جاؤوا كمهاجرين أو لاجئين إلى الدول الأوروبية، لكنهم يطالبون الآن بتشديد سياسة اللجوء في البلدان التي يعيشون فيها، بل هناك من ينشط في أحزاب مناهضة للمهاجرين ويرفضون استقبال اللاجئين. ما هي الأسباب؟
“يجب عدم استقبال أي لاجئ” و “لا يجب أن نغرق (البلاد) باللاجئين”، غالباً ما نسمع هذه التصريحات المثيرة للجدل من الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا منذ بدء موجة اللجوء إلى القارة العجوز في عام 2015. لكن عندما تأتي هذه التصريحات من لاجئين أو أشخاص ذوي أصول مهاجرة، فإنها تثير جدلاً أوسع وتساؤلات فيما إذا كان هناك سبباً آخر وراءها ماعدا كسب الأصوات أو الشهرة، امتثالاً للمثل القائل: “خالف تُعرَف”.
فالسياسي السويدي حنيف بالي الذي وصل لاجئاً إلى السويد وهو طفل في الثالثة من العمر، يطالب بعدم استقبال اللاجئين بحسب برنامج الأمم المتحدة لإعادة التوطين. واستطاع الشاب الذي بلغ الحادية والثلاثين الآن أن يدخل البرلمان السويدي عن حزب المحافظين (موديراترنا) في عام 2010 وهو في الثالثة والعشرين من العمر، ومازال عضواً في البرلمان في ولاية ثالثة.
وينحدر السياسي المعروف بمواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل من إيران، وقال في مقابلة على التلفزيون السويدي والتي نقلتها صحيفة إكسبريسين واسعة الانتشار: “لقد استقبلنا الكثير (من اللاجئين) ولدينا مشاكل في السكن”.
“خلط متعمد بين اللاجئين والأيدي العاملة”
وأشارت الصحيفة إلى أن مطالبة بالي بعدم استقبال اللاجئين تثير جدلاً واسعاً، خصوصاً وأنه وصل إلى السويد لاجئاً من بلد آخر. لكن بالي، خبير المعلوماتية، قال للصحيفة: “إن كون المرء مهاجراً ومطالبته بحصر الهجرة على المؤهلين الذين تحتاجهم سوق العمل ليس شيئاً غريباً”، وأضاف مستنكراً: “عندما يأتي مهاجر إلى هنا وينقل فكرة عما هو الأفضل للسويد، عندها يصبح الأمر مثيراً للجدل فجأة!”
وتابع بالي: “أنا مثل أي سويدي آخر لدي فكرة عن مسألة اللجوء وعما هو الأفضل لمصلحة السويد”.
لكن يبدو من هذه التصريحات أن السياسي السويدي يخلط “عمداً” بين اللاجئين الذين يهربون من العنف والاضطهاد، وبين الأيدي العاملة الخبيرة التي يحتاجها بلده، كما يقول خبير الاندماج سامي شرشيرة لمهاجر نيوز، كما أنه يتغاضى عن حقيقة أن للمهاجرين واللاجئين دور كبير في دفع الاقتصاد السويدي.
وقال هوكان غوستافسون أحد المسؤولين في مكتب العمل في السويد للإذاعة السويدية أن الموظفين ذوي الأصول المهاجرة لهم “دور كبير في النمو الاقتصادي في السويد”، مضيفاً: “لولا وجودهم، لكانت الشركات غير قادرة على توظيف نسبة كبيرة من العمال، وبذلك لكان النمو الذي شهده الاقتصاد السويدي أقل بكثير”
إفريقي يحذر من “إغراق ألمانيا بالأفارقة”
وفي ألمانيا أيضاً أثارت تصريحات سياسي من أصول أفريقية جدلاً واسعاً، بعد أن دعا لـ “عدم إغراق ألمانيا بالأفارقة”، وذلك في كلمة ألقاها في مؤتمر حزبه، حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.
وقد قال السياسي الألماني أخيله ديماغبو الذي كان قد هاجر من دولة بنين في أفريقيا إلى ألمانيا قبل سنوات: “أنا فخور أنني أفريقي (…) لكن لا يجوز لنا أن نغرق ألمانيا بالأفارقة”. وقد علل السياسي -الذي أتى إلى ألمانيا من أجل إكمال دراسته- طلبه بـ”وجود العديد من اللاجئين الأفارقة وبوجود اختلافات ثقافية كبيرة بين الأفارقة والألمان”.
ويرى خبير شؤون الاندماج في ألمانيا سامي شرشيرة أن مطالبة اللاجئين أو المهاجرين القدامى بعدم استقبال اللاجئين أو بتشديد سياسة اللجوء هي “ظاهرة منتشرة وتعبر عن مواقف انتهازية”. وأضاف شرشيرة لمهاجرنيوز: “إنه موقف انتهازي يأتي في سياق سياسي، فهذا الشريحة تكون من لاجئين أو مهاجرين نجحوا في عملية الاندماج ووصلوا إلى موقع اجتماعي مريح، ويحصدون نوعاً من الاعتبار داخل الحزب اليميني الذي يكونون فيه بسبب معارضتهم للاجئين الآخرين”، ويتابع: “إنهم يستمرون بمعاداة اللاجئين الحديثين لأنهم قلقون على نجاحهم الشخصي، وعلى إمكانية فقدان موقعهم في المجتمع المحيط بهم إذا أصبحوا داعمين للاجئين”.
“قلة الوعي الديمقراطي هي السبب”
ويشير خبير الاندماج إلى أن الأحزاب اليمينية الشعبوية تسعى لكسب المزيد من المهاجرين السابقين الذين يعادون استقبال اللاجئين، ويضيف: “تريد الأحزاب اليمينية المتطرفة أن تكسبهم من أجل إبعاد الشبهات التي تحوم حولها بأنها عنصرية، لتكسب مزيداً من الناخبين، ولذلك فإنها تدفع بهم إلى الواجهة”.
وقد يرى البعض أن سبب “معاداة” اللاجئين والمهاجرين القدامى للاجئين الذين أتوا حديثاً إلى ألمانيا هو غيرتهم منهم بسبب الخدمات الكثيرة المقدمة لهم، إلا أن خبير الاندماج سامي شرشيرة لا يرى ذلك مبرراً لـ”العداء”، ويقول: “الخدمات المقدمة للاجئين اليوم ليست بالضرورة أفضل من خدمات الأمس”، ويضيف: “في بعض الجوانب الخدمات المقدمة أسوأ من السابق، فلم يكن اللاجئون مجبرين على البقاء في مدينة محددة، كما هو الحال الآن، ولم يكونوا يقيمون في صالات رياضية أو مراكز إيواء جماعية، كما حصل خلال موجة اللجوء”.
ويتابع شرشيرة: “من يعادون اللاجئين الحديثين من المهاجرين واللاجئين القدامى إنما يفعلون ذلك لقلة الوعي الديمقراطي لديهم، والذي من المفترض أن يكونوا قد اكتسبوه خلال مدة إقامتهم في ألمانيا”، ويضيف: “ما يقومون به هو عمل غير مسؤول، ويؤدي إلى تقوية الأحزاب اليمينية المتطرفة، وهذا –في النهاية- لن يعود بخير لا عليهم ولا على المجتمع الألماني”.