فيينا – محمد عزام —
نعم.. بل قل: “نعمين بالفم المليان”.. وأنت “حاطط” في بطنك بطيخة صيفي في عز الشتاء.. قل: إن مصرنا المحروسة.. حماها الله.. بوجهين.. “بوشين”.. كما “هرتل” واحد زعلان منها بعض الوقت، وعليها كل الوقت..
ـ يفعل بعض ناسها الشيء ونقيضه، دون أن ترمش عيونهم التي عليها حارس..
ولنفتح معاً.. كتاب متناقضات “ستنا” وتاج “راسنا” المحروسة:
ـ هاتفني صاحب ـ لا يصاحب ـ أنه ذاهب إلى المغسلة لينظف البذلة.. “خير إنشاء الله.. إيه حتتجوز؟!”.. قهقه عالياً، فتأذت طبلة أذني..
لا.. جاءتني دعوة عبر “الميل من السفارة لاحتفال 25.. ولازم وحتماً أشارك”.. طبعاً وحتماً لابد أن يشارك.. فالحق يقال أنه لا يتخلف عن حضور أية مناسبة.. بعد أن يؤكد له خبراء المناسبات.. أن الخروف فاحت رائحته الذكية.. وأن العناب هو أيضاً ينادي عطشى المناسبات..
هذا الصاحب الذي لا يصاحب، والذي لا يفوت مناسبة.. “ما يصحش ولا يجوز”.. ضابط البوصلة على المازورة:
ـ عندما كانت نوادي ومنتديات وروابط جاليتنا ـ حماها الله ـ المبثوثة على ضفاف الدانوب، تسمي ما حدث قبل ثماني سنوات بأنه “ثورة 25 يناير”، وتغني حتى وهي تشد أنفاس الشيشة: “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”.. كان صاحبنا كبير المنشدين في الجوقة.. وعندما تبدلت الأحوال.. وتغير المزاج.. أو بانت النوايا، التي كانت مخبأة في فم القفطان.. كان صاحبنا على رأس الطابور الذي يغني واصفاً ما كان بأنه “نكسة 25 يناير”..
نعم.. سيذهب صاحبنا ليسمع كلاماً مرتباً جميلاً عن، ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. وليشد على يد هذا ويحضن ذاك.. سيذهب ليس من أجل عيون “الميمونة” في الطبعة القديمة، و”المشتومة” في الطبعة الجديدة.. إنما لخاطر الرائحة الطيبة للخروف، المذبوح على الطريقة الإسلامية، والعناب المنقوع على الطريقة.. التي “مش عارف” ملتها إيه..
ما علينا.. صاحبنا.. ليس واحداً أو خمسة.. هم كثر.. أكثر من الهم على القلب.. تعج بهم جاليتنا الميمونة، لهم ذات السحنة.. طيبون جداً ومجاملون جداً، ويتفانون في مديح الوطن، ويحلفون بأغلظ الأيمان.. أنه أغلى عندهم من الأولاد والزوجة.. طبعاً هم ونحن.. نعرف.. أنه مجرد طق حنك.. لكن لا أحد يعقب على قول أحد، ولا حتى على سلوكه.. وأصبح القول المأثور: “أسمع كلامك أصدقك أشوف أحوالك أستعجب!!”.. مجرد كلام لا محل له من الإعراب في أوساط الجالية..
طيب.. نترك جاليتنا رعاها الله في حالها.. سواء أكلت لحم الخروف، أو “تدفت” بفروته..
ـ في رحاب المحروسة ـ بالتأكيد ـ جبل من المتناقضات ـ أعلى وأشمخ من جبل المقطم.. تعالوا.. نعطيكم عينة من “وش” القفص.. قفص يناير أيضاً:
ـ كان يا ما كان.. كان هناك معرضاً للكتاب، يتمدد في هذا الشهر الميمون، كل عام، بدأ على ضفاف النيل في الجزيرة.. ثم حملوه إلى أرض المعارض في مدينة نصر.. وكان له كل عام “شنة ورنة”.. يقصده الناس لشراء الكتب أو الفشار.. المهم أنه كان مكاناً للبهجة، يوم أن كانت البهجة مفردة لها اعتبارها في قاموس المحروسة..
هذا العام سحبوه من رقبته، إلى أطراف الصحراء في التجمع الخامس.. تجمع أصحاب الياقات البيضاء والأغنياء الجدد جداً.. والذين لا حاجة لهم بالكتب بيعاً أو شراءً.. فكتابهم اقتنوه منذ عهد الفرعون الأول، رمسيس الثاني.. وحفظه لهم كهنة المعبد، وصانوه في خزائنهم، بعيداً عن تلصص العوام.. أظنكم تعرفون ما في الكتاب.. إن كنتم لا تعرفون.. فاذهبوا إلى المعرض الموازي.. معرض العوام والحرافيش الذي أقيم، حكاً لأنف معرض أطراف الصحراء.. أقيم على سور الأزبكية.. ربما تجدون بعض صفحاته أو مستنسخات منها.. وكما يقول “المراكسة”: بهما تحددت الخنادق.. معرض أطراف الصحراء لهم.. ومعرض بطن المدينة لنا، وللحرافيش..
ـ هكذا المحروسة كما يراها البعض.. أو المهروسة كما يراها الآخرون.. وبين البعض والآخرون، سدود أعلى من سد النهضة..
في القطفة الأولى من وش القفص.. التي كشفت التناقض بين 25 الثورة و25 النكسة.. وفي القطفة الثانية.. معرض أطراف الصحراء ومعرض بطن المدينة.. يظهر التناقض بيناً كما شمس الظهيرة..
الذين يذهبون مساء.. للاحتفال بثورة ويلعنونها في الصباح.. لا يفعلون هذا من “عندياتهم”.. وكذلك من سحبوا معرض القاهرة من رقبته، وتركوا الحرافيش يفرشون أسوار الأزبكية بكتبهم.. بل تقودهم إشارات اللهو الخفي.. ذلك المايسترو القابض على العصا.. ليوجه العزف وفق نوتة أعدت بعناية..
لتبقى المحروسة غارقة في التناقض..
ـ بين حلم.. من سعوا إلى مصر العيش والحرية والعدالة الاجتماعية..
ـ وواقع من سحبوا مصر إلى أطراف الصحراء..
ولأنه لا يصح إلا الصحيح..
تبقى المطالب هي هي..
عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية..