الأزهر درس لمبارك اللغة العربية وقتما كان يعمل بالقضاء الشرعي بشبين الكوم
والد الرئيس الأسبق كان يعمل «حاجبًا» بالمحكمة التي يترأسها الشيخ جاد الحق
«السيد مبارك» استأجر منزلاً للشيخ بالقرب من بيته كان يمضي به 3 أيام أسبوعيًا
قام بتوفير حمار مجهز لتوصيل الشيخ للمحكمة مقابل 75قرشًا شهريًا
اختاره «مبارك» بعد أن أصبح نائبًا للرئيس مفتيًا للديار تحقيقًا لرغبة والده
رفض طلب مبارك فتوى تحلل فوائد البنوك.. وطرد وزير الصحة والسكان بعد مكالمة مع الرئيس
قد لا يعرف كثير من المصريين، أن الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق كانت تربطه سابق معرفة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في سنوات صباه، حين كان الأول يعمل قاضيًا بمحكمة شبين الكوم، والتي كان يعمل فيها والد الرئيس الأسبق “حاجبًا”.
بل وأكثر من ذلك، فقد أعطى جاد الحق دروسًا لمبارك اللغة العربية أثناء دراسة الأخير بالثانوية، عندما اكتشف ضعف مستواه، وهو ما أهله ذلك للحصول على الثانوية العامة بمجموع أتاح له دخول الكلية الحربية، في أواخر الأربعينات من القرن الماضي.
لكن ذلك لم يمنع شيخ الأزهر الأسبق بعد اختياره للمنصب مع تولي مبارك السلطة في مطلع الثمانينات أن يعبر في غير مناسبة عن معارضته لسياسات مبارك أثناء وجوده السلطة، وهو ما برز مواقف عدة.
تفاصيل العلاقة التي جمعت الشيخ جاد الحق بوالد مبارك لم يتطرق إليها أحد من قبل، وربما كان ذلك مرجعه إلى رفض الرئيس الأسبق الحديث عن أسرته أثناء وجوده السلطة، حتى إنه نهر الإعلامي مفيد فوزي، عندما حاول التطرق إليها في مقابلة تليفزيونية، إبان وجوده في الحكم.
أصل الحكاية كما يرويها الإعلامي تهامي منتصر، والذي عمل مقدمًا للبرامج الدينية في التليفزيون المصري في حقبتي الثمانينات والتسعينات، تعود إلى أثناء عمل الشيخ جاد الحق ورئيسًا لمحكمة القضاء الشرعي بشبين الكوم التي تبعد عن كفر المصيلحة مسقط رأس مبارك بـ 1700متر تقريبًا.
والشيخ جاد الحق مولود بقرية بطرة، التابعة لمركز طلخا بالدقهلية 5 ابريل 1917 ودرس بالأزهر حتى حصل على العالمية من كلية الشريعة بتقدير ممتاز وتم تعيينه وكيلاً للنيابة بالقضاء الشرعي في عام 1946، وترقى حتى أصبح قاضيًا، فرئيس محكمة.
يقول منتصر، إن “الشيخ جاد الحق كان يعمل لمدة ثلاثة أيام بمحكمة شبين الكوم، وهي أيام السبت والأحد والإثنين من كل أسبوع، لكن مع تعذر المواصلات بين المنوفية والقاهرة اقترح عم السيد مبارك والد حسني طالب المرحلة الثانوية حينئذ وكان يعمل حاجبا بدائرة الشيخ جاد بمحكمة شبين الكوم.. استئجار دار مجاورة لداره بالكفر يقضي بها الشيخ أيام العمل الثلاثة من كل أسبوع درءًا لأي تعب أو تأخير”.
وأضاف: “وافق الشيخ وسكن الدار 6سنوات تقريبًا ولمزيد من راحة الشيخ قام السيد مبارك بتوفير حمار مجهز لتوصيل الشيخ للمحكمة مقابل 75قرشًا شهريًا.. يمسك عمي السيد بلجامه من أجل سلامة المستشار القاضي الشيخ جاد الذي بادل عمي السيد حبًا بحب”.
من هنا كانت بداية تعرف الشيخ جاد الحق على مبارك في ذلك الوقت، ولما كان لديه وقت مع طول الليل لاحظ الطالب حسني يحمل كتبه من حين لآخر، فاستدعاه لداره لمساعدته في دروس اللغة العربية ومقرر الشعر والقصة والدين”، “فلاحظ أنه ضعيف جدًا في هذه المواد فعكف علي تدريسها له بطريقة مبسطة أهلته لعبور المرحلة الثانوية بمجموع أهله للكلية الجوية فيما بعد”، كما يقول منتصر في روايته.
واستدرك: “لكن مع إلغاء القضاء الشرعي، عاد الشيخ القاضي للقضاء العام وتدرج في المناصب حتى عمل مستشارًا بالمحكمة العليا للاستئناف في عام 1976، وحتى هذا الوقت أنجز نحو 12مؤلفًا في القضاء تعد مراجع علمية مهمة للدارسين والقضاة”.
وتابع: “في العام 1978 وبعد أن أصبح حسني مبارك نائبًا للرئيس أنور السادات تم اختيار الشيخ جاد الحق مفتيًا للديار المصرية باقتراح من مبارك، بعدما أوصاه والده أن ينظر في أي طلب له وينفذه… ولم يكن للشيخ أي طلب”.
فاقترح مبارك اسم الشيخ جاد لتولي الإفتاء، وعُيِّن مفتيًا للديار المصرية في أغسطس 1978، حتى عين وزيرًا للأوقاف في يناير 1982، وظلَّ به شهورًا قليلة، اختير بعدها شيخًا للأزهر.
يروي منتصر أنه “أثناء شغل الشيخ جاد الحق منصب المفتي نبه بعض مستشاري الرئيس (مبارك) إلى فتوى ترفع الحرج بشأن أرباح البنوك ليودع المصريون مدخراتهم فيها.. فثار الشيخ وقال للرئيس: مش أنا اللي بحلل وحرم… اللي يحلل ويحرم رب العزة.. لا يا سيادة الرئيس مش كده… فضحك مبارك وحول الأمر مزحة فقال: دانا بهزر ي امولانا.. فقال الشيخ: الدين مفيهوش هزار ياسيادة الرئيس. وأحمر وجه مبارك خجلاً من الشيخ”.
وعين الشيخ جاد الحق في يناير 1982 وزيرًا للأوقاف وبعد شهرين ونصف توفي الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر، فوجه مبارك بتعيينه خلفًا له في 17مارس 1982، “على خلاف المعتاد أن يكون الشيخ من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية أو المجلس الأعلى للأزهر أو أساتذة الجامعة …ولكن تاريخ الشيخ جاد القضائي والعلمي حال دون اعتراض العلماء خاصة وأن الشيخ محمد متولي الشعراوي اعتذر عن المشيخة وأشاد باختيار الشيخ جاد شيخًا للأزهر فأجهضت شهادة كل احتمال للاعتراض”، وفق رواية منتصر.
ومما يرويه الإعلامي المقرب من دائرة شيخ الأزهر وقتها، أنه “في العام 1992 استجاب مبارك لضغوط الأمريكان باستضافة مؤتمر السكان وفي بنوده ما يمس ثوابت العقيدة الإسلامية والأخلاق والقيم خاصة إباحة الشذوذ وزواج المثليين وتجريم ختان البنات، واعتبار ممارسة الجنس بعد 18سنة حرية شخصية يحبس ولي الأمر حال اعتراضه”.
وكشف منتصر أنه “قبيل بدء المؤتمر بساعات، حضر الدكتور ماهر مهران وزير الصحة والسكان إلى مقر مشيخة الأزهر، حيث التقى الشيخ جاد الحق، وسلم عليه، وأبلغه تحيات الرئيس مبارك والسيدة حرمه ثم أردف قائلاً: ويود السيد الرئيس أن يصدر الأزهر بيانًا يرحب ويدعم المؤتمر”.
وأردف: “نظر إليه الشيخ مرتابًا وأمسك بالتلفون يطلب الرئيس.. فرد زكريا عزمي (رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقتها): أهلا يا مولانا.. أؤمر: من فضلك يا دكتور اكلم الرئيس لأمر هام، حاضر 4دقائق يكون مع فضيلتك”.
وقال إنه خلال تلك المكالمة توجه شيخ الأزهر إلى الرئيس قائلاً: “السلام عليكم سيادة الرئيس.. أشكرك علي تحيتك أبلغني معالي وزير الصحة أن سيادتك عايز بيان تأييد من الأزهر لمؤتمر السكان.. فاستشعر مبارك غضب الشيخ فسبق وقال: يا فضلية الإمام أنا لم أكلف ماهر مهران ولا غيره ولا قابلته من الأصل ولم أطلب بيانًا من الأزهر.. غير صحيح… فتعمد الشيخ أن يرفع صوته ويشكر الرئيس على موقفه.. هذا عهدنا بك يا سيادة الرئيس لا تتدخل في شئون الأزهر شكرًا لسيادتك”.
واستطرد منتصر في روايته متحدثًا عن تفاصيل ما جرد داخل مكتب شيخ الأزهر بين الشيخ جاد الحق ووزير الصحة، بعد انتهاء المكالمة الهاتفية مع الرئيس، قائلاً: “أصفر وجه الوزير وسقط الكرسي من تحته.. فوقف الشيخ وقال له: شرفت يا معالي الوزير مع السلامة.. ولم يتحرك عن كرسي مكتبه خطوة واحدة.. فخرج الوزير مطأطئ الرأس خزيانًا”.
وفي اليوم التالي أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC ) عن مظاهرة ومسيرة للشواذ العراة بالقاهرة من أمام نادي السكة الحديد وحتى نصب الجندي المجهول مرورًا بجامعة الأزهر بمدينة نصر، الأمر الذي أثار غضب شيخ الأزهر.
يقول منتصر: “عاد الشيخ إلى مكتبه بالمشيخة القديمة (بالدراسة) والدم يغلي في عروقه، وأمسك بالتليفون وطلب مكتب الرئيس فرد عليه زكريا عزمي.. فقال الشيخ: يا دكتور ورقة وقلم من فضلك واكتب نص استقالتي من المشيخة فورًا وسلمها للسيد الرئيس سأخرج ولن أعود.. تفهم عزمي غضب الشيخ، وأبلغ الرئيس فأمر بمنع المسيرة. وضبط من يتواجد هناك وإحالتهم للتحقيق فورًا”.
وعلق منتصر على ذلك بقوله: “أجهض الشيخ ألاعيب الأمريكان والصهاينة واسقط مؤتمرهم الذي لو نجح في مصر لسقطت ورقة التوت عن العالم العربي والإسلامي وفقدنا كل شيم المروءة والعفة والأخلاق”.
وتوفي الشيخ جاد الحق في 15مارس 1996 إثر أزمة قلبية دهمته، “بعد أن صعد 5 أدوار حتى يصل لشقته المتواضعة وهو ما كان يفعله كل يوم بعد أن رفض تجهيز مصعد له على نفقة الدولة… قائلاً مالي والمال العام بيني وبينه ربنا”، وفق رواية الإعلامي الأزهري.