في محاولة للحد من ارتفاع الطلاق داخل المجتمع المصري بعدما وصلت إلى أكثر من 198 ألف حالة سنويًا، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعى إطلاق المشروع القومى “مودة”، بهدف الحفاظ على كيان الأسرة المصرية من خلال توعية الشباب المقبلين على الزواج بواجباتهم وحقوقهم والمعلومات الأساسية للصحة الإنجابية، وهو ما لاقى ترحيبًا كبيرًا في أوساط العلماء والدعاة، لحماية البيوت من عوامل الانهيار التي تعصف بها، ويدفع ثمنها الأطفال على وجه الخصوص.
الحملة لم تكن الأولى في هذا الإطار، فد سبق وأن أعلنت دار الإفتاء عن تنظيم دورات “إعداد وتأهيل المقبلين على الزواج”، بغرض تأهيل الشباب لمرحلة الزواج وكيفية تكوين أسرة ناجحة وتربية الأبناء تربية سوية، ودعمهم بالمعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتكوين حياة زوجية ناجحة.
ومنتصف الشهر الماضي، وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب على المقترح البرلمانى المقدم من النائب محمد أحمد فؤاد، لإلزام المقبلين على الزواج بحضور دورة تأهيلية للزواج.
كما أن الأزهر لم يكن فى منأى عن هذا، فقد استحدث مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية تحت رعاية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وحدة “لم الشمل” لرصد أسباب الطلاق فى المجتمع، ووضع الخطط المناسبة لعلاجها.
تثقيف المقبلين على الزواج
وقالت الدكتورة رندا فارس، منسق برامج الأسرة والتطوع بوزارة التضامن الاجتماعي، إن “مشروع “مودة” يهدف للحد من ارتفاع أعداد الطلاق فى مصر؛ من خلال تدعيم الشباب المقبل على الزواج بكل الخبرات اللازمة، لتكوين الأسرة، وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسرى، وفض أى خلافات أو نزاعات، بما يسهم فى خفض معدلات الطلاق، عن طريق توفير معارف أساسية لهم، من بينها أسس اختيار شريك الحياة، وحقوق وواجبات الزوجين، وكيفية مواجهة المشكلات الزوجية والاقتصادية وإدارتها، وكذلك الصحة الإنجابية”.
وأضافت لـ”المصريون”، أن “المشروع يهدف إلى تفعيل جهات فض النزاعات الأسرية؛ للقيام بدورها فى الحد من الطلاق، ومراجعة التشريعات التى تدعم كيان الأسرة وتحافظ على حقوق الطرفين والأبناء”.
المحافظات الأكثر طلاقًا
وأوضحت منسق برامج الأسرة والتطوع بوزارة التضامن الاجتماعي، أن الوزارة ستبدأ المرحلة التجريبية للمشروع فى 3محافظات هى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، باعتبارها المحافظات الأعلى فى نسب الطلاق، وذلك حتى يوليو المقبل؛ تمهيدًا لتنفيذه فى باقى محافظات الجمهورية بعد التعرف على أهم نقاط القوة والتحديات بالمرحلة الأولى لتطبيقه، والوقوف على إمكانية تعميمه اعتبارًا من أكتوبر المقبل”.
وأشارت إلى أن المشروع يستهدف الشباب فى سن الزواج بمعدل 800 ألف سنويًا، وذلك فى الفئة العمرية بين 18 إلى 25 عامًا، وهم طلبة الجامعات والمعاهد العليا والمجندون، كما يستهدف المترددين على مكاتب تسوية النزاعات على مستوى 212 مكتبًا تابعًا لوزارة العدل على مستوى الجمهورية.
حملات الاتصال المباشر
وأوضحت أن “مشروع “مودة” يعتمد فى تنفيذه على عدة محاور، فى مقدمتها حملات الاتصال المباشر؛ حيث تم تطوير مادة علمية اجتماعية ودينية وصحية، بمشاركة مجموعة من الأساتذة المتخصصين وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، تستهدف التواصل الإيجابى، وفهم الاختلافات والتعامل معها، وتوزيع الأدوار بين الزوجين، وأبعاد العنف الأسرى وأساليب إدارة الموارد الاقتصادية”.
وتابعت المسئولة بوزارة التضامن: “فى الشق الدينى تستهدف الحملة تعريف الطرفين بالحقوق والواجبات الشرعية للزوجين والسن المناسب للزواج، والذمة المالية للمرأة، وفى الجانب الصحى تم تصميم المادة العلمية، بحيث تحتوي على المعلومات الأساسية للصحة الإنجابية، ومرحلة الحمل والممارسات الضارة كالزواج المبكر”.
وأشارت إلى أن المشروع يشتمل فى حملات الاتصال المباشر على تدريب الكوادر المنفذة للتدريبات عن طريق 700 عضو من هيئة التدريس على مستوى الجامعات والأكاديميات و500 مدرب داخل معسكرات التجنيد بالقوات المسلحة ووزارة الداخلية، إضافة إلى 5000 مأذون على الرسائل التى يمكن نقلها للمقبلين على الزواج خلال عقد القران والطلاق.
وأكدت منسقة برامج الأسرة والتطوع بوزارة التضامن أن الوزارة تعمل على إعداد برنامج تدريبى إلزامى للفئات المقبلة على الزواج، بمتوسط 30 ساعة حضورًا، مع اجتياز اختبار بنهاية البرنامج.
حملات إعلامية موسعة
وأوضحت أن المحور الثانى فى مشروع “مودة” يعتمد على القيام بحملات إعلامية موسعة ومتكاملة لرفع الوعى بمفاهيم هذا المشروع عن طريق إعداد منصات تواصل اجتماعى للمشروع مع تصميم رسائل وتطبيقات على الهواتف المحمولة، فضلاً عن إعداد برنامج إذاعى تحت عنوان “بالمودة نكمل حياتنا” تتم إذاعته على كافة الإذاعات المحلية، وكذا إعداد تنويهات توعوية تحمل اسم المشروع، وتنفيذ عمل مسرحى بالتنسيق مع المعهد العالى للفنون المسرحية يكون بالمجان للجمهور بمسارح قصور الثقافة على مستوى الجمهورية.
خط ساخن بدار الإفتاء
أما عن المحور الثالث، فأشارت منسقة برامج الأسرة والتطوع بوزارة التضامن إلى أنه سيتم تطوير آليات المشورة الأسرية، وفض النزاعات عن طريق الخط الساخن بدار الإفتاء لطالبى خدمات المشورة الأسرية، وتفعيل دور مكاتب التسوية التابعة لوزارة العدل، مع ضم ممثل عن دار الإفتاء المصرية لأعضائها الحاليين.
وذكرت أن المحور الرابع من المشروع يعتمد على مراجعة التشريعات القانونية، بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية بمشاركة الأزهر ودار الإفتاء ووزارة العدل.
وأوضحت أن المحور الخامس والأخير للمشروع يتمثل فى الاعتماد على إعداد قاعدة بيانات للمستفيدين من هذا المشروع يتم ربطها عن طريق الرقم القومى بالأحوال المدنية لتحديد عدد حالات الزواج والطلاق بينهم، وقياس النسب والمعدلات سنويًا، مع إحصاء عدد حالات النزاعات الأسرية وقياس معدل الإقبال على الاتصال الساخن التابع لدار الإفتاء.
تدابير وقائية
وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن “حملة مودة وما شابهها من وسائل التوعية المعاصرة تعد من التدابير الوقائية والاحترازية، التى لها أهمية كبرى فى الحفاظ على المجتمع، وتوعيته والحد من مخاطر ارتفاع نسب الطلاق وما يترتب عليه من مخاطر فى غاية الخطورة”.
وأضاف لـ”المصريون”: “لا يفتخر العلماء بكثرة العقاقير ولكن بجودتها، فالإسلام يواجه المشاكل قبل وقوعها من خلال وضع إطار يسير عليه الناس يحفظهم من المخاطر ويعلمهم كيفية مواجهتها، فالإسلام يهتم بكل نواحى الحياة بما فيه فقه الأسرة”.
وأوضح أن “المقدمات جزء من الزواج إلا أنها ليست شرطًا، ولها أهمية بالغة فى إجراءات العقد، خاصة حسن الاختيار وأوصى بالاعتماد على مكارم الأخلاق فى هذا الجزء، فالخطبة ليست كما يظن الناس اليوم “معاينة للجمال” ولكن هى للتأكد من مكارم الأخلاق”.
وأكد أستاذ الفقه المقارن أن “الشريعة الإسلامية نصّت على التوعية بحقوق الزوجين والتى تنقسم إلى ثلاثة أقسام؛ حقوق مشتركة تتمثل فى حسن العشرة والتعاون على الوجهة المشروعة فى الشريعة الإسلامية، وحقوق للمرأة تتمثل فى النفقة والاحترام، وحقوق للزوج تتمثل فى الطاعة فى حدود ما أمر به الشرع”.
وأشار كريمة إلى أنه “من الضرورة أن تكون هناك دورة إرشادية للتوعية بالحقوق الشرعية ومن الممكن أن تكون بصورة كتيب أو أسطوانة على أن يجرى بعدها اختبار فى آخر الدورة لضمان الجدية، وهذا ليس من باب البدعة ولكن من باب المصالح فالشرع ينص على أنه “أينما تكون المصلحة فثم وجه الله”.
وذكر أنه “لو فقه الناس المقدمات والحقوق لعاشوا فى أمن وسلام واستقرار”.