قال الباحث والأكاديمي الأمريكي جيمس زغبي، إن ما تعرضت له عضو الكونغرس الأمريكي المسلمة إلهان عمر من انتقاداتٍ وهجوم مؤخراً كان مقلقاً. فمن ناحية، أصبحت ضحيةً للتحريض وهدفاً لتوبيخ المشرعين لأنَّها تجرأت واعترضت على الطريقة التي يعمل بها داعمو إسرائيل لإسكات النقاش حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، أتت الخطط «الجائرة» التي يستخدمها ضدها بعض أعضاء الكونغرس الموالين لإسرائيل بنتائج عكسية، ما يُنذر بحدوث تصدعاتٍ جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويضيف زعبي، الذي يشغل منصب رئيس المعهد العربي الأمريكي، أن السلاح المفضل الذي استخدمه معارضو «إلهان» كان هو وصمها بمعاداة السامية. وعلى ما يبدو فإنَّ «خطيئتها» تمثلت في استيائها المستمر من ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين.
فعلى سبيل المثال، خلال هجوم إسرائيل على قطاع غزة، انتقدت إلهان فشل الإعلام الأمريكي والانسياق وراء الدعاية الإسرائيلية، وعدم محاولته استكشاف ما يحدث للفلسطينيين على أرض الواقع في هذا القطاع قليل الحيلة. وفي واقعةٍ أخرى وُصفت إلهان في الكونغرس بأنَّها «مخطئة» عندما اعترضت على نفوذ لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك)، التي تضغط على السياسيين لإسكات الجدل الدائر حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
أقرت إلهان بأنَّ اختياراتها للألفاظ لم تكن موفقة، واعتذرت عن الألم الذي ربما تكون سبَّبته تصريحاتها، لكونها جديدةً على واشنطن و«اللغة المقبولة» التي ينبغي استخدامها عند تناول مثل هذه الأمور.
ورغم اعتذارها، ظلَّت في مرمى نيران الانتقادات. ولأنَّها مسلمة ترتدي الحجاب وتنتقد إسرائيل، سعى الحزب الجمهوري لاستغلالها ضمن محاولاته المتواصلة للوقيعة بين المجتمع اليهودي والديمقراطيين. ومن جانبهم رد بعض الديمقراطيين بغضبٍ شديد. واستُخدمت لهجة حادة لإدانة تصريحات إلهان، ووصفت تعبيراتها بأنَّها «متعصبة» و«مهينة»، وبالطبع «إساءات معادية للسامية».
يضغطون عليها لإظهار ولائها لإسرائيل
يقول زعبي، في مقالته التي نشرت بموقع LobeLog الأمريكي، لم يُنظر أبداً طوال هذه الفترة إلى تصريحات إلهان بنظرة استقصائية.
وفي الواقع هي لم تتهم أبداً الجالية اليهودية بالسيطرة على الإعلام (إلا إذا افترضنا أنَّ قدرة إسرائيل على السيطرة على التغطية الإعلامية لكل الأحداث في الأراضي المحتلة تُنسب إلى الجالية اليهودية). وهي أيضاً لم تتهم أبداً الجالية اليهودية باستخدام الأموال لشراء النفوذ في واشنطن (إلا إذا افترضنا أنَّ إيباك تتحدث بالنيابة عن كافة أفراد المجتمع اليهودي وتنوب عنهم). لم يلتفت خصومها إلى ذلك، بل استمروا في وصمها «بمعاداة السامية»، وكرروا ذلك حتى ألصقوا التهمة بها، ما يعرِّضها لتهديداتٍ باستخدام العنف من قِبَل المتعصبين.
انتشر الموضوع كاملاً عندما حاولت إلهان خلال لقاءٍ مفتوح الأسبوع الماضي توضيح موقفها. فعندما طُلب منها أن ترد على ما أُثير عن دفاعها عن حقوق الفلسطينيين، تحدثت أولاً رشيدة طليب عضوة الكونغرس الأمريكي، زميلة إلهان، قائلةً إنَّ قضية فلسطين أمر شخصي بالنسبة لها، فجدّتها لا تزال تعيش في الضفة الغربية، وأنَّها، أي رشيدة طليب، ترغب في أن تُعامَل جدتها بالعدل ويُعترف بحقها في العيش بكرامة.
ورداً على ما سمعته، قالت إلهان إنَّها ترفض مبدأ هؤلاء الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والكرامة ويستثنون حقوق الفلسطينيين وكرامتهم. وأضافت أنَّ من وجهة نظرها يجب أن يكون الاهتمام بحقوق الإنسان عالمياً دون استثناء أحد. ثم انتقدت أعضاء الكونغرس الذين كانوا يضغطون عليها لإثنائها عن التزامها بفضح الانتهاكات الإسرائيلية وتجاهل حقوق الفلسطينيين. وقالت إلهان إنَّه بسبب أنَّها مسلمة، فُسِّر انتقادها لإسرائيل تلقائياً على أنَّه معاداة للسامية لإسكاتها. وأشارت إلى أنَّه بالنسبة لها كان الأكثر إثارة للقلق هو ما حدث بسبب الجدل المفتعل حول تصريحاتها، إذ أصبح النقاش يدور حول ما إذا كانت معاديةً للسامية أم لا، مع تجاهل «النقاش الأوسع بشأن ما يحدث في فلسطين».
وفي ذلك الوقت، قالت إلهان إنَّها مستاءة من أولئك الذين يضغطون عليها لإظهار ولائها لإسرائيل. واختتمت بقولها إنَّها تريد أن يكون الحديث عن «الضغط السياسي في هذا البلد الذي يدفع للولاء لدولة أجنبية».
