بالوثائق الكشف عن الشركة الوسيط بين الرياض وأهم الشخصيات الألمانية.. تفاصيل المبلغ الضخم الذي تدفعه الرياض شهرياً

كشفت صحيفة «بيلد أم زونتاغ» الأسبوعية عن دفع المملكة العربية السعودية مبلغاً من خانة مئات الآلاف لشركة حشد تأييد (لوبي) وعلاقات عامة ألمانية شهيرة، زعمت متفاخرة أنها تستطيع التأثير على تغطية وسائل الإعلام الألمانية للشأن السعودي ودور وليّ العهد محمد بن سلمان، كي تكون إيجابية.

ولفتت في مقال تصدر غلافها بعنوان «شيخ الدم يحاول شراء الرأي الألماني»، إلى أن السعودية تحاول عبر الاعتماد على هذه الشركة «إنقاذ سمعتها المدمرة وشراء صورة إيجابية للبلاد داخل ألمانيا».

وأشارت الصحيفة إلى «قمع العائلة الحاكمة للصحافيين والنشطاء منذ أعوام»، وتقرير نُشر في الأيام الماضية عن اعتقال ناشطات في مجال حقوق الإنسان وإساءة معاملتهن، وعن اعتبار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وليّ العهد محمد بن سلمان مسؤولاً بشكل شخصي عن قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، إلى جانب مشاركته في الحرب اليمنية التي أوقعت 56 ألف قتيل منذ 2015.

القدرة على التأثير في كبريات الصحف الألمانية

وقالت الصحيفة إنها اطلعت على «وثائق استراتيجية» مكونة من 50 صفحة لشركة WMP Eurocom  تعود لصيف عام 2017، زعمت فيها الشركة للسعودية قدرتها على التأثير على صحافيين من كبريات الصحف الألمانية كـ «زود دويتشه» و»فرانكفورته ألغماينه» و»هاندلسبلات» و»بيلد» و»فيلت»، فيما يتعلق بتغطيتها للشأن السعودي.

فُزعمت مثلاً تحت بند «نجاح» في هذا المجال، أنه كانت لدى محرر الشؤون السياسية في صحيفة فرانكفورته ألغماينه راينر هيرمان حتى الآن «صورة مشكوك فيها» عن المملكة، ونشر سلسلة من التقارير الناقدة عنها، لكن وبفضل جهودهم حصل هيرمان على معلومات من مصادر داخلية ومحادثات خلفية واسعة النطاق، وبهذه الطريقة أصبحت تغطيته متوازنة بشكل واضح.

ويصل الأمر بالشركة إلى الادعاء بأنها «تعاونت» مع مراسل «فرانكفورته ألغماينه» في الشرق الأوسط كريستوف إرهاردت، ما أفضى عن «مقال إيجابي»، وأن الشركة قامت في اتصالات هاتفية متكررة معه بلفت انتباهه أكثر للدور القيادي لولي العهد السعودي بالنسبة للإصلاحات الداخلية.

الصحافيون ينفون

وتورد الشركة في ملخص أسماء صحافيين آخرين تدعي أنها غيرت نبرتهم أو اختيارهم للمواضيع، بما يتماشى مع السعودية، بينهم باول أنتون كروغر (خبير الشرق الأوسط لدى صحيفة «زود دويتشه») ورئيس تحرير «بيلد» يوليان رايشلت. وأوردت أيضاً نماذج متخيلة لأغلفة صحفية نموذجية، عما يمكن أن تبدو عليه التغطية الإيجابية.

ونفى مختلف الصحافيين الذين وردت أسماؤهم في الوثائق ووسائل الإعلام التي يعملون لأجلها، تأثرهم بأي شركة علاقات عامة أو قدرة أحد على التأثير عليهم أو على تغطيتهم، وكذلك المزاعم التي أوردتها الشركة في الملف المذكور.

فقال متحدث باسم دار أكسل شبرنغر التي تصدر «بيلد» إنه «لا يمكن التأثير على موقف ورأي بيلد، كما أثبتت بجلاء التغطية المتواصلة الناقدة بوضوح عن السعودية».

أما رئيس شركة WMP ميشائيل إناكر فأوضح لـ «بيلد أم زونتاغ» أنه «من السذاجة الاعتقاد بأن الصحافيين الألمان قابلون للتأثر. في حال نشوء هذا الانطباع من خلال عرضنا، نأسف لذلك بشدة».

الشركة وعدت بـ»فتح أبواب» المستشارية للسعوديين

ولم يقتصر تفاخر الشركة بقدرتها على التأثير على الصحافيين فحسب، بل ورد في الوثائق الاستراتيجية تفاخرها لزبائنها بامتلاكها شبكة واسعة وقدرتها على إيصال السعودية بكبار المسؤولين في الوزارات والمستشارين السياسيين الأمنيين ومديري كبار الشركات، مثل «إيرباص»، ورئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم راينهارد غريندل، وحتى الرئيس الألماني فرانك- فالتر شتاينماير «في أي وقت»، و»فتح أبواب» المستشارية التي تترأسها أنجيلا ميركل لهم.

وأوضحت متحدثة باسم الرئاسة الألمانية أنه كانت هناك محادثة فحسب بين شتيفان شتاينلاين رئيس مكتب الرئيس ومستشار سعودي في مايو/أيار الماضي بوساطة من رئيس الشركة المذكورة ميشائيل إناكر، لكن لم تكن هناك أية محادثات مباشرة البتة مع الرئيس شتاينماير، معتبرة التقييم الوارد في الوثائق الاستراتيجية على أنه يمكن «الوصول في أي وقت» للرئيس «غير ملائم».

وأكدت المستشارية بدورها وجود لقاءات بين حين وآخر منذ عام 2016، بين ممثلين لمكتب المستشارية وأشخاص، بينهم من يعملون لصالح WMP، تم التطرق خلالها لمواضع مختلفة، دون أن تورد تفاصيل عنها.

المباراة الودية بين ألمانيا والسعودية

ونفى رئيس الاتحاد الألماني غريندل أن يكون للشركة أي صلة بالمباراة الودية التي جمعت ألمانيا والسعودية في يونيو/حزيران 2018، قائلاً إنه لا يدري كيف وصل اسمه لهذه القائمة الموجودة في وثائق الشركة.

وحُذفت مقولة للشخصية الاقتصادية النافذة فريدريش ميرتز، الذي أصبح مرشحاً لخلافة ميركل في رئاسة حزبها الشهر القادم، تمدح شركة WMP من موقعها الإلكتروني، بعد سؤال صحيفة «بيلد أم زونتاغ» عن الأمر. وأكد ميرتز معرفته بالشركة سابقاً، لكنه أكد أنه ليس لديه أية صلات بالسعودية، ولم يساهم ولن يساهم في التمهيد لمحادثات.

وكانت الشركة تعمل منذ 2015 لصالح سفارة السعودية في ألمانيا، ثم بدءاً من العام 2017 لوزارة الإعلام السعودية، حتى بعد واقعة جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، كما أكد رئيسها للصحيفة، موضحاً أن اغتيال الصحافي السعودي خاشقجي «جريمة»، يتوجب أن يتم حلها.

شخصيات سياسية واقتصادية رفيعة المستوى تعمل في WMP

وتضم الشركة التي تم تأسيسها منذ عام 1998، وتعمل لدول كالسعودية وشركات ضخمة كمايكروسوفت، شخصيات ذات وزن في السياسة.

ويتكون مجلس الرقابة فيها من مشاهير كوزير المالية السابق هانز أيشيل، والمدير السابق لبورشه فيندلين فيدكينغ، ويترأسه رئيس التحرير السابق في صحيفة «بيلد» هانز-هيرمان تيديه. ويعمل ميشائيل فوكس نائب الرئيس السابق لكتلة الاتحاد المسيحي في البوندستاغ كمستشار في الشركة حالياً، الذي قيل إنه يحب أن يزعم في أحاديثه بأنه على تواصل منتظم مع ميركل.

علاقة مثيرة للجدل

وكانت علاقة هذه الشركة مع السعودية أثارت جدلاً نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما كُشف عن عمل السفير الألماني السابق ديتر هالر في السعودية لديها بدءاً من شهر نوفمبر الحالي كمستشار كبير، بعد أن أنهى مبكراً عمله كسفير في السعودية في الصيف الماضي.

وأوضحت مجلة «شتيرن» الأسبوعية أن السفارة السعودية أخبرتها بأن هالر سبق وأن أعلمها عن عمله مستقبلاً مع شركة حشد التأييد WMP، مشيرة إلى موقف هالر الودي حيال «جهود الإصلاح» التي يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان.

وكانت صحيفة «سبق» السعودية نقلت عن هالر قوله عندما كان سفيراً في المملكة العام الماضي: «نحن نهنئ الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الذي يمثل القيادة السعودية الشابة على قراراته، ونعتقد أن الطريق الذي اتخذه الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان طموح جدا، ومن وجهة نظر الحكومة الألمانية فهي تدعم (الحكومة والقطاع الخاص) برنامج الإصلاح والتحديث، ونحن نؤيد رؤية 2030 وندعم أجندة التحول الوطني».

وأشارت «شتيرن» إلى أن هالر أكد لوزارة الخارجية الألمانية فيما يبدو أنه لن يعمل في الشأن السعودي لدى WMP، ولن يكون هناك خلط بين عمله القديم والجديد.

وينص قانون الموظفين الحكوميين على وجوب إبلاغ المتقاعدين في الحكومة الاتحادية عن أعمالهم الجديدة عندما تكون مرتبطة بخدمتهم في السنوات الخمس السابقة لانتهاء الخدمة، وإمكانية أن تضر المصالح الحكومية. ويمكن للجهة المشغلة للموظف منع انتقاله للعمل لدى الجهة التي يرى أنها ستضر المصالح الحكومية. ويُستثنى من ذلك الموظفون المتنازلين عن العائدات التقاعدية.

وأكدت شركة العلاقات العامة “WMP” لمجلة “شتيرن” اتباع هالر القواعد القانونية السارية. وعبر أوميد نوريبور، نائب البوندستاغ عن حزب الخضر المتخصص في الشؤون الخارجية، عن انتقاده للواقعة معتبراً أنه “من الصعب تحملها”.

واعتبر نوريبور أن هناك احتمالين: أولهما أن هالر لم يبلغ الخارجية الألمانية بشكل كافٍ عن الخلط بين عمله الجديد والقديم، وثانيهما هو أن الخلط هذا كان سيان بالنسبة للوزارة. وقال إنه في الحالة الأولى ينبغي أن يُسحب منه الترخيص، وفي الثانية تكون الوزارة قد خالفت قواعدها بنفسها.

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …