عادات كثيرة يحتفظ بها سكان جبال الألب في القري الجبلية الواقعة في المنطقة الحدودية بين إقليم بافاريا الألماني وسالزبورج النمساوي، القرى عديدة، والعادات متنوعة، وهي تشكل عامل جذب مهم للسياحة الداخلية والخارجية .
في قرية التنماركت ” Altenmarkt-Zauchensee ” التي تبعد عن مدينة سالزبورج في النمسا بحوالي ساعة بالسيارة، تجري فيها سنويا احتفالا بعيد الحصاد، إنه أحد الأعياد القديمة التي مازال الأهالي يحتفلون بها سنويا منذ قرون عديدة، ويقومون باستعراضات فلكلورية ودينية وشعبية في هذا العيد.. مازال أهمها هو استعراض السوط أو” الكرباج” ، وفيه يقوم مجموعة من الخيالة أو بعض الشباب المدرب جيدا بالاستعراض بحركات التلويح بالسوط من علي ظهر الخيول، ويقدمون ذلك العرض في احتفالاتهم واعيادهم كعيد الحصاد، وعيد الشكر، والمناسبات الدينية، وحفلات الزواج.
ليس ثمة صعوبة في الوصول من سالزبورج إلى القرية، انهم يوفرون سيارات تاكسي لاستقبال الزوار من محطة القطارات، أو المطار في سالزبورج، والرحلة تستغرق ساعة واحدة بالسيارة ، الطرق عادة ممهدة وجميلة ولكن أحيانا تكون مزدحمة !
زوار القرية الذين وفدوا لمشاهدة المهرجان، واستعراض الأسواط ، ينتظرهم برنامج جيد للتعرف علي عادات القرية القديمة . في البداية تصحبنا في المساء ٍ“Susanne Böllert“ ومديرة المكتب السياحي في القرية Klaudia Zortea للتعرف علي أكلات القرية الشعبية التي ترجع إلى قرون عديدة ماضية، والتي تعتمد بشكل كبير علي أعشاب جبال الألب التي لها فوائد جمة للصحة ، خمس محطات نزورها لخمس من المطاعم والأماكن التاريخية القديمة التي يرجع بعضها إلى 450 عام مضت، وفي كل مطعم نتناول وجبة تنتهي في المحطة الأخيرة التي نتناول فيها قطع من الحلوي المميزة، والاستمتاع بعزف مقطوعات موسيقية من الفلكلور القديم ،ولا يفوت الزائر زيارة متحف القرية الذي يعرض فيه أدوات الطبخ القديمة، وكثير من المعروضات التي ترجع للحياة البدائية في القرية.
قيل يوم من الاستعراض كانت فرقة الاستعراض بالسوط تجري استعداداتها الأخيرة في مزرعة للخيول ، ويقول فرانس فالش هوفر” franz walchhofer ” وهو رئيس رابطة الاستعراض بالسوط التي تضم في عضويتها 35 شخص ، وتأسست عام 1974 إن الاستعراض بالسوط هو تقليد قديم موجود في جنوب ألمانيا والنمسا ، ونحن نحافظ علي هذا التراث لأننا نعتبره بمثابة الحفاظ علي هويتنا الثقافية وعادتنا القديمة.
يحافظ أعضاء الرابطة علي توريث الهواية إلى أبنائهم ، ولا يجد رئيس الرابطة صعوبة في انضمام الشباب، والأجيال الجديدة، إلى الرابطة لتستمر عادات سكان الألب
صانع الأسواط في القرية Erwin Oberlechner يقول إن صناعة السوط تستمر عدة ساعات، وهو عبارة عن ضفائر تلتف حول بعضها، وأهم جزء فيها هو الجزء الأخير الذي يحدث الفرقعة الشديدة ، عندما يدور السوط في الهواء… وهو طبعا صناعة يدوية بحته، وله عدة أطوال مختلفة يصل أطولها إلى 4 أمتار، ويصدر فرقعات عالية الصوت جدا وتبلغ سرعة حركته في الهواء عند التلويح به قرابة 1000كيلو متر في الساعة، وهو يكسر حاجز لصوت لذلك يصبح صوته عالي جدا.
فكرة الفرقعة تأتى من حركة السوط الدائرية، والتي فجأة يتم تغيرها للجهة المعاكسة عندها تحدث الفرقعة الشديدة التي تشبه صوت إطلاق الرصاص، حركة السوط في الهواء ليست سهلة وتحتاج تدريب لذلك يقود المجموعة الرجل الأقدم والأكثر تمكنا والأقوى، لأن التعب يحل سريعا بالأفراد، لذلك فهو يستطيع قيادتهم دون حدوث أخطاء، فهو يعرف بدقة متي يتوقف ومتي يستمر.
ذلك الصوت العالي الذي يحدثه الكرباج أو السوط معروف أيضا في البلاد التي كانت تستخدم الحنطور في التنقلات الداخلية، وكان السائقون يحدثون تلك الفرقعة لإخافة الحصان، إن الصوت يقطع الهدوء هنا ويصم الأذان انه طلقات رصاص !!
في اليوم الذي يسبق الاحتفال يتجمع سكان القرية لعمل الزينات وتلميع أسراج الأحصنة، ويوم الاحتفال صباحا يرتدون الأزياء التقليدية الجميلة، فيرتدي الرجال صديري احمر تحته قميص ابيض وسروال من الجلد ، ويسيرون صفا واحدا كل فارس علي حصانه المزين بالورود وبحلات براقة زاهية وبين الحين والحين يلوحون بالأسواط ويحدثون فرقعات متناغمة بين أفراد الفريق.
تاريخ التقليد قديم جدا وهو معروف في سفوح جبال الألب من عدة قرون، ففي القرون الغابرة كانت أجواء الألب تغرق في الظلام مبكرا في فصل الشتاء الطويل، فظهرت تلك العادة عندما راح الأهالي يتجولون في الأماكن المهجورة وهم يحدثون فرقعات شديدة بالسوط لبث الطمأنينة في قلوب الناس في تلك القرى الغارقة في الظلام، ومن اجل طرد الأشباح والأرواح الشريرة التي كانوا يعتقدون انها تسكن المكان في الشتاء لذلك، فان جلبة الأسواط تجعلهم يهربون ويفرون، من جهة أخرى أيضا هناك من يعتقد أن فرقعات السوط توقظ ألهه الخصوبة فتتحرك البذور في التربة وتنمو النباتات، وفي القرون الوسطى عندما داهم الطاعون أوروبا كانوا يستخدمون تلك الطريقة للتواصل بينهم .
من المعروف أن هذا الاستعراض بالسوط أدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، ولإحياء هذا التراث تجري مسابقات سنوية بين روابط الاستعراض بالسوط ، يشترك فيها 1700 شخص من أشهر المناطق المعروفة بهذا الفن بين بافاريا وسالزبورج يتم فيها اختيار الرابطة الأفضل.
في البلاد العربية يستخدم السوط أيضا في عادات تلك البلاد، وأشهر صانعي الأسواط ربما هم الموجودون في السودان، فالكرباج السوداني له شهرة كبيرة وهو يستخدم في العقاب البدني، والعقاب الشرعي في مراكز الشرطة وعند المسؤليين! ، وهو يستخدم في الريف في قيادة الخيول والإبل والماشية من ماعز وخراف حيث يلازم الرعاة دائما، ويقومون بإحداث فرقعة في الهواء تحدث صوتا قويا يخيف الحيوانات.
إحدى العادات التي يستخدم فيه السودانيون السوط في الأفراح ، هي ما يقوم به قبائل في مناطق الشمال عندما يقومون بجلد المشاركين في حفلات الأعراس والزواج، حيث يقوم العريس بجلد الشاب بين 3 إلى 5 جلدات علي ظهره العاري ، وهي تعبير عن عن الفروسية والصبر والشجاعة .
قرية Altenmarkt-Zauchensee لاتقف فيها السياحة عند مشاهدة الاستعراض بالسوط، فهي من أكثر الأماكن جذبا للسياحة في محيط سالزبورج، ويذهب إليها الكثير من العائلات لأنها مكان مناسب لسياحة العائلات، فالحقول واسعة، والأنهار متدفقة، والجبال المهيبة تحيط بالقرية من كل جانب إضافة إلى أن السكون والهدوء يميزان أجواء القرية .
من أجمل الأماكن السياحية أيضا في القرية هو طريق القمر الذي يلتف حول بحيرة ساوخ زي، ويصل طول الطريق الدائري إلى حوالي 5 كيلو مترات ،وهو على ارتفاع 2220 متر فوق سطح البحر، وفيه يمكن عمل تمارين القمر المفيدة للصحة عبر محطات على الطريق تصل إلى 20 محطة على هذا الطريق الملتف حول البحيرة، وسيكتشف الزائر هناك العلاقة بين القمر والعلم.
شاهد أيضاً
“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء
تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …