بسبب تعليق على فيسبوك مخالف للقانون لمضمونه التحريضي ضد اللاجئين، مثلت سيدة ألمانية أمام المحكمة. ورغم أن بعض اللاجئين يتفهمون بعض التعليقات المحرضة التي لها أسبابها أحيانا، لكن ذلك لن يعفي السيدة من العقوبة.
بضغطة زر، أصبح من الممكن للكثيرين التعبير عما يجول في خاطرهم ومشاركة الآخرين في ذلك بدون أي رقابة. لكن الأمر قد ينتهي أحيانا بعواقب وخيمة، تماما كما حصل مع عاملة تنظيف من منطقة فيركيرشن في ألمانيا. فبسبب منشور لها على فيسبوك، مثلت السيدة (41 عاما) أمام محكمة في مدينة داخاو جنوب ألمانيا، حسبما ما ذكرت صحيفة “ميركور” الألمانية في عددها الصادر يوم الخميس (12 يوليو). ويعود سبب محاكمتها إلى تعليق لها عبر فيسبوك على مقال نشرته صحيفة “دي فيلت” بعنوان “الحماية الثانوية: 10آلاف لاجئ يقاضون ألمانيا”.
وكتبت في التعليق “يخدعون الدولة، ويسرقون الناس ويغتصبون ويطالبوننا بدفع أموال ويقاضون الدولة. أصحاب المهارات المتخصصين، هم أغلى من الذهب. أتمنى من المحاكم أن تقوم بسحقهم جميعا . لو كنت قاضية، سأقول لهم إذا كان هذا البلد لا يناسبكم، عودوا إلى أوطانكم علينا أن نتوقف عن القبول بكل شيء”.
هذه القضية، كشفتها الشرطة في بلدية “فورستنفيلدبرك” التابعة لولاية بايرن، بعد أن تلقت إخطارا من قبل مكتب التحقيقات الجنائية التابع لولاية شمال الراين ويستفاليا. وتم كشف تعليق السيدة عبر محققي شبكات التواصل الاجتماعي، القائمين على البحث عن التعليقات المسيئة والمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما نقل موقع فوكوس الألماني.
وأكد القاضي كريستيان كالامي، في جلسة المحاكمة، على أن السيدة اتهمت اللاجئين بالسرقة والاغتصاب، فضلا عن أن تعليقها كان محرضا ومثيرا للمخاوف. وهو ما أدركته المتهمة أيضا، إذ قالت “أنا لا أعرف ما الذي حصل لي”. وبحسب المدعي العام، فإن تصريحات مسيئة كهذه تبلغ عقوبتها حوالي 1650 يورو.
كيف يرى اللاجئون التعليقات المحرضة ضدهم؟
وفي حواره مع أحدى الصحف الألمانية يرى رامي، وهو لاجئ سوري يعيش في مدينة بون الألمانية منذ ثلاث سنوات أن هذا التعليق يعود سببه إلى وسائل الإعلام وأضاف أن “جرائم كثيرة تحدث في ألمانيا، ولكن الجرائم التي تشغل وسائل الإعلام بشدة تلك التي يكون وراءها اشتباه باللاجئين. ويضيف رامي (40عاما) “من كثرة ما نسمع ونقرأ عن جرائم يقوم بها اللاجئون أصبحت أنا بنفسي أشعر بالخوف من اللاجئين!”
زينة (37 عاما) وهي لاجئة سورية تعيش في مدينة كولونيا، ترى أيضا أن تركيز وسائل الإعلام على الجرائم التي يقوم بها اللاجئون، لها دور كبير في شعور الكراهية الموجود لدى بعض الألمان تجاه اللاجئين وتضيف “في جميع المجتمعات يوجد أشخاص أشرار وأشخاص طيبون، وينبغي على الألمان ألا يضعوا جميع اللاجئين في سلة واحدة”.
كيف تحمي خصوصيتك في فيسبوك؟
أما اللاجئة العراقية علا (25 عاما)، فترى أن شعور الكراهية الموجود لدى بعض الألمان، من الممكن أن يكون مفهوما في بعض الأحيان “نحن غرباء في هذا المجتمع والأنظار متجهة نحونا دوما”. لكن في الوقت ذاته ترى أن التعليقات المسيئة، تزيد من خوف الألمان. وتضيف منتقدة أولئك الين ينشرون تعليقات مسيئة “هذه التعليقات تزيد من مخاوف الألمان، فكثيرون لا يملكون جرأة للحديث معنا والتعرف علينا وهو ما يزيد من صعوبة الاندماج في المجتمع”.
هذه التعليقات المسيئة، تزعج اللاجئ السوري محمد (20 عاما) أيضا، وهو يرى أن الحوار بين الطرفين هو أفضل وسيلة لتغيير الصور النمطية عن اللاجئين، ويقول “إني أتابع الكثير وسائل الإعلام الألمانية عبر فيسبوك وأحاور الكثير من الألمان، الذين يرون أن اللاجئين عبء على المجتمع الألماني، بلغتهم ومن دون أخطاء، وهدفي من الحوار معهم، هو التقليل من مخاوفهم تجاهنا، وأن كثيرين من اللاجئين يرغبون في العمل، ولا يريدون البقاء عالة على المجتمع”.
مهما اختلفت الأسباب التي دفعت السيدة لكتابة تعليقها، يبقى الأهم معرفة أن كتابة مثل هذه التعليقات التي تتضمن تحريضا أو أخبارا كاذبة، لها عواقب قانونية. وخاصة بعد دخول قانون جديد في ألمانيا حيز التنفيذ مع بداية العام 2018، ينص على معاقبة ذلك.
لا بد من مراعاة “قانون فيسبوك”
والقانون الجديد في ألمانيا الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية العام وبات معروفا باسم “قانون فيسبوك” رغم شموله لكل مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتضمن عقوبات للمستخدم صاحب التعليق أو التغريدة فقط، وإنما للموقع ذاته أيضا مثل شركة فيسبوك أو تويتر، ويمكن أن تصل الغرامة المالية إلى 50 مليون يورو في حال عدم التزام الموقع بالقانون والاستجابة لطلب حذف المنشور المخالف للقانون.
وبدورها تنصح المحامية زامفيرا دلوفاني المستخدمين وخاصة الشباب منهم بالاطلاع على القانون “وعدم مخالفته وتعريض أنفسهم للملاحقة القانونية والعقوبة. وبشكل عام يجب الحذر والتفكير قبل نشر أي شيء، وعدم نشر كل ما يخطر على البال”.
لكن هناك من يرى القانون والمعاقبة على تعليق أو تغريدة، حدا وانتهاكا لحرية الرأي التي تقول دلوفاني إنها “مضمونة في الدستور وهي واسعة جدا. لكن هناك حدود أيضا لهذه الحرية في الدستور، وأصدرت المحكمة الدستورية الاتحادية العديد من القرارات المتعلقة بحرية الرأي وحدودها” وتضيف بأنه لا يمكن القول بشكل مطلق إن “حرية الرأي تمتد إلى هنا، لكن أعتقد أن المرء يشعر بالحد ويعرف أنه بدأ بالتحريض”. وتختم حديثها بالقول “صحيح أن حدود حرية الرأي واسعة جدا وهذا جيد، لكن هذه الحرية يجب ألا تسيء للغير أو تمس كرامته أو تنتهك حقوقه”.