكتشف بعد سنوات أنّ المجلس العسكري في الحقيقة، كان هو قائد الثورة المضادّة.