قال الكاتب والسيناريست بلال فضل إن هناك كذبة تاريخية ، يتم تداولها من قبل الإخوان المسلمين في مواجهة نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وأضاف فضل من خلال برنامجه ” عصير الكتب” الذي يبث عبر التليفزيون العربي إن الكذبة تم نشرها علي نطاق واسع في أكتوبر 2013 من قبل “هيثم أبو زيد” عضو سابق في الإخوان المسلمين ، ولكن تم تناسيها ، لكن يحاول إعادة توظيفها وانتشارها كنوع من الصراع مع الاستبداد.
وأوضح علي لسان أبو زيد الذي بدوره أكد في هذه الوثيقة أنه كانت للشيخ محمد الغزالي في نفسه مكانة كبيرة، وكان حريصا على اقتناء كتبه وقراءتها، حتى جمعتها كلها، إلا كتابا واحدا سماه الشيخ “قذائف الحق”، عرفت أنه ممنوع، وكالعادة تسبب المنع في زيادة رغبتي في الكتاب، وحرصي على قراءته، إلى أن أهداه إلي أحد الأصدقاء عام 2002.
وأكد أبو زيد في وثيقته الذي نشرها فضل أن أكثر ما شدني في الكتاب، وأنا حينئذ عضو بجماعة الإخوان، أن تلك “الوثيقة” التي قال الشيخ إن الأجهزة الأمنية والمخابراتية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وضعتها كخطة للقضاء على جماعة الإخوان، واستئصال وجودها، وتضمنت خطوات شديدة القسوة، تتجاوز محاربة الإخوان تنظيميا وفكريا إلى محاربة الدين الإسلامي، والمتدينين من غير الإخوان.
وتابع قائلا : وكان مما ورد في مقترحات الوثيقة، محو فكرة ارتباط الإسلام بالسياسة، والإبادة المادية والمعنوية لمعتنقي هذه الفكرة، وإبراز مفاسد الخلافة العثمانية، والتحري عن كتب ونشرات الإخوان في كل مكان ومصادرتها وإعدامها، وتحريم قبول الإخوان وأقاربهم حتى الدرجة الثالثة في السلك العسكري أو البوليسي، أو السياسي، وسرعة عزل الموجودين منهم في هذه الأماكن، والعمل على إفقاد أعضاء التنظيم ثقتهم في زملائهم بإجبار بعضهم على كتابة تقارير عن الآخرين.
وشددت الوثيقة أيضا علي ضرورة التضييق على المتدينين في المجالات العلمية، وعدم إظهار تفوقهم، وعزلهم عن أي عمل جماهيري أو شعبي، وتشويش الفكرة الشائعة عن الإخوان في حرب فلسطين، وإبراز مسألة اتصال الهضيبي بالإنجليز، وإدخال الإخوان المنتمين للتنظيم في متاعب تبدأ بمصادرة أموالهم، واعتقالهم، مع استعمال أشد أنواع الإهانة والتعذيب، وتنتهي بإعدام كل من يبرز بينهم كداعية، أو يظهر أي صلابة داخل السجون.
وقد وقع على الوثيقة، بعد عشرة اجتماعات كل من رئيس مجلس الوزراء، وقائد المخابرات، ورئيس المباحث الجنائية والعسكرية، ومدير المباحث العامة، والسيد شمس بدران، ثم وقع عليها بالاعتماد والموافقة الرئيس جمال عبد الناصر.
وأوضح أبو زيد في روايته الوثائقية أن هذه الخطة تركت أثرها في نفسي، فهي تؤكد مدى وحشية وإرهاب النظام الناصري، وعدائه للدين وللمتدينين، لكن لم يأت منتصف عام 2005 إلا وأنا مستقيل من جماعة الإخوان، كي أنضم لحزب الوسط، باعتباره ممثلا للمشروع الحضاري الإسلامي، وللفكر الوسطي المستنير.
وأشار إلي أن أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط ونائبه عصام سلطان، عرضا علىّ أن أكون من بين الهيئة العليا للحزب ، و لم تمر أشهر حتى طلب مني أبو العلا أن أنتقل إلى القاهرة، لأكون المدير التنفيذي للحزب، ولأساهم في عملية تأسيسه وبنائه.
