صحيفة إنجليزية: نهاية الحلم الأمريكي.. والتاريخ الأسود لشعار ترامب «أمريكا أولًا»

 عندما تعهد دونالد ترامب في خطاب تنصيبه بوضع أمريكا في المقدمة، استخدم شعارًا له تاريخ طويل ومشؤوم، وكان إشارة لما سيفعله خلال فترة رئاسته. نشرت صحيفة «الجارديان» تقريرًا كتبته «سارا تشيرشويل»، تحاول من خلاله عرض تاريخ عبارة «أمريكا أولًا»؛ إذ يتضح أن العبارة، وما تجيشه من مشاعر كراهية الأجانب، والتحيز العنصري، لم تكن وليدة العصر الحديث، بل يعود تاريخها لما قبل جماعة «الكو كلوكس كلان». فهل التمسك الشديد بتلك العبارة الآن يحث على مزيد من العنصرية والعنف والاتجاه نحو الانتقاء البشري وتحسين النسل من أجل تمكين تفوق البيض؟

شعار ترامب

تستهل الكاتبة تقريرها بعرض سريع لأهم تعليقات ترامب المتعلقة بالشعار والقضية برمتها، فتقول: إن دونالد ترامب ألقى خطاب إعلان ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية معلنًا أنه «من المؤسف أن الحلم الأمريكي قد مات»؛ إذ بدا تفوه مرشح رئاسي بمثل هذا الكلام أمرًا صادمًا، فعادةً ما يثني العاملون في الحملة الرئاسية ويمجدون الأمة التي يسعون لرئاستها بما يحفز الناخبين على اختيارهم، إلا أن هذا التناقض كان مجرد نبذة عما هو آت، فقد كشف عن مهارة مثبطة لا يمكن مضاهاتها في ليّ كل ما هو سلبي بالنسبة لأي شخص؛ ليعود بالنفع على نفسه.

وبحلول إعلان فوزه في الانتخابات، كان ترامب قد قلب كثيرًا مما اعتقد كثير من الناس أنهم يعرفونه عن الولايات المتحدة رأسًا على عقب، وقد صرح ثانيةً خلال إلقائه خطاب قبوله أن الحلم الأمريكي قد مات، لكنه وعد بإعادته للحياة من جديد، وأُخبرنا بأن حلم الازدهار هذا في مهب الريح، لدرجة أن استحوذت «القومية الاقتصادية» على الرئاسة.

كانت الجهود الأخيرة لتحقيق الحلم الأمريكي مقلقةً بما فيه الكفاية، ولكن خلال الحملة الانتخابية، وعد ترامب أيضًا بوضع أمريكا في المقدمة، وجدد تعهده – مرتين – في خطاب تنصيبه؛ فقد كانت عبارة مزعجة؛ إذ بدأ التفكير في تاريخ هذا الشعار يلوح في الأفق، مدللًا على أنه ليمتد رجوعًا بالزمن إلى جهود إبقاء الولايات المتحدة بعيدًا عن أتون الحرب العالمية الثانية.

عمق تاريخي: القرن التاسع

تذكر الكاتبة أن في الحقيقة، يُعد شعار «أمريكا أولًا» أعمق تاريخيًا وأكثر سوداوية من ذلك، بل إنه متشابك بشدة مع إرث البلاد الوحشي من العبودية والقومية البيضاء، وعلاقته المتضاربة مع الهجرة، والعداء للمهاجرين، والخوف من الأجانب، إلا أن المضمون المعقد والمرعب الذي يمثله هذا الشعار قد تلاشى تدريجيًا في التاريخ السائد، لكنه بقى حيًا بفضل الحركات الفاشية التي تعمل في الخفاء. حتى نكون واضحين، فإن شعار «أمريكا أولًا» صار مثل «استراتيجية صافرة الكلب»، وتتمثل في إرسال رسالة عامة يستقبلها أغلب الناس على محمل النفع لصالحهم، في حين أنها موجهة لمجموعات بعينها تحمل دلالات أخرى.

