قالت صحيفة The Washington Post الأميركية، إن إدارة دونالد ترمب تبحث مع العائلة المالكة السعودية عن تفسيرٍ يتفقان عليه معاً بشأن مقتل الصحافي جمال خاشقجي لا يتورط به وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يعد أحد أقرب حلفاء ترمب الأجانب، وفقاً للتحليلات ولمسؤولين في بلادٍ عدة.
غير أنه -توضح الصحيفة الأميركية- لن يكون من السهل على القائد الشاب تجنُّب الخضوع لتدقيقٍ شديد، في ظلِّ تراكم الأدلة، التي لا تشير فقط إلى علم الحكومة السعودية بمصير خاشقجي، وإنما أيضاً إلى صلة محمد بن سلمان بهذا الاختفاء.
الكثيرون بإدارة ترمب استنتجوا أن السعوديين قتلوا خاشقجي
وترسم تقارير الاستخبارات الأميركية، وروايات أصدقاء خاشقجي، وسجلّات جوازات السفر، وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي، صورة قتلٍ وحشيٍ على الأقل، كانت له جذورٌ تمثلت برغبة ولي العهد في إسكات خاشقجي، الذي كان مقرباً من العائلة المالكة سابقاً، والذي وجَّه انتقاداتٍ للحكومة، وللأمير على وجه الخصوص.
وقال المحللون والمسؤولون إنه من غير المعقول أن تتم عمليةٌ وقحةٌ كتلك التي يزعم المسؤولون في تركيا وقوعها، والتي تتضمن إرسال فريقٍ من 15 عميلاً إلى إسطنبول، ليغتالوا خاشقجي ويقطّعوا أوصاله بعد ذلك، بواسطة مجموعةٍ من «القتلة المارقين»، حسبما تكهَّن الرئيس ترمب، هذا الأسبوع، بُعَيد مكالمةٍ أجراها مع الملك سلمان.
حتى إن رودولف ويليام جولياني، الذي يُعَد أحد أقرب مستشاري الرئيس ترمب، قال إن الكثيرين في إدارة دونالد ترمب قد استنتجوا، منذ أكثر من أسبوع، أن السعوديين قد قتلوا خاشقجي.
والسؤال الوحيد هو: هل تم ذلك بعلم محمد بن سلمان؟
تساءل جولياني في مقابلةٍ، قائلاً: «السؤال الوحيد هو: هل تم ذلك بتوجيهاتٍ من وليّ العهد أم من الملك، أم أنها كانت جماعةٌ تحاول إرضاءه؟». كان وليّ العهد السعودي يحاول أن يضع يده على خاشقجي حتى قبل أن تطأ قدماه أرض القنصلية في إسطنبول بالثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
فوفقاً لتسريبات من الاستخبارات الأميركية لمسؤولين سعوديين كانوا يناقشون لخطة، كان محمد بن سلمان قد أمر، خلال الأشهر الأخيرة، باستدراج خاشقجي إلى المملكة السعودية من منزله في ولاية فرجينيا الأميركية.
وقال خالد صفوري، الناشط السياسي الأميركي ذو الأصول العربية وصديق خاشقجي، إن سعود القحطاني، وهو مسؤولٌ رفيع المستوى مُقرَّبٌ من محمد بن سلمان، كان قد اتصل بخاشقجي في سبتمبر2018، ووعده بالأمان، وبإمكانية حصوله على وظيفةٍ هامةٍ يعمل فيها لصالح وليّ العهد، إن هو عاد إلى البلاد.
وقال صفوري إنَّ ردَّ خاشقجي كان: «هل تمزح؟! أنا لا أثق بهم بالمرَّة». وروى أصدقاءٌ آخرون لخاشقجي، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم؛ لمخاوف تتعلق بأمنهم، قصصاً مماثلةً لمكالماتٍ من الرياض جاءت نيابةً عن وليّ العهد.
خاصة أن «الأدلة» أثبتت صلة «كتيبة الإعدام» بولي العهد السعودي
وهناك صلاتٌ تجمع أعضاء الفريق الأمني السعودي، الذي قال مسؤولون أتراك أنهم كانوا بانتظاره في القنصلية، وآخرين وصلوا لإسطنبول للمشاركة في مقتل الصحافي جمال خاشقجي ، بالأمير محمد بن سلمان والعائلة المالكة.
على سبيل المثال، قام أحد الأعضاء المزعومين بالفريق، واسمه خالد عيد العتيبي، بعدة زياراتٍ للولايات المتحدة، تزامنت مع زياراتٍ لمسؤولين سعوديين كبار.
وأظهرت سجلات جوازات السفر التي تحتفظ بها الحكومة الأميركية، أنه وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام (2018)، وصل العتيبي إلى الولايات المتحدة قبل 3 أيامٍ من زيارة بن سلمان، في جولةٍ بين الولايات.
ويُعرَّف العتيبي على الإنترنت على أنه عضوٌ بالحرس الملكي السعودي. والعتيبي هو واحدٌ من 11 سعودياً ضمن الفريق الذي ضمَّ 15 عميلاً والذي تربطه صلاتٌ بالأمن السعودي، وفقاً لمنشوراتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، ورسائل إلكترونية، وتقارير وسائل الإعلام المحلية، وغيرها من المواد التي طالعتها صحيفة The Washington Post الأميركية.
وهو ما يورط محمد بن سلمان في مقتل الصحافي جمال خاشقجي
وقال بروس ريدل، الزميل بمعهد بروكينغز والخبير بالشأن السعودي والعائلة المالكة والذي خدم 30 عاماً بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «من غير المقنع أن تتضمَّن عمليةٌ مقتل الصحافي جمال خاشقجي أفراداً من الحرس الملكي، وموظفين آخرين في البلاط الملكي، وتجري على أرض القنصلية، وألَّا تجري بتصريحٍ من وليّ العهد. هذه ليست الطريقة التي تعمل بها المملكة، خصوصاً في ولاية عهد محمد بن سلمان».
وأضاف: «بقدر ما تحرص إدارة دونالد ترمب على تبرئة محمد بن سلمان، فإن التستُّر المارق قد انهار قبل حتى أن يُرَدَّ رسمياً».
ولا يبدو على محمد بن سلمان أنه من نوع القادة الذين يتغاضون عن التصرف خارج إطار تسلسل القيادة.
إذ قال عنه جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الستراتيجية والدولية في واشنطن: «إن لديه سمعةً كقائدٍ ينخرط بنفسه في الأعمال». وأشار إلى أن وليّ العهد محمد بن سلمان شارك، بشكلٍ مباشرٍ، في تنفيذ سياساتٍ جديدةٍ، وقاد جهوداً طموحةً لتنويع الاقتصاد السعودي. وقال: «حين تتحدث مع العاملين على تلك المبادرات، فإن القصص التي تسمعها تدور حول اهتمامه بالتفاصيل والمساءلة».
لكن، يبدو أن إدارة دونالد ترمب غير مستعدة للتخلي عن السعودية
كان ترمب دفاعياً، هذا الأسبوع، حيال اتهام الإدارة بمحاولة إتاحة مجال للسعوديين للخروج ببيانٍ يُعفي محمد بن سلمان .
وقال ترمب لمراسلين، يوم الأربعاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018: «أنا لا أغطي عليهم بالمرّة. إنهم حلفاؤنا، ولدينا حلفاء جيدون آخرون في الشرق الأوسط».
لطالما كان السعوديون حلفاءً للولايات المتحدة، خصوصاً في مواجهة شبكات الإرهاب، غير أن مُحلِّلين قالوا إن موثوقية العلاقات السعودية-الأميركية تعتمد على النزاهة والمساءلة. وتقول ليزا موناكو، التي شغلت منصب مستشارة الأمن القومي ومكافحة الإرهاب في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما: «ليس من الواضح ماذا ستفعل إدارة ترمب في مواجهة التحريف المستمر برواية المملكة، لكن ما يبدو واضحاً هو أن إدارة ترمب يجب ألا تمنح المملكة مَخرجاً».
وأضافت: «من مصلحتنا أن نحافظ على علاقةٍ تربطنا بالسعودية، خصوصاً في قضايا مثل التعاون في مكافحة الإرهاب ومبادرات الاستقرار الإقليمي، لكن الإدارات السابقة استطاعت فعل ذلك دون أن تتوقف عن الضغط باتجاه الإصلاحات، وتحميل الدولة مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان».
غير أنهم لا يستبعدون تورُّط ولي العهد في مقتل خاشقجي
من جهةٍ أخرى، وفي تصريحاتٍ خاصةٍ، أفاد مسؤولون أميركيون بأنه ليس لدى إدارة دونالد ترمب ما يدفعهم للتشكيك في رواية المسؤولين الأتراك، الذين يقولون إن لديهم تسجيلاً صوتياً يثبت مقتل الصحافي جمال خاشقجي من قبل عملاء سعوديين، وتقطيعهم أوصال جثمانه داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. وقالوا إنه في حين لا يوجد دليلٌ واضحٌ حتى الآن على إصدار محمد بن سلمان شخصياً الأمر بالقتل، فإنه ليس هناك مبررٌ لتصديق أنه لم يكن يعلم بحضور الفريق السعودي وبعمليته المخطط لها في إسطنبول.
وحتى لو لم يتبنَّ الرئيس تلك الرؤية، فإن علاقة البيت الأبيض ربما تتغيَّر تماماً بمقتل خاشقجي. يقول جولياني: «أعلم أن أيام ازدهار وليّ العهد قد ولَّت».