المعروف أنه ما بين عامي 2012 وحتى2017، تم قبول طلبات لجوء ما يقارب 916 ألف سوري في الدول الأوروبية، وفقاً لأرقام صادرة عن وكالة الإحصاء الأوروبية. في الوقت الذي بلغ العدد الذي استضافته تركيا تحت صفة الحماية المؤقتة 3.4 مليون، وهو ما يشكل الثلثين من أصل 5 ملايين لاجئ فروا من بلدهم.
وما هو أغرب، هو أنه على الرغم من هذا التفاوت الهائل في تدفق اللاجئين، فإن ملايين السوريين في تركيا أو فى لبنان لم يتسببوا بذات الأثر السياسي الذي أثاره وجودهم في أوروبا. الدول الأوروبية تحركت ضد عودة الأيديولوجيات السياسية المتطرفة، التي تعود إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، لكنها فشلت في منع اليسار الراديكالي والتيار الشعبوي اليميني من التحول إلى التيار السياسي السائد.
وقد تمكن تيار اليمين بالاستناد إلى معاداة المهاجرين والمشاعر القومية، يداً بيد، ومتسلحاً بظاهرة رهاب الأجانب من اعتلاء السلطة في العديد من الدول في القارة الأوروبية.
خلال السنوات الخمس الماضية، نمت أحزاب اليمين المتطرف على قدم وساق، حاصدة دعم ما لا يقل عن 10 بالمئة من الناخبين في أوروبا. وفي العديد من الأماكن، فإن دعم اليمين المتطرف يفوق كثيراً الـ 10 بالمئة، في الوقت الذي تبنى فيه العديد من القيادات والأحزاب المعتدلة سابقاً شعارات اليمين المتطرف، لوضع حد لنزيف الدعم.
إن الاستسلام لنزعات القومية وعداء المهاجرين يبدو أنه تسبب في زيادة نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات من أرقام صغيرة ذات خانتين في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إلى ما يزيد عن 50 بالمئة في العديد من الدول.
أما الإقبال على التصويت في الانتخابات التركية فإنه يبلغ في المتوسط 85 بالمئة. وأنا أرى أن مدى الإقبال على التصويت رمز لمدى انخراط الناخبين بالطريقة التي تحكم بها بلادهم. في مستهل عقد 2000، كان علماء السياسة يرون الإقبال الضعيف على الانتخابات في أنحاء أوروبا علامة على نضج جمهور الناخبين وتجاوز مشاعر القلق، فيما كانت نسبة الإقبال العالية في بلدان معينة ينظر إليها كدليل على نقص الديمقراطية.
أما الآن، فإن القفزة المفاجئة في نسبة التصويت في الدول الأوروبية ينظر إليها كدليل على أن لدى الناخبين الأوروبيين مخاوف جدية. ففي المجر، بلغ الإقبال على التصويت في آخر انتخابات أجريت هناك 65 بالمئة، فيما بلغ 54 و51 في كل من اليونان وبولندا على التوالي.
إن تصوير قضية الهجرة على أنها مشكلة أمنية سمح أيضاً لاستخدام الأمر برمته من قبل الانعزاليين والحمائيين من اليمين المتطرف. حالياً، يمكن أن يرى المرء أحزاباً – بأيديولوجيات كان يمكن أن تقدم بوصفها متطرفة في الماضي – مرحباً بها كشركاء في الائتلافات الحاكمة.
هذه الأحزاب المتطرفة عقائدياً تجعل أيضاً السياسات والشعارات التي كانت هامشية سابقاً تبدو أنها التيار السائد، الأمر الذي يسمح للأحزاب الأخرى بتبنيها. لقد بات المجتمع ككل مستقطباً بين وطنيين ودوليين، فيما يصطف السياسيون أمام جمهور الناخبين لتقديم الوعود بالحماية من الأخطار المرئية وغير المرئية، والحقيقية وغير الموجودة على حد سواء.
وفي ظل مناخ من هذا النوع، يجد رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، من المناسب له أن يلقي المواعظ عن الضرر الذي يتسبب به السوريون في المدن والمناطق التي لا أثر فيها لمهاجر واحد. وفي إيطاليا والنمسا ثمة حكومات من اليمين المتطرف تمسك بزمام السلطة.
إن الطريقة التي باتت أوروبا تعرف من خلالها الأمن تدفع المجموعات المتعددة المصنفة كـ”آخرين” للنفور من المجتمع الأوسع. لقد بنى “المغادرون” في المملكة المتحدة كامل إستراتيجيتهم حول الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على معاداة الهجرة، والبلد بكليته يحصد حالياً ما زرعه “المغادرون” الداعمون لـ”بريكست”.
يتمحور الجدل بمجمله حول ثلاث نقاط؛ هي اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، والحدود بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية، وإعادة محتمل للاستفتاء حول “بريكست”. هذا يعني أنه ما من مشكلة ظهرت بعد التصويت على الخروج لها صلة مباشرة بالمهاجرين، ورغم ذلك، كان هؤلاء في محور حملة الدعاية التي رافقت الاستفتاء. وحتى في حال جرى استفتاء جديد، لن يتفاجأ أحد إذا ما هيمنت مواضيع اللاجئين عليها مرة أخرى. يبدو أن اللاجئين السوريين هم الأشباح التي تخيم على القارة الأوروبية