يوم 3 مارس الجاري كان يوماً استثنائياً لعبت فيه «منى عطالله، وبوسي سعيد»، دور حكم الراية في مباراة لكرة القدم ضمن مباريات الدرجة الثالثة التي أقيمت بين فريقي حلوان وأبو النمرس، لتكونا أول سيدتين تديران مباراة كرة القدم للرجال. إذ قررت لجنة الحكام بالاتحاد المصري لكرة القدم، في خطوة تاريخية، تعيين طاقم تحكيم نسائي لإدارة مباراة للرجال، لتكون أول مباراة للرجال قاضيها عنصر نسائي.
المباراة لم تمر في هدوء، فبعض اللاعبين أبدوا اعتراضهم لوجود امرأة ضمن طاقم التحكيم، إلا أن منى تمكنت من السيطرة على الموقف، تقول: «ولدت لأسرة رياضية من الطراز الأول وجدت ضالتها في دور الحكم، فإخوتي الأربعة ووالدي حكام كرة قدم أيضاً».
الأسرة كانت محوراً مهماً في نشأة «منى» الرياضية، فلها 4 أشقاء يعملون حكاماً لكرة القدم أحدهم يدعى محمد عطالله حكم بالدوري الإيطالي حالياً نظراً لأنه قضى فترة طويلة هناك، ومصطفى عطالله حكم بالدوري المصري بالدرجة الأولى، وأسماء عطالله حكم مساعد لكرة القدم النسائية وأحمد حكم بالدرجة الأولى بالدوري المصري.
التحكيم العائلي
تقول «منى»: «والدي له الفضل في دخولي عالم كرة القدم. عندما كنت صغيرة كنت أجلس معه ومع أشقائي نشاهد مباريات كرة القدم وكنت أشارك في المناقشات حول المباراة لأجد نفسي أقع في غرام المستطيل الاخضر».
درست منى في كلية التربية الرياضية، مما أهلها لأن تكون على دراية كبيرة بمتطلبات اللعبة، فضلاً عن إلمامها ببعض القوانين الحاكمة للعديد من الرياضات، إلا أن حلم ممارسة دور «الحكم» كان حتى ذلك الوقت حلماً صعب المنال، لكنها لم تفقد شغفها يوماً.
القدر يدير لعبته
كانت المفاجأة حينما أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم فتح الباب لحكام نساء، وهنا أبلغ الوالد ابنته بضرورة التقدم وجهز لها الأوراق المطلوبة وقدمها نيابة عنها، وجلس معها لساعات يشرح لها قانون التحكيم، فضلاً عن متابعته المستمرة لها لتحسين لياقتها البدنية.
تقول منى: «وعي والدي بأهمية العمل والرياضة للمرأة وثقافته الرياضية لكونه يملك مكتبة رياضية كبيرة في البيت، مما جعل البعض يلقبه بأشهر قارئ رياضي في مصر، كل هذا ساعدني في حياتي بصفة عامة والتحكيم بصفة خاصة».
وتضيف: «دخلت المجال عام 1998 وكنت ضمن أول دفعة حكام نساء في مصر، وكان هذا الأمر جديداً على الثقافة المصرية الكروية».
أقوال جاهزة
غردالأمر احتاج إلى الإصرار والتركيز ونسف نظرية تقول إن وضع عنصر نسائي في لعبة ذكورية غير قابل للتطبيق
غردبمجرد نزولي للملعب أفرض شخصيتي على كل اللاعبين ولا أتردد في قراراتي ولا أسمح لأحدهم أن يفقدني تركيزي
واجهت منى العديد من الإشكاليات لإثبات وجودها وإقناع الجميع بأحقيتها في نيل ثقتهم والتأكيد أنها تمتلك قدرات الحكم الرجل.
اقتحام «منى» ملاعب كرة القدم ليس جديداً، فسبق أن شاركت في بطولة كأس الجرف مع الاتحاد الدولي عام 2007، وشاركت في كأس العالم 2008 في الشيلي والأولمبياد الاولى للشباب 2010 في سنغافورة، وكذلك في كأس العالم تحت 20 عام في 2016 في نيو غينيا، وبطولة شمال إفريقيا لثلاثة سنوات، وبطولة أمم أفريقيا للسيدات خلال 5 أعوام.
أن تكون المرأة حكماً على مجموعة من الرجال ليس بالأمر اليسير خاصة في ظل الثقافة الذكورية في مجتمعنا العربي، تقول منى: « في البداية واجهنا الكثير من المواقف المحرجة، خاصة ذلك النوع من الاستغراب من المدربين أو اللاعبين على حد سواء، مما تطلب أن نثق في أنفسنا أكثر لنكون قادرات على مواجهتهم في الملعب».
وتتابع «الأمر كان يحتاج إلى الإصرار والتركيز وتطبيق القانون وعدم التردد لأن نسير على الطريق الصحيح وننسف النظرية التي تقول إن وضع عنصر نسائي في لعبة ذكورية غير قابل للتطبيق».
كيف تدير امرأة مباراة للرجال؟
إحكام سيطرة المرأة على مجموعة اللاعبين ومدربيهم أمر ليس هيناً، إلا أن الكابتن منى لديها وصفتها السحرية: «سيطرتي في الملعب تعود لشخصيتي وثقتي بنفسي، بمجرد نزولي للملعب أفرض شخصيتي على كل اللاعبين ولا أتردد في قراراتي ولا أسمح لأحدهم أن يفقدني تركيزي».
تقول أول حكم نسائي لمباراة كرة قدم للرجال إنها وجدت بعض المساعدة من اللاعبين والمدربين ومنحوها الاحترام اللازم، لأن هناك لاعبين عندما يجدون أن من يحكم سيدة يكونون أكثر احتراماً ولا يبدون اعتراضهم بشكل غير لائق.
لا يمكن أن تواجه منى عالم كرة القدم وحيدة، فهي تقف أمام الجميع، ومن خلفها الاتحاد الدولي لكرة القدم ولجنة التحكيم، إذ تحصل على الدعم من الجميع دون استثناء، إلا أن ذلك لم يخلُ من بعض المناوشات هنا وهناك، ومن تزمت بعض العقول الرافضة دخول النساء عالم التحكيم، مما أقحمها في العديد من الأزمات مع لجنة التحكيم المصرية ذاتها، ووصل الأمر إلى صناعة ما يمكن وصفه بـ”الشو الإعلامي” لكسب نقاط على حساب دعمهم الكابتن منى ومثيلاتها.
التنسيق بين العائلة والهواية
الكابتن «منى» متزوجة ولديها أطفال وعشقها لعالم كرة القدم لم يمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية، ولم يقلل من دورها كزوجة وأم: «أنا امرأة متزوجة ولحسن حظي زوجي يعمل حكماً في الدوري الممتاز مما سهل مهمة تقبله لمهنتي وعشقي لكرة القدم، نحن نتعاون وننسق كل الأمور تقريباً ونضع أجندة أسبوعية لإدارة المنزل من دون أن تضيع روح المنزل وتنصهر في المستطيل الأخضر».
لا يمكن الاعتماد على التحكيم كمصدر دخل، فهو هواية أكثر منه مهنةً يقتات منها الفرد ويمكّنه دخلها من مواكبة الحياة في مصر، لذا حرص الزوجان على أن يكون لكل منهما مصدر دخل ثابت بعيداً عن التحكيم حتى ينعما بحياة مستقرة وهادئة.
عن الغد
يتسع العالم لأحلام كابتن منى، فهي تحلم بأن تصل إلى مرتبة لم تصلها سيدة من قبل وأن يخلد اسمها ضمن النساء الرائدات اللاتي اقتحمن عالم التحكيم في الدوري الممتاز للرجال وأن يصل صيتها إلى الدوريات الأوروبية: «أحلم بالمشاركة في الدوري الممتاز وأن أكون أول مساعد دولي سيدة بالدوري الممتاز للرجال في مصر أو في الخارج، أرى مستقبلي في المجال الذي أعشقه ولن أحيد عن أهدافي، فما زالت هناك الكثير من الأحلام التي لم تتحقق.
علماً أن النظرة للمرأة تتغير والوضع في مصر يتطور خاصة أن رئيس البلاد يولي اهتماماً خاصاً بالمرأة، وأعتقد أن المرحلة المقبلة ستغير العديد من الثقافات الرافضة لوجود المرأة في عدد من المجالات، لأن المرأة قادرة أن تخوض جميع التجارب من دون خوف».