لم يبقَ إلا أيام قليلة على القمة الأوروبية – العربية الأولى التي تحتضنها مدينة شرم الشيخ الساحلية المصرية، وتضم القادة الأوروبيين والعرب، يومي 24 و25 فبراير 2019.
وتأتي تلك المناسبة -وهي الأولى من نوعها- في وقت تتزايد فيه حدة الانتقادات الموجهة إلى القاهرة، بسبب أحكام الإعدام التي نُفذت بحق معارضين سياسيين إسلاميين، وأيضاً التعديلات الدستورية التي وافق عليها البرلمان مطلع فبراير 2019 وينتظر الاستفتاء عليها، كما تتزايد الانتقادات الموجهة لولي العهد السعودي بعد اغتيال خاشقجي، والأزمة الإنسانية المتفاقمة نتيجة الحرب في اليمن.
وكانت القمة العربية التي عُقدت بالبحر الميت في مارس 2017، وافقت على عقد أول قمة عربية-أوروبية.
وأكدت القاهرة أن القمة شاملة ولن تقتصر على ملف الهجرة غير الشرعية، بل ستتناول التعاون العربي-الأوروبي والتحديات المشتركة بين الجانبين، مثل مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والسلاح، والنزاعات الإقليمية، إضافة إلى القضية الفلسطينية، وسبل التوصل إلى السلام الشامل والعادل، لكن القادة الأوربيين ربما يكون لهم أجندة مختلفة.
هل تسبب القمة إحراجاً للقادة الأوربيين؟ وهل من جديد متوقَّع؟
ويسبق قادة اوروبا قبل وصولهم الى القاهرة ملفات شائكة أثارت حالة من الجدل على المستويين الإقليمي والدولي، احدث تلك الملفات بالقطع هي تسارع وتيرة تنفيذ احكام الاعدامات بحق منتمين إلى التيار الإسلامي، فمنذ بداية فبراير 2019، نفذت السلطات المصرية 15 حكماً بالإعدام، وهو رقم يعد الأعلى بمصر في شهر واحد وهو ما يضع دول أوروبا في حرج خاصة مع صدور العديد من الانتقادات الحقوقية للتوسع في عقوبة الاعدام.
كما يجتمع الآوروبين بالقاهرة وسط تصاعد حالة من الرفض لتعديلات دستورية تمكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من البقاء في الحكم حتى 2034.
كما أن القمة تأتي بعد أقل من أسبوع من منع الجهات الأمنية الصحفي الأمريكي الشهير ديفيد كيركباتريك، مدير مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية السابق في القاهرة، من دخول البلاد وترحيله إلى لندن.
ويبدوا المؤتمر المقرر عقده بشرم الشيخ في 24 و25 فبراير 2019- كإحراج محتمل للاتحاد الأوروبي والزعماء الأوروبيين، بحسب أنتوني دوركين كبير زملاء السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ويُتوقع أن تدور القمة المرتقبة حول الأمور الرمزية أكثر من أي قرارات ملموسة لا يُتوقَّع أن تنتج عنها، بحسب دوركين.
لكن ماذا سيستفيد قادة اوروبا من تلك القمة الشائكة؟
وتسعي أوروبا للاستفادة من الدول العربية في وقف موجات الهجرة غير الشرعية التي تعاني منها أوروبا في السنوات الاخيرة.
ومن وجهة نظر القادة الأوروبيين، تحقق هذه الشراكات نتائج ملموسة بالفعل، فقد انخفض عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من شمال إفريقيا، بشكل حاد، مقارنة بالمستويات والأرقام المرتفعة لعام 2015، برغم أن أرقام المهاجرين من المغرب إلى إسبانيا قد ارتفعت في الآونة الأخيرة.
وفي ظل هذه الخلفية، لم يكن القصد من القمة أن تكشف النقاب عن مبادرات جديدة، وإنما لتسليط الضوء على الاعتراف بالقادة العرب الذين يلبون احتياجات أوروبا العاجلة إلى حد كبير، بحسب الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
الدعم مقابل وقف الهجرة.. كيف تفيد القمة الزعماء العرب؟
ظهرت فكرة القمة بعد أن قابل كل من سيباستيان كورتس، مستشار النمسا (الذي تولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في الخريف الماضي)، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، الرئيسَ المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة.
وتود مصر أن تؤكد الخطوات التي اتخذتها لمنع المهاجرين من مغادرة شواطئها إلى أوروبا، وأراد كورتس وتوسك إضفاء الطابع الرسمي على هذا التعاون، والاحتفاء به من خلال الاحتفال بدور مصر.
