شاب بدون يدين وقدمين يعمل ماسح أحذية بجوار القصر الجمهورى
معاق بشلل الأطفال يعمل سائق توك توك.. شاب بدون أصابع يعمل “عجلاتي”
اشتهر فى الفترة الأخيرة اسم “الأسطورة” على بعض لاعبى كرة القدم والفنانين، إلا أن هناك الكثير من الشباب الذين تحدوا إعاقتهم وفضلوا العمل فى أعمال شاقة بدلاً من التسول هؤلاء هم من يجب أن يطلق عليهم اسم “الأسطورة”.
ففى الوقت الذى يعانى فيه الشباب من البطالة نجد بعض الشباب المعاقين يعملون فى مهن مختلفة، رافضين التسول أو أن يكونوا عالة على أحد مثلما نجد الكثير من الأصحاء الذين يتسولون ليل نهار فى الشوارع ووسائل المواصلات، الذين أصبحوا يتخذون التسول مهنة لهم نتيجة الربح الذى يجنونه من المواطنين، رافضين العمل بأيديهم مثل المعاقين، الذين رفضوا التسول وفضلوا العمل الشاق؛ ليثبتوا أن الإعاقة هى إعاقة فكر وليست جسد.
فيوجد فى مصر بعض الشباب لم تمنعهم الإعاقة من العمل بحثاً عن لقمة العيش، فصار النجاح حليفهم, فهم أصحاب إرادة وإصرار، اختاروا أن يقضوا حياتهم مثلهم مثل البشر الطبيعيين، رغم أن الله خلقهم مصابين بإعاقة فى إحدى حواسهم، وقد تكون أغلب حواسهم مصابة، ولكن هذا لم يعيقهم عن الوصول إلى أحلامهم وتحقيق النجاح، فإن أخذ الله منهم شيئًا فقد أعطاهم ما هو أهم ليساعدهم فى إحراز أهدافهم، تحدوا الإعاقة فصارت أسماؤهم تلمع كالنجوم فى السماء.
وفى إطار ذلك رصدت “المصريون” بعض الشباب المعاقين الذين تحدوا إعاقتهم ورفضوا التسول فى الشارع مثل غيرهم من الشباب الأصحاء.
معاق فى اليدين والقدمين ويعمل “ماسح أحذية”
فى البداية، يقول محمد رشدى راشد، ماسح أحذية بمنطقة كوبرى القبة بجوار قصر القبة الجمهورى والمولود بمركز مغاغة محافظة المنيا، ويبلغ من العمر 35 عاما: “أعانى من أكثر من إعاقة فى اليدين والقدمين منذ الولادة، وقد أتيت إلى القاهرة لأن بلدى ومدينتى لا يوجد بها عمل، وعملت فى أكثر من مهنة حتى لا أمد يدى إلى أحد، وأردت أن آكل وأشرب من عمل يدي، فقد عملت فى بداية الأمر بائع مناديل، ثم بعد ذلك عملت على فرش لبيع الليمون، ولكننى خسرت فى البيع والشراء ثم أخذنى أحد أصدقائى وعلمنى أمسح أحذية حتى استقررت فى هذا المكان تحت كوبرى القبة”.
وتابع محمد أنه بعد أن ترك شقته التى كان يسكن بها أصبح ينام فى الشارع، موضحا أنه فى فصل الصيف بأكمله ينام فى مكان تحت الكوبرى ويقضى حاجته فى مكان قريب من موقف كوبرى القبة، وهو عبارة عن “حمام عام فى الشارع”، مشيرا إلى أنه لا يوجد له قريب أو أخ فى القاهرة فهو يقوم على خدمة نفسه بنفسه من غسيل ملابسه وتجهيز أكله وكل مستلزمات حياته.