وجاء رد الفعل على هذه «الخطيئة» الأخيرة أقرب إلى الهستيريا. فبدون حتى التفكير في ما قالته بالفعل، اتهمها بعض أعضاء الكونغرس بأنَّها تقول إنَّ اليهود لديهم ولاء مزدوج، رغم حقيقة أنَّها لم تقل ذلك. وطالبوا بتوجيه اللوم لها أو إقصائها من لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس. واقترح رئيس لجنة الشؤون الخارجية مشروع قانون لإدانة معاداة السامية بطريقة موجهة بوضوح ضد إلهان عمر.
ما كان مزعجاً في هذا التشريع المقترح هو أنَّ بنود «الحيثيات» ليس لها علاقة بما قالته إلهان فعلياً. فلا هي اتهمت اليهود «بازدواج الولاء بسبب دعمهم لإسرائيل»، ولا هي أظهرت «توجهات متعصبة» ضد اليهود، ولا حتى أطلقت «مزاعم كاذبة ومجردة من الإنسانية ومشيطنة أو نمطية عن اليهود».
ما فعلته هو أنها رفضت صمت المسؤولين الأمريكيين، وخاصةً الكونغرس، بخصوص معاناة الفلسطينيين، ورفضت الجهود التي تبذلها الجماعات الموالية لإسرائيل لإسكات النقاش حول هذا الموضوع، والطريقة التي سعى البعض من خلالها لخلق هوية افتراضية تتمثل في تأييد المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
أرادوا أن «يُلقِّنوها درساً» فكانت النتيجة عكسية
ورغم وضوح زيف مزاعمهم، مضى خصوم إلهان قُدماً في مشروع قانونهم المقترح لكي «يُلقِّنوها درساً». وفي تصريحاتهم المنتقِدة لها أكد خصوم إلهان عمر وجهة نظرها عن غير قصد. إذ قال أحد أعضاء الكونغرس: «التشكيك في دعم العلاقة بين إسرائيل وأمريكا أمر غير مقبول». وقال آخر: «هناك كثيرٌ من الأسباب الدافعة لدعم إسرائيل، لكن ليس هناك أي سبب لمعارضتها». وأردف آخر قائلاً إنَّ الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء ملتزمون بضمان أن تظل «الولايات المتحدة وإسرائيل يداً واحدة».
وهذا بالضبط ما أعلنت إلهان معارضته عندما قالت: «كان يُقال لي كل يوم إنَّني أقف ضد أمريكا بعدم تأييدي لإسرائيل… إنَّني أعرف ماذا يعني أن تكون أمريكياً، ولن يُملي عليّ أحد غير ذلك… إنَّني لم أقُل شيئاً عن ولاء الآخرين لكنَّني تحدثت عن الولاء المتوقع من جانبي».
وبسبب أن إلهان قد اقتربت مما يسميه البعض «الوجه الثالث للسياسة الأمريكية»، فقد استغل بعض الجمهوريين موقفها وتخلى عنها بعض الديمقراطيين. وأدى ذلك إلى جعلها مستهدفة. وأسرع الكارهون لها بالرد بتهديدات القتل المروعة والاعتداءات المتعصبة المشينة الموجهة لها باعتبارها امرأة مسلمة. ولا شك أنَّ هذه التهديدات ضد إلهان كانت نتيجة لحملة التحريض المستمرة ضدها.
رغم ذلك، كان هناك واقع مختلف ما فتِئ يتكشف خارج قاعات الكونغرس. فقد رفض كثيرٌ من الديمقراطيين ومنهم جماعات يهودية تقدمية الهجوم على عضوة الكونغرس إلهان عمر، واشتعل الجدال حول الموضوعات التي أثارتها وردّ الفعل المبالغ فيه من جانب الكونغرس تجاهها.
بنهاية الأسبوع، أتت كل المساعي بنتائج عكسية، فبدلاً من أن يكون مشروع القانون المقترح «الضربة القاضية» التي توقعوها، اصطدم بالكثير من العقبات. وقد رفض بعض النواب التركيز فقط على معاداة السامية دون إدانة العنصرية والتمييز الجنسي ورُهاب الأجانب وكراهية الإسلام وغير ذلك. واحتج آخرون بأنَّها تعرضت للتمييز والخطر. وأكد بعض مرشحي الحزب الديمقراطي البارزين في الانتخابات الرئاسية القادمة (أعضاء مجلس الشيوخ: بيرني ساندرز وإليزابيث وارين وكمالا هاريس) أنَّ تهمة معاداة السامية لا ينبغي استخدامها لإسكات النقاش حول السياسة الإسرائيلية.
النتيجة: خسروا المعركة معها
وأقر الكونغرس، في نهاية الأسبوع، قراراً يدين كافة أشكال الكراهية أو التعصب ضد أي جماعة دينية أو عرقية. ولأنَّ هذا القرار أشار إلى إلهان، فقد كان خسارةً واضحة لهؤلاء الذين بدأوا التحريض تجاه توبيخها أو معاقبتها.
أخيراً، هناك نقطتان يجب توضيحهما، الأولى: النائبة إلهان عمر تستحق اعتذاراً. فالتهم الباطلة والأزمة المفتعلة شوَّهت سُمعتها وعرَّضتها للخطر.
الثانية: من الواضح أنَّ شجاعة إلهان ساعدت على فتح باب مناقشة سياسة إسرائيل وعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل. ورغم أنَّ خصومها حاولوا إغلاق هذا الباب، إلا أنَّ سلوكهم وتحريضهم ضدها أتى بنتائج عكسية، وأثار نقاشاً ساعد على فتح الباب أكثر فأكثر.