ربما تكون إحدى أبرز الإشكاليات في النظم التي تعتمد على حاكم يملك كل السلطات فى الدولة هي أن توجيهاته دائماً ما يأخذها المحيطون به كأوامر لابد من تنفيذها بأي وسيلة.
هؤلاء لا أحد فيهم يفكر في شيء آخر إلا تنفيذ رغبات الرئيس بغض النظر عن أية نتائج مترتبة. هذا ما ظهر بوضوح في الأزمة الأخيرة بين رئيس مصلحة الضرائب المصرية ومحافظ البنك المركزي حول الكشف عن الحسابات المصرفية.
بدأت الأزمة حين صرح عماد سامي رئيس مصلحة الضرائب المصرية أن المصلحة تقدمت بمقترح لتعديل المادة رقم 99 من قانون الدخل، بما يسمح لوزير المالية بالكشف على الحسابات المصرفية للشركات والأفراد. وكان الهدف من هذه الخطوة هو الحد من التهرب الضريبي، على حد تعبيره. وذكر أن التعديل في انتظار موافقة مجلس النواب ثم تصديق رئيس الجمهورية.
البنك المركزي يرد بعنف والضرائب تتراجع
ما صرح به رئيس مصلحة الضرائب أثار أزمة كبيرة في القطاع المصرفي، مما دعا محافظ البنك المركزي طارق عامر للرد عليه، قائلاً إن البنك المركزي لن يوافق على تعديل القانون، وعلى رئيس مصلحة الضرائب أن «يتريث فيما يقول ويتكلم في حدود اختصاصاته».
لم يمض وقتٌ طويل حتى تراجعت وزارة المالية عن المقترح، وتم نفي الكلام مرتين، مرة على لسان رئيس مصلحة الضرائب نفسه، الذي قال إن ما نشر على لسانه في هذا الشأن تمت صياغته على خلاف المقصود من التصريح.
والمرة الثانية كانت على لسان الوزير شخصياً، الذي نفى تماماً أن يكون ذلك قد تم، وأنهم «يحترمون سرية الحسابات»، وذلك في مداخلة تليفونية مع أحد البرامج.
المالية تراجعت عن مشروع القانون بالفعل
أحد أعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان المصري، الذي اشترط إخفاء اسمه، تحدث لـ»عربي بوست» عن كواليس الأزمة، قائلاً إن وزارة المالية فعلاً تقدمت بهذا المقترح ثم تراجعت عنه وسحبته بعد الأزمة.
وأضاف أن ما فعله الوزير هو «تراجع عن المشروع وليس نفياً لوجوده». ويشرح النائب كواليس ما حدث قائلاً إن القصة بدأت في مطلع يوليو/تموز 2018، أثناء اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع المجموعة الوزارية الاقتصادية.
البداية من اجتماع السيسي
السيسي خلال الاجتماع وجه الحضور إلى نقطتين أساسيتين، الأولى هي تطوير شركات قطاع الأعمال وحصر أصولها، والتصرف في الشركات الخاسرة. أما النقطة الثانية فهي ضرورة زيادة إيرادات الضرائب ودمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
النقطه الثانية كانت هي السبب الرئيسي الذي من أجله فكرت وزارة المالية في مشروع القانون الجديد الهادف إلى الكشف على حساب المودعين، «ظناً منها أنها بذلك ستتعرف على الوضع المالي الحقيقي للمواطنين، وبذلك تنجح في توسيع قاعدة الممولين». هذا فضلاً عن سيطرتها على الاقتصاد الموازي (غير الرسمي)، ولذلك أعدت وزارة المالية هذا المقترح لتعديل القانون.
القانون كان سيتسبب في انهيار النظام الاقتصادي
وأوضح النائب أن خطورة هذا المقترح الذي يراه كارثياً، أنه رغم كونه معمولاً بالأساس للقضاء على الاقتصاد غير الرسمي، إلا أنه كان سيتسبب في انهيار المصارف المصرية، لأنه بربطك الحساب البنكي والضرائب المفروضة معاً، فأنت تدفع المودعين دفعاً لوضع أموالهم «تحت البلاطة» أو لدى شركات غير رسمية لتوظيف الأموال، على حد تعبيره.
وأضاف أن هذا يعني تدمير البنوك وتعرضها لخطر هجمة سحب الودائع منها، «هذا انتحار رسمي غير موجود في أي مكان في العالم، سرية الحسابات هي قدس الأقداس في أي بنك، ومراقبة الحسابات تكون بهدف محاربة غسيل الأموال والتجارة المشبوهة، وليس اخطار الضرائب»، على حد وصفه.
السيسي لم يطلب هذا
وقبل أن ينهي النائب البرلماني حواره، ذكر أن الرئيس المصري لم يطلب ذلك على الإطلاق، «الرئيس رجل عاقل، هو طلب زيادة قاعدة الممولين في الضرائب، وليس خراب البنوك».
وقال إنه حينما اعترض محافظ البنك المركزي، اتصلت الرئاسة بالمالية مبدية اعتراضها على المشروع، وهو ما دفع كلاً من رئيس مصلحة الضرائب ووزير المالية للظهور فوراً في وسائل الإعلام والتراجع عن المشروع برمته ونفيه.