وتابع أبو زيد في سرد روايته : أنه في نهار من شهر يونيو 2008، كنت جالسا على مكتبي بمقر حزب الوسط بشارع قصر العيني، بينما أغلق أبو العلا ماضي باب مكتبه عليه وقد استقبل ضيفا لا أعرفه، وطالت الزيارة، ثم خرج الضيف، وودعه أبو العلا عند الباب، ثم عاد سريعا وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة كبيرة، مشيرا بيده قائلا: تعال بسرعة، حيث ذهبت إليه، وأغلق الباب، ثم خاطبني قائلا: “قنبلة” ، قلت ما الخبر؟
وكانت المفاجأة أنه أجابه ماضي : هل أتعلم من كان يزورني؟ إنه المهندس مراد جميل الزيات، من قيادات نقابة المهندسين، وأحد الإخوان المتفتحين، وله انتقادات على أداء قيادات الإخوان، وكان مسجونا في عهد عبد الناصر، وخرج ضمن من خرج في السبعينات.
ولم يمهلني ماضي لأستفسر عن “القنبلة” فواصل قائلا: لقد أخبرني المهندس مراد بقصة خطيرة، فبعد الإفراج عنه في السبعينات، سافر إلى أوروبا، والتقى القيادي الإخواني “يوسف ندا”، وظل يحكي له ما عاناه الإخوان في السجون، ثم ذكر لندا ما نشره الشيخ الغزالي في كتاب قذائف الحق عن “الوثيقة” التي أعدتها المخابرات واعتمدها عبد الناصر للقضاء على الإخوان، فإذا بيوسف ندا يضحك حتى استلقى على ظهره، فخاطبه الزيات متعجبا: لم الضحك يا أخ يوسف؟ فأجابه ندا فورا، لأنني أنا من وضع هذه الوثيقة، لتشويه نظام الحكم الناصري، فتساءل الزيات: لكن هذه فبركة.. فأجابه ندا بثقة: “الحرب خدعة”.
وأضاف أبو زيد أنني أصابني الذهول، وقد كنت أعلم أن الإخوان يبالغون، وأحيانا يكذبون، لكن لم يخطر ببالي ، أن يصل الأمر للاختلاق الكامل، وتأليف الأوهام والافتراءات، وقد رأيت حينها أن رواية الزيات لا تكفي للاعتماد عليها، فربما كان هناك أي ثغرة أو خطأ في النقل، بل ربما كان “يوسف ندا” يمزح، حتى ولو كان هذا الاحتمال ضئيلا، لذا قلت لأبو العلا إنه لا داعي لاستخدام هذه القصة، مالم يتوفر لها قدر أكبر من الثبوت، لكن ماضي رأى أن من الضروري إظهار الأكاذيب.
وأظهر الفيديو من خلال سرد الوثيقة أنه أبو زيد التقي الدكتور محمد سليم العوا، في محاضرة ألقاها في جمعية مصر للثقافة والحوار، بمكتبه القديم، وكعادة دائمة، كانت قيادات حزب الوسط تلتقي بالعوا بعد انصراف الجمهور، وتدور أحاديث، وتنقل معلومات.
وتابع قائلا: وفي هذا اليوم، انصرف الجمهور، بينما وقف العوا للكلام والدردشة مع مجموعة من قيادات الحزب، حيث أراد أبو العلا ماضي أن ينقل له تلك القصة الخطيرة التي سمعها من مراد الزيات عن وثيقة ندا.
وأشار إلي أننا كنا خمسة من قيادات الوسط هم : ” المهندس أبو العلا ماضي وكيل المؤسسين، والدكتور صلاح عبدالكريم، أستاذ هندسة الطيران بجامعة القاهرة، وعضو الهيئة العليا للحزب، والمهندس حسام خلف، عضو الهيئة العليا وزوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، والأستاذ محمد الطناوي، مسئول الموقع الإلكتروني للحزب، وكاتب هذه السطور” ، فبدأ أبو العلا بمحادثة الدكتور العوا بما سمع من مراد الزيات ، فإذا بالعوا يقاطعه قائلا .. نعم، هذه رواية حقيقية، وأنا أعلم بها من نحو أربعين سنة !!.
وسرد العوا بقية المفاجأة،بقوله: إن “الوثيقة” الأصلية التي كتبها يوسف ندا، موجودة عنده في مكتبته، وأنه مكث هو والأستاذ حسن العشماوي، ليلة كاملة بمكتب الأخير بالكويت، يجهزون الرد الفقهي والشرعي بالأسانيد على يوسف ندا، والتأكيد على أن الافتراء والفبركة لا تجوز بأي حال من الأحوال.
واختتم أبو زيد روايته الوثائقية أننا أصبنا أنا والمهندس أبو العلا بالذهول ، والذي أكد بدوره ضرورة كشف ونشر هذه الأكاذيب ، لكن مجيء ثورة يناير وانشغال القوي السياسية بنظام مبارك أدخلت الوثيقة كهوف النسيان.