تدشن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان، مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية “العلنية”، بين البلدين، اللذين لا يقيمان علاقات دبلوماسية رسمية.
وعاد نتنياهو مساء الجمعة، من زيارة رسمية نادرة، لم يعلن عنها مسبقًا، قام بها إلى سلطنة عُمان، والتقى خلالها بالسلطان قابوس بن سعيد.
وجاءت زيارة نتنياهو بعد يومين من زيارة مماثلة قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لمسقط، حيث وصلها الأحد الماضي، وغادرها الثلاثاء، والتقى خلالها أيضا بالسلطان قابوس.
ونشر مكتب نتنياهو صورًا تُظهر رئيس الوزراء يستقبله السلطان قابوس، وأخرى أثناء إشارتهما إلى خريطة.
كما أذاع التلفاز الرسمي العُماني، مشاهد للقاء، ولاستقبال السلطان قابوس، الذي قلما يظهر لوسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، للوفد الإسرائيلي.
وبدأت العلاقات الإسرائيلية العُمانية، عام 1994، إثر توصل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لاتفاق أوسلو للسلام، وتطورت عام 1996، لكنها توقفت عام 2001 إبّان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، نظرا للقمع الدموي الذي واجهت به إسرائيل المظاهرات السلمية الفلسطينية.
وحسب كتاب “ملفات ساخنة-دول الخليج بعيون إسرائيلية”، الصادر عن مؤسسة “دار الجليل للنشر” (مقرها الأردن) فقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل، اسحق رابين في 26 ديسمبر/كانون أول 1994، بزيارة، هي الأولى من نوعها لسلطنة عمان، أجرى خلالها محادثات مع السلطان قابوس.
ويشير الكتاب إلى أن العام 1995 شهد تكرارا للقاءات بين وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية آنذاك قيس بن عبدالمنعم الزواوي، وبين مسؤولين إسرائيليين، فقد التقى شمعون بيرس، عندما كان يشغل وزير الخارجية، في مدينة العقبة الأردنية في شهر فبراير/شباط 1995، وفي مايو/أيار من نفس العام في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وقال الزواوي في مؤتمر صحفي عقده في القاهرة في أواخر ديسمبر/كانون أول 1995:” لا توجد شروط لإقامة علاقات مع إسرائيل”، بحسب الكتاب.
وبلغ التقارب الإسرائيلي العُماني، ذروته، بالإعلان في أواخر يناير/كانون ثاني 1996، عن اتفاق لإنشاء مكاتب لتبادل التمثيل التجاري.
ولحق ذلك، زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل شمعون بيرس (شيمون بيريز) إلى عُمان في الأول من إبريل/نيسان 1996، حيث اتفق مع القادة العمانيين على “تنمية التعاون الثنائي وخاصة في المجالات الاقتصادية والفنية”.
وفي ذلك العام، قالت مصادر إسرائيلية إن عُمان أعلنت عن إزالة “جميع القيود المفروضة على التعامل التجاري مع إسرائيل خلال المحادثات السابقة التي جرت على مستوى الخبراء ورجال الأعمال بين البلدين”.
لكن الكتاب يشير إلى أن العلاقات بين البلدين، شهدت في الأعوام التالية، فتورًا كبيرًا، وذلك في أعقاب رفض عُمان مشاركة اسرائيل في معرض مسقط الدولي للكتاب في عام 1997، عندما قدمت بطلب للمشاركة.
كما أن السلطنة رفضت كذلك في نفس العام مشاركة اسرائيل في مؤتمر المياه الثالث، الذي أقيم في مسقط.
وعلق فهد بن محمود آل سعيد، نائب الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، الذي افتتح معرض مسقط الدولي للكتاب على ذلك الموقف، لوسائل الإعلام العمانية، قائلاً:” إننا نعرف أن قضية الشرق الأوسط تجتاز مرحلة صعبة الآن وقد لا يكون من المناسب في معرض تشارك فيه كل الدول العربية وكل الدول المعنية بالأمر أن تكون هناك بعض الحساسيات التي لا داعي لها في هذه المرحلة”.
وجُمّدت العلاقات رسميًا بين إسرائيل وعُمان، وتم إغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي في مسقط، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية نهاية سبتمبر/أيلول من عام 2000، وذلك بحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وكان إغلاق المكتب، استجابة للمطالب العربية التي دعت إلى وقف التطبيع مع إسرائيل، على إثر المجازر التي ارتكبتها بحق المتظاهرين السلميين، إبان الانتفاضة، والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء.
**دور أمريكي
وحول زيارة نتنياهو لمسقط اليوم، يقول مراسل صحيفة “يديعوت أحرنوت” للشؤون الأمنية، رون بن يشاي، إن زيارة نتنياهو إلى عُمان قد تكون بتدبير أمريكي.
وأضاف:” من الممكن أن يستخدم الأمريكيون عُمان كوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتعزيز صفقة القرن”.
وأشارت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إلى أن من غير المعروف، فيما إذا كان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على علم بأن نتنياهو سيزور مسقط بعد أيام فقط من زيارته لها التي اختتمها الثلاثاء الماضي.
ودأب نتنياهو، خلال الشهور الماضية على المباهاة بتنامي علاقات بلاده مع دول عربية، دون أن يسمها، متحدثا عن “عملية تدريجية للتطبيع في العلاقات مع الرئيسية”.
وكان آخر هذه التصريحات، أمس الخميس، حيث نقلت عنه هيئة البث الرسمية قوله إن علاقات إسرائيل بعدد من الدول العربية “آخذة في التنامي”.
وأضافت:” هذه العلاقات مبنية على التصدي لتهديدات مشتركة، وعلى قدرة إسرائيل على تزويد شعوب عربية بالمياه وبخدمات الطب والاتصالات”.
وعادة لا تصدر تصريحات رسمية من الدول العربية، ردا على تصريحاته.
وسبق لنتنياهو أن قال الشهر الماضي، إن الاتفاق النووي مع إيران “كان اتفاقا سيئا من جميع النواحي، باستثناء أنه جعلنا أقرب من العالم العربي على نحو لم يحدث من قبل”.
**عودة للعلنية
ويعتقد جمال عمرو، الخبير بالشؤون الإسرائيلية، أن زيارة نتنياهو إلى مسقط اليوم، هي بداية للانتقال من “المرحلة السرية في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، إلى العلنية”.
ويقول عمرو لوكالة الأناضول:” العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية، بما فيها عُمان، لم تنقطع مع إسرائيل، رغم أن ذلك لم يكن بشكل علني”.
ويضيف عمرو:” العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل منذ ما بعد اتفاقية أوسلو (للسلام بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993)، لم تتوقف تقريبًا، هي شكلاً تجمدت بعد انطلاق الانتفاضة الثانية، لكنها مضمونًا، ظلت العلاقات قائمة”.
ويرى أن زيارة نتنياهو لمسقط، ليست بداية مرحلة جديدة، بقدر ما هي العودة إلى العلنية في العلاقات كما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ويشير عمرو إلى أنّ إدارة ترامب تسعى بشكل كبير إلى “تقوية العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وقد نجحت بذلك”.
ويقول:” زيارة نتنياهو، تأتي ضمن الجهود الأمريكية والعربية، لتسليم الحكم في قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، وإقامة حكم ذاتي لا يرتقي إلى دولة على الأراضي الفلسطينية”.