اللاجئون في ألمانيا – من “ثقافة الترحيب” إلى “سياسة الترحيل”
في موازاة تشدد الخطاب السياسي تجاه اللجوء، يشهد الخطاب الإعلامي الألماني عموما بروز صورة سلبية عن اللاجئين. “بروبغندا” ضدهم يصفها البعض، فيما يرد آخرون بأنها تعكس “حقيقة” الوافد الجديد وبأنها من “تبعات” سياسة ميركل.
“هكذا يتحول اللاجئون إلى مجرمين” أو “كل شخص من عشرة يحصل على المساعدة الاجتماعية، هو سوري”، أو “بعد 1300 حصة – أربعة من خمسة لاجئين يرسبون في فحص اللغة (الألمانية)”، كلها أمثلة عن عناوين عريضة كثيرة اعتمدتها مؤسسة “بيلد” الإعلامية أثناء تغطيتها لملف اللاجئين. وهي التيمة التي تحولت لدى “بيلد” ولدى بعض وسائل الإعلام الأخرى إلى موضوع رئيسي بامتياز.
ولا يخفى على أحد أن العناوين المذكورة لها حمولة سلبية واضحة. فإذا أخذنا مثلا العنوان حول حصص اللغة الـ1300 المنشور بتقرير صادر في السابع من شهر يناير لهذا العام، فقد نفهم أن 80 بالمائة من لاجئي ألمانيا يخفقون في اجتياز هذا الفحص. لكن عند قراءة المقال، الذي يستند في مضمونه على أرقام رسمية صادرة عن مكتب الهجرة واللاجئين، فسوف نكتشف أن النسبة المذكورة تخص فئة الأميين من بين اللاجئين فقط، أي من لا يعرف القراءة والكتابة، وهي أصلا نسبة تدنو من الـ 20 في المائة من بين مجموع العدد العام.
بتر المعلومة من السياق
ومع ذلك صيغ العنوان وكأن الأمر يتعلق بمجموع اللاجئين، الأمر الذي يضعنا أمام أكثر من علامة استفهام. وعند مواجهة رئيس تحرير مجموعة “بيلد” الإعلامية، يوليان رايشلت، اعتبر الأخير أن عنوان المقال “ليس دقيقا” ولكنه ليس “خاطئا على الإطلاق”، وفق ما جاء في موقع “بيلد بلوغ” المتخصص في رصد ومراقبة “التجاوزات التحريرية” في وسائل الإعلام الألمانية.
ويشدد الموقع على أن عنوان المقال يقوم على بتر المعلومات والإحصائيات الرسمية عن قصد من سياقها العام، متجاهلا أن الأمر من جهة يتعلق بفئة الأميين دون غيرهم. ومن جهة أخرى بطبيعة الفحص المعني الذي على ضوئه يحصل اللاجئ على شهادة “B1” التي هي الدرجة الثالثة في تراتبية فحص اللغة المفروض على اللاجئين للحصول على أوراق الإقامة وفرصة عمل، وبالتالي فإن مستواه يتطلب معارف أكبر من الفحوص التحضيرية “A1″ و”A2”.
علينا الإقرار بطبيعة الحال بأنه لا يمكن لعنوان قصير أن يشمل كل هذه التفاصيل، لكن عليه في الوقت ذاته “ألا يتسبب” في مغالطات إدراكية، كما أورد “بيلد بلوغ”، خاصة أن زائر الموقع لا يمكنه الحصول على المعلومات الوافية لإكمال الصورة، إلا إذا اشترى النسخة الورقية للصحيفة أو دفع رسومات اشتراك في موقع “بيلد بلوس” لقراءة النص بالكامل. لكنه لو اكتفى بقراءة العنوان هكذا فسيبقى راسخا في ذهنه أن 80 بالمائة من اللاجئين غير مؤهلين لتعلم اللغة الألمانية، ما يعني أنهم غير مؤهلين أيضا لدخول سوق العمل والاندماج في المجتمع.
“ضالة الشعبويين المنشودة”
وكان من البديهي أن ينقض ممثلو “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، على عنوان كهذا وأن يجدوا فيه “ضالتهم المنشودة” باعتباره “الدليل القاطع” على “إفلاس” الحكومة الألمانية و”فشلها الذريع” في سياسة اللجوء. وتوالت تعليقات على موقع تويتر بهذا الخصوص، كهذه التغريدة من مقر الحزب في ولاية شليزفيغ هولشتاين، تؤكد أنه ورغم كل المجهودات لن يبلغ اللاجئون حتى مستوى عامل بسيط لم يعد سوق العمل أصلا بحاجة إليه.
Keine #Fachkräfte, sondern auf dem deutschen #Arbeitsmarkt dauerhaft unbrauchbar: 80% der #Flüchtlinge erreichen trotz Förderung nichtmal die sprachliche Mindestanforderung für einen Helfer-Job! Weitere #Ausbildung ausgeschlossen! https://t.co/I8cAxlazkS
— AfD Schleswig-Holstein (@AfD_LV_SH) January 7, 2018
المشهد ذاته يتكرر بعد يومين فقط على مواقع الحزب، وهذه المرة تفاعلا مع خبر ثانٍ أوردته صحيفة “بيلد” في عددها الصادر في السادس من ذات الشهر، بعنوان “ثلث الحاصلين على المساعدات الأجنبية من الأجانب”.
https://twitter.com/MalteKaufmann/status/950257356117602304
الصورة السلبية مسيطرة
ومع تعاقب الأحداث بتجاذباتها السياسية والاجتماعية منذ دخول الموجة الكبرى للاجئين في خريف عام 2015، تقدم ملف اللاجئين إلى صلب ليس فقط الأجندة السياسية للأحزاب والحكومة الألمانية، بل إلى صلب التغطية الإعلامية. وفي صيف عام 2017، ظهرت دراسة ميدانية بخصوص صورة اللاجئين في وسائل الإعلام، صدرت عن مؤسسة أوتو برينر بإشراف معهد الأبحاث بجامعة لايبزيغ.
وركزت هذه الدراسة على تقارير مسموعة ومرئية ومقروءة في الفترة ما بين فبراير2015 ومارس 2016، لتخلص الدراسة إلى أن وسائل الإعلام “تبنت” الخطاب الرسمي “لتلميع سياسة الأبواب المفتوحة”، متجاهلة تعقيدات الملف وضرورة معالجته من زواياه المختلفة.
لكن هذه الدراسة كانت قد سبقتها بثلاثة أشهر، دراسة أخرى لم تحظ بذات الاهتمام، ويتعلق الأمر بدراسة أعدها معهد الإعلام “ماكروميديا” في العاصمة برلين بالتعاون مع مركز الأبحاث في قسم الجنايات بولاية ساكسونيا السفلى. وخلصت نتائجها إلى أن الإعلام الألماني يظهر صورة سلبية للاجئين، صورة مقترنة بالجرائم والاعتداءات الجنسية والإرهاب إلى غير ذلك.
وتضيف الدراسة إلى أن عددا من وسائل الإعلام تركز بقوة على الجرائم التي يكون المشتبه فيها لاجئون، في حين تتغاضى عن ذات الجرائم إذا كانت تعتقد أن من يقف وراءها هم من “الألمان الأصليين”. الجرائم العنصرية بحق اللاجئين أنفسهم، هي الأخرى يتم تجاهلها، حسب المصدر ذاته.
وشملت الدراسة 238 تقريرا صادرا عن صحف كبرى، إضافة إلى 67 تقريرا تلفزيونيا من قنوات مختلفة. وجاءت صحيفة “بيلد” في صدارة الترتيب، إذ وحسب المسؤولين عن الدراسة، فإن ثلثي التقارير المتعلقة بالجرائم بأشكالها المختلفة والمتناولة من قبل الصحيفة الواسعة الانتشار، كان المشتبه بارتكابها لاجئون. وفي التقارير التلفزيونية بلغت النسبة 52 بالمائة. و”مقارنة بعام 2015 ارتفعت نسبة التغطية الإعلامية حول المشتبه فيهم من غير الألمان إلى أربعة أضعاف، رغم أن نسب الجرائم بين هذه الأوساط ارتفعت بمعدل الثلث فقط، وفق إحصائيات المكتب الاتحادي للمكافحة الجريمة” تقول الدراسة.
استثناء أم قاعدة؟
الملفت للأمر أن هذا الخط التحريري الملموس من قبل دراسة معهد الإعلام “ماكروميديا”، يتماشى في تطوره مع السياسة السائدة، التي ابتعدت عن سياسة “الترحيب” نحو تشريعات أكثر تشددا بدءا من حزمة قانون اللجوء الأول، ثم الثاني، إلى غاية بلوغ مرحلة تمّت فيها عمليات ترحيل رغم وجود قرارات صادرة عن السلطة القضائية تمنع ذلك، كما شهدناه مع قضية التونسي “سامي أ.”.