وقال محمد، إنه يعانى من مشاكل كثيرة فى الحياة؛ أهمها المسكن فلا توجد لدى شقة حتى الآن، موضحا أنه عندما أتى إلى القاهرة كان يسكن فى شقة إيجار وكان إيجارها 800 جنيه، بجانب وصولات المياه والكهرباء واضطر بعد ذلك إلى تركها لعدم مقدرته على دفع كل تلك المصاريف.
وتابع محمد، وتكاد عيناه أن تدمع: أنا نفسى أتجوز مثل أى شاب وحاولت وتقدمت إلى فتاة وقبلت بى رغم ظروفى ولكن كانت العقبة الوحيدة التى قابلتنى بعد ذلك هى الشقة التى سنسكن بها، فوالد الفتاة رفض الزواج بعد ذلك لعدم وجود شقة لدى وقال لي: “أنا مش هبهدل بنتى من شقة لشقة وأنت لا يوجد لديك أى شيء”.
وأوضح الشاب المتحدى للإعاقة، أنه رفض ألتسول وأن يمد يده وهو لديه القدرة على العمل حتى لا يكون مثل الكثير من الأصحاء وغير المحتاجين الذين نراهم فى العديد من المواصلات والشوارع الذين اتخذوا التسول مهنة لهم.
وقال محمد: “قررت العمل واشتريت صندوق مسح أحذية من مجهودي، ولكن لا أحد يتركنى فى حالى حتى كرهت هذه المهنة، فالكثير من المواطنين ينظرون إلى نظرة المتسول، رغم أنى لم أطلب منهم شيئا، ولكنها أصبحت مصدر رزقى لمواجهة صعوبة الحياة، وهناك أشخاص يعاملوننى على أننى مجتهد وهناك أشخاص عرضوا على أن أترك هذه المهنة ويأخذونى عندهم يرعونى ولكنى رفضت أن أكون عالة على أحد، موضحا أنه لو “هيموت من الجوع” مستحيل يكون عالة على أحد أو يمد يده فى الشارع.
وطالب محمد، مسئولى الحى بأن يتركوه فى حاله “يأكل عيش”، موضحا أن هناك رؤساء أحياء لا يراعون ظروفه، وعندما تأتى حملة لإزالة الإشغالات من الحى يأخذون صندوق مسح الأحذية مني، وهو مصدر رزقي، ومنهم من يتركنى مراعاة لظروفي.
“عبد العال” أشهر عجلاتى بدون أصابع بسوهاج
من جانبه، قال عبد العال عبد اللاه، من قرية شطورة مركز طهطا محافظة سوهاج، وهو شاب معاق بدون أصابع: “أعمل فى مهنة العجلاتى من 15 سنة، وقد تعلمت المهنة فى البداية فى منزلى ثم فكرت أن أجرب وافتح محل عجلاتى وفتحت محلا بسيطا يناسب ظروفى المادية والزبائن تجاوبت معى وشغلى أعجبهم، بالإضافة إلى طريقتى فى المعاملة معهم”.
وقال عبد العال، إنه لجأ إلى العمل “كعجلاتي” بعد موت والده وهو فى الصف السادس الابتدائي، موضحاً أنه تعلم هذه المهنة من أخيه الأكبر لكى تكون له سندا حتى يتمكن من مواجهة الحياة, موضحًا أنه كانت لديه إرادة على العمل والكفاح حتى لا يكون عالة على أحد من إخوته أو غيرهم.
وتابع عبد العال، أنه مع مرور الوقت فتح “ورشة صغيرة” خاص به فى البيت الذى يسكن فيه، موضحاً أنه فى هذا الوقت كان فى 3 إعدادى وكان يأتى من المدرسة وبعد الانتهاء من مذاكرة دروسه يفتح الورشة الخاصة به لكى يصلح “العجل”.
وأشار عبد العال إلى أنه وقت الدراسة كان يغلق الورشة ويذهب إلى الدرس وحصل على الشهادة الثانوية الأزهرية وبعدها التحق بمعهد القراءات.
وأوضح عبدالعال، أنه يعمل أيضا موظفا فى مجلس القرية التى يسكن بها، ولكن يضطر العمل كـ”عجلاتي” ليكون له دخل بجانب راتبه الذى لا يتعدى الـ 1000 جنيه, مشيرا إلى أنه متزوج منذ عام ونصف.
وتابع عبدالعال: أرفض التسول وأفضل العمل حتى لا ينظر إلى أحد نظرة ليست فى محلها، مع أنى لا أرد سائلا يمد يده إلى حتى إن كان شابا لا يعانى من أى شيء, لأن لا أحد يعرف ظروف الآخر، موضحا أنه أثناء بداية عمله كـ”عجلاتي” كان هناك من يضايقه بنظراته وهناك من كان يستغرب من “كيف أعمل وأمسك بعدة الشغل لإصلاح العجل وأصابعى مقطوعة”.
وأكد عبد العال، أنه فى بداية الأمر كانت هناك أشياء كثيرة لا أقدر أن أعملها ولكن مع مرور الوقت تعلمتها حتى أصبحت أشهر عجلاتى فى القرية كشاب بدون أصابع يقوم بتصليح العجل.
وقال عبدالعال إن المعيشة فى الوقت الحالى أصبحت تختلف عما كانت من قبل، وأصبحت كل السلع فى غلاء، خاصة أن هناك مصاريف أخرى غير الأكل والشرب، مطالبا الحكومة بأن توفر دخلا خاصا للمعوقين غير القادرين على العمل.
واختتم عبد العال حديثه قائلاً: نفسى أعمل ورشة كبيرة ويكون بداخلها بضاعة ويكون بداخلها “كومبروسر” لنفخ الهواء بدلاً من “الكباس” وأن توفر الحكومة شقة لنا كمعاقين.
معاق ويعمل سائق “توك توك”
فى سياق آخر، قال طه عبدالرحمن، يعانى من شلل الأطفال ويبلغ من العمر 30 عاما، ويقيم فى سوهاج، إنه يعانى من إعاقة شلل الأطفال منذ صغره وهو حاصل على دبلوم تجارة سنة 2010 ويعمل سائق توك توك، حتى لا يقال عنه إنه عاطل أو يريد أن يعيش عالة على أسرته.
وقال طه: “بعد حصولى على شهادة الدبلوم قررت أن أسافر إلى القاهرة وأبحث عن عمل حتى أتمكن من الاعتماد على نفسي، رغم اعتراض أهلي، الذين أكدوا لى أنهم سيتولون مصاريفي، ولكنى رفضت، وعندما أتيت إلى القاهرة ذهبت إلى المحلات لكى أسأل عن عمل حتى عملت فى محل “أحذية” مقابل 1000 جنيه، وكنت أعمل 8 ساعات لمدة قاربت من سنة، ثم تركت المحل وعملت فى محل “سنترال” ثم بعد ذلك عملت فى شركة، وكنت أعمل فى الحسابات حتى تمت تصفيتنا، ثم عملت فى مغسلة سيارات وكانت بالنسبة لى عملا شاقا ثم قررت أن أعود إلى بلدى سوهاج، وأستقر فقررت أن أشترى “توك توك” فى 2012 واعمل عليه كسائق.
وأشار طه إلى أنه اشترى التوك توك الذى ما يزال معه حتى الآن من خلال الأموال التى عمل بها فى القاهرة، موضحا أنه عزم على ألا يقبل أى مساعدة من أهله والاعتماد على نفسه، فقد تزوج من ماله الخاص دون مساعدة أحد له.
وطالب طه، المسئولين بضرورة مراقبة الأسعار والسلع الغذائية لأن المتضرر من ارتفاع الأسعار هو المواطن البسيط، لأن الأسعار أصبحت مرتفعة جدا، خاصة قطع الغيار المستوردة الخاصة بالمركبات والدرجات البخارية.