فيما يبدو أنه تحدٍّ للسعودية، نشرت صحيفة The Washington Post الأميركية، الأحد 21 أكتوبر 2018، 9 أسئلة رئيسية لم تجب عنها المملكة في الروايات التي قدَّمتها عن مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، يوم 2 أكتوبر 2018.
وكانت المملكة قد قدَّمت في وقت مبكر من أمس السبت، تفسيراً لما حدث مع الصحافي السعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول، ثم عادت وقدَّمت رواية أكثر تفصيلية على لسان مسؤول لم يذكر اسمه، إلا أن جميع الروايات تتعارض مع الرواية التركية التي سُربت عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية. وفيما يلي الأسئلة الـ9 التي عرضتها «واشنطن بوست»، وقالت إن الرياض بحاجة للإجابة عنها:
هل كان خاشقجي يفكر فعلاً في العودة إلى السعودية؟
ذكر البيان السعودي أنَّ «المشتبه بهم» في قتل خاشقجي سافروا إلى تركيا لمقابلة الصحافي لأنَّه كان قد أشار إلى رغبته في العودة إلى بلاده. مع ذلك، سافر خاشقجي إلى القنصلية بصحبة خطيبته التركية، خديجة جنكيز، التي قالت إنَّ خطيبها كان يسعى للحصول على وثيقة من الحكومة السعودية من أجل زواجهما.
كان خاشقجي نفسه قد أخبر أصدقاءه أنَّه كان مرتاباً من محاولات إغرائه للعودة إلى المملكة، إذ روى خالد صفوري، الناشط السياسي الأميركي من أصول عربية، لصحيفة The Washington Post الأميركية، أنَّ جمال قال له بعد إحدى محاولات إغرائه للعودة للسعودية: «أتمزح؟ أنا لا أثق فيهم بالمرة».
إذا كان الأمر يتعلق بمجرد مناقشات، لماذا سافر 15 رجلاً على الأقل إلى إسطنبول لمقابلته؟
تشير الرواية السعودية إلى أنَّ الشجار مع خاشقجي بدأ كمناقشة، لكنَّها سرعان ما تحوَّلت إلى «شجار واشتباك بالأيدي بين بعض المشتبه بهم والمواطن (خاشقجي)».
لكنَّ السعودية تقول إنَّها أوقفت إجمالي 18 شخصاً لانخراطهم في وفاة خاشقجي. في حين تشتبه الحكومة التركية بتورّط 15 شخصاً في مقتل خاشقجي، وهم مواطنون سعوديون وصلوا إلى القنصلية قبل اختفاء الصحافي بوقت قصير وغادروا بعد اختفائه بساعات. ومن غير الواضح لماذا قد تكون هناك حاجة لمجموعة كبيرة من الأشخاص كهذه، من أجل مجرد محادثة عن الرغبة في العودة إلى السعودية.
لماذا ضمَّت هذه المجموعة السعودية خبيراً في الطب الشرعي وأعضاء من قوات الأمن؟
مرة أخرى، إذا كانت هذه مجرد مناقشة بسيطة، قد يبدو من غير الضروري إرسال أفراد من الأجهزة الأمنية السعودية. مع ذلك، وجدت صحيفة The Washington Post أنَّ ما لا يقل عن 12 عضواً من فريق الاغتيالات المزعوم، حدّدت هويتهم السلطات التركية، كانوا مرتبطين بصورةٍ ما بأجهزة الأمن في المملكة.
وكان أحد المشتبه بهم، صلاح محمد الطبيقي، وهو خبير الطب الشرعي، ورائد في عمليات التشريح السريعة والمتنقلة. قال بروس ريدل، زميل معهد بروكينغز والمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، الذي ألَّف كتاباً عن العلاقات السعودية الأميركية، إنَّ السبب وراء وجوده ضمن الفريق واضحٌ وضوح الشمس بالنسبة له. وقال ريدل لصحيفة The Washington Post: «لا أستطيع التفكير في تفسير بديل لسبب احتياجك لخبير في الطب الشرعي، ما لم تكن تسعى إلى التستر على دليل الجريمة». كما أنَّ البيان السعودي لم يفسر سبب قيام المشتبه بهم بإحضار منشار عظام إلى تركيا مثلما أشارت بعض التقارير. لم تتمكن صحيفة The Washington Post من التأكُّد من هذا التفصيل.
ماذا حدث فعلاً داخل القنصلية؟
تصف الرواية السعودية حدوث «عراك أو شجار» في القنصلية، وهي صيغة تنطوي على نزاع جسدي بين الجانبين. غير أنَّ خاشقجي دخل القنصلية بمفرده، ويبدو أنَّه التقى بفريق مكون من 15 رجلاً، ما يوحي على الأقل بأنَّ الطرفين لم يكونا متساويين. ويُعتقد أنَّ مسؤولين أتراكاً أطْلعوا نظراءهم في وكالة الاستخبارات المركزية على تسجيل صوتي سُجِّل داخل القنصلية، يمكن أن يلقي بعض الضوء على ما حدث. ويمكن أن يقدم التسجيل أدلةً رئيسية على ما حدث لخاشقجي، بما في ذلك ما إذا كان موته متعمَّداً أو ما إذا كان تعرَّض للتعذيب.
ماذا حدث لجثة خاشقجي؟
على الرغم من اعتراف السعودية بأنَّ الصحافي توفي داخل القنصلية، فإنَّ بيانها يوم السبت لم يكشف عمَّا حدث للجثة. أشارت تكهَّنات أولية إلى أنَّ أجزاء جثة خاشقجي أُخرِجت خارج البلاد، على الرغم من أنَّ السلطات التركية فتَّشت مؤخراً مناطق ريفية بالقرب من إسطنبول. وقال مصدر سعودي لوكالة رويترز، يوم الجمعة 19 أكتوبر إنَّ مكان وجود جثة خاشقجي غير واضح بعد تسليمها إلى «متعاون محلي».
لماذا قالت السعودية إنَّه غادر القنصلية مع أنَّه لم يغادرها؟
عندما لم يرجع خاشقجي من القنصلية، أبدت خطيبته خديجة، التي كانت تنتظره في الخارج، قلقها. ومع ذلك، قال المسؤولون السعوديون مراراً للصحافيين إنَّ الصحافي غادر القنصلية من بابٍ خلفي بعد وقتٍ قصير من وصوله، وإنَّهم قلقون أيضاً بشأن مصيره. وكرَّر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نفسَ الكلام في مقابلة له مع وكالة Bloomberg الأميركية، في 5 أكتوبر/تشرين الأول. وقال الأمير السعودي: «أفهم أنَّه دخل وخرج بعد بضع دقائق أو بعد ساعة واحدة. لستُ متأكداً، نحن نحقق في ذلك من خلال وزارة الخارجية لنرى بالضبط ما حدث في ذلك الوقت».
كيف يمكن ألا يكون ولي العهد على علم؟
لم تُشِر الرواية السعودية إلى أنَّ ولي العهد كان على علم بما حدث لخاشقجي. في الواقع، اختاره والده الملك سلمان لقيادة لجنة مُعدَّة لمراجعة و»تحديث» عمليات الاستخبارات في المملكة بعد وفاة الصحافي. مع ذلك، يعتبر على نطاقٍ واسع أنَّ ولي العهد (33 عاماً) هو القوة الحقيقية في المملكة العربية السعودية، ويقود حملة تحديث البلاد. ويقول بعض الخبراء أيضاً إنَّه يقف وراء حملة قمع حرية التعبير.
وقال دبلوماسي أميركي سابق رفيع المستوى لصحيفة The Washington Post بعد اختفاء خاشقجي: «ما كان ذلك ليحدث أبداً دون موافقة محمد بن سلمان. أبداً، أبداً، أبداً». كان سعود القحطاني، مستشار ولي العهد، مِن بين مَن أُعفوا من مناصبهم يوم السبت. وحسبما أشار مسؤولون أميركيون، كان سابقاً وراء محاولات إغراء خاشقجي بالعودة إلى السعودية.
وبعد البيان الذي أصدرته المملكة يوم السبت، انتشرت على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية تغريدة للقحطاني على موقع تويتر كان قد كتبها العام الماضي، يقول فيها: «وتعتقد أني أقدح (أتصرف) من رأسي دون توجيه؟ أنا موظف ومنفذ لأوامر سيدي الملك وسمو سيدي ولي العهد الأمين».
هل الرجال الذين أوقفتهم السعودية هم فعلاً نفس الرجال الذين رصدتهم السلطات التركية؟
قالت الحكومة السعودية إنَّها ألقت القبض على 18 شخصاً، لكن لم يتضح ما إذا كان هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم الـ15 شخصاً المشتبهين الذين رصدتهم السلطات التركية. وقال سابقاً تقرير أذاعته قناة العربية الإخبارية المملوكة للسعودية، إنَّ الـ15 شخصاً كانوا «سائحين» اتُّهِموا زوراً.
لماذا استغرق الأمر 17 يوماً للخروج بهذه الرواية؟
مرَّ أكثر من أسبوعين على اختفاء خاشقجي. وأياً كانت الإجابات عن بقية الأسئلة المطروحة في هذه القائمة، من الظاهر للعيان أنَّ المملكة استغرقت وقتاً طويلاً لتعترف بأنَّ خاشقجي قد مات، وظاهر أيضاً أنَّ الرياض عندما اعترفت أخيراً بمسؤوليتها عن مقتله، فعلت ذلك بسرد رواية لن تقنع سوى القليل من منتقديها.
غرَدَّ توماس جونو، الخبير في الشؤون السعودية في جامعة أوتاوا الكندية، على موقع تويتر قائلاً، إنَّ الموقف كشف «ضعف القدرات الإدارية السعودية»، وأنَّ هناك «انطباعاً عاماً بأنَّ الأمور سارت بطريقة خرقاء».