ومن خلال السماح لمصر باستضافة القمة، سيعزز الاتحاد الأوروبي مكانة السيسي الدولية، ويعمق علاقاتها مع دول أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتأتي الرغبة في تأمين المساعدة المستمرة والتصدي لمخاوف الهجرة قصيرة المدى إلى أوروبا، في مقابل الاعتراف بالزعماء العرب باعتبارهم شركاء قيّمين كعنوان كبير لهذه المناسبة الاستثنائية التي تهدف إلى تأهيل الزعماء العرب وإعطائهم شرعية داخلية ودولية تساعدهم في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي بخصوص قضايا الهجرة، التي تكاد تكون موضوع القمة الوحيد.
وقال بعض المسؤولين الأوروبيين إنهم يأملون بشكل خاص، بتقديم شعور بالتماسك أمام تحديات القضايا السياسية والأمنية الرئيسة التي تؤثر في المنطقة؛ ومن ثم يبرهنون على أهمية الاتحاد الأوروبي لكتلة عربية تبدو في كثير من الأحيان كأنها ترفض أوروبا، باعتبارها قوة غير ذات أهمية في جوارها، بحسب زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
هل تسبب القمة انقساماً أوروبياً بدلاً من الاتفاق المرتقب؟
لا شك في أن القمة ستشهد كثيراً من الخطابات التي تدور حول الالتزام المشترك بالتعددية، والتجارة، والاستثمار، والسعي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، مع التركيز على العمل معاً لمواجهة تحديات طويلة المدى. لكن من المرجح أن تفتقر القمة إلى محتوى سياسي ذي مغزى حول القضايا الجوهرية التي تتسبب في الانقسام الأوروبي، أو القضايا التي تسبب عدم الاستقرار بالشرق الأوسط مثل قضايا الديمقراطية والتغيير، والمصالحة، والإصلاح الاقتصادي، والشراكة الاستراتيجية بين الشرق الأوسط وأوروبا.
والأهم من ذلك أن الفترة السابقة على القمة كشفت مرة أخرى عن عدم قدرة أوروبا على تقديم جبهة متماسكة وموحدة بشأن هذه القضايا.
فبدلاً من أن تكون القمة فرصة لإثبات أن الأوروبيين يمكنهم العمل معاً في المجالات الأساسية ذات الاهتمام المشترك؛ ومن ثم التأكيد للدول العربية أنها تتعامل مع الثقل الجماعي للكتلة الأوروبية، فقد ينتهي الأمر بالاتحاد الأوروبي بإثبات العكس.
وشابت الانقسامات الداخلية للاتحاد الأوروبي الاستعدادات للقمة، حيث عجزت الدول الأعضاء عن التوقيع على إعلان سياسي مشترك في اجتماع بين وزراء الخارجية الأوروبيين والعرب ببروكسل في أوائل فبراير2019، على الرغم من الاتفاق العربي على مسودة القرار. وبالنسبة لقمة كانت دائماً تدور حول الأمور الرمزية أكثر من المضمون الفعلي، فإن مثل هذا الانقسام يمكن أن يعزز صورة الاتحاد الأوروبي المنقسم، والذي لا تحتاج الدول العربية أن تأخذه بجدية، بحسب باحثين أوربيين.
ويهدف مؤتمر القمة كذلك إلى إبراز أهمية الهيئات المشتركة أو متعددة الأطراف، ولكن ما يبدو هو أنه سيؤدي إلى العكس، ويعطي الاعتبار لأولوية العلاقات الثنائية، باعتبارها أكثر الطرق فاعلية في معالجة القضايا السياسية والأمنية الأساسية بدلاً من الهيئات المشتركة متعددة الأطراف.
علاوة على ذلك، يمثل التحضير للقمة درساً عملياً حول تغير الخلفيات السياسية أوروبياً، فمع صعود القوى القومية الشعوبية واليمينية داخل الاتحاد الأوروبي، التي ترى النشاطات الدولية وسيلةً لكسب المواقف الشعبية بالنسبة لقاعدتها المحلية، يكون من الصعب الحصول على اتفاق على المواقف العامة الأوروبية، حتى عندما لا تنطوي عواقبها على أي نتائج ملموسة للدول الأعضاء المعنية. ويبدو كذلك أن الاحتفال الرمزي للقادة الأوروبيين والعرب بعضهم ببعض أصبح أقل جاذبية الآن مما كان عليه عندما طُرحت فكرة القمة في الخريف الماضي.
هل تشارك السعودية وسوريا والسودان؟
قبل بضعة أشهر، بروح من الواقعية، بدا أن تعزيز أوروبا علاقاتها مع مجموعة من القادة العرب الديكتاتوريين الذين يتبعون سياسات استبدادية وسلطوية بدرجة كبيرة- كان ثمناً يستحق دفعه، في ضوء قوة مخاوف الناخبين الأوروبيين بشأن الهجرة وقضايا أخرى. لكن الآن، في أعقاب مقتل جمال خاشقجي واندلاع الاحتجاجات الشعبية بالسودان، يبدو الاحتفال الذي يربط القادة الأوروبيين مع أنظمة عربية، مثل النظامين السعودي والسوداني، أصبح أقل قيمة مما مضى. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي تلقى تأكيدات تفيد بأن الرئيس السوداني عمر البشير، وهو موضوع مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور، لن يحضر، بحسب زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وفي حين أدى الضغط الأوروبي قبل القمة دوراً في ضمان أن الجامعة العربية لم تبدأ بعدُ عملية إعادة دمج الرئيس السوري بشار الأسد، فإن حقيقة أن المضيف، السيسي، يبدو على وشك تأمين 12 عاماً إضافية في السلطة، من خلال تعديل الدستور المصري، توفر سياقاً مؤسفاً وتبعث برسائل تطمينية إضافية للقادة الديكتاتوريين العرب، بحسب دوركين.
ولدى الاتحاد الأوروبي بعض الأسباب الوجيهة لتقوية الروابط والعلاقات مع القادة العرب على الرغم من النظام السياسي السلطوي القائم في المنطقة. لكن العلاقة البنّاءة تعتمد على تقييم واقعي للفوائد التي يمكن أن يقدمها هذا النظام لأوروبا. كما يعتمد على جبهة أوروبية مشتركة في مقاربتها للأنظمة العربية.
وتتعاون الأنظمة العربية مع الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير، في حدود ما تعتبره مصلحتها الذاتية بحسب دوركين. وبينما تبقى بعض الاتجاهات في المنطقة معادية للأهداف الأوروبية للاستقرار طويلة الأجل والتنمية الشاملة، تبدو الترقية الرمزية لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع الجامعة العربية غير مبررة إذا لم تكن مصحوبة بمبادرات جديدة بخصوص المشاكل الأمنية التي لها تأثير حقيقي على أوروبا.
لا مكان متوقَّعاً لحقوق الإنسان في اللقاء الأوروبي – العربي
ويثير ملف حقوق الإنسان التوتر بين البلدان الأوروبية والعربية، وسبق أن وقعت أزمة قبيل زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، القاهرة نهاية يناير/كانون الثاني 2019، عندما اجتمع ماكرون مع ممثلي الصحافة الفرنسية قبل السفر وحدَّثهم صراحة بأن تصريحاته التي أدلى بها في أثناء زيارة الرئيس السيسي فرنسا، والخاصة بتردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، كانت غير دقيقة.
وكان ماكرون قد قال في هذه التصريحات: «السيسي أعلم بظروف بلاده، وكفانا دروساً للآخرين».
لكن ماكرون عاد وقال في تصريحات للصحفيين على هامش زيارته للقاهرة- أن حقوق الإنسان في مصر يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها في وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
وأضاف إن حملة الاعتقالات في مصر لا تقتصر فقط على معارضين سياسيين، بل تشمل أيضا معارضين يشكلون جزءا من الوسط الديمقراطي التقليدي ولا يشكلون تهديدا للنظام.
لكن القادة الأوربيون دأبوا مؤخراً على عدم انتقاد ملف حقوق الإنسان في بلدان سلطوية مثل مصر؛ حفاظاً على العلاقات الاقتصادية وصفقات المبيعات التي تنعش الاقتصادات الأوروبية، والتعاون الأمني بينهم وبين البلدان العربية السلطوية.
فالهجرة هي الهاجس الأول
أعلن عبد الفتاح السيسي أن القمة العربية – الأوروبية المرتقبة في شرم الشيخ ستكون منصة جيدة لإجراء مزيد من المناقشات حول ملف الهجرة غير القانونية.
وقال السيسي: «مؤتمر شرم الشيخ هو خطوة رئيسة نحو مزيد من التعاون الذي ستتبعه خطوات أخرى»، مضيفاً أن عدم استقرار بعض الدول العربية أدى إلى الهجرة غير الشرعية المتجهة إلى أوروبا.
وقالت الحكومة المجرية إنها تعارض أي إشارة إلى كلمة «الهجرة» التي تُستخدم في النصوص التي تم إعدادها قبل القمة القادمة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
هل تصبح مصر شرطي أوروبا الجنوبي؟
في كلمته مع المستشار النمساوي، كورتس، بفيينا في 17 ديسمبر عام 2018، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن مصر منعت ما مجموعه 11.000 لاجئ من الهجرة إلى أوروبا في عام 2018.
وأضاف السيسي أن بلاده تستضيف أكثر من 5 ملايين مهاجر ولاجئ، مسجلين وغير مسجلين.
وفي 31 نوفمبر 2018، تستضيف مصر أكثر من 242.000 لاجئ وطالب لجوء من 58 دولة مختلفة، وضمن ذلك سوريا (55%)، والسودان (16.9%)، وإثيوبيا (6.51%)، وإريتريا (6.27%)، وجنوب السودان (5.88%)، بحسب بيان مفوضية اللاجئين يوم 14 يناير 2019.
وفي زيارته مصر التي استغرقت يومين (13 و14 يناير 2019)، اجتمع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، مع الرئيس السيسي، لمناقشة دور مصر في مكافحة الهجرة غير الشرعية.