«خسرت كل شيء.. منزلي وسيارتي وحتى عملي. بعد الحرب انتهى كل شيء». لا تنسجم تلك الكلمات كثيراً مع ابتسامته التي تعلو وجهه وأسلوبه المحبب للقلب. مصطفى، اللاجئ السوري في مدينة كوفنتري البريطانية، يتحدث عن الوضع في بلاده التي اضطر لمغادرتها بسبب الحرب.
لكن رغم ذلك، في إحدى ليالي أكتوبر/تشرين الأول الباردة، قاد مصطفى فريقاً من رفاقه اللاجئين إلى نهائي بطولة الجاليات لكرة القدم، على أرض الملعب المبني حديثاً في متنزه سانت جورج ببلدة بورتون على نهر ترينت.
ها هو يرمي وراءه كل شيء، أصوات القصف وصراخ النساء ومناظر الدمار والدماء. ولمدة 90 دقيقة، يتخيل مصطفى نفسه بطلاً على عاتقه تسديد الأهداف.
يروي مصطفى بكل سعادة لصحيفة The Guardian كيف تمكّن من قيادة فريق من رفاقه اللاجئين إلى نهائي بطولة الجاليات لكرة القدم.
اللاجئ «سواريز» السوري لن يتمكن من دخول برشلونة
بابتسامته العريضة وشخصيته اللافتة يُشبه مصطفى – إلى حد ما – نجم برشلونة الأورغوياني لويس سواريز Luis Suarez؛ لذا يهتف الجميع له عندما يلعب: «سواريز.. سواريز».
ربما لا يكون أداء مصطفى جيداً بما فيه الكفاية ليلتحق بفريق برشلونة، ولكنه كان يمارس كرة القدم في بلده؛ إذ كان ضمن قائمة اللاعبين شبه المحترفين في نادي الكرامة الحمصي الذي حاز لقب أبطال الدوري السوري 8 مرات.
وعندما وصل إلى المملكة المتحدة قبل 3 أعوام، بدأ مسيرته الكروية – مثلما بدأ الكثيرون- باللعب مع الأصدقاء في الحديقة، قبل أن يسمع عن مؤسسة التنمية الإيجابية للشباب، وهي مؤسسة خيرية في كوفنتري.
كوفنتري Coventry التي تبعد ساعتين عن ليفربول؛ حيث يلعب المصري محمد صلاح.
.. لكن الصدفة قادته لممارسة كرة القدم في بريطانيا
بداية الفريق، الذي كانت انطلاقته من مؤسسة التنمية الإيجابية للشباب، كانت صدفة عارضة للغاية.
مجرد مباريات ودية من أجل المتعة فقط ولبناء علاقات اجتماعية حول كرة القدم.
ثم سمع الفريق ببطولة الجاليات لكرة القدم، وهي بطولة تقتصر على الفرق من منطقة ويست ميدلاندز، ولكنها تمثل دولاً من جميع أنحاء العالم.
كبر الفريق أكثر فأكثر، بعد تداول أخباره بشكل كبير بين الناس.
انضم بعض الفتيان إلى فريق كرة القدم في غضون 3 أيام من وصولهم إلى كوفنتري، حتى قبل أن يُسجّلوا في المدارس.
وعنهم يقول كورماك ويلان، مؤسس الفريق: «من الرائع رؤية كيف يعتنون ببعضهم البعض ويتكيفون مع البيئة الجديدة».
وهو من بين آلاف الباحثين عن ملجأ
قصة مصطفى هي إحدى قصص هذا الفريق الذي يضم لاجئين فارين عبر القارات هرباً من الأوضاع المزرية في بلادهم.
قد يجد بعضهم طريقه إلى مخيمات اللاجئين الشاسعة التي تشبه المدن في لبنان، دون أدنى فكرة عن مكان وجود عائلاتهم.
والبعض الآخر قد يلتم شمله مع أحبائه مرة أخرى في تلك المخيمات.
لكن الكثير منهم يضطرون إلى الاستقرار في مجتمعات بالمملكة المتحدة وهم لا يعرفون أحداً وبلا دعم.
وهنا يأتي دور مؤسسة التنمية الإيجابية للشباب وفريق كرة القدم.
اجتمعوا معاً لتشكيل «فريق سوريا»
حتى صيف هذا العام، لم يكن أعضاء الفريق لعبوا جنباً إلى جنب كفريق مؤلف من 11 لاعباً.
لكنهم اجتمعوا معاً ليتمكنوا من الالتحاق ببطولة الجاليات المحلية تحت اسم «فريق سوريا».
انتهى المطاف بالفريق بضمه 10 جنسيات مختلفة.
أما فكرة بطولة الجاليات فكانت لعبيد حسين، الذي كان يشغل عدة وظائف، من بينها الموظف المسؤول عن تحقيق المساواة في اتحاد إقليم برمنغهام لكرة القدم.
سعى حسين لتنظيم البطولة بالتزامن مع كأس العالم التي استضافتها روسيا العام الجاري.
فأعربت الفرق التي تمثل 19 جالية في أنحاء وست ميدلاندز عن اهتمامها، وتمكن 8 منها من المشاركة في البطولة.
أرادوا التعبير عن ثقافتهم وحبهم لكرة القدم
«لم يكن الهدف الأساسي من إنشاء البطولة هو مشاهدة مدى روعة كرة القدم، بل الأمر يتعلق بتوفير الفرصة لتلك الجاليات للاحتفاء بثقافاتهم وحبهم لكرة القدم». هذا ما قاله حسين لصحيفة the guardian.
وأضاف: «أنا أعرف قصص ما مر به هؤلاء من خلال الأخبار لكن سماعها مباشرة بنفسك… ما كان يجب أن يمر هؤلاء الصبيان ذوو 17، و18، و19 عاماً بمثل هذه الأحداث. لكنهم يلقون بتلك الأمور خلف ظهورهم لمدة 90 دقيقة على أرض الملعب. هذا ما يجب أن تكون عليه كرة القدم».
بدأوا اللعب كهواة ولكنهم تفوقوا على البرازيل!
غالبية لاعبي فريق سوريا من الشباب، في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات.
وهم يفتقرون بشكل كبير إلى الخبرة في خوض مباراة على ملعب كرة قدم. وهذا يعني أنَّهم بدأوا خوض البطولة كالغرباء.
ولكن بعد هزيمتين ساحقتين، بما فيهما مباراة انتهت بنتيجة 3-10 لصالح فريق الجزائر، تمكن فريق سوريا من الصعود إلى المركز الرابع في المجموعة، ومن ثم التأهل لنصف النهائيات.
وهناك تمكّن من الفوز على فريق البرازيل من برمنغهام، وهو -مثل فريق سوريا- يضم جنسيات مختلفة.
وجاء الهدف في الدقيقة الأخيرة من المباراة، ليشقوا طريقهم إلى النهائيات وهو ما شكَّل مفاجأة كبيرة لهم.
ثم تلقوا هزيمة قاسية في المباراة النهائية
نُظمَّت معظم مباريات البطولة على مدار فصل الصيف، ولكن حسين أراد أن يكون الحدث النهائي كبيراً.
وبعد محاولات تمكن من حجز الملعب الداخلي الكبير بقاعدة المران في إنكلترا في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
كان الملعب قد جُدد لتوِّه، وحتى قبل أن يطأ هاري كين ورحيم ستيرلينغ وكايل ووكر بأقدامهم عليه، استضاف على أرضه فريق سوريا في مباراة جمعت بينه وبين فريق الجزائر مرة أخرى.
لم تكن نهاية فريق سوريا مثل نهايات قصص الخيال، فقد هُزموا صفر مقابل 4 أهداف من فريق الجزائر.
لكن المباراة لم تكن متكافئة، إذ جمعت بين فريق محترف وآخر هاوٍ، خاض معظم تدريباته في الحدائق.
مصطفى يحنّ لحمص لكنه سعيد في بريطانيا ولديه أحلام كبيرة
يحن مصطفى إلى بلاده كثيراً. لو كان يعيش بمفرده لما غادر حمص رغم أن الحياة فيها محفوفة بالمخاطر.
انتقل إلى المملكة المتحدة من أجل زوجته وأطفاله الثلاثة، ولا يعرف ما يخبئه له المستقبل.
لكن رغم ذلك، يرى أن الحياة في المملكة المتحدة جيدة من كل النواحي؛ التعليم والرياضة والأصدقاء.
ويضيف: «أشعر بالأمان. الحياة هنا جيدة لي ولأبنائي. لقد بدأت حياة جديدة هنا مع أصدقاء جدد وعمل جديد ومسيرة كروية جديدة. أنا سعيد للغاية ولديَّ أحلام كبيرة».
وبقية السوريين انخرطوا في الدراسة أو سوق العمل
في سائر مدن بريطانيا، يعيش 10 آلاف لاجئ سوري قدموا خلال عامين ونصف. توزعوا بين اسكتلندا وأيرلندا وشمال إنكلترا وجنوبها، وفق ما نشرت شبكة BBC.
استقبل شمال المملكة ضعف ما استقبله الجنوب بحكم عدد السكان.
لا تفرض الدولة على المجالس البلدية مساعدة اللاجئين، إذ تتكفل بكل المصاريف في أول سنة، ثم تخفض المبلغ إلى 5 آلاف جنيه في العام التالي، وصولاً إلى ألف جنيه في العام الخامس، بينما تنتقل الكلفة إلى المجالس المحلية.
وكشفت دراسة أُجريت على 7300 لاجئ سوري أن ثلثَي السوريين بين أعمار 18 و 32 إما يعملون أو يدرسون.
الدراسة التي نشرتها صحيفة The independent أجرتها جامعة غلاسكو للرد على الانتقادات الشعبية بأن جلهم يعتمدون على المساعدات الحكومية الصادرة من أموال دافعي الضرائب.
نائب المدينة التي يعيش فيها مصطفى تطالب الحكومة بالسماح له بالعمل
وبينما كان مصطفى يلاحق أحلامه على الملعب، كانت النائبة كارولين سبيلمان تمثله هو وبقية ساكني مدينته الجديدة في مجلس العموم البريطاني.
كانت تطالب بحق لطالما اشتكى منه طالبو اللجوء السياسي في بريطانيا: العمل.
في مداخلتها قبل أيام بالمجلس، طالبت سبيلمان الحكومة بالسماح للاجئين السوريين وغيرهم برفع الحظر عنهم والسماح لهم بالعمل.
وقالت إنّ منعهم عن العمل فترات طويلة قد يؤدي إلى مشاكل نفسية، خصوصاً بين الشباب، الذين يشعرون بالاكتئاب والعزلة، وفق ما جاء في صحيفة Coventry Telegraph المحلية.
واستطرت أمام ممثلي الحكومة: «أضع نفسي مكانهم، لو اضطررت إلى العيش على 5 جنيهات يومياً، وأصارع لإعالة بقية أفراد العائلة في حين أشعر بأن مواهبي وتعليمي وكل ما تعلمته في هذه الحياة يذهب هباءً- كنت سأشعر بالإحباط».
وحثت الدولة على إعطائهم تصاريح عمل، موضحة أنها ستدر نحو 31 مليون جنيه إسترليني على شكل ضرائب وضمانات وظيفية وتأمين، في حين ستوفر للدولة نحو 10 ملايين جنيه تنفقها سنوياً كمساعدات من أموال دافعي الضرائب.