بعد جهدٍ طويل، يقول العلماء إنَّهم تمكنوا من كشف تفاصيل كثيرة إلى درجةٍ غير مسبوقة عن بنية القشرة المحيطة بأجنحة الدجاج، ما سيساعد في الكشف عن كيفية تغير القشرة للسماح لفِراخ الدجاج (الصوص) بكسرها والخروج من البيض.
قبل أن يضع الدجاج البيض، تتكون حول البيضة قشرة صلبة من الكالسيوم لها 3 طبقات رئيسية.
ورغم أنَّه كان معروفاً أنَّ تلك الطبقات تُصبح أضعف من الداخل إلى الخارج مع نمو فرخ الدجاج تحضيراً لخروجه من البيضة، لأنَّ الكالسيوم الموجود بالقشرة يدخل في تكوين الهيكل العظمي للفرخ، فإنَّ ما يحدث على المستوى الجزيئي كان لا يزال لغزاً، وفق ما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
والآن يقول العلماء إنَّهم اكتشفوا وجود بنية نانوية في قشرة البيض، وأنَّها تلعب دوراً أساسياً في مدى صلابتها.
قشر البيض أقوى من بعض المعادن!
ويوضح البروفيسور مارك ماكي الذي شارك في تأليف الدراسة بجامعة ماكغيل في كندا: “يظن الجميع أنَّ قشر البيض ضعيفٌ، حتى أنَّ المثل الشهير يربط بين السير على قشر البيض والحذر، إلّا أنَّ قشر البيض قوي للغاية رغم سمكه الرقيق، أقوى من بعض المعادن.
والآن نفهم أكثر على المستوى الجزيئي تقريباً حول كيفية تكوُّن قشر البيض، وكيف يصبح أضعف”.
في دراستهم التي نشروها بدورية Science Advances، يوضح ماكي وزملاؤه كيف درسوا تلك المسألة بالتركيز على دور بروتين الأوستيوبونتين. يوجد هذا البروتين في جميع أجزاء قشر البيض، وكان يُعتَقَد أنَّ له دوراً هاماً في تنظيم بنية معادن القشرة.
وأوضح ماكي: “تحتوي أشياء مختلفة على هذا البروتين؛ قشر البيض والأسنان والعظام. ونعتقد أنَّ هذه البروتينات هي ما يساعد في عملية التمعدُن التي تمنح هذه الأنسجة خواصها”.
باستخدام عددٍ من التقنيات المجهرية وتقنية جديدة متطورة تُسمَّى “الشعاع الأيوني المركز” لتحضير قطاعات رقيقة من القشرة للفحص، وجد الفريق أنَّ جميع طبقات القشرة تتكون من مجموعة من المناطق الصغيرة المكدسة بمعدن بلوري يحتوي على الكالسيوم.
جوهر الاكتشاف يتعلق بهذا البروتين
ووجد الفريق كذلك أنَّ هذه المناطق تصبح أصغر وأقرب من بعضها في الطبقات الخارجية للقشرة، وأنَّ البنية النانوية تصبح أكبر كلما اتجهنا للداخل، بالإضافة إلى أنَّ مستويات الأوستيوبونتين تصبح أقل في الطبقات الداخلية.
وقال ماكي: “الاكتشاف الثالث كان أنَّ الجزء الخارجي من القشرة أكثر صلابة، إذ أنَّ بنيته النانوية أصغر، ويصبح أضعف بالاتجاه إلى الداخل”.
ويقول الفريق البحثي إنَّ جوهر الاكتشاف يتعلق ببروتين الأوستيوبونتين، الذي يبدو أنَّه يُكوِّن ما يشبه السقالة التي تساعد في توجيه ترتيب المعدن الذي يحتوي على الكالسيوم، ما يؤدي إلى إنتاج بنية نانوية تؤثر على صلابة طبقات القشرة.
ويضيف ماكي أنَّ النظرية تدعمها نتائج الاختبارات في المعمل. ويوضح: “إن لم تضع هذا البروتين في أنبوبة الاختبار، تحصل على بلورة من كربونات الكالسيوم كالتي تجدها في المتاحف.
ولكن إن وضعت البروتين، يُبطئ ذلك العملية، ويدخل البروتين في تكوين البلورة، ويُنتج بنية نانوية مشابهة للغاية في هذه البلورات الصناعية، وتصبح أكثر صلابة”.
وتبيَّن أنَّه كلما زاد تركيز الأوستيوبونتين، صغُرت النية النانوية. تحوَّل الفريق بعدها من دراسة البيض الذي ينتهي به الحال على موائد الإفطار إلى دراسة بنية البيض الذي خضع للتلقيح والاحتضان لمدة 15 يوماً.
بينما تظل البنية النانوية للجزء الخارجي من الطبقات الثلاث للقشرة كما هي، فإنَّ البنية الخاصة بالجزء الداخلي تصبح أصغر في الحجم. ووفقاً لماكي يحدث نتيجةً لذوبان الكالسيوم في ظروفٍ حامضية، واستخدامه في تكوين الهيكل العظمي للفرخ، وتساعد هذه العملية في زيادة مساحة سطح المعدن المحتوي على الكالسيوم بسبب البنية النانوية.
وفي النهاية تضعف القشرة، ما يسمح للفرخ بكسرها والخروج من البيضة. ما زالت هناك بروتينات أخرى في بنية طبقات قشر البيض لم يُكشَف عن دورها، لكنَّ ماكي يقول إنَّ هذه الاكتشافات الأخيرة يمكن أن تكون مفيدة في تصميم مواد صناعية.
وأضاف موضحاً: “عندما تفكر في الأمر، ينبغي لنا أن نصنع مواد مستوحاة من الطبيعة وعلم الأحياء، لأنَّه من الصعب التفوق على مئات ملايين السنوات من التطور في إتقان شيءٍ ما”.