ان تنتقل من عاصمة دولة الى عاصمة دولة اخرى بمختلف وسائل المواصلات في اقل من ساعة، مهما كان نوع تلك الوسيلة التي تستخدمها سواء طائرة او سيارة، سفينة او حتى قطاراً، خاصة ان الاختلاف بين العاصمتين مختلف جدا على الرغم من المسافة القريبة التي تربطهما ببعضهما بعضا.
رسميا فان المسافة بين العاصمة النمساوية فيينا، والعاصمة السلوفاكية براتسلافا لا تزيد عن 60 كيلومترا. مسافة قصيرة يمكن اجتيازها بمختلف وسائل النقل بأرخص الاسعار، اذ لا يزيد ثمن تذكرة القطار ذهابا وايابا عن 14 يورو للبالغين ونصفها للاطفال. أما سعر تذكرة السفينة في رحلة قمة في الروعة فيصل الى 29 يورو. وفي حالة الانتباه لعمل حجز الكتروني مبكر * وحظ سعيد * يمكن ان يتقلص السعر جوا لمبلغ 10 يورو. وبما ان براتسلافا اضحت اخيرا قبلة لخطوط الطيران الاوروبي الرخيص بحكم موقعها في وسط اوروبا، فان العديد من شركات الطيران تنظم اكثر من رحلة يوميا الى براتسلافا بأقل تكلفة.
براتسلافا مدينة لا يزيد عدد سكانها عن 450 الف نسمة. وفي بعض المراجع يقل عددهم عن ذلك كثيرا. قلة السكان هذه حقيقة يلحظها الزائر حتى في أكثر المناطق ازدحاما كقلب المدينة والاسواق. واحيانا تبدو المدينة في ساعات الصباح الباكر شبه خالية مما يكسبها رونقا هادئا، خاصة لمن يقصدها للراحة والاستجمام اثناء رحلة يقضيها اساسا في عاصمة اخرى كفيينا او براغ حيث يرحل صباحا ليعود مساء.
ويمكن الاستمتاع بأهم معالم المدينة مهما كانت فترة الزيارة قصيرة، ويمكن المشي لرؤية المعالم السياحية المهمة بالاضافة للتبضع والتسوق خاصة لشراء منتجات الكريستال التي ارتفع ثمنها في السنوات الاخيرة، الا انها لا تزال ارخص كثيرا مما توفره اسواق فيينا مثلا. لذلك ارتبطت براتسلافا في اذهان كثير من الدبلوماسيين الذين يقطنون العاصمة النمساوية، بأنها مدينة الكريستال الرخيص. ودون احساس باي حرج سياحي او ثقافي فان دبلوماسيين يعيشون في فيينا لسنوات يظلون يزورون براتسلاف بانتظام «فقط» من اجل شراء الكريستال واطباق البورسولين الصيني البوهيمي والمنتجات الخشبية، بغض النظر عن كونها مدينة اثرية أو عاصمة لها طابعها وحضارتها.
تعتبر براتسلافا عاصمة امبراطورية الهابسبرغ طيلة القرنين العاشر والحادي عشر 1536 الى 1783. ويفتخر سكانها ان الامبراطورة ماريا تريزا تم تنصيبها عام 1741 في كاتدرائية القديس مارتن في قلب براتسلافا القديم هذا بالاضافة لتنصيب 10 اباطرة آخرين بذات الكنيسة في الفترة ما بين 1563 الى 1830. الجدير بالذكر ان هذه الكنيسة تضم مومياء لتاجر اسمه جون يلقب بالكريم اشتهر بانه رجل بر وكرم. ولد بقبرص وكان قد قرر بعد وفاة عدد من اقربائه ان يصرف كل ثروته على المحتاجين. فرحل الى الاسكندرية، حيث تقول الرواية التاريخية انه وزع اكثر من 10 ملايين قطعة ذهبية. فما كان من حاكم المدينة الا ان قرر تخليده بتحنيطه على الطريقة الفرعونية تكريما لما قدمه من اعانات، ثم وفي بادرة صداقة من الامبراطور العثماني تم اهداء جثمانه للامبراطور الروماني ماتياس كورفينوس الذي قرر ان يحفظ في هذه الكنيسة التي بدأ بناؤها عام 1221 على النسق الروماني، لكنها تعرضت في القرن الثالث عشر لتدمير كبير فأعيد تعميرها. وتتلمس فيها آثار المعمار الباروكي مع لمسات من الغوتك. لذلك فان الزائر يشعر أنها تشبه كنيسة القديس استيفان بفيينا كما انها تشبه كنائس بريطانيا. هذا ويزينها صليب خشبي تلقته هدية من بابا الفاتيكان الاسبق جون بول اثناء زيارة قام بها عام 1988 لحدود براتسلافا مطلا عليها من فيينا، اذ منعته السلطات الملحدة حينها من زيارة براتسلافا. وما هي الا سنوات حتى انهار النظام الشيوعي. واصبح السكان احرارا في ممارسة عقائدهم الدينية. ظلت براتسلافا حتى نهاية الحرب العالمية الاولى جزءا من الامبراطورية النمساوية الهنغارية. ثم اندمجت مع بوهميا ومورفيا فتكونت دولة تشيكوسلوفاكيا التي احتلتها جيوش النظام النازي الى ان حررتها القوات الروسية لتتحول طيلة فترة الحرب الباردة الى دولة شيوعية حتى تفككت دويلات المعسكر الشرقي لتستقل جمهورية سلوفاكيا. وتصبح براتسلافا عاصمة لها منذ 1993. وهي الآن دولة من دول الاتحاد الاوروبي الـ 27، الا انها لم تستخدم اليورو كعملة رسمية بعد. كما انها تابعة لدول الشنغن الأوروبية الـ 24.
موقع براتسلافا الجغرافي وسط اوروبا بالاضافة لثرائها تاريخيا وما شهدته من تغييرات سياسية اكسب المدينة طابعا مميزا، فهي تتحدث اكثر من لغة، سلوفاكي وتشيكي وروسي والماني بالاضافة الى الانجليزية خاصة بعد انفتاحها على العالم وسعيها للانتقال لمصاف المدن الكبرى، لذلك فانهم يحاولون الاستفادة القصوى من كل ثرواتها، اولا بتوفير فرص عمل لشبابها حتى لا يغادرها فتتحول لمدينة عجزة ومسنين. ولجذب المزيد من السياح ورجال الاعمال لبث روح الحياة في المدينة التي لا تزال تحس فيها ببقايا النظام الشيوعي، رغم الحماس للانفتاح والاقتصاد الحر. وفي حديث لـ «الشرق الأوسط» مع بعض المسوؤلين بدا الاهتمام واضحا لجذب رأس المال العربي للاستثمار في المدينة. مذكرين بروابط تاريخية تعود لمذكرات تركها تجار عرب ممن وصلوا هذه المنطقة في القرنين الثامن والتاسع تعتبر مراجع قيمة تحفظ ضمن مخطوطات اكبر مكتبة بالجامعة. اضف الى ذلك ما خلفته الامبراطورية العثمانية من آثار أهمها كثافة شرب القهوة وصناعة الحلويات. والاهتمام بارتداء حذاء خاص داخل المنازل حتى تظل نظيفة، يطلقون عليه اسم بابوشكا، وهو حذاء ناعم له مقدمة مرفوعة يشبه «المراكيب».
توفر براتسلافا مجالات ثرة للسياحة في مقدمتها مطاعم تتنافس على طهو انواع طعام شهي تمتزج فيه مذاقات كل تلك الحضارات والاجناس التي عرفتها المدينة. فيما يوفر قلب المدينة متعة للتسوق والثقافة والرياضة في راحة بخلوه من السيارات. بجانب ما يزخر به من مقاه تميزها صيفا شرفات خارجية يطيب فيها الجلوس ما بين زيارة لمعلم وآخر، خاصة وان اهم المزارات السياحية لا تبعد كثيرا من قصر لآخر ومتحف لمتحف وكذلك دور الاوبرا والباليه والمسارح، والفرق الشعبية التي تتجول عارضة لكثير من الاغاني والرقصات. فيما يبعد عن المركز نصب سلافين الذي يطل على المدينة من اعلى الجبل. وهو نصب تذكاري شيد عام 1960 بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لتحرير الجنود السوفيات للمدينة. تخليدا لمن مات منهم . هذا الموقع رغم ارتباطه بذكرى موت وحروب الا انه يوفر بانوراما لا مثيل لها تمد المرء بساعات مسائية رومانسية يراقب فيها المدينة أسفل الجبل لينتقل بعدها لتناول طعام عشاء في مطعم حديث تم تشييده على طريقة المطاعم الطائرة فوق جسر فوق نهر الدانوب.