ويبدو أن خلفيتنا التاريخية قد أطلت علينا بشكل غير متوقع مع ترامب في بادئ الأمر، ومع بعض مؤيديه على أقل تقدير، لكن الحقيقة تقتضي القول أن ثوران النزعة الشعبوية الأمريكية المحافظة ليس بجديد على الإطلاق، وأن شعار «أمريكا أولًا» قد ارتبط بها منذ أكثر من قرن من الزمان. وتعتبر تلك مجرد النسخة الأخيرة المتجددة من النزعة الديماغوغية الشعبوية القوية في التاريخ الأمريكي، بدايةً من الرئيس «أندرو جاكسون» (1829-1837)، إلى «هيوي لونغ» عضو مجلس الشيوخ عن ولاية لويزيانا، بعد قرن كامل، والذي يتجدد من جديد في الوقت الراهن مع ترامب.

وتضيف أن ظهور هذا الشعار يرجع على أقصى تقدير إلى عام 1884، عندما نشرت إحدى الصحف في كاليفورنيا مقالًا بعنوان «أمريكا أولًا ودائمًا»، يتحدث عن الحروب التجارية مع البريطانيين. بينما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1891 أن «الفكرة التي لطالما آمن بها الحزب الجمهوري»، هي «أمريكا أولًا، وباقي العالم يأتي بعدها»، ووافق الحزب الجمهوري على هذه العبارة، واتخذها شعارًا لحملته الانتخابية عام 1894.

بعد عدة سنوات، أصبحت عبارة «زر أمريكا أولًا» شعارًا منتشرًا في كل مكان مع الازدهار الحديث لصناعة السياحة، والذي انتشر بسهولة باعتباره وعدًا سياسيًا في الأساس. وقد أقر ذلك «وارن هاردينغ» مالك صحيفة تصدر في ولاية أوهايو، والذي قاد حملة انتخابية ناجحة أدخلته مجلس الشيوخ عام 1914، تحت شعار «ازدهار أمريكا أولًا». إلا أن هذا التعبير لم يتحول إلى شعارًا وطنيًا حتى أبريل (نيسان) من عام 1915، عندما ألقى الرئيس «وودرو ويلسون» خطابًا يدافع فيه عن موقف الولايات المتحدة الحيادي خلال الحرب العالمية الأولى، إذ قال: «إن واجبنا في اللحظة الراهنة، وعلى كل الأصعدة، يتلخص في شعار: أمريكا أولًا».

تحول مفهوم الانعزالية

توضح الكاتبة أن الرأي الأمريكي كان منقسم بشدة حول الحرب – الحرب العالمية الأولى – فبينما استنكر كثيرون ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه مجازفة قومية سافرة من قبل ألمانيا، كانت هناك مشاعر متأججة معادية لبريطانيا أيضًا، خاصة في أوساط الأمريكيين من أصول أيرلندية، لم يكن الحياد الأمريكي مدفوعًا بأية حال من الأحوال بالانعزالية البحتة، بل امتزج بالرغبة في السلام، ومناهضة الإمبريالية، ومقاومة الاستعمار، والقومية، والاستثنائية أيضًا. كان ويلسون يلقي خطاب «أمريكا أولًا» وعينه على فترة رئاسية ثانية، وأكد أن مصطلح «أمريكا أولًا» لا ينبغي فهمه «بروح أنانية»، وأن «أساس الحياد نابع من التعاطف مع الجنس البشري».

انتشرت العبارة كمرادف للانعزالية كالنار في الهشيم وعلى نطاق واسع، وعلى الرغم من ذلك، مع حلول عام 1916، أصبح شعار «أمريكا أولًا» من الشهرة بمكان لدرجة استخدام كلا المرشحين الرئاسيين له كشعار لحملتيهما الانتخابية. عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب عام 1917، تحول شعار «أمريكا أولًا» إلى شعار قومي متطرف، لكنه عاد للتعبير عن الانعزالية من جديد بعد الحرب؛ ففي صيف 1920، ألقى السيناتور «هنري كابوت» الكلمة الرئيسة في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وأدان فيه عصبة الأمم تحت شعار «أمريكا أولًا». وبعدما أمن «هاردينغ» ترشيح الجمهوريين له، شق طريقه على الفور نحو الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) مستخدمًا نفس نفس الشعار، والذي استحضرته إدارته دون انقطاع قبل أن تنهار في خضم أكبر فضيحة رشوة سياسية عرفتها الولايات المتحدة حتى يومنا هذا.

وبحلول عام 1920، التأم شعار «أمريكا أولًا» مع تعبير آخر انتشر آنذاك، وهو «أمريكي 100%»، وسرعان ما لعب الشعاران دورًا واضحًا في ترسيخ سياسات الأهلانية – وهي نهج سياسي يعني بمصالح السكان الأصليين في المقام الأول وكراهة المهاجرين- والقومية البيضاء. يعد استيعاب المعنى الكامل لعبارة «أمريكي 100%» مستحيلًا، دون إدراك الأبعاد القانونية والسياسية المتعلقة بأفكار تحسين النسل والانتقاء الإنساني المرتبطة بالنسب المئوية في الولايات المتحدة الأمريكية.

إن ما يُسمى بـ«قاعدة القطرة الواحدة» – التي تقول إن قطرة واحدة من «الدم الزنجي» تجعل الشخص أسودًا بحكم القانون – كانت أساسًا للعبودية وقوانين اختلاط الأجناس في كثير من الولايات، والتي استُخدمت لتحديد ما إن كان يجب استعباد شخص ما، أو تحريره. نبع منطق قاعدة القطرة الواحدة من «توافقية الثلاثة أخماس» سيئة السمعة في الدستور، والتي لا تعتبر العبيد أشخاص كاملين الانسانية، بل تعتبر الشخص الواحد منهم يمثل ثلاثة أخماس الشخص السوي. ولم يكن الإعلان عن شخص أمريكي 100% أمرًا مجازيًا، لاسيما في بلد تقيس الناس حسب النسب المئوية والكسور العشرية، من أجل حرمان بعضهم من إنسانيتهم الكاملة.

نشر «أبتون سنكلير» روايةً ساخرةً عام 1920، أسماها «100%: قصة رجل وطني» (100%: The Story of a Patriot)، مستوحاة من قضية «توم موني»، المتطرف الذي حُكم عليه بالإعدام شنقًا بتهم تفجيرات عام 1916، والتي تُعد تهمًا ملفقة إلى حد كبير. تُسرد رواية سنكلير من وجهة نظر بيتر، والذي كان «شديد الوطنية، ووطنيًا حتى النخاع، فقد كان بيتر أمريكيًا نقيًا لم يلوث دمه، كان بيتر أمريكي 100%. لقد كان أمريكيًا لدرجة أنه لدى رؤية أي أجنبي، يشعر بدافع شديد للقتال».

يؤمن بيتر تمامًا بما يلي:
سوف يجد النقاء العرقي الأمريكي 100% طريقةً للحفاظ على نفسه من سفسطة البلشفية الأوروبية، لقد وجد النقاء العرقي الأمريكي 100% معادلته الخاصة: «إذا لم يحبوا هذه البلاد، دعهم يرجعون من حيث أتوا»، ولكن بالطبع، إنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن أمريكا أفضل بلد في العالم، ولا يريدون العودة، لكن من الضروري إجبارهم على الذهاب.

تحسين النسل والانتقاء البشري

لكن مصطلح «أمريكي 100%» لم يكن معاديًا للمهاجرين، وكارهًا للأجانب فحسب، فعندما مات السيناتور «كنوت نيلسون» عام 1923، نُعي في جميع أنحاء الولايات المتحدة بشكل مكثف بأنه كان «أمريكيًا 100%»، ذلك على الرغم من ولادته في النرويج. وتتساءل الكاتبة عن السبب في ذلك، موضحة أن نيلسون ينحدر من «أصل نوردي -شمالي- نقي»، «من عرق ينتمي للآلهة القوية، ونسل من الرجال الأقوياء».

وتذكر الكاتبة أن لفظ «نوردي» – شمالي – استُخدم هو الآخر بنفس الطريقة التي استخدم بها النازيون مصطلح «آري»، إذ تشير الأولى «النوردية» إلى أن الأشخاص الذين عاشوا في شمال أوروبا كانوا متفوقين عرقيًا على أولئك الذين يعيشون في جنوب أوروبا (وفي أي مكان آخر)، وهي نظرية يتبناها أشخاص يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، مثل «لوثروب ستودارد»، و«ماديسون غرانت» الذي ألف كتاب «زوال العرق الأسمى: أو الأسس العرقية للتاريخ الأوروبي» عام 1916، (The Passing of the Great Race: or The Racial Basis of European History 1916)، والذي أصبح أحد أكثر المؤلفات تأثيرًا في العنصرية العلمية لتحسين النسل، ولكن من الناحية العملية، استُخدم لفظ «نوردي» لوصف أي شخص أشقر، أو قوقازي، أو أنجلوساكسوني، وبشكل عام، استخدمت مصطلحات «نوردي»، و«أمريكي 100%»، و«أمريكا أولًا» في اللغة الدارجة جميعًا للتعبير عن نفس المعنى.

وبالتالي، تعتقد الكاتبة أنه من المفترض ألا نتفاجأ كثيرًا عندما نعلم أن جماعة «الكو كلوكس كلان» قد تبنت أيضًا شعار «أمريكا أولًا». ففي عام 1919، ألقى أحد زعماء جماعة «كو كلوكس كلان» خطابًا في الرابع من يوليو (تموز)، قال فيه: «أنا فداء لأمريكا، أولًا، وأخيرًا، وعلى الدوام، ولا أريد من أي عنصر أجنبي أن يخبرنا ما الذي يجب فعله». كل تلك الأوهام الزاعمة أن الولايات المتحدة كانت مأهولةً فيما مضى بسكان منحدرين من عرق نوردي نقي فحسب، وكانوا «رجالًا نورديين عاديين»، ما هي إلا خرافة مصدرها جماعة «كو كلوكس كلان» أيضًا، وما هو إلا ماضٍ أسطوري -أشبه بمرحلة ما قبل انحدار الإنسان، كانوا يسعون لإجبار البلاد إلى العودة إليه، باستخدام العنف إذا تطلب الأمر.

في يناير (كانون الثاني) لعام 1922، نظمت جماعة «كو كلوكس كلان» في مدينة الإسكندرية بولاية لويزيانا موكبًا حملوا فيه صليبين أحمرين مشتعلين، ولافتات كتب عليها شعار «أمريكا أولًا»، و«أمريكي 100%»، و«التفوق للبيض»، إضافة إلى نشر إعلان في أحد صحف تكساس في ذلك الصيف، جاء فيه «إن منظمة كو كلوكس كلان هي المنظمة الأولى والوحيدة المكونة بالكامل وبشكل حصري من 1% فقط من الأمريكيين الذين يضعون أمريكا في المقام الأول».

هل أمريكا أولاً شعار فاشيٌّ؟

تقول الكاتبة: إن في غضون شهور قليلة، ومع استلام موسوليني مقاليد السلطة في روما، شاهد الأمريكيون صعود الفاشية في أوروبا، ومن أجل تفسير معنى «الفاشية» للقارئ الأمريكي في ذلك العام، وجدت الصحافة مثالًا جليًا يمكن طرحه؛ فقد كتبت صحيفة «نيويورك وورلد» أن «باستخدام تعبيراتنا اللغوية الأمريكية، يمكن أن يطلق عليهم كو كلوكس كلان».

لا يتطلب الأمر إدراكًا متأخرًا لطبيعة ما حدث بعد وقوعه، لمعرفة أن الكو كلوكس كلان ما هي إلا منظمة فاشية سرية، إذ يستطيع معاصروهم الوقوف على أوجه الشبه، والخطر المشترك على الفور. وفي نوفمبر من عام 1922، أشارت صحيفة تصدر في مونتانا إلى أن الفاشية في إيطاليا قُصد بها أن «إيطاليا للإيطاليين»، أما الفاشية في أمريكا فيطلق عليها «أمريكا أولًا»؛ إذ يبدو أن هناك كثيرًا من الفاشيين في الولايات المتحدة، لكنهم دائمًا ما يختبئون وراء لافتات «أمريكي 100%» المتغطرسة.

علاوة على ذلك، شهد خريف عام 1922 أول ذكر لصعود سياسي ألماني مغمور يُدعى «أدولف هتلر» في الصحافة الأمريكية. في ذلك الوقت، كانت تعيش صحفية أمريكية شابة تُدعى «دوروثي تومبسون» في فيينا، حيث كانت تُعد تقارير عن تنامي معاداة السامية. وبحلول نوفمبر من عام 1923، كانت قد وصلت إلى ميونخ في ظل سعيها لإجراء مقابلة مع هتلر في أعقاب فشل انقلاب بيرل هول، مقدمةً مقالات عن الطريقة التي رفع بها هتلر القومية الألمانية بفضل «اقتراحات من موسوليني».

في غضون ذلك، حذرت صحيفة «بروكلين دايلي إيغل» قراءها من أن جماعة كو كلوكس كلوك لا تختلف عن حركة «مواطنون أوروبيون 100%» قائلةً: «يجب ألا يكون هناك أدنى سوء فهم بشأن الكو كلوكس كلان. إنهم يتبنون في هذه البلاد نفس الأفكار التي يتبناها موسوليني في إيطاليا، والتي يتبناها «بريمو ريفيرا» في إسبانيا. الكو كلوكس كلان هم فاشيون أمريكيون، يسعون بتصميم إلى الحكم وفق طريقتهم الخاصة، في تجاهلٍ تامٍ للقوانين الأساسية، ومبادئ الحكومة الديمقراطية»، وتابعت الصحيفة محذرةً: إذا أُتيحت الفرصة لمثل هؤلاء الأشخاص أن يتولوا مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، «فسوف نتحول إلى ديكتاتورية».

تستمر الكاتبة في سرد التطورات التي مرت بها جماعة الكو كلوكس كلان، فتقول: إنه بحلول عام 1927 انتشر الكو كلوكس كلان في جميع أنحاء البلاد. وفي شهر مايو تجمع ما يناهز الألف من أفراد المنظمة للمشاركة بموكب كبير في مسيرة اليوم الوطني في كوينز بنيويورك، بينما ارتدى كثير منهم الثوب الأبيض والقلنسوة البيضاء، مصطحبين معهم 400 من المنظمة النسائية التابعة لهم «كلافانا».

اعترض عدد من جمهور كوينز الذي بلغ 20 ألفًا على تواجد أفراد منظمة كو كلوكس كلان في موكب مدني؛ ما أدى إلى نشوب بعض الاشتباكات، تحولت لاحقًا إلى أعمال شغب. في الأيام التالية لهذه الأحداث، كشفت صحف نيويورك عن أسماء سبعة رجال أُلقي القبض عليهم في كوينز. حُددت هوية خمسة منهم بالانتماء إلى الكو كلوكس كلان كانوا ضمن المسيرة، واعتقلوا عند «رفضهم التفرق عندما أُمروا بذلك». واعتقل الشخص السادس عن طريق الخطأ – عندما مرت سيارة فوق قدمه – وأُطلق سراحه على الفور. أما الشخص السابع فكان أمريكيًا من أصل ألماني يبلغ من العمر 21 عامًا، قالت عنه الصحف إنه أحد أفراد المنظمة. وقد ذكرت التقارير أنه قد أُلقي القبض عليه، واستُجوبَ، ثم أُطلق سراحه فحسب. لم يعرف أحد لماذا كان هناك. وكان اسمه «فريد ترامب».

