نعم، ليس من السهل دخول الدير الذي وجد فيه الأنبا أبيفانيوس مقتولاً مضرجاً بالدماء، لكن على ما يبدو كان من السهل أن تتسرب ورقة قرار عزل راهبين من داخل ذلك البناء المحصن بالأمن بكل شبر فيه للشبكات الاجتماعية، فيها على ما يبدو تفاصيل عن المشتبه فيه بقتل الأنبا.
باختصار، مضمون القرار الذي أحدث ضجةً كبيرة كان حول عزل كل من الراهبين يعقوب المقاري والراهب أشعياء المقاري، ولكن العزل الذي جاء بعد أيام من مقتل الأنبا أبيفانيوس شكَّك باحتمالية تورّطهما بمقتل أسقف ورئيس دير أبومقار (القديس مقاريوس) بوادي النطرون، الذي وجد داخل ديره في ساعة مبكرة من صباح الأحد 29 يوليو.
لم تمضِ ساعات على انتشار قرار العزل ذلك، حتى خرج المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية القس بولس حليم، موضحاً أن لجنة شؤون الرهبنة بالمجمع المقدس لم تصدر حتى الساعة أية قرارات تقضي بتجريد الراهبين من رتبهما الكهنوتية.
صورة القرار
لم يكن تصريح المتحدث الرسمي واضحاً بدرجة كافية، فهو لم ينفِ الواقعة بوضوح، ولكن الحقيقة أن القرار بالفعل صدر، وهذا ما أكده أحد القساوسة من داخل الدير
يقول المصدر: «القرار صدر، لكن لم يكن مقرّراً أن يُنشر، وتم تسريبه للصحافة دون علم المجمع، ورغماً عنه، وهو ما تسبَّب في إحراج كبير دفعهم لإصدار تصريح المتحدث الرسمي، في محاولة للتغطية على الموقف».
لماذا تمَّت إقالتهما، وما علاقتهما بمقتل الأنبا أبيفانيوس؟
على الرغم أن لكل منهما قضية تختلف عن الآخر، لكن نعم، على ما يبدو أن أحدهما متورّط بمقتل الأنبا أبيفانيوس، يقول المصدر وهو يلتقط أنفاسه، ويقولها بصوت مضطرب: «الحديث المنتشر داخل أروقة الدير أن أشعياء المقاري هوالمشتبه فيه بقتل الأنبا، وأن قرار تجريده من الرهبنة هو خطوة أولى لتقديمه للمحاكمة».
أما فيما يتعلق بتجريد القس يعقوب المقاري من الرهبنة، فقد جاء ذلك القرار «على خلفية تورطه في مخالفات مالية، خاصة بجمع تبرعات لإنشاء دير ومعظمه».
مَن وراء تسريب هذا القرار؟
لم تكن الكنيسة وراء تسريب القرار بحسب كلام القس، لأن توجيه أصابع الاتهام لأشعياء بأنه المشتبه فيه بقتل الأنبا بل القاتل «كما يشيع الآن» سيفتح أبواباً لا أحد يعلم كيف سيغلق، وستؤكد فكرة الصراع الكنسي، وفي حال قررت أن تلصق التهمة بقاتل مأجور حينها ستصطدم مع الأمن «ويتهم بالتقصير». لذلك فالقس «يجزم أن الأمن وراء تسريب القرار، كي يغسل يده من هذه الجريمة» بحسب كلامه.
حادثة قتل واضحة
«عربي بوست» تواصلت مع أحد رهبان دير «أبومقار» في محاولة لفهم ما حدث، وسر تلك الأزمة القائمة. لم يكن دخول الدير سهلاً أو ممكناً في تلك اللحظة، حيث الأمن يحيط بكل شبر به؛ لذا فقد فضَّل الراهب القبطي أن نجري حوارنا معه عبر الهاتف، شريطة ألا نذكر اسمه.
«الأنبا أبيفانيوس اتقتل يا فندم بدم بارد»، هكذا بدأ الراهب حديثه واصفاً تفاصيل المشهد. وأضاف: «لم أكن في نطاق مسرح الجريمة حين تم اكتشافها، كنت في الجانب الآخر من الدير، لكن أصوات الصراخ لفتت أنظار الجميع، ذهبت عدْواً صوب مصدر الصوت لأجد الأنبا أبيفانيوس ملقى على الأرض قرب بلوك 5، حيث محل إقامته وهو غارق في دمائه».
موضحاً أنه «لا أحد يعلم أنه يقطن البلوك الخامس، ولا يعلم أحد أنه يسير لمسافة 100 متر مرتجلاً وحده صوب الكنيسة إلا شخص من الدير، شخص مألوف، ووجوده لا يثير أي شبهات، فالقاتل إما عامل أو راهب من الكنيسة».
انقسام داخل الكنيسة هو السبب وراء حادثة القتل
الراهب القبطي يجزم بكل ثقة أن ما حدث للأنبا أبيفانيوس هو «اغتيال بأيدٍ قبطية، وليست عملية إرهابية».
واستطرد شارحاً: «هناك انقسام عنيف جداً داخل الكنيسة، بين مَن يُطلَق عليهم الحرس القديم (رجال البابا السابق شنودة)، وبين التيار المجدد (تلامذة الأب متّى المسكين)، «نتحدث هنا عن صراع حقيقي، لا أستبعد أن يفضي إلى ارتكاب جريمة»، على حد تعبيره. يلخص الراهب لنا أسباب الصراع قائلاً إن الحرس القديم يمكن وصفهم بالمحافظين أو الراديكاليين، ومواقفهم «أكثر تزمتاً وتشدداً» حيال كثير من القضايا الدينية والسياسية إلى حدٍّ بعيد، خصوصاً ملف المصالحة والتقارب مع الكنائس الأخرى. وتابع: «أما الفريق الآخر فهم مع المصالحات والتقارب».
وأوضح أن البابا تواضروس هو من رجال متّى المسكين، وقد تحرَّك الرجل فعلاً صوب الاعتراف بالكنائس الأخرى، وذلك في اللقاء التاريخي الذي جمعه ببابا الفاتيكان بالقاهرة، «الرجل كان يسعى لوقف تاريخ طويل من التكفير بين الكنائس المختلفة والمصالحة التامة، وهو ما لم يعجب رجال الحرس القديم الذين يرون ذلك هرطقة (كُفر)». وقد شنّت معركة شرسة عليه حينها دفعته للتراجع قليلاً، وإن كان لم يتوقف نهائياً.