في مساعٍ مشتركة لمحاربة العداء للسامية، ينظم المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا بالتعاون مع اتحاد اليهود التقدميين رحلة تعريفية تجمع مسلمين ويهود لمعسكر الإبادة النازي أوشفيتس. بيد أن هذه المبادرة وجدت من ينتقدها أيضا.
يشارك لاجئون مسلمون من العراق وسوريا عددا من الشباب اليهود من اتحاد اليهود التقدميين، (منظمة ليبرالية يهودية أنشئت عام 1997 ولها فروع في ألمانيا وسويسرا والنمسا)، في زيارة مشتركة إلى معسكر الاعتقال النازي أوشفيتس من (السادس وحتى العاشر من أغسطس 2018 )، حسب بيان صدر عن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، كما أنه الجهة التي تتولى تنظيم مشاركة المسلمين في الرحلة.
وتأتي هذه المبادرة في وقت تسجل فيه حالات العداء للسامية تصاعدا ملفتا للنظر. ورغم أنّ هذا النوع من الجرائم ليس جديداً في ألمانيا، إذ دأب اليمين المتطرف والنازيون الجدد على ارتكابها، إلا أنّ وسائل الإعلام باتت تتحدث عن بعض مظاهر عداء للسامية أخذت تظهر أيضا لدى عدد من المسلمين، خصوصا بين طالبي اللجوء. وآخر هذه المظاهر هو الاعتداء الذي تعرض له البروفسور يتسجاك يوخانان ميلاميد، الإسرائيلي المتحدر من أصول أمريكية والأستاذ في جامعة بالتيمور الأمريكية من قبل شاب ألماني من أصل فلسطيني في شهر تموز / يوليو الجاري بمدينة بون الألمانية.
اليمين المتطرف الألماني يستهدف اليهود غالباً
اعتداء برسم الصليب المعقوف على شواهد قبور يهودية (صورة من ارشيف عام 2012)
وشهدت جرائم العداء للسامية في ألمانيا تصاعدا عام 2017 ليصل عددها إلى 1504 جريمة. وارتكب اليمين الألماني المتطرف نحو أربعة وتسعين بالمائة من هذه الجرائم، وهي النسبة الأعلى كما كشف وزير الداخلية الألمانية هورست زيهوفر. وتحدث زيهوفر عن تصاعد جرائم العداء للسامية” المستوردة” على حد وصفه، مؤكدا في نفس الوقت أنها مازالت تحدث حالياً في مستوى متدن، وداعياً إلى مكافحة أي شكل من أشكال العداء للسامية
وفي معرض التقييم للمبادرة اليهودية الإسلامية المشتركة، تحدثت السيدة إيريت ميشيلزون السكرتير العام لاتحاد اليهود التقدميين في ألمانيا إلى DW عربية عن الهدف من تنظيم رحلة كهذه قائلة: “الهدف هو أن يكون بوسعنا جلب اليهود والمسلمين، كبارا وصغارا معاً إلى أوشفيتس لنتيح لهم التعرف هناك على التاريخ النازي وعلى جزء من تاريخ ألمانيا. ويتعلق هذا على وجه الخصوص بلاجئين شبان مسلمين قدموا من بلدان لا تعرف هذا التاريخ، وبالتالي سنتيح لهم التعرف عن كثب على هذا الجزء من التاريخ، بما يؤهلهم لشيء من الاندماج بألمانيا، وربما نتمكن من خلال الزيارة من التغلب على شكل من أشكال العداء للسامية”.
“تعرّف اللاجئين على تاريخ ألمانيا النازي جزء من اندماجهم”
هذه الفعالية بنوع خاص قد تكون سابقة لا مثيل لها، وربما يحوم طموح القائمين عليها في أنها يمكن أن تقلل من زخم العداء المتصاعد للسامية في ألمانيا، وبهذا الخصوص قالت السيدة ميشيلزون “لا أعرف إن كانت الرحلة ستقلل من مشاعر العداء للسامية، لكنَ اللاجئين حين قرروا اتخاذ ألمانيا وطناً جديدا لهم، ساعين- ولابد أن يسعوا – إلى الاندماج في هذا البلد، فلا بد لهم أن يعرفوا جزءاً من تاريخ ألمانيا، وهو الجزء المتعلق بالنازية وبالحرب العالمية الثانية”.
يهود ومسلمون في تظاهرة (ميت تو ريسبكت) ببرلين في يونيو2018 ( دصورة من الارشيف)
وفي شهر أبريل من عام 2018، رافق أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، لاجئين سوريين، في زيارة لمعسكر الاعتقال النازي في بوخنفالد، في مسعى منه لاطلاع اللاجئين على شيء من تاريخ ألمانيا ولجعلهم أنفسهم يفكرون فيما جرى بهذا البلد. لكن مزيك قلل حينها من شأن الزيارة مشيرا بالقول إلى أن الأمر “لم يكن حدثاً بالمرة، وسيبقى أقل من أن يكون حدثا”، حسبما نقلت عنه صحيفة “فرانكفورتر ألغماينة تسايتونغ” في تقرير غطى صفحة كاملة من عددها الصادر يوم (الرابع من أبريل 2018 ). ومضت الصحيفة معتبرة أن تقليل مزيك من شأن الزيارة يعود إلى أنها ضمت مزيك ومساعده ثائر عيسى، واثنين من اللاجئين السوريين فقط، وهو ما دفعه إلى قول ذلك.
وفي سياق متصل، حاولت DW عربية عبثاً الاتصال بأي مصدر من المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا للوقوف على رأيه في هذه المبادرة والأسباب التي دفعته إلى تنظيمها وحول تقييمه لانتشار معاداة السامية بين المسلمين، لكنها لم تنجح.
انتقادات للمجلس الأعلى للمسلمين
بيد أن مبادرة المجلس الأعلى للمسلمين هذه لقيت من ينتقدها أيضا، إذ يرى اللأجئ حامد عبد الصمد في تصريح لـ DW عربية أنّ المشروع، الذي تبناه المجلس، ليس أكثر من “أمور شكلية”. ويضيف عبد الصمد أن “المجلس الأعلى للمسلمين كان عنده أكثر من فرصة على مدى 20 عاماً لمحاربة العداء للسامية، لكنه ظل يتنصل ويتهرب من إعلان وجود علاقة بين المسلمين وبين التطرف والعداء للسامية”.