رغم أن كثيرين في ألمانيا يشبّهون زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي الجديدة أنغريت كرامب-كارينباور بسلفها أنغيلا ميركل، إلا أن تصريحات الزعيمة الجديدة تظهر أنها ترسم مع حزبها سياسة لجوء جديدة تختلف عن سياسة “ماما ميركل”.
“يجب أن نظهر بوضوح أننا تعلمنا درسنا”، هذا ما قالته أنغريت كرامب-كارينباور، خليفة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على رأس الحزب المسيحي الديمقراطي، وذلك بعد “ورشة نقاشية” للحزب حول سياسة الهجرة في البلد الذي استقبل أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ منذ خريف عام 2015.
وقالت كرامب-كارينباور في حديث للقناة الألمانية الأولى إنها لا تستبعد إغلاق الحدود بوجه طالبي اللجوء في حال تكرار “الحالات الطارئة” مثلما حصل خلال موجة اللجوء عام 2015، مشيرة إلى حاجة ألمانيا إلى “نظام ذكي” لحماية الحدود بشكل خاص أثناء الحالات الطارئة.
مقرّبة من ميركل ولكن!
وتعرف كرامب-كارينباور بأنها مقربة من زميلتها المستشارة أنغيلا ميركل التي دعمتها لتكون خليفة لها على رأس الحزب، ورغم أن كثيرين في الوسط السياسي والإعلامي في ألمانيا يشبهونها بالمستشارة، لكن يبدو أنها تدرك حاجة حزبها لتغيير سياسة اللجوء التي اتبعتها ميركل والتي أثارت الاستياء في المجتمع الألماني حتى تمكّن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي من دخول البرلمان الألماني، مستغلاً التخبط السياسي في التعامل مع أزمة اللجوء في ألمانيا.
ورغم أن كثيرين يشبهونها بالمستشارة، تحاول كرامب-كارينباور النأي بنفسها عن إرث المستشارة، حيث قالت في يوم فوزها برئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي: “لدي سيرتي ومسيرتي الخاصتين”.
وفي إحدى التصريحات المثيرة للجدل، دعت كرامب-كارينباور إلى ترحيل اللاجئين السوريين الذين يدانون بأعمال إجرامية، في خطوة استبعدها حتى وزير الداخلية المتشدد في سياسة الهجرة هورست زيهوفر
“محبوبة الناس”
وقد كشفت نتائج استطلاع للرأي أجري حديثاً في ألمانيا خسارة “ماما ميركل” –كما يسميها بعض اللاجئين في البلاد، لأول مرة، صدارة قائمة مجلة “فوكوس” لأحب الساسة في البلاد، لصالح كرامب-كارنباور، وفقا لما ذكرته المجلة الألمانية استنادا إلى استطلاع أجراه معهد “إينسا” لأبحاث الرأي.
ولم تحضر المستشارة الألمانية الورشة النقاشية التي عقدها حزبها من أجل مراجعة سياسة اللجوء، وذلك “لكي يكون النقاش مفتوحاً”. وشارك في الورشة التي استمرت يومين 100 سياسي من الحزب المسيحي الديمقراطي، وانتهت بورقة ختامية جاء فيها: “يجب أن نوفّق بين الإنسانية والتشديد (في سياسة اللجوء)”.
وقد أدت سياسة اللجوء التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى جدل واسع في البلاد، وكادت مواقفها من الهجرة أن تنهي عقد الائتلاف الحاكم في البلاد.
ففي تموز/يوليو من عام 2018 حصل خلاف بين المستشارة التي كانت وقتها على رأس الحزب المسيحي الديمقراطي، ووزير داخليتها هورست زيهوفر الذي كان رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي، وصل إلى حد أن هدد زيهوفر بتقديم استقالته من الحكومة.
سياسة ميركل مازالت تثير الانتقادات
وكان الخلاف وقتها على موضوع إرجاع طالبي اللجوء من على الحدود مباشرة، والذي كان زيهوفر يريد تطبيقه، وترفضه ميركل، ولولا وصول الطرفين إلى اتفاق حول هذه المسألة، لكان الائتلاف الحاكم في ألمانيا أمام احتمال انهياره، وهو خيار لم يكن يفضله كثيرون، خصوصاً وأن تشكيل الائتلاف الحالي استغرق حولي ستة أشهر بعد مفاوضات وصفت بـ”الماراتونية”.
وحتى بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء أزمة اللجوء، مازال المسؤولون الألمان يتبادلون الانتقادات حول سياسة اللجوء آنذاك، فقد انتقد وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر أداء سلفه توماس دي ميزيير في التعامل مع أزمة اللاجئين في عام 2015.
وقال زيهوفر لصحيفة “أوغسبورغر ألغيماينه” الألمانية في عددها الصادر يوم الثلاثاء (12 فبراير/شباط) إن ما عرضه الوزير السابق في كتابه الصادر حديثاً “يعد خاطئاً من الناحية الموضوعية”.
وكتب دي ميزيير كتاباً تحت عنوان “الحكم”، صدر هذا الأسبوع، وصف فيه تصريحاً لزيهوفر بأنه “مهين للكرامة”.
وكان دي ميزيير قرر في عام 2015 بصفته وزيراً اتحادياً للداخلية بألمانيا عدم رفض طالبي لجوء على الحدود مع النمسا، ووصف زيهوفر ذلك فيما بعد بأنه “هيمنة للفوضى” (في ظل عدم استخدام القانون).
وقد أعلن الحزب المسيحي الديمقراطي أن قيادته ستجتمع في نهاية شهر شباط/فبراير الحالي لمناقشة النقاط التي نصت عليها الورقة الختامية للورشة النقاشية للحزب، خصوصاً النقاط التي يريد الحزب أن يضيفها لبرنامجه في الانتخابات الأوروبية القادمة.
وقال وكيل وزارة الداخلية الألمانية شتيفان ماير إن قيام حزبه المسيحي الديمقراطي بتحليل النقاط التي تحتاج للمفاوضات فيما يتعلق بسياسة اللجوء “إشارة مهمة”، مضيفاً لصحيفة “باساور نويه بريسه”: “نحتاج لكليهما: لإظهار الإنسانية و إدماج الأشخاص الذين يحتاجون للحماية، وللتشدد تجاه الملزمين بمغادرة ألمانيا”.
وبعد فترة ترحيب كبير بالمهاجرين في ألمانيا، خصوصاً في عامي 2015 و2016، هناك أمر واحد مؤكد في البلاد، وهو أن سياسة “الأبواب المفتوحة” التي اتبعتها “ماما ميركل” ستنتهي مع رحيلها من القيادة.