مغامرة شاب مصري في أول رحلة له إلى روسيا لحضور المونديال

Mouskau-World-Caap

 

“منذ أن أردت القيام بالـcheck in  لرحلتي من إسطنبول إلى موسكو عبر الإنترنت، وحتى خروجي من مطار فنوكوفو بالعاصمة الروسية وكل شيء يبدو غريباً جداً!”، هكذا يبدأ عماد الدين السيد، (31 عاماً)، حكايته مع السفر إلى روسيا من أجل حضور مباريات كأس العالم وتشجيع المنتخب المصري.

“السيد”، مخرج الأفلام الوثائقية، هو شخص دائم الترحال عبر أوروبا والعالم، من جهة بحكم وظيفته ومن جهة أخرى بسبب حبه المغامرات واكتساب صداقات وخبرات جديدة. ومنذ أن أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) فتح الباب لحجز تذاكر مباريات كأس العالم، قرر هو وشقيقه حضور كل المباريات الممكنة في روسيا.

لكن، يبدو أن انطباعه الأول عن روسيا لم يكن جيداً على الإطلاق. هو لم يسبق له أن سافر إلى روسيا من قبل؛ ومن ثم كانت هذه تجربة جديدة وفرصة لاكتساب العديد من الخبرات.

البداية: حقيبة السفر والطيران الروسي الرخيص

تذكرة الذهاب إلى روسيا حجزها السيد عبر طيران “بوبيدا-Pobeda”، التي تعتبر أرخص شركة طيران روسية على الإطلاق، يقول: “بحكم سفرياتي العديدة، قمت بتجربة العديد من شركات الطيران الرخيصة مثل Pegasus وryanair، لكنني فوجئت بالمعايير المختلفة للطيران الروسي عن بقية الشركات الأخرى”.

“السيد” قرر عند حجز تذكرته أنه سيكون حجزاً عادياً يشمل فقط شنطة واحدة يأخذها معه إلى داخل الكابينة، هو يملك حقيبة مخصصة لهذا الغرض بالتحديد، ودائماً ما يستخدمها معه للسفر في أي مكان يذهب إليه.

عندما جاء يوم السفر، السبت 16 يونيو/حزيران 2018، وتوجه إلى مطار أتاتورك في مدينة إسطنبول، فوجئ بموظفي شركة الطيران وهم يخبرونه بأن هذه الحقيبة ليست مخصصة للكابينة، وأن عليه دفع وزن إضافي لها لإدخالها إلى باطن الطائرة.

“تعجبت كثيراً؛ لأن هذه الشنطة هي الشنطة المعيارية في شركات الطيران كافة، لكنهم أخبروني بأن مقاييس شنطة الكابينة عندهم تختلف، وهي أصغر في المقاس كثيراً”، هكذا يقول وملامح الاستغراب لا تزال بادية على وجهه. موظفو الشركة نظروا إلى حقيبة الظهر الصغيرة التي يحملها وأخبروه بأن هذه هي التي تصلح للكابينة.

“عندما أبديت اعتراضاً للموظفة، فوجئت بأنها تابعت عملها ببساطة، وبملامح جامدة على وجهها، ولم تعرني أي انتباه، وأشارت لي بالذهاب إلى موظف آخر بجانبها لدفع 15 يورو للوزن الإضافي لكل شنطة، في النهاية علمت أنه لا خيار سوى الدفع”.

“السيد” لم يكن وحده، كان هناك عشرات المسافرين من المكسيك وتركيا وإيطاليا وتونس، الذين فوجئوا بالأمر واضطروا إلى دفع الوزن الإضافي.

الطائرة: لا طعام على الإطلاق!

عندما أنهى “السيد” الإجراءات كلها وعبَر من خلال ضباط الجوازات، كان متبقياً على موعد إقلاع الطائرة ساعة وربع؛ لذلك توجه سريعاً إلى تناول وجبة خفيفة وبعض الشاي، قائلاً إنه يعلم أن تذكرة الطيران لا تحمل وجبة طعام داخل الطائرة؛ لذلك ربما يشتري لنفسه بعض السناكس في الطائرة، فهو اعتاد أن الطيران الرخيص لا يقدم وجبات مجانية، لكنه يبيع بعض الوجبات الخفيفة والمشروبات مقابل الدفع على الطائرة.

“الرحلة من إسطنبول إلى موسكو تستغرق 3 ساعات و5 دقائق تقريباً، وأنا كنت مسافراً في منتصف اليوم؛ لذلك كنت أتوقع أن أجوع وأحتاج لبعض الطعام. لكنني فوجئت بأنه لا يوجد أي طعام أو شراب على متن الطائرة على الإطلاق عدا كوب من الماء يمكنك طلبه من المضيفات”.

الأمر غير منطقي على الإطلاق بالنسبة له، “عندما حجزت أنا وشقيقي التذاكر، كان هناك خيار بتحديد مكان الجلوس بالطائرة مقابل بعض المال الإضافي لكننا لم نختره، وعندما توجهنا إلى المطار، قام موظف الشركة بوضعي أنا وهو في كرسيَّين مختلفين، وهو أمر اعتدته من الشركات الرخيصة التي تبحث عن أموال إضافية عبر مثل هذه الأمور”. لذلك، كان غريباً بالنسبة له ألا تقوم الشركة ببيع بعض الوجبات مقابل أموال إضافية. لكنَّ صدمته الحقيقية كانت عندما توجه للتواليت، ليفاجأ بعدم وجود مناديل على الإطلاق.

يقول وملامح الغضب تكتسي ببعض الحرج على وجهه: “اضطررت إلى فتح الباب لجزء صغير وطلب مناديل من إحدى المضيفات، التي كانت أمسكت برزمة من المناديل الورقية في يدها، ثم أعطتني منديلاً واحداً فقط لا غير”.

المشكلة الأكبر: كارت المشجع وتغيير جواز السفر

عند الساعة السابعة مساء، وصل “السيد” وشقيقه إلى منطقة ضباط الجوازات في مطار فنوكوفو، وهو أحد 3 مطارات توجد بالعاصمة الروسية وأصغرها.

كان هناك عدد كبير جداً من المسافرين الواصلين من مختلف الجنسيات، واستطاع “السيد” رؤية أعلام وقمصان كولومبيا وتونس والمكسيك وإيطاليا وألمانيا. وكان هناك قرابة 23 موظف جوازات، وأمام كل منهم ما بين 20 و30 مسافراً.

توقع “السيد” ألا يأخذ أكثر من نصف ساعة حتى يمر، لكنه كان متفائلاً كثيراً. “حركة الطابور أمام كل ضابط كانت تسير ببطء لم أعتده”، حسبما يقول. وبعد مرور قرابة 40 دقيقة، بدأ هو وشقيقه يحسبان الوقت الذي يستغرقه كل فرد من وقت وصوله أمام ضابط الجوازات وحتى مرور للجانب الآخر.

“بالنسبة للمسافرين من غير مشجعي كأس العالم كان الوقت لا يتجاوز دقيقة في أسوأ الأحوال؛ بل إنني قست مرور 24 ثانية فقط لبعض الأشخاص”، وأوضح أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لمشجعي كأس العالم، وهم الأغلبية العظمى بالمطار في ذلك الوقت، فقد وصل الوقت بالنسبة لبعضهم لأكثر من 3 دقائق. لاحقاً، أخبرتْه “أنا أوزار”، صديقته وكاتبة السيناريو الروسية التي كانت تنتظره بالمطار، بأن هذا الأمر معتاد، “تخيَّل أنك تملك سلطة معينة وتريد أن تمنح نفسك كثيراً من الأهمية، هذا ما يحاول ضباط الجوازات أن يبدو الأمر عليه، وكأنهم يقومون بأخطر مهمة على وجه الأرض”.

وبعد مرور نحو ساعة وربع، وصل الدور على “السيد” وشقيقه، فمر الثاني أولاً، وقدم كارت المشجع وجواز السفر، “أخذ الضابط يتفحصهما بعناية كبيرة، ثم راجع البيانات مرة أخرى وقارنها ببيانات تظهر على شاشة الحاسوب أمامه، وبعد دقيقة ونصف، قام بطباعة ورقة الهجرة، ليقوم المسافر بتوقيعها من نسختين، حيث احتفظ الضابط بنسخة منها ومنح الأخرى للمسافر.

مرت الأمور بسلام، وعندما جاء الدور على عماد الدين السيد، حدثت المفاجأة. فـ”السيد” قام بحجز كارت المشجع مستخدماً جواز سفره منذ 3 أشهر، لكنه بعد شهرين تسلّم جواز سفر جديداً، وعلى الرغم من أنه كان يحمل الجوازين أمام الضابط، فإن الأخير أصر على أن هذه مشكلة وأنه كان ينبغي أن يقوم بتعديل البيانات لاحقاً.

العشوائية في كل شيء

“السيد”، وعشرات غيره، لم يكونوا يعرفون هذه المعلومة من قبل، هذا ما اكتشفه عندما جاءت ضابطة لاصطحابه إلى مكتب معين لحل هذه المشكلة، فوجد الكثير من المسافرين حدثت معهم المشكلة نفسها.

“السيد” لاحظ وجود موظفة مخصصة تقوم بإعداد كارت مشجع جديد بالبيانات الجديدة؛ لذلك توقع أن تكون مسألة دقائق قليلة حتى يمر إلى داخل المدينة، لكنه لثاني مرة كان متفائلاً كثيراً.

ظل “السيد” واقفاً هناك أكثر من ساعة ونصف الساعة حتى جاء الدور عليه، لتقوم الموظفة باستخراج كارت مشجع جديد له، “لا أعلم لماذا كل هذا الوقت! من الواضح أن المشكلة متكررة مع الكثيرين؛ ومن ثم كان يُفترض أن تتخذ السلطات إجراءات مناسبة لتسريع حل الأمر، يكون هناك أكثر من موظف مثلاً”، يقول غاضباً.

وأضاف بعد تنهيدة طويلة: “إذا كان هذا المطار هو الأصغر، فما بالك بأكبر مطارات موسكو، لا يمكنني تخيُّل الوضع هناك!”. المشكلة التي استفزته أكثر كانت أن الضباط الموجودين بالمكتب، بالإضافة إلى الموظفة، لم يكونوا يعرفون الإنكليزية، وهو ما سبَّب مشكلة في التواصل، أضف إلى هذا العشوائية الواضحة بالتسيير، فهناك أشخاص جاؤوا بعده ليفاجأ بهم ينتهون قبله، والعكس أيضاً.

“لاحظت أن جواز سفري كان الأخير على الطاولة بعد مرور ساعتين، فقمت بالإشارة إلى الموظفة وعلى وجهي علامة اعتراض واضحة، لتقوم هي بنقل جواز السفر إلى المقدمة وتنهي الإجراءات سريعاً”.

بعد ذلك، انتقل إلى ضابطة جوازات كي تمنحه إذن الدخول، فوجدها تقارن بين وجهه والصورة، فقال ضاحكاً: “إنا الشخص نفسه بالتأكيد، فأنا منذ ساعتين في ذلك المكتب وهذا كارت مشجع جديد”، الموظفة لم تتمالك نفسها هي الأخرى وأخذت تضحك كثيراً، مع ملاحظة أن ضباط الجوازات كافة لم يكونوا يبتسمون إطلاقاً.

“السيد” لاحظ مشجعين من تونس حدثت معهم المشكلة نفسها، وفوجئ بأن كل شخص منهم ينتهي من هذا الإجراء يستقبله أصدقاؤه بما يشبه الزفة، وسط هتافات وعبارات السعادة.

الروسية “أنا” أوضحت له أن اللغة الإنكليزية لم تدخل إلى البلاد وتبدأ عملية تدريسها للروس إلا منذ قرابة 15 عاماً، “روسيا كانت دائماً بلداً منغلقاً على نفسها، ولم يكن مسموحاً للشعب الروسي التنقل بسهولة حول العالم، كما كان هناك تعامل صارم مع الأجانب الوافدين إلى روسيا”.

الموقف الأخير: الوصول إلى الحقائب واللغة الإنكليزية

“أنا أعرف مسبقاً أن الشعب الروسي لا يتكلم الإنكليزية كثيراً، وغالبية سكانه لم يتعلموها، هو أمر مشابه لتجربتي مع مدينة إسطنبول؛ ومن ثم لم يبد الأمر غريباً. لكن ألا توجد لغة إنكليزية على شاشات وصول الرحلات فهو أمر غير منطقي”.

بعدما انتهى “السيد” من أزمة ضابط الجوازات، مر إلى مكان وصول الحقائب، أخذ يبحث عن اللوحة الإلكترونية التي تخبره برقم مسار الحقائب الخاص برحلته، لكنه فوجئ بأن اللوحة لا تذكر اسم الرحلات ومكان انطلاقها إلا باللغة الروسية.

“حروف اللغة الروسية تختلف تماماً عن الحروف اللاتينية؛ ومن ثم لم أعرف أي اسم من هذه الأسماء هو إسطنبول”.

كان “السيد” محظوظاً أنه كان يذكر شعار شركة الطيران، فنظر إلى الشعارات ليجد أن هذه الشركة مكررة مرتين على اللوحة أمامه، إحداها في المسار رقم 9 والأخرى 11. توجه إلى رقم 11 أولاً، ليجد بالفعل حقائبه هناك.

“هذه أول بطولة كأس عالم لكرة القدم أتمكن من حضورها، وأتوقع أن الكثير من الخبرات والأصدقاء هنا؛ لذلك أحاول جاهداً ألا أجعل هذا الانطباع الأول يسيطر علي، خصوصاً أن روسيا تعد بالنسبة لي ثقافة مختلفة تماماً، لكنها دسمة ومليئة بما يستحق استكشافه حسبما قرأت قبل السفر”، هكذا يختتم “السيد” حديثه، مؤكداً أن فضوله سينتصر في النهاية على أي مشاعر سلبية.

 

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …