انشغل المراقبون خلال الأيام الماضية، بالتعديلات المرتقبة على الدستور المصري والتي بدأ البرلمان أولى خطوات إقرارها، وكان على رأس المواد التي خطفت أنظار المصريين مادة تسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي بالبقاء في الحكم حتى 2034، إلا أن هناك عدة مواد توصف بالخطيرة، لم تحظ بالأهمية ذاتها، أو ربما لم يلتفت إليها أحد. ووافقت اللجنة العامة بمجلس النواب المصري، الثلاثاء 5 فبراير 2019، على تعديلات دستورية اقترحها نواب الأغلبية. وهذه أول خطوة إجرائية لازمة للمضي قدماً في مناقشة التعديلات، التي يُتوقع بشكل كبير أن يقرها البرلمان في نهاية الأمر وتُطرح للاستفتاء الشعبي في غضون شهور قليلة. تضمنت التعديلات مادة انتقالية تتيح للسيسي فقط الترشح مُجدداً بعد انتهاء دورته الحالية عام 2022، وهي الثانية والأخيرة حسب الدستور، لفترتين جديدتين مدة كل واحدة 6 سنوات، وهو ما يعني إمكانية استمراره حتى عام 2034. وتمنح التعديلات المقترحة السيسي سلطات جديدة لتعيين القضاة والنائب العام. كما تستحدث غرفة برلمانية أخرى باسم مجلس الشيوخ، يعين فيه الرئيس ثلث الأعضاء، البالغ عددهم 250.
6 تعديلات خطيرة لم يلاحظها أحد
رنا علام، المستشارة بالشبكة العالمية لعمل المجتمع المدني ومنظمة التحالف النسائي من أجل القيادة الأمنية، رصدت في مقال لها بموقع LobeLog الأمريكي 6 مواد، قالت إنها ربما تكون الأخطر من المادة التي تسمح لرئيس مصر الحالي بالبقاء في الحكم حتى 2034. وقالت علام إن «أشد المواد ضرراً تلك التي تتعلق بسلطات الرئيس والجيش، إذ يصعب جداً تعديل هذه المواد عن طريق إعادة صياغة الدستور، والطغمة العسكرية الحاكمة تتعامل معها بأعلى درجات الاحترام». وهذه التغييرات غير الملحوظة، والتي لا تُناقش إلا قليلاً، هي:
تأسيس مجلس أعلى للقضاء يرأسه الرئيس، وهو ما يضع الأخير فوق القانون، رسمياً وحرفياً.
سوف يعين الرئيس رئيس المحكمة الدستورية. عيَّن السيسي فعلياً الرئيس الحالي، لكن التعديلات يمكن أن ترسخ الأمر باعتباره حقاً دستورياً ممنوحاً للرئيس، وهو ما يعني أن السيسي سوف يختار الشخص الذي سيقضي بدستورية قوانينه الجديدة.
سوف يعين الرئيس كذلك رؤساء المحاكم والنائب العام أيضاً. ومن ثَم، لن يعود القضاء مستقلاً لا دستورياً ولا رسمياً. لم يكن القضاء المصري مستقلاً كلياً عقوداً طويلة، بل منذ وقت أقل من هذا عندما تولى السيسي السلطة قضى على أي معارضة تأتي من القضاء، غير أن هذه الخطوة سوف تجعل ذلك دستورياً وقانونياً.
في عام 2017، فُرض قانون جديد لمنح الرئيس سلطات تعيين رؤساء السلطة القضائية، ولكن طُعن عليه. وقَررت المحكمة الدستورية عقد جلسة استماع في 17 فبراير/شباط 2018. يمكن أن تلغي التعديلات هذا الطعن.
تقليص دور مجلس الدولة، وهي الهيئة القضائية الإدارية المكلفة مراجعة القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية. تنص التعديلات الجديدة على أن رأي مجلس الدولة سيكون اختيارياً وغير ملزم. لن يكون مجلس الدولة مسؤولاً عن مراجعة العقود التي تبرمها الحكومة. أعلن المجلس، على سبيل المثال، عدم قانونية تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. ومع هذه التعديلات، لن يخول لمجلس الدولة مثل هذه القرارات، وهو ما يمنح الرئيس السلطة لتسليم أي أرض وتوقيع أي عقد بغض النظر عن الضرر الذي قد يلحق بمصر وشعبها.
ينص الدستور الحالي على جواز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية عندما يكون هناك «اعتداء مباشر» على أفراد الجيش. أما التعديلات الجديدة، فسوف تُسقط كلمة «مباشر»؟ ويوسع هذا التغيير الطفيف من نطاق الحقوق الدستورية الممنوحة للجيش ضد المدنيين.
أما أخطر التعديلات على الإطلاق، فهي المادة التي تقول إن القوات المسلحة «مهمتها حماية البلاد… وصون الدستور والديمقراطية». يعني هذا في الأساس أن الانقلابات العسكرية المستقبلية سوف تكون دستورية.
تعديلات مضرة تتخللها تعديلات جيدة، لكنها مجرد «حبر على ورق»
وتشير علام إلى أن هذه التعديلات المضرة يتخللها بعض الأمور التي تتعلق بحقوق المرأة، وتمكين الشباب وتمثيلهم، ودعم الأقلية المسيحية، وذوي الإعاقة، والمصريين في الخارج. ونظراً إلى أن السيسي قوَّض الدستور في كل خطوة على الطريق عندما يتعلق الأمر بحماية النساء، والأقليات، وحرية التعبير، والتجمهر، والمحاكمات العادلة، والحقوق المدنية؛ فإن هذه التعديلات التي تطرأ على هذه المواد لن تكون أكثر من حبرٍ على الورق. وتكمن الإشكالية الحقيقية في السلطات الكاسحة الممنوحة للرئيس والجيش، إذ إن إضفاء صبغة دستورية عليهما يمهد الطريق لمستقبلٍ ذي مزيدٍ من الحصانة، والحكم المطلق، والسلطة العسكرية. طالما كان تجريد الجيش من سلطاته معركةً خاسرة بالنسبة للمصريين، الذين تمكنوا من الإطاحة بديكتاتور ظل في الحكم 30عاماً، لكنهم لم يستطيعوا تجريد الجيش من سلطاته ولو بمقدار شبرٍ واحد. كان ضمان الديمقراطية والعدل والحرية دائماً مهمة جسيمة في مصر، لكنه الآن صار مهمة مستحيلة أكثر من ذي قبل.
قصة رؤساء مصر مع الدستور
علام أكدت في مقالها ميل الحكام الديكتاتوريين إلى التعامل مع الدستور باحترام أقل من احترامهم شعوبهم، فيغيّرون البنود الدستورية ويعدّلونها حسب رغباتهم المتغيرة. وليس المصريون غرباء عن هذه الحقيقة. ففي المدة الزمنية الواقعة بين 1956 ويومنا هذا، كان لمصر 7 دساتير، فضلاً عن كثير من التعديلات التي طرأت على كل واحد منها على مدى السنوات. كان الدستور الأكثر صموداً هو الدستور المعمول به خلال عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، لكن التعديلات التي أجراها في عام 2005 كانت بداية الطريق نحو الإطاحة به من الحكم. فقد أجرى تغييرات على العملية الانتخابية، والإشراف على القضاء، وكثير من المواد التي تقيد المعارضة، لكن التعديل الأشد ضرراً -حتى يومنا هذا- كان السماح بخضوع المدنيين للمحاكمات العسكرية. كان هذا التغيير هو الوحيد الذي استمر مع مرور السنوات وصمد أمام الثورات. مُرر الدستور الحالي في عام 2014. يبدو هذا الدستور في المجمل جيداً على الورق، فيما عدا مسألة المحاكمات العسكرية للمدنيين بكل تأكيد، لكن الورق ليس كافياً. كتبت آنذاك أن الحكومة وقوات الأمن لم تحترم على الإطلاق المواد التي تحمي الشعب. ففي انتخابات 2016، خاض الرئيس عبد الفتاح السيسي السباق الرئاسي من دون مواجهة بعد اعتقال خصومه، وذلك على الرغم من وجود الدستور، بل اعتقل واحداً من أقوى رموز الجيش، وهو الفريق سامي عنان. وترى علام أن الديكتاتوريين يستخدمون الدستور فقط عندما يناسبهم، على سبيل المثال عندما يحاكمون المدنيين في المحاكم العسكرية. استناداً إلى هذا الدستور، مرر السيسي قانوناً يوسع من نطاق اختصاص المحاكم العسكرية. وفي أقل من سنتين، خضع أكثر من 7400 مدني لمحاكمات في المحاكم العسكرية.