وفي سبتمبر (أيلول) من عام 1935 اغتِيل السيناتور «لونغ» من لويزيانا بعد شهر واحد من إعلانه الترشح للرئاسة. لقب «لونغ» بـ«ديكتاتور أمريكا الأول»، فضلًا عن أنه أثار مخاوف كثير من المراقبين؛ بسبب مزيج الشعبوية والسلطوية الذي لديه. وبعد وفاته أشار أحد الكتاب إليه بأنه «إل دوتشي وادي المسيسيبي»، وعلى الرغم من تأكيدات عدد من الأمريكيين على استحالة تفشي العنصرية هناك، فإن تنامي سلطة لونغ أظهرت كيف يمكن أن يحدث ذلك. كان حضوره المتنامي واضحًا جدًا لدرجة أنه بنهاية عام 1935 نشر «سنكلير لويس» روايةً مستوحاة من المسيرة المهنية للونغ (لكنها كُتبت قبل مقتله)، تخيل فيها الكاتب كيف ستبدو الفاشية الأمريكية، كان عنوانها «لا يمكن أن يحدث هنا» (It Can’t Happen Here) في حد ذاته عنوانًا «ساخرًا»؛ إذ صرح «لويس» لعدد من الصحافيين قائلًا: «أنا لا أقول إن الفاشية سوف تحدث هنا» بل أقول إنها «قد تحدث وحسب».

تقول الكاتبة: إن لويس وتومبسون تزوجا عام 1928، وتأثرت روايته بشكل كبير بنقاشات دوائر معارفها حول الوضع في أوروبا، كانت «تومبسون» حينها أول مراسلة صحفية أجنبية أمريكية تُطرد من ألمانيا بناءً على أوامر «هتلر»؛ ما جعل منها شخصيةً مشهورةً على الصعيد الدولي. تعرضت تومبسون  لثورة هتلر في كتابتها قائلة: إن «أيًا ما تفتقت عنه ثورة هتلر، فهي بمثابة هروب جماعي من الواقع». وبعد عودتها للولايات المتحدة، مُنحت «طومبسوم» عمودًا صحافيًا في صحيفة وطنية واسعة الانتشار، وبدأت على الفور في الكتابة عن ظهور الجماعات الفاشية المنظمة على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجمع «حزب الاتحاد» من أجل توحيد اليمين، وخلق كيان تنصهر فيه كافة الجماعات الفاشية الداعمة لتفوق العرق الأبيض.

تناولت تومبسون  في أحد مقالاتها  الفاشية الأمريكية بعنوان: «يمكن أن يحدث هنا» (It Can Happen Here )، حيث تساءلت:

«من يكرهون؟ الحياة التي عاملتهم بشكل سيئ. على من يقع اللوم؟ على بعض كباش الفداء. أنلقي باللوم على الزنوج الذين يعملون في حقول يجب أن تكون ملكًا لهم؟ أم على اليهود؟ ألا يمتلكون متاجر مزدهرة؟ أم على الشيوعيون؟ أم الاتحادات التجارية؟ أم الكاثوليك الذي يقطن رأس كنيستهم في روما؟ أم على الأجانب الذين يستحوذون على الوظائف؟ هؤلاء من يقع عليهم اللوم. لنبيدهم إذًا. نحن فقراء محرومون. لكننا أصحاب بشرة بيضاء، أنجلوساكسونيين، بروتستانت. آباؤنا هم من أسسوا هذه البلاد. إنها ملك لنا».

وتوضح الكاتبة أن بمجرد نشر تومبسون مقالها العمودي في مايو من عام 1936، كان قد أنهى «ويليام فولكنر» روايته «أبشالوم» (Absalom)، وهي رواية تدور فكرتها الأساسية حول ما كان يعرف في التاريخ الجنوبي أن أصحاب البشرة البيضاء الفقراء قد اكتسبوا احترامهم الذاتي، وفخرهم العرقي من إيمانهم الراسخ بتفوقهم على أصحاب البشرة السوداء. توقعت الرواية أنه إذا ما تعرض الشعور بالتفوق العرقي للتهديد في أي وقت، فسوف يرتكبون أفظع أعمال العنف. وقبل عام من ذلك، أوضح «ويب دو بوا» أن «العمال البيض كانوا مقتنعين أن انحطاط مستوى العامل الزنجي أكثر أهمية من من رفع مستوى العامل الأبيض». وكتب «دي بوا» أن على الرغم من استمرار فقر العمال البيض، فإنهم قد «عُوضوا جزئيًا بنوع من المكافأة العامة والنفسية»، إنها مكافأة التفوق العرقي.

الحرب العالمية الثانية

تنتقل الكاتبة إلى فترة الحرب العالمية الثانية وكيف تطور مفهوم أمريكا أولا بكل ما يحمله من معان لمعاداة الأجانب وتفوق الجنس الأبيض، تذكر أن الأمريكين شكلوا تحالفًا اتخذ موقفًا معارضًا من دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية في خريف عام 1940 سمي بـ«لجنة أمريكا أولًا». وأصبح «تشارلز ليندبيرغ» الناطق الرسمي لها، وربما كانت تومبسون خصمهم الأكثر ضراوة. فقد كتبت في عام 1941 «أنا على ثقة تامة أن ليندبيرغ مؤيد للنازية»، وأضافت: «إنه يكره النظام الديمقراطي الحالي، ويسعى ليكون رئيسًا للولايات المتحدة مع حزب جديد يقف خلفه على غرار النمط النازي». بحلول مايو من عام 1941 انضم لويس إلى تنسيقية أمريكا أولًا، وفي غضون ذلك انفصل عن تومبسون في هدوء. وفقًا لكاتب السيرة الذاتية للويس، كان «في ذلك الوقت يعارض بشدة التدخل الأمريكي في الحرب الأوروبية، وهو ما جعله يتعاطف مع المؤيدين لأمريكا أولًا».

ثم تعود الكاتبة للحاضر، مشيرة إلى أن بعد سبعة أشهر من رئاسة دونالد ترامب، وتحديدًا في أغسطس من عام 2017، نظم ائتلاف من الفاشيين الأمريكيين، يطلقون على أنفسهم «وحدوا اليمين»، مسيرةً في مدينة شارلوتسفيل، بولاية فيرجينيا، يبدو أن كثيرًا من المراقبين صدموا لدى معرفتهم أن جماعة الكو كلوكس كلان والنازيين الجدد بإمكانهم تنظيم مسيرة في أمريكا الحديثة، ويهتفون «لن يأخذ اليهود مكاننا»، فضلًا عن أن الصدمة الأكبر كانت عندما رفض ترامب إدانتهم. عندما برزت قصة إلقاء القبض على والد ترامب خلال الحملة الانتخابية عام 2016 فيما وُصف في كثير من الأحيان (على نحو خاطئ) «بمسيرة للكو كلوكس كلان»، أنكر ترامب في بادئ الأمر أن يكون «فريد ترامب» الذي تدور حوله تلك القصة والده، وقال إنهم لم يعيشوا في العنوان الذي ورد في الصحيفة على الإطلاق، ولكن على الرغم من أن دونالد لم يعش هناك، إلا أن عائلة ترامب عاشت هناك. ليس هناك دليل على أن فريد الذي تواجد في موكب اليوم الوطني لعام 1927، مؤيد للكو كلوكس كلان، لكن اللافت للنظر في ذلك الأمر أنه من بين 20 ألف متفرج أُلقي القبض على ستة أفراد فقط: خمسة «منتمين للكو كلوكس كلان»، و«فريد ترامب».

هل يحيى إرث ترامب الفاشية؟

تشير الكاتبة إلى أن دونالد ترامب تحدث كثيرًا وبفخر عن الأب الذي كان يوقره؛ فقد قال عام 2015: «إن إرثي له جذور ممتدة إلى إرث أبي»، وهناك سبب وجيه يدعو إلى التفكير في أن الانتقائية الانسانية وتحسين النسل يلعب دورًا في هذا الإرث. قال «مايكل دانطونيو»، أحد كتاب السيرة الذاتية لترامب: «إن الأسرة تؤيد نظرية حصان السباق الخاصة بالتنمية البشرية، وتحسين سلالة الجنس البشري». وأضاف: «إنهم يؤمنون أن ثمة أناسًا متفوقين، وأنك إذا جمعت بين جينات امرأة متفوقة، وجينات رجل متفوق، فسوف تحصل على ذرية متفوقة». علاوة على ذلك أيد ترامب نسخة مشوهة من تحسين النسل في مقابلة أُجريت معه عام 2010؛ إذ قال: «أعتقد أنني ولدت بدافع للنجاح؛ لأنني أملك جينًا وراثيًا معينًا. أنا أُؤمن بالجينات»، وعلى الرغم من عدم معرفة أي شخص لسبب اعتقال «فريد ترامب» مع خمسة أعضاء منتمين إلى الكو كلوكس كلان عام 1927، فإن سجله اللاحق لا يشير أيضًا إلى أنه كان يتظاهر هناك ضد الكو كلوكس كلان، ربما كان كل ذلك من قبيل المصادفة.

إلا أنها تستبعد ذلك، ففي أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2017، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها أن «ستيفن ميلر»، مستشار ترامب المقرب، كان قد اختار شعار «أمريكي 100%» اقتباسًا لصفحته في الكتاب السنوي للمدرسة الثانوية، كما تصدر ترامب العناوين الرئيسية للصحف العالمية في يناير لعام 2018، عندما تساءل خلال مباحثات الهجرة من هايتي وأفريقيا، لماذا قد يحتاج «كل هؤلاء الناس من دول مستنقعات القاذورات؟»، وأضاف أنه يريد «مزيدًا من الناس من أماكن مثل النرويج»، وأشار بعض المعلقين أن النرويج ذات أغلبية عرقية بيضاء ساحقة، بينما وقع آخرون كُثر في حيرة لما بدا تفضيلًا تعسفيًا.

تساءلت صحيفة «هيوستن كرونيكل» حول «لماذا النرويج؟» في تقرير لها سلط الضوء على «عنصرية» الاختيار، وأضافت الصحيفة أن موقع «دايلي ستورمر» التابع للنازيين الجدد قد أيد تصريحات ترامب، وأشار الموقع إلى أن «ترامب بأية حال من الأحوال متفق معنا على نفس الهدف»، بيد أن صحيفة «كرونيكل» لم تشر إلى أن صحيفة «دايلي ستورمر» ما تزال تحدد النوردية في حد ذاتها، و«أمريكا أولًا»، باعتبارها نماذج عرقية مثالية للولايات المتحدة الأمريكية.

وتختتم الكاتبة قولها مؤكدة على أن التاريخ والسياقات التاريخية المختلفة التي استخدمت فيه العبارة جديرة بالاهتمام لفهم دوافع ومآلات الأمور حاليًا، تقول: «إننا لا يمكننا سماع صافرة الكلب ما لم نكن على وعي بمداها ومغزاها وتواجدنا داخل نطاقها، ولا يمكننا فهم النصوص المندرجة تحت شعاراتنا الخاصة ما لم نفهم سياقاتها، فالأمريكيون يواجهون خطر القراءة الخاطئة لشعاراتهم الخاصة، ما لم يحيطوا علمًا بالمعاني التاريخية للمصطلحات التي يحيونها ويخلدونها». وتضيف «أن الجميع مشغول بطرح أسئلة ملحة حول الحاضر، بينما توجد إجابات غاية في الدهشة أكثر مما يعتقد كثير منا خلف ستار الماضي تنتظر الكشف عنها، وهكذا، فإن الخلفية التاريخية للعبارات المحملة بالمعاني الكبرى قد تساعدنا في فهم كيف وجدنا أنفسنا في مواجهة هذه المشاكل اليوم، بل ربما تدلنا كيف نستطيع منع تفجير العنف مرة أخرى».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …