رشا حلوة: قرارات لاجئات بالطلاق، هل هو انهيار لحاجز الخوف

Rasha-Helwa

 

برلين – رشا حلوة : —

في مقال لــ رشا حلوة ، تتناولت فيه الكاتبة الصحفية خلفيات تعدد حالات طلاق لاجئات بعد وصولهن إلى بلاد اللجوء مثل ألمانيا والنمسا

يتم التطرق مؤخرًا وكثيرًا إلى حالات الطلاق بين لاجئين، وخاصة السوريين في أوروبا وألمانيا والنمسا على وجه الخصوص، إلّا أن الحديث عن “الظاهرة”، إنّ صحّ التعبير، هو حديث عن مستوى تقارير إعلامية ومقالات ضمّت في أغلبيتها إفادات من نساء طلبن وقررن الطلاق من أزواجهن بعد وصولهن ولجوئهن إلى ألمانيا بسبب الظروف السياسية في بلدهن الأمّ، إلّا أنه ليس هنالك حتى الآن تقارير وإحصائيات رسمية تعطي رصدًا لأرقام أو بحث أكثر عمقا للظاهرة.

حقيقة غياب إحصائيات رسمية، لا تنفي ضرورة الحديث عن الظاهرة، مسبباتها وفقًا لآراء وقصص نساء ورجال، والأهم من هذا، هنالك ضرورة للحديث عنها خاصة بسبب التحريض الذي تتعرض له النساء عامة، والسوريات خاصّة عبر رجال من خلال منصات عديدة، أولها مواقع التواصل الاجتماعي، والعنف الكلامي الموجه ضدهن، والعنف الجسدي الموثّق أيضًا، مثل الفيديو المرعب الذي نشره “أبو مروان” عبر فيسبوك الذي يوثّق جريمة طعنه لطليقته، والردود الذي تلت الفيديو، التي للأسف أن جزءا كبيرا منها لم يشجب ويستنكر الجريمة.

بداية، من المهم الإشارة إلى أن ظاهرة الطلاق بين لاجئين سوريين، مهما كانت الأسباب، هي ليست استثنائية، إذا نظرنا إلى الصورة الأوسع التي تمر بلاد عديدة بها، بما في ذلك سوريا، وانهيارات لمفاهيم ومنظومات عديدة، منها منظومة العائلة الذكورية والمجتمع المحيط، فاللجوء والخسائر التي تأتي ضمنه هي خسائر جماعية وفردية، منها فقدان “السلطة الذكورية” في بيئتها “الطبيعية”، إن صح التعبير، والمجتمع الداعم لها ولاستدامتها في بلاد اللجوء، خاصة تلك التي يُمنح فيها الدعم والأمان الحقوقي والقانوني للفرد، بما في ذلك الفئات المستضعفة اجتماعيًا والنساء جزءًا منها.

في حديث مع (ب.)، لاجئ من سوريا مقيم في برلين، قال: “تعيش النساء في بلادنا في واحد من أكثر المجتمعات ذكورية، وعندما تصل المرأة إلى هنا يصبح لديها خيارات أخرى، مقارنة في بلادنا التي لا تمنح خيارات للنساء، بما في ذلك المستضعفين عمومًا، هنا لديهم ما يحميهم من قوانين ومؤسّسات”، على هذا تضيف (س.)، وهي لاجئة من العراق مقيمة في برلين: “تشعر المرأة مع حالة اللجوء بأنه ليس لديها ما تخسره بعد، خاصة إن كانت تعيش ضمن علاقة زوجية تشعر فيها أنها مقموعة ومظلومة، فلا تتعامل مع الطلاق كخطوة فيها مخاطرة، وليس من الصعب عليها اتخاذها بعد، خاصة إذ رأت بأنه الطريق لخلاصها وحماية نفسها”.

تطرق البعض إلى الأسباب التي تؤدي إلى طلاق الأزواج، وبالطبع الأسباب متنوعة والنتيجة واحدة، وعلى الرّغم من أهمية الحديث عن المسببات لذلك، خاصّة عندما نتعامل مع “ظاهرة”، والمرتبطة بسياقات سياسية واجتماعية معالمها معروفة، فما تحدثت عنه نساء كثيرات طلبن وقررن الطلاق من أزواجهم هي الحاجة إلى الهروب ووضع حد لظروف حياتية كن يعشنها في بلادهن قبل لجوؤهن منها، وبالتالي، ظرف اللجوء كان الباب السهل لصرخة “لا أريد شكل الحياة هذا” أمام من يسببها لهن، وبالأساس أزواجهن والمجتمع المحيط الذي غالبًا لم يمنحن مساحة للخيارات الشخصية، بل فرض عليهن أشكال حياة عديدة.

في حديث مع (م.)، وهي لاجئة سورية مقيمة في برلين، قالت: “أحد أسباب ازدياد نسبة الطلاق هو أن المرأة شعرت هنا بتمكينها الاقتصادي واستقلالها المادي، خاصة في ظل انهيار سلطة المجتمع، وهي ليست مضطرة لأن تواجه أهلها وجيرانها ومجتمعها المحيط، مع شعورها بخسارة كل هذه الروابط، لم تعد قادرة على تحمل شكل حياة تضييق عليها مع عامل الاستقلال المادي. كما أن ازدياد العنف ضد النساء، ربما سببه شعور بعض الرجال بانهيار سلطتهم الذكورية في بلد اللجوء، فيفتشون عن الأضعف لممارستها عليه، فالمرأة تشعر بأن هنالك قانون يحميها، لا يشبه الهروب عند أهلها الذين سوف يعيدونها إلى بيت زوجها فيما بعد”.

الخطوات التي تتخذها النساء في ظل اللجوء باتجاه تغيير مسارات حيواتهن، بما في ذلك قرارات الطلاق، يبدو فيها الكثير من كسر حواجز الخوف الذاتية الممتدة من الواقع المجتمعي، هذا الانكسار المربوط بفكرة البعد عن محيط الخوف الذي أجبر العديد من النساء على الاستمرار في ظروف حياتية، في حديث مع (ع.)، وهي لاجئة مقيمة في برلين: “صديقتي طلبت الطلاق في أوروبا بعد أعوام زواج عديدة، على الرغم من رغبتها القديمة في الطلاق من زوجها، لكن هذه الرغبة كانت مرتبطة بالخوف، فلربما لو بقيت في بلدها لما تجرأت على الطلاق، خوفًا من أحكام المجتمع، خاصة الأحكام والنبذ التي تطال المرأة المطلقة في مجتمعاتنا، فهنالك نساء كثيرات عندما وصلن إلى أوروبا شعرن بالقوة وبقيمتهن كبشر، مقارنة بأوضاعهن في بلادنا التي تحتاج فيها المرأة إلى شجاعة خيالية كي تواجه ما عليها أن تعانيه بسبب حالتها الاجتماعية”.

بالإضافة إلى الأسباب التي تطرقنا إليها، والتي ربما هي مباشرة بالمعنى التعريفي لها، تحت خانة أشكال التعنيف المتعددة تجاه النساء، سواء من فرض زواج عليها إلى ما يحمّلها المجتمع من أدوار عليها ممارستها رغمًا عن رغبتها الذاتية، إلا أنه من المهم الإشارة والتأكيد إلى أن تجربة اللجوء القسرية، هي من أصعب التجارب التي يمر بها الفرد، وتداعياتها على نفسه وحياته، بما في ذلك ما تحضره من تغييرات كبيرة، فامتدادًا لهذا، تؤثر تجربة اللجوء وما تحمله من ثقل واعتياد على أماكن جديدة، أيضًا على العلاقات العاطفية والزوجية وعلى الأسر، حتى تلك العلاقات التي فيها حب، فليست بالضرورة أن تستمر في سياقات وظروف جديدة وتغييرات يعيشها الفرد والأزواج.

وبالإضافة إلى محاولة تأمل الصورة الأوسع والأسباب المتنوعة للطلاق والانفصال، يتعين – بالطبع – التعامل مع السياق الأوسع ودراسة أسبابه. اذ لا ينفي الإقرار بحق النساء في المطالبة بوضع حد لعلاقاتهن الزوجية اللاتي شعرن فيها بالظلم وتعرضن فيها للتعنيف، بل هنالك ضرورة مستمرة لمواصلة خلق مساحات أمان للنساء في وجه موجات تحريض مستمرة  ورفع أصابع الاتهامات ضدهن، الممتدة من أداء تاريخي للعقليات الذكورية التي تحمّل المرأة مسؤولية معظم مصائب الدنيا، أينما عاشت.

 